ما هي سياقات ودلالات اجتماع الفصائل الفلسطينية في موسكو؟

ما هي سياقات ودلالات اجتماع الفصائل الفلسطينية في موسكو؟

ما هي سياقات ودلالات اجتماع الفصائل الفلسطينية في موسكو؟


06/03/2024

لعل الوصف المناسب لاجتماعات الفصائل الفلسطينية الذي انعقد في موسكو بدعوة من القيادة الروسية، أنه مجرد اجتماع بلا دسم، يخلو من القرارات والاتفاق على القواسم الوطنية المشتركة، رغم أن أهوال الحرب في غزة، وعناوينها استمرار القصف الإسرائيلي الوحشي وانتشار المجاعة وتفشي الأوبئة واستمرار خطر تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية ما زال قائماً. وما يتردد عن سيناريوهات ومشاريع حول مستقبل غزة والضفة الغربية يتسارع الحديث عنها ومناقشتها في دوائر صنع القرار دوليا وإقليميا، تستدعي مواقف وإجراءات غير مسبوقة، تتطلب وحدة وطنية فلسطينية أولاً تنهي الانقسام التاريخي، بين فتح وحماس، وهو ما لم يتحقق استناداً لسياقات انعقاده، بما فيها مكان الانعقاد والجهة الداعية له، وهي موسكو وأهدافها من الدعوة، والأطراف المشاركة فيه، وخاصة فتح وحماس، وما تم الاتفاق عليه عبر البيان الختامي للاجتماع
أن تعقد الفصائل الفلسطينية مؤتمراً في موسكو أو اية عاصمة ليس بالأمر الجديد. فقد انعقدت العديد من اللقاءات والحوارات، لا سيما بين فتح وحماس في مكة المكرمة والقاهرة والجزائر وأنقرة وغيرها من العواصم.

لم يشهد مؤتمر موسكو ولم يخرج بأي  جديد مختلف عن بيانات مؤتمرات مصالحة، حتى في أروقته السرية؛ لم ترشح أي تسريبات حول تضييق الفجوات والتناقضات بين فتح وحماس

ورغم أن قضايا الحرب في قطاع غزة، والضفة الغربية، فرضت نفسها على الملف، عبر "المطالبة" بوقف إطلاق النار، ودخول المساعدات "والدعوة" إلى المصالحة والتوافق وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإعادة إعمار غزة، "والتوافق" على التصدي للعدوان الإسرائيلي ولمشروعه تهجير الغزاويين من أرضهم والعمل على فك الحصار عن القطاع، ورفض فصله عن الضفة، الا أنها بقيت في إطار المطالبات والمناشدات والدعوات، التي تضمنتها بيانات فصائلية سابقة منفردة أو جماعية قبل انعقاد المؤتمر.

وعليه فلم يشهد مؤتمر موسكو ولم يخرج بأي  جديد مختلف عن بيانات مؤتمرات مصالحة، حتى في أروقته السرية؛ لم ترشح أي تسريبات حول تضييق الفجوات والتناقضات بين فتح وحماس، ولم تتضمن أية آليات تنفيذية للبدء بخطوات إجرائية أولى لتحقيق الوحدة، ولكي نكون أكثر تحديداً في إلقاء الضوء على المؤتمر نتوقف عند المرجعيات الاستراتيجية لأطراف المؤتمر الثلاثة: موسكو، فتح وحماس.
فمن جانبها؛ فإن روسيا، وبمرجعية إرث سوفياتي، تحافظ على قنوات اتصال دائمة مع غالبية الفصائل الفلسطينية، وتقوم استراتيجيتها تجاه القضية الفلسطينية على أسس: عدم تجاهل أي طرف له ثقله السياسي أو العسكري على الأرض. وأن حل القضية الفلسطينية لا بد أن يفضي إلى حل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية، ومع ذلك فإن موسكو، ومعها الفصائل الفلسطينية، تدرك انها غير قادرة على تغيير الوضع، بدون اتفاق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية الفاعلة لا سيما القاهرة والرياض، كما تدرك أن مستوى تمثيل فتح وحماس في المؤتمر، وغياب محمود عباس وإسماعيل هنية، كان إعلانا لما يمكن أن ينتهي إليه الاجتماع قبل انعقاده، ومع ذلك فإن خطوة موسكو غير معزولة عن إرسال رسالة بحضورها ودورها في الملف الفلسطيني، وهو دور يرتبط بسياقات راهنة تريد استثمار الغضب الفلسطيني والعربي والإسلامي من أمريكا والغرب ودعمهما لإسرائيل، وإظهار روسيا بأنها تقف إلى جانب العرب وقضيتهم الأولى "فلسطين"، وهي رسائل توسعت بها موسكو منذ شنت حربها على أوكرانيا، وتمت ترجمتها من قبل موسكو فقط في إطار جلسات مجلس الامن، وبمرجعية تعرية الغرب وأمريكا وإظهار الدعم الأمريكي لدعم وحشية إسرائيل، وبصورة مماثلة لما تفعله أمريكا باظهار وحشية روسيا في أوكرانيا وسوريا.

حماس رغم إدراكها لحقيقة أنها لن تعود لحكم غزة، بشكل منفرد وليس بإمكانها الاحتفاظ بسلطتها، إلا أنها تبني مقارباتها بمنطق المنتصر، وبمقاييس حجم الضرر الذي لحق بالتنظيم والقيادة فقط


على الجانب الفلسطيني؛ انعقد المؤتمر بمشاركة ثلاثة أطراف، وهي: فتح وحماس ومجموعة فصائل بمرجعيات يسارية منضوية في إطار منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وأوسلو، ولعل الحقيقة الثابتة أن الفجوات عميقة بين فتح وحماس تجاه مقاربات الحكومة الفلسطينية  الجديدة والاعتراف بإسرائيل ومستقبل غزة. غير أن الجديد هو ما فرضته عملية طوفان الأقصى من تداعيات على الجانبين، فعلى مستوى السلطة الفلسطينية، بالإضافة لتطلعها للعودة إلى حكم قطاع غزة مع الضفة الغربية في إطار دولة فلسطينية، إلا أنها تحت ضغوط كبيرة لإحداث تغييرات عميقة في بنيتها ومؤسساتها، وهو ما تحاول مقاومته بإحداث تغييرات شكلية بالأسماء فقط، وفي الوقت نفسه تبني مقارباتها الجديدة على أساس أن حركة حماس تعرضت لهزيمة قد تنهي وجودها العسكري للأبد.

أما حماس؛ فرغم إدراكها لحقيقة أنها لن تعود لحكم غزة، بشكل منفرد وليس بإمكانها الاحتفاظ بسلطتها، إلا أنها تبني مقارباتها بمنطق المنتصر، وبمقاييس حجم الضرر الذي لحق بالتنظيم والقيادة فقط، دون النظر بعين  الاعتبار لأعداد الشهداء وعلى أساس أنها غير مسؤولة عن حماية رعاياها الفلسطينيين في قطاع غزة.
وفي الخلاصة؛ فقد بات مؤكداً أن اتفاقاً فلسطينياً قابلاً للحياة يرتكز على قواسم وطنية مشتركة، تفضي لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، سيبقى مجرد آمال تختلج صدور الفلسطينيين والعرب، إلا أن الحقائق تقول، إضافة للمسافة بين ثنائية "الرغبة والقدرة": إن الوصول لاتفاق بهذا المستوى ما زال بعيداً، بمنظور استحالة التقاء الخطوط المتوازية لأسباب تتجاوز الوضع الفلسطيني بكل تفاصيله، ثم بافتراض أن ظروفاً وسياقات جديدة توفرت لإنجاز اتفاق حقيقي، فمن المؤكد أنه لن يكون عنوانه موسكو.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية