عيد "البراغي الصغيرة" العالمي

عيد "البراغي الصغيرة" العالمي

عيد "البراغي الصغيرة" العالمي


01/05/2023

اليوم عيد العمّال العالمي. وقد سرت مقولة منذ زمان ولها حظّ وافر من الصحّة بأنّ عيد العمّال هو اليوم الذي يعطّل فيه كلّ الناس إلا العمّال.

كان عيد العمّال يوماً مشهوداً في الأردن قبل نحو ربع قرن. وظلت النقابات والأحزاب السرية ومعشر اليسار يلتئمون في رحلات عائليّة ويذهبون إلى منطقة دبين للاحتفال والتنزّه، وكانت ثمة فعاليات ترفيهية وأنشطة وفرق فنية، كفرقة "بلدنا" تغني للعمّال والثورة والإنسان.

الآن يمرّ العيد بلا تذكرة، بل بلا عطلة أيضاً في بعض البلدان، لأنّ ماكينة العمل أدركت أنّ في العام أيام عطلة كثيرة، وهذا يضرّ بعجلة الإنتاج وتصاعدية رأس المال، فلم تعد ثمة عطلة، بل لم يعد من يقول لك في الأول من أيار (مايو): صباح الخير أيها العامل، صباح الخير أيتها البروليتاريا.

وفي ظل هيمنة رأس المال الذي يستعرّ شعاره بقوة: إن لم تعمل لن تأكل، يضطر غالبية الناس للعمل. المرفّهون فقط يكتبون مثل هذه الكلمات التي يخطّها يراع عامل "برجوزاي صغير" كي يوقظ في الذكريات نار الأمل، دون أن يقوى على ختام مقاله بشعار "يا عمّال العالم اتحدوا"، فلم تعد الشعارات تطعم خبزاً، أو تقي حراً، أو تحمي جسداً ناحلاً من البرد.

يُسأل أيّ مدير تنفيذي عن الخيار الأول لتحسين أداء مؤسسته، فيجيب بلا تردد: فصل الموظفين والعمّال. ولسوء منقلب البشر أنْ أضحى هذا الأمر مستساغاً

زاد العمال وصغار الكسَبة، بعد أن زادت رقعة الفقر، وتهاوت إنتاجيات دول وشركات عملاقة. وفي غضون ذلك تآكلت المسؤولية الاجتماعيّة لرأس العمل، وبالتالي تصدّعت المسؤولية الأخلاقيّة.

يُسأل أيّ مدير تنفيذي عن الخيار الأول لتحسين أداء مؤسسته، فيجيب بلا تردد: فصل الموظفين والعمّال. ولسوء منقلب البشر أنْ أضحى هذا الأمر مستساغاً.

يعني ليس ثمة وقت لتضامنات شكليّة، أو عزاءات مسبقة يقوم بها الفاصل لتهدئة مشاعر المفصول. قد يتم ذلك باجتماع عبر "زووم"، كما  فعل، منذ عامين، الرئيس التنفيذي لشركة الرهون العقارية Better.com ، في إثر جائحة كورونا، عندما فصل 900 موظف من خلال جلسة زووم استمرت عدة دقائق.

وأظن أنّ المدير واسمه، كما أفادت الأنباء، فيشال جارج، مضى يزاول حياته، وربما ذهب للتنفيس عن "أحزانه" فراح يلعب البولو. هوّن عليك يا جارج، الأمر لا يستحق كلَّ هذا العذاب!

لم يعد ثمة جورج كلوني الذي تراه في فيلم (Up in the Air)، عقب الأزمة العالمية 2008 يبتدع طريقة كريمة لفصل الموظفين، فيسافر إلى كلّ واحد منهم، بالطائرة، ويقابله شخصياً، ليبلغه بقرار فصله، رافضاً قرار الإدارة إبلاغ الموظفين عبر الإنترنت. إنه القتل بقفازات من حرير!

سقطت، يا رفيقي العامل، مقولة أنك الأساس الذي لا غنى عنه في عجلة البناء. أنت لست أكثر من برغيّ صغير في الماكينة العملاقة، ويمكن استبداله والإتيان بروبوت مكانه

سقطت، يا رفيقي العامل، مقولة أنك الأساس الذي لا غنى عنه في عجلة البناء. أنت لست أكثر من برغيّ صغير في الماكينة العملاقة، ويمكن استبداله وتغييره والإتيان بروبوت مكانه. والأخير لا يمرض، ولا يتبرّم، ولا يطالب بإجازة، أو بزيادة راتب أو عطلة في يوم العمّال، وقد لا يعتب على كلوني إن لم يسافر إليه عبر الطائرة.

سألت عاملاً نيباليا عن أشدّ أمنياته في العطلة الأسبوعية فقال أن أذهب للسينما، وطرحت السؤال ذاته على عاملة تنظيف أوغندية، فردّت: أن أنام 9 ساعات متواصلة.

أحلام صغيرة ومتقشّفة، ومع ذلك فهي ترسم ابتسامة خافتة على وجه العالم المتغضّن!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية