لماذا غير أردوغان موقفه من انضمام السويد للناتو؟ وما الرد الروسي المتوقع؟

لماذا غير أردوغان موقفه من انضمام السويد للناتو؟ وما الرد الروسي المتوقع؟

لماذا غير أردوغان موقفه من انضمام السويد للناتو؟ وما الرد الروسي المتوقع؟


12/07/2023

لعل السؤال المطروح حول الموقف التركي من انضمام السويد لحلف الناتو، فيما إذا كان القرار الذي اتخذته القيادة التركية يشكّل مفاجأة أم أنّه كان متوقعاً؟ لا سيّما أنّ تصريحات متشددة كانت قد صدرت عن أردوغان تشير إلى أنّ تركيا لن تقبل انضمام السويد، لأسباب مرتبطة بترددها في التعاون مع تركيا بخصوص عناصر موجودة في السويد تابعة لحزب العمال الكردستاني عدو تركيا، وأرسلت تصريحات أردوغان بعد سماح السويد لمهاجر عراقي بحرق نسخة من المصحف الشريف رسالة بأنّ القيادة التركية لن توافق على انضمام السويد للحلف.

 تطورات الأسبوع الماضي كانت تشي بأنّ تغيراً تركيّاً قد طرأ في العلاقة مع أمريكا ودول حلف الناتو ومع روسيا، تحديداً في ملف الحرب الروسية على أوكرانيا، كان من أبرزها: تسريبات غربية تتضمن أنّ مساهمة تركيا في تزويد أوكرانيا بأسلحة لم تتوقف عند طائرات بيرقدار، بل أنّ تركيا قدمت قنابل عنقودية وقذائف أخرى للجيش الأوكراني من مخزونات الجيش التركي في إطار التزامها بمتطلبات عضويتها في الناتو، بالإضافة إلى زيارة الرئيس الأوكراني (زيلنسكي) إلى تركيا ولقائه مع الرئيس التركي، والإعلان المفاجئ للرئيس التركي بأنّ أوكرانيا تستحق عضوية الناتو، وكان السماح بمغادرة (5) من قادة كتيبة (أوزفستال)، الموجودين في تركيا باتفاق مع روسيا، محطة لافتة للنظر، دللت على تغير في الموقف التركي.

ربما لم يكن متوقعاً هذا التحول العميق والواسع والمتسارع في موقف القيادة التركية، لكنّه لم يكن مستبعداً بالكامل، في ظل سياسات ومواقف أصبحت معروفة للرئيس أردوغان تتجاوز مفاهيم المقاربة البراغماتية بحدودها المعروفة

 

 ربما لم يكن متوقعاً هذا التحول العميق والواسع والمتسارع في موقف القيادة التركية، لكنّه لم يكن مستبعداً بالكامل، في ظل سياسات ومواقف أصبحت معروفة للرئيس أردوغان تتجاوز مفاهيم المقاربة البراغماتية بحدودها المعروفة، لتغوص فيما يشبه لعبة الشطرنج، أو لاعب السيرك الذي يمشي على حبل مشدود يتطلب مهارة ودقة لحفظ توازنه، لكنّ هذا الموقف التركي الجديد يستبطن جملة معطيات؛ أبرزها أنّه يواصل تأكيد التزام تركيا بموقف حيادي تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وهو الأمر الذي طرح شكوكاً لدى أوساط القيادة الروسية، وربما ينعكس مستقبلاً على علاقات أنقرة مع موسكو، ثم أنّه يأتي بعد انتخاب الرئيس أردوغان في الانتخابات الأخيرة، وهو ما يشي بتخلصه من ضغوط الانتخابات التي شكلت محدداً لسياساته ومواقفه المحلية والإقليمية والدولية، كما أنّه موقف يشير إلى أنّه كان نتاجاً لمفاوضات سرّية بين تركيا وأمريكا، ويبدو أنّه تم التوصل خلالها إلى حلول وسط بين واشنطن وأنقرة، تم بموجبها موافقة واشنطن على استئناف صفقة طائرات (إف 16) لتركيا، مقابل انضمام السويد للناتو، ووعود أمريكية بدعم مطالب تركيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي، تلك المطالب التي ما زالت تصطدم بالعديد من العقبات، في مقدمتها مشروع الرئيس أردوغان المعروف باستئناف الخلافة العثمانية الجديدة، وهو ما يتناقض مع المرجعيات العلمانية التي تجمع دول الاتحاد الأوروبي.

 المواقف التركية الجديدة بمجملها تشير إلى انحيازات تركية جديدة تجاه الغرب، مقابل ابتعاد عن روسيا، وهو ما كشفه الارتباك في المواقف الروسية تجاه خطوات أردوغان ما بين وصفها بـ  "الاستفزازية، وأنّ تركيا تتحول إلى دولة غير صديقة، وأنّها وجهت طعنة بالظهر لموسكو"، كما ورد في تصريحات رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي فيكتور بونداريف، وما بين تبرير مواقف أنقرة بأنّها "خضعت لضغوط من قبل حلف الناتو،  وأنّ الوعود الأوروبية والأمريكية بانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي مجرد خداع، وعلى أنقرة ألّا تتوهم تحقيق ذلك"، كما ورد في تصريحات المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، وكان ملفتاً تصريحات روسية بأنّ أحداً لم يطلع موسكو على قرار إعادة قادة من كتيبة آزوف الأوكرانية مع الرئيس زيلنسكي لأوكرانيا، وأنّ الاتفاق بين موسكو وأنقرة كان أن يبقوا في تركيا إلى حين انتهاء الحرب.

ردود الفعل الروسية على مواقف الرئيس التركي مرجح ألّا تذهب بعيداً خارج إطار اللغة الإعلامية التي  تتراوح بين العتاب والتشكيك بخطوات تركيا ومآلاتها

 

 ردود الفعل الروسية على مواقف الرئيس التركي مرجح ألّا تذهب بعيداً خارج إطار اللغة الإعلامية التي  تتراوح بين العتاب والتشكيك بخطوات تركيا ومآلاتها، فأنقرة تدرك الحدود التي يمكن أن تصلها ردود موسكو، فالقيادة الروسية بموقف أضعف فيه من أن تتخذ إجراءات عقابية ضد تركيا منفذها الحالي للالتفاف على العقوبات الغربية ضدها، وهي الوسيط الموثوق به المتبقي الذي يمكن أن يحقق الحّد الأدنى من مصالح روسيا في أيّ مفاوضات قادمة حول ملف أوكرانيا وتداعياته، كما أنّ الدور التركي في الملف السوري سيبقى مهمّاً لروسيا، مع ما فيه من احتمالات لإنجاز توافقات بين أنقرة وموسكو، خاصة بعد تراجع الموقف الروسي في سوريا لحساب إيران ووكلائها.

ورغم كل ما يمكن وصفه بتحول عميق في مواقف الرئيس أردوغان، إلّا أنّه في التقييم النهائي يبقى عرضة للتغيير بمرجعية انتظار تركيا لتنفيذ أمريكا والاتحاد الأوروبي ما تم الاتفاق عليه، لا سيّما أنّ ما يظهر حتى الآن هو ما قدّمته تركيا من مواقف وقرارات، وأنّ صفقة الطائرات مع أمريكا سيتم بحثها ودعمها من قبل الرئيس بايدن، فيما عضوية تركيا بالاتحاد الأوروبي ما زالت في إطار وعود أمريكية، وهو ما يجعل إمكانية اتخاذ الرئيس أردوغان لاحقاً مواقف تنقض مواقفه الجديدة احتمالاً وارداً، رغم ضعف المؤشرات التي تؤيده في المدى المنظور على الأقل.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية