محاسبة وزراء (النهضة)... العشرية السوداء وفساد الإخوان في تونس

محاسبة وزراء (النهضة)... العشرية السوداء وفساد الإخوان في تونس

محاسبة وزراء (النهضة)... العشرية السوداء وفساد الإخوان في تونس


20/03/2024

يواصل الرئيس التونسي قيس سعيّد فتح ملفات الفساد، بينما يضع يده على مسار العدالة السياسية وحتى الجنائية في فترة ما عُرف بـ "العشرية السوداء" لحكم حركة )النهضة( "فرع إخوان تونس"، حيث يلاحق الشخصيات المتورطة في قضايا بعضها يتصل بالفساد المالي، كما يقوم بتوقيف آخرين على صلة بأحداث عنف وإرهاب. 

وإلى جانب المحاكمات الجارية بشأن اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، فإنّ ملفاً آخر ظهر قبل أيام، وارتبط باسم أحد الوزراء السابقين في فترة حكم (النهضة)، وهو مبروك كورشيد الذي تولى منصب وزير أملاك الدولة، كما يرأس أحد الأحزاب التونسية.

العدالة الناجزة

نهاية العام الماضي، كان سعيّد قد أعلن عن بدء تحقيق موسع في قضايا الفساد بالعشرية السوداء، وتحديداً ملف مؤسسة (الكرامة القابضة للأملاك المصادرة). وقال: "ليعلم الشعب التونسي حجم الفساد في هذه المؤسسة، فأحد من كان على رأسها لتحقيق الكرامة المزعومة كان يتمتع بـ (5) سيارات وظيفية، فضلاً عن مقتطعات الوقود المتعلقة بها بكمية جملية قدرها (1500) لتر شهرياً، وأحد القضاة المتعاقدين الذي تم انتدابه كان يتقاضى (462) ألف دينار سنوياً، ومن كان يترأس الكرامة كان يتقاضى في العام الواحد (155) ألفاً و910 دنانير، وأحدهم كان يتقاضى (97) ألفاً و(669) ديناراً، والأجور لا تقلّ عن الـ (100) ألف دينار...، كل هذه الأموال لتحقيق الكرامة".

وفق سعيّد: "إنّها أموال الشعب التونسي، وتم فتح بحث عدلي في الغرض... مليار و(973) مليوناً لفائدة (20) شخصاً في عام واحد، إلى جانب الامتيازات والتجاوزات والتفريط في المؤسسات المصادرة، وما زالوا يصرون إلى اليوم على العبث بمقدرات الشعب التونسي".

الجمعي قاسمي: إنّ فساد وزراء (النهضة) ومسار العشرية السوداء في إهدار المال العام، له إجماع لدى غالبية التونسيين

رغم سحب كورشيد، الصادر بحقه قرار بمنع السفر وفق قرار قضائي، البيان الذي أصدره على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي بشأن وضعه تحت "الإقامة الجبرية"، وذلك "في قضية الأملاك المصادرة لصهر الرئيس الراحل زين العابدين بن علي"، بحسب البيان.

وكان سعيّد قد سبق له التعقيب على ملف الفساد الذي يطاول كورشيد، وقال: "سياسة إفلاس الأملاك المصادرة ثم بيعها بأبخس الأثمان لأشخاص بعينها".

 

ملف آخر ظهر قبل أيام، وارتبط باسم أحد الوزراء السابقين في فترة حكم (النهضة)، وهو مبروك كورشيد الذي تولى منصب وزير أملاك الدولة، كما يرأس أحد الأحزاب التونسية.

 

ويمكن القول إنّه مع قرارات الرئيس التونسي الاستثنائية، التي نجحت في تقويض حركة (النهضة) وقد حاول زعيمها التاريخي راشد الغنوشي أن يجعل البلاد على شفا انقسام حاد، بل في درجة تباين وصدام بين مؤسسات وأجهزة الدولة، بدأ الكشف عن تلاعبات عديدة، منها هذا الكمّ من الفساد المالي. ولم تكن الاستقالات التي أعقبت قرارات سعيّد وبلغت أكثر من (100) استقالة في صفوف الحركة الإسلاموية، سوى تعبير عن أزمة تنظيمية هيكلية محتدمة. ويرى مركز (المستقبل) أنّ إحدى دلالاتها "فساد الغنوشي؛ حيث تتنامى ملفات الفساد المالي المرتبطة بعائلة الغنوشي، خاصّة ابنه معاذ، وصهره رفيق عبد السلام، وهما متهمان بمساعدة الغنوشي على إدارة شركات واجهة، يقودها في العلن شخصيات وهمية، بينما تتم إدارتها فعلياً من قبل معاذ ورفيق، ومن ذلك قناة (الزيتونة) التي تلقت عام 2013 ما يقارب (350) مليون دولار من جهات خارجية .ودفع ذلك الأمر بعض القيادات الكبيرة، مثل عبد الحميد الجلاصي لتقديم استقالته منذ عدة أشهر اعتراضاً على فساد الغنوشي، وسبقه كل من مدير مكتب الغنوشي زبير الشهودي، والمكلف بالعلاقات الخارجية محمد غراد قبل عامين".

وفي شباط (فبراير) الماضي حكمت الدائرة الجناحية المتخصصة في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية في تونس على رئيس حزب حركة (النهضة) راشد الغنوشي وصهره رفيق عبد السلام بوشلاكة بالسجن (3) أعوام.   

الغنوشي على لوائح الاتهام

وقال الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس محمد زيتونة، في تصريح لوكالة (تونس أفريقيا للأنباء): إنّه تمّ إصدار الحكم بالسجن (3) أعوام مع "الإذن بالنفاذ العاجل".

وأضاف زيتونة: "الدائرة الجناحية المتخصصة في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس قضت كذلك اليوم بتخطئة حزب حركة (النهضة) في شخص ممثلها القانوني بخطية مالية تساوي قيمة التمويل الأجنبي المتحصل عليه وقدره (1) مليون و(170) ألفاً و(470) دولاراً أمريكيّاً، أو ما يعادلها بالدينار التونسي، وذلك في خصوص القضية المتعلقة بقبول الحزب المذكور تبرعات من جهة أجنبية في إطار تمويل الحملة الانتخابية".

في حديثه لـ (حفريات) يقول الكاتب والباحث التونسي الجمعي قاسمي: إنّ فساد وزراء (النهضة) ومسار العشرية السوداء في إهدار المال العام، له إجماع لدى غالبية التونسيين، وإنّ فترة حكم حركة النهضة الإسلامية المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، اتسمت بالكثير من مظاهر الفساد الذي استشرى في البلاد بشكل "ممنهج"، ليشمل ليس فقط القطاع المالي، وإنّما غالبية المجالات، وخاصة منها قطاعات الإنتاج.

وحول انعكاسات الفساد على مجمل التوازنات في البلاد، الأمر الذي يُعدّ أحد الأسباب الرئيسية للأزمة المعقدة التي تمر بها البلاد في هذه المرحلة، يقول قاسمي: "من دون شك، كان لا بدّ من التحرك بشكل أو بآخر لفتح ملفات فساد حركة (النهضة)، وتفكيك عناصر السطوة التي مارستها خلال فترة حكمها. وأعتقد أنّ اللجوء إلى القضاء يُعدّ أفضل أسلوب لمعالجة ذلك؛ لسببين اثنين: أوّلهما إعادة الثقة في القضاء الذي عملت حركة (النهضة) على تدمير قواعده، ووظفته لخدمة مشروعها التدميري، والثاني: إعطاء أمل للمواطن بأنّ الدولة بمؤسساتها قادرة على التصدي لتغوّل حركة (النهضة)، وفسادها، هذان العاملان يحتاجان بالتأكيد إلى إرادة سياسية قوية، ويقظة جدية في متابعة مختلف هذه القضايا".

وما نشهده اليوم من مسارات قضائية ضد عدد كبير من رموز هذه الحركة الإخوانية، وخاصة منهم أولئك الذين استلموا في فترات سابقة حقائب وزارية مهمّة، وفق الكاتب والباحث التونسي، ما زال هناك حاجة لتوسيع دائرته ليشمل بالفعل قضايا الفساد المتعددة التي لم تُفتح ملفاتها بعد. ويختتم قائلاً: "العدالة الناجزة وإرجاع حقوق الشعب مطلوبة وملحة. نعم المطلوب البحث عن تلك العدالة الحقيقية التي من شأنها ليس فقط محاسبة من أجرم في حق العباد والبلاد، وإنّما أيضاً تُعيد حقوق الشعب، وتصون البلاد وتحميها. وأعتقد أننا دخلنا في زمن قضائي جدّي لتحقيق ذلك، فالمناخ العام ملائم للوصول إلى نتائج إيجابية، دائماً إن توفرت الإرادة الصلبة، ذلك أنّ حركة النهضة الإسلامية تمر اليوم بأسوأ فترة لها، وهي في أوج ضعفها داخلياً، وخارجياً أيضاً، حيث إنّ الشارع التونسي لم يعد يستجيب لها، كما أنّها أصبحت معزولة إقليمياً ودولياً نتيجة محاصرة نفوذ التنظيم الدولي للإخوان".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية