ما الدروس التي "لم" يتعلمها العالم من السابع من أكتوبر؟

ما الدروس التي "لم" يتعلمها العالم من السابع من أكتوبر؟

ما الدروس التي "لم" يتعلمها العالم من السابع من أكتوبر؟


15/01/2024

ترجمة محمد الدخاخني

في أحد أيام الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالين مُنفصلين يصفان ردود الفعل الإسرائيلية والفلسطينية على الحرب المتواصلة، ويرسمان معاً صورة مزعجة للوضع الذي وصلنا إليه بعد ثلاثة أشهر من السابع من تشرين الأول (أكتوبر).

المقال الذي تناول الإسرائيليين كان بعنوان "السابع من تشرين الأول (أكتوبر) يجبر الإسرائيليين على إعادة التفكير في هويتهم"، مع عنوان فرعي يقول "الهجوم هزَّ الإيمان بوجود مَوئِل آمن، ولكنه وحَّد أيضاً شعباً منقسماً". المقال المعني بالفلسطينيين، والذي كُتب من داخل "مخيم جنين"، كان بعنوان "نواجه القوات الإسرائيلية والدمار الإسرائيلي، ومع ذلك نتعهَّد بالصمود"، واقتُبِسَ منه بالخط العريض الجزء القائل "القتل، والغزو، والغارات - كل ذلك سيؤجج المزيد من المقاومة".

يركز جزء كبير من المقال المعني بالإسرائيليين على بعض البيانات المتعلقة بيهود أرثوذكس مُغالين يُعبرون الآن عن اهتمامهم بالخدمة في الجيش - وهو الأمر الذي قاوموه دائماً - ومواطنين فلسطينيين في إسرائيل يقولون إنه على الرغم من مشاعر الأخوة تجاه شعبهم في غزة، فهم يفضلون العيش تحت الحكم الإسرائيلي بدلاً من أن تحكمهم حماس. لا ينبغي لأي من هذا أن يكون مفاجئاً، لأنه يشبه الوحدة الأولية التي عاشها الأمريكيون بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). لكن من المهم أن نتذكر أن الاستجابات العاطفية لا تؤدي إلا بشكل مؤقت إلى سد خطوط الصدع التي إذا لم تُعالج فسوف تظهر مرة أخرى في المستقبل.

وكما يوضح المقال، فإن خطوط الصدع لا تزال قائمة. ورغم أن فكرة إسرائيل باعتبارها مَوئِلًا آمناً قادراً على حماية اليهود قد اهتزَّت، فإن الإحساس بالوحدة والهوية المشتركة الذي يتقاسمه أغلب اليهود الإسرائيليين الآن يكمن في يهوديتهم وشعورهم بعدم الثقة في الفلسطينيين وفي أي حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ربما ما زالوا يكرهون رئيس وزرائهم، لكن العديد منهم ما زال يؤيد عمليات القتل في غزة ويلتزم الصمت إزاء أعمال العنف المستمرة التي ترتكبها غارات الشرطة والمستوطنين في الضفة الغربية.

مقاتلون حوثيون يتجمعون في صنعاء

إذا كان الإسرائيليون يعتقدون أن هجوم حكومتهم على غزة والقمع المُكثف في الضفة الغربية سينجح في إخضاع الفلسطينيين، فإن المقال الآخر الذي نشرته "نيويورك تايمز" واستطلاع المواقف الفلسطينية الذي غطَّت الصحافة قبل أسبوع يُثبتان أن العكس قد حدث. إن سبعين في المائة من الفلسطينيين يؤيدون الهجوم الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وأصبح الرأي العام في الضفة الغربية وغزة يُفضِّل الآن زعامة حماس على زعامة السلطة الفلسطينية.

يركز جزء كبير من المقال المعني بالإسرائيليين على بعض البيانات المتعلقة بمواطنين فلسطينيين في إسرائيل يقولون إنه على الرغم من مشاعر الأخوة تجاه شعبهم في غزة، فهم يفضلون العيش تحت الحكم الإسرائيلي بدلاً من أن تحكمهم حماس

 

وفي حين أُعلِنَ عن أعداد القتلى والجرحى في غزة - أكثر من 21 ألف قتيل، وأكثر من 55 ألف جريح - فإن المعلومات بشأن تأثير الغارات الإسرائيلية في جميع أنحاء الضفة الغربية لا تزال أقل ذيوعاً.

في مخيم جنين، أخضع الإسرائيليون السكان لهجوم شبيه بهجوم غزة. إليكم وصف "نيويورك تايمز" للوضع: "لقد تضررت خطوط الكهرباء، وثُقبت خزانات المياه، وتحولت الطرق المعبدة إلى حصى وتراب. ورائحة مياه الصرف الصحي تنتشر بكثافة في الهواء. وعلى مدى الشهرين الماضيين، انتقل نحو 80 في المائة من نحو 17 ألف شخص بشكل مؤقت...". وخلال تلك الفترة القصيرة، اعتُقل 330 من سكان جنين وقتل 67.

وفي مواجهة ذلك، نُقل عن أحد السكان قوله: "ما يحاول الإسرائيليون فعله بكل هذا الدمار هو خلق حالة من اليأس ودق إسفين بين الناس في المخيم والمقاومة – حتى يلوم الناس المقاومة. ما لا يدركونه هو أن قوتنا الكبرى هي وحدتنا".

قبل ثلاثة أشهر، عندما كان هذا الصراع المروع في بداياته، كتبت مقالاً أعربت فيه عن أسفي من عدم تعلُّم الإسرائيليين والفلسطينيين من دروس الماضي ـ أو على وجه التحديد أنه كما أن العنف لن ينهي الاحتلال، فإن العنف أيضاً لن ينهي مقاومة الاحتلال. وقد أشرت إلى أنه لأننا سلكنا هذا الطريق من قبل، يجب أن نعرف أنه عندما ينتهي سنجد أنفسنا قد عدنا إلى حيث بدأنا، إلا أنه سيكون هناك المزيد من القتلى، والمزيد من الغضب، والمزيد من التطرف على كلا الجانبين.

من اليسار مستشار الخارجية الإسرائيلية تال بيكر والمحامي مالكولم شو وجلعاد نوعام نائب المدعي العام للشؤون الدولية في محكمة العدل الدولية بلاهاي

والمشكلة بطبيعة الحال هي أنه في حين تستمر رقصة الموت بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الظهور، فقد أثبتت الولايات المتحدة أنها أيضاً لم تتعلم أي دروس.

بعد تحذير إسرائيل من ارتكاب الأخطاء التي ارتكبتها في أفغانستان، وقفت الولايات المتحدة موقف المتفرج بصمت بينما تفعل إسرائيل ذلك بالضبط. وقد حذرتها الولايات المتحدة من استهداف المدنيين ثم شحنت لها القنابل التي لا تزال تتسبب في خسائر فادحة في حياة المدنيين. وقد عطَّلت الولايات المتحدة جميع النداءات الدولية لوقف إطلاق النار.

ليس الأمر كما لو أن إسرائيل أخفت نواياها. لقد أشار رئيس الوزراء نتنياهو ثلاث مرات إلى أن مصير الفلسطينيين سيكون مصير "العماليق"، ضحايا الإبادة الجماعية في العهد القديم. وقال وزير الدفاع يوآف غالانت إنه يجب تسوية غزة بالأرض، ووصف الفلسطينيين بأنهم "حيوانات"، قائلاً إنهم سيعاملون على هذا النحو. والآن يدعو أعضاء بارزون في حزبه إسرائيل إلى إعادة احتلال غزة بعد طرد عدد كبير من سكانها إلى مصر أو إلى دول أخرى قد تقبلهم. وكان الرد الأمريكي على ذلك ضعيفاً.

يرى مقال آخر في نيويورك تايمز أن سبعين في المائة من الفلسطينيين يؤيدون الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر. وأصبح الرأي العام في الضفة الغربية وغزة يُفضِّل الآن زعامة حماس على السلطة الفلسطينية

 

بالإضافة إلى مجرد قول "لا" لإعادة الاحتلال و"لا" لإعادة التوطين القسري، فقد اقترحت الولايات المتحدة "خطة" للمضي قدماً، والتي لا يمكن وصفها - بكل أدب - إلا بأنها تزيد الطين بلة.

إن فكرة أن السلطة الفلسطينية ستكون قادرة على حكم غزة في أعقاب الهجوم الإسرائيلي هي فكرة وهمية. كما هي الحال بالنسبة إلى فكرة أن هذا الائتلاف الإسرائيلي أو أي ائتلاف إسرائيلي مستقبلي سيكون على استعداد للتحرك نحو حل الدولتين عن طريق التفاوض. والسؤال المعقول الذي قد يطرحه المرء هو: "التفاوض على ماذا؟".

مع تدمير غزة، ومع استيلاء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي بشكل يجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية متصلة الأراضي، ومع قيام المستوطنين والجيش الإسرائيلي باجتياح مدن الفلسطينيين وإخراجهم من منازلهم وممتلكاتهم في الضفة الغربية والقدس، ومع عدم وجود حكومة ائتلافية إسرائيلية محتملة مستعدة لقبول دولة فلسطينية مستقلة، ومع إضعاف السلطة الفلسطينية وإصابة حماس بالشلل، ومع رفض الولايات المتحدة كبح جماح الانتهاكات والتجاوزات الإسرائيلية - ما الذي سيتم التفاوض عليه ومع من سيتمكن أي من الجانبين من التفاوض؟

إذا كنا قد تعلمنا أي شيء من الأشهر الثلاثة الماضية، فهو أن السلوك السيئ الذي تُرك من دون رادع سوف ينمو ويتفاقم. لقد مكَّنت الولايات المتحدة هذا الوضع. وإلى أن تجد الشجاعة السياسية للمطالبة بوقف إطلاق النار ووقف المساعدات السياسية والعسكرية عن إسرائيل في المستقبل، فإن دائرة العنف والقمع سوف تستمر. يبدأ الأمر برمته بتعلم الولايات المتحدة الدروس من إخفاقاتها السابقة والحالية ثم تغيير مسارها.

وهذا في حد ذاته لن ينهي الصراع، ولكنه سيخلق بيئة يضطر فيها الإسرائيليون إلى مواجهة التكاليف المترتبة على المسار الذي اختاره قادتهم، ويمكن للفلسطينيين أن يشعروا بالأمل في فهم الأمريكيين لمحنتهم. وهذا يمكن أن يمثل بداية عملية طويلة من التحول يمكن أن تقود الطريق إلى السلام.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2024/01/03/almost-three-months-after-october-7-lessons-have-yet-to-be-learnt/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية