محاكمة ترامب: "أدرينالين" الانتخابات الأمريكية

محاكمة ترامب: "أدرينالين" الانتخابات الأمريكية

محاكمة ترامب: "أدرينالين" الانتخابات الأمريكية


12/04/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

أفضل سببٍ لاستدعاء دونالد ترامب إلى المُحاكمة في نيويورك، أنّه مذنب. ومن المحتمل أن تتّفق هيئة المحلّفين على ذلك، وقد يذهب بهدوءٍ إلى السّجن، وبالتالي لا يتمكّن من العودة إلى البيت الأبيض، إذا كان له أن يُنتَخب. هذا سببٌ وجيه، ولكنّه ليس حَكيماً.

العدالة الأمريكيّة ليست سياسيّة ولكن يمكن تَسييسها إلى حدّ كبير. ولن نعرف إلّا بعد ظهيرة يوم الثّلاثاء طبيعة الاتّهامات الموجّهة إلى ترامب بالضّبط، لكن يعتقد الكثيرون أنّه سيواجه اتّهامات بإخفاءٍ كاذبٍ لـ«أموال دُفعت لشراء صمت» ممثّلة الأفلام الإباحيّة السّابقة ستورمي دانيلز. رفعَ القضيّة المدّعي الدّيمقراطيّ المُنتخَب ألفين براغ. وهي تأتي بعد أكثر من ستة أعوام من وقوع الجريمة المزعومة، وفي بداية حملة ترامب لكسب ترشيح الحزب الجمهوريّ لانتخابات الرّئاسة المزمع عقدها في عام 2024. على أقلّ تقدير، لا يبدو هذا تصادفيّاً.

كان معظم المراقبين قد توصّلوا إلى وجهة نظر مفادها أنّ ترامب السّياسيّ قد أفل نجمه. فتجمّعاته صارت مُتعَبة وخطاباته أصبحت متمعّجة. أيضاً، بزغ مرشّحون جمهوريّون آخرون في الأفق، لا سيما رون ديسانتس من فلوريدا ونائب الرّئيس السّابق مايك بنس، وكلاهما كان قد انتقدَ ترامب علناً لرفضه التّنازل عن انتخابات 2020. ومن المؤكّد أنّ التّقارير المستمرّة عن العديد من المخالفات التي ارتكبها ستدفع الجمهوريّين إلى قبول أنّ أيّامه قد ولّت.

في الطريق إلى السجن

يشير التّحليل القانونيّ لقضيّة هذا الأسبوع ضدّ ترامب إلى وجود عقبات خطيرة في طريق دخوله السّجن. أستاذ القانون والمدّعي العام السّابق جيفري بيلين أشار إلى أنّ تزوير دفاتر الحسابات يمكن أن يكون له العديد من العوامل المخفِّفة. وأيّ قاضٍ وهيئة محلّفين، حتّى في نيويورك، على دراية بالمخاطر السّياسيّة لسجن رئيس سابق، ليس أقلّها بالنّسبة إلى جرائم أقلّ فظاعة في الظّاهر من تلك التي عُذِر الرّئيس نيكسون عنها. لكن إذا حوكم ترامب بتهمة التّدخّل في انتخابات ولاية جورجيا أو التّحريض على الهجوم الشَغَبيّ على مبنى الكابيتول، فقد يكون الأمر مختلفاً. لكنّ الجمهوريّين يجدون صعوبة في الاختلاف مع ادّعاء ترامب بأنّ قضيّة نيويورك هي شكل من أشكال «مطاردة السّاحرات» وترقى إلى «الاضطهاد السّياسيّ والتّدخّل الانتخابيّ».

أنصار دونالد ترامب يحاصرون منزل مارالاغو بعد لائحة الاتهام

في غضون ذلك، تعامل فريق ترامب مع لائحة الاتهام على أنّها أفضل دفعة من الأدرينالين يمكن أن يطلبها شعبويّ. لقد منحتهم منصّة، وعدوّاً، وقضيّة. حتّى إنّهم صمّموا قمصاناً عليها صور لترامب تُشبه صور الموقوفين الجنائيّين. ربما يكون إيمان الحزب الجمهوريّ ببطله قد تضاءل، ولكن، الآن، تعيّن على بنس وديسانتس إعلان المحاكمة «شائنة» و«غير أمريكيّة»، بينما اصطفّ قادة الحزب في الكونغرس لشجب «الظّلم». وهذا يشمل أولئك الذين عارضوا صراحةً تحدّي ترامب لهزيمته في عام 2020.

57 % من الجمهوريّين يؤيّدون ترامب

لقد برّر الرأي العامّ هذا المجيء الثّاني. وتشير شركة الأبحاث «يوغوف» إلى أنّ 57 في المائة من الجمهوريّين يؤيّدون ترامب، مقابل تأييد 31 في المائة فقط لديسانتس. وتقدّم ترامب بأربع نقاط في استطلاع للرّأي أجرته «هارفارد/سي أي بي إس هاريس» حتّى على بايدن. وما يَقرب من ثُلث النّاخبين الأمريكيّين الذين كانوا موالين له يتّفقون الآن مع ديسانتس: «لقد [سلّح] الحزب الديمقراطيّ النّظام القانونيّ لدفع أجندة سياسيّة». وكما قالت امرأة مُحافظة من الجنوب بابتسامة عندما سُئلت عمّا إذا كانت ستواصل دعم ترامب بعد فضيحة ستورمي دانيلز: «كلنا خطّاؤون، أليس كذلك؟».

تعامل فريق ترامب مع لائحة الاتهام على أنّها أفضل دفعة من الأدرينالين يمكن أن يطلبها شعبويّ. لقد منحتهم منصّة، وعدوّاً، وقضيّة. حتّى إنّهم صمّموا قمصاناً عليها صور لترامب

لقد بُنيت جاذبية ترامب السّياسيّة على تقديم ثقة صخّابة بالنّفس دفاعاً عن الجماهير المُحتشدة في «وسط أمريكا» ضدّ ما يسمّى بالنّخب الليبراليّة في نيويورك وواشنطن. فهو يُقارِن «الأمريكيّين العاديّين» باليساريّين الحاصلين على تعليم جامعيّ، والمدفوعين بوسائل الإعلام، والمهووسين بالظّلم العرقيّ والجندريّ في السّاحل الشّرقيّ وضمن الحكومة الكبيرة. يصيح: «أنا محاربكم. أنا مُنصفكم». يُقال إنّ «هُم» غير واضحة التّحديد سَرقت الانتخابات الرّئاسيّة لعام 2020 وتنوي سرقة الانتخابات التّالية. وبالنّسبة إلى ترامب، فإنّ محاكمته «خرجت مباشرة من مسلسل الرّعب الرّوسيّ الستالينيّ».

18 شهراً من الخبث السياسيّ

الآن، يأمل الدّيموقراطيّون بلا شكّ في أن يتمكّنوا من إلحاق الضّرر به على مسرح قانونيّ رفيع المستوى كما لم يفعلوا أمام محكمة الرّأي العامّ. ويجب أن تتمثّل الاستراتيجية في رؤيته يستغلّ المحاكمة بشكل كافٍ للتّخلّص من ديسانتس، الذي يُحتمل أن يكون أكثر قابليّة للانتخاب، ولكن ليس بما يكفي للفوز بسباق ثان ضدّ جو بايدن. بعبارة أخرى، فهم يتّكلون على 18 شهراً من الخبث السّياسيّ المُشخصَن، بينما يعاني العالم الخارجيّ من الرّعب المزدوج لحروب التّجارة العالميّة والصّراع المتصاعد في أوكرانيا.

أنصار ترامب يتجمعون في بالم بيتش بولاية فلوريدا

إنّ الرّسالة الصحية الوحيدة لليبراليّين من جميع الأطياف هي أنّه من الخطر في أيّ ديمقراطيّة المسارعة إلى رفض أعداد كبيرة ممّن يختلفون معهم. فهؤلاء سوف يرعون مظالمهم، التي لا يُصغي إليها أحد، في المناطق الرّيفيّة البعيدة عن العاصمة حتّى يجدوا، عاجلاً أم آجلاً، من يتعاطف معهم ويصغي إليهم.

قالت امرأة مُحافظة من الجنوب بابتسامة عندما سُئلت عمّا إذا كانت ستواصل دعم ترامب بعد فضيحة ممثلة الأفلام الإباحية السابقة ستورمي دانيلز: "كلنا خطّاؤون، أليس كذلك؟"

هذا ينطبق على أوروبا بقدر ما ينطبق على الولايات المتّحدة. وكما أشار خبير الانتخابات ماثيو غودوين، إذا كان لحزب العمّال البريطانيّ أن يحتفظ بقيادته، فعليه أن يحذر من أن تستولي عليه مجموعات مثل تلك التي يسخر منها ترامب: الخرّيجون الموظّفون في الحكومة والموجّهون نحو العاصمة. لقد جعلوا الأمر «أسهل على نايجل فاراج، وأنصار «البريكست»، ثمّ بوريس للتّحدّث بصوت عالٍ وواضح عن رغبتهم الغريزيّة في سياسة أكثر مجتمعيّة تضع الأمّة أوّلاً». لم تختف هذه السياسات ولا تزال تمثّل أكبر تهديد لزعيم حزب العمّال لكير ستارمر. لا يحتاج إلى الاتّفاق مع هؤلاء، ولكن يجب أن يصغي إليهم.

من الواضح أنّ عدداً كبيراً من الأمريكيّين يُحبّ دونالد ترامب ويثق به. ويبدو أنّهم يثقون به أكثر ممّا يثقون في قاضٍ من نيويورك. وهذا مُقلِق. ويعرّض ذلك ليس فقط الولايات المتّحدة، ولكنّ المجتمع السّياسيّ الغربيّ بأسره، إلى أزمة محتملة في القيادة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

سيمون جنكينز، الغارديان، 3 نيسان (أبريل) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية