"طالبان" والمرأة... من يقضي على الآخر؟

"طالبان" والمرأة... من يقضي على الآخر؟

"طالبان" والمرأة... من يقضي على الآخر؟


03/01/2023

منير أديب

مرّ أكثر من عام على صعود حركة "طالبان" إلى الحكم في أفغانستان على خلفية الانسحاب الأميركي في آب (أغسطس) 2021؛ فالحركة التي تولت مقاليد الحكم بصورة منفردة من دون مشاركة القوى السياسية أو القوميات الأخرى في الداخل الأفغاني، لم تحقق أي إنجاز سياسي أو اقتصادي خلال مدة الحكم هذه، ولا يمكن قراءة أي ملامح لتجربة "طالبان" في الحكم للمرة الثانية من دون فهم موقفها من المرأة.

انقلبت حركة "طالبان" على كل تعهداتها الخاصة بحماية المرأة الأفغانية، فمنعتها من استكمال تعليمها رغم تعهدها في السابق بخلاف ذلك، كما منعت المرأة من العمل بحجة عدم التزامها الزي الإسلامي ونزعت منها كل الحقوق التي حصلت عليها على مدار عشرين سنة مضت.

قد يبدو في الأفق أن حركة "طالبان" نجحت في القضاء على المرأة، ربما يكون ذلك صحيحاً من الناحية النظرية، فقد منعتها من تلقي التعليم الجامعي، وفرضت شروطاً تمنعها من التعليم بعد الثامنه من عمرها، وهي الشروط نفسها التي وضعتها عندما وصلت إلى السلطة في العام 1996، ولكن الحقيقة أن المرأة هي من انتصرت وسوف تنتصر على الحركة التي تركت مشاكل البلاد حتى تتفرغ لها!

نظرة "طالبان" للمرأة استراتيجية، فهي أحد أسلحة خصومها المستهدفة؛ عند المرأة تجد وعي المجتمع، وهو ما لا تريده الحركة المتطرفة، فمنعت حقها من أن تتلقى أي مستوى من التعليم بحجة مزاحمة الرجال في مقاعد الدراسة، وهدفها الرئيسي من وراء ذلك هو غلق العقل الأفغاني على الخيارات الفقهية الضيقة، فالحركة تُدرك أنها لن تستمر في حكمها إلا بمنع العلم والمعرفة وأنها لن تحقق ذلك إلا من خلال المرأة.

وهنا اتجهت المرأة إلى المدارس السرية وسط إصرار عجيب على أن تلحق بالضوء الأخير من المعرفة قبل أن يغيب عن شمس أفغانستان، هذا الإصرار يُعطينا أملاً في أفغانستان الجديدة وربما يحسم المعركة مع الحركة وهو ما نراهن عليه.

تصريح وزير التعليم العالي الأفغاني كان واضحاً في رفضه استكمال الفتيات الأفغانيات لتعليمهن حيث قال: "إننا لن نتراجع عن موقفنا حتى ولو تم إلقاء القنبلة النووية علينا". كما أبدى وزير الاقتصاد الأفغاني قبول بلاده لأي عقوبات بعد أن أصدر قراراً هو الآخر يمنع السيدات من العمل في المنظمات غير الحكومية بحجة عدم التزامهن ارتداء الزي الإسلامي!

في الحقيقة كانت الحركة أكثر اتساقاً مع نفسها عندما قررت الوقوف أمام تعليم النساء، فلم يكن قرارها غريباً مع ما تؤمن به، ولم تكن أفكارها مغايرة لما أخذته من قرار ربما تأخر بعض الشيء، وهنا لم تنقلب الحركة إلا على تعهداتها السابقة ولكنها كانت متسقة مع أفكارها في الوقت ذاته والتي لم تتغير منذ عشرين عاماً عندما وصلت إلى السلطة قبل الغزو الأميركي لأفغانستان.

لا شك في أن القرار الذي أتخذته الحكومة الأفغانية بمنع الفتيات من تلقي تعليمهن سوف يرسخ لمستقبل مظلم في أفغانستان، مستقبل تسوده الخرافة وتغيب عنه شمس المعرفة، تلك التي كان يُراهن عليها الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي للتخلص من ميراث الحركة الذي كبل هذا الشعب على مدار عقود مضت.

"طالبان" لم تتغير ولن تتغير بعد وصولها إلى السلطة للمرة الثانية، وما يحدث في أفغانستان الآن في ظل حكم هذه الحركة المتطرفة تتحمله الولايات المتحدة الأميركية التي اطمأنت للحركة، فسلمتها الحكم، أو يبدو أنها لم يكن أمامها أي سبيل غير الخروج من أفغانستان حتى ولو كان المقابل تسليم الحكم لحركة "طالبان"!

وضعت حركة "طالبان" وشاحاً على وجه أفغانستان، فمنعت المرأة من ارتياد الأماكن العامة وأغلقت المسارح ودور العرض السينمائية ومنعت المرأة من الجلوس في المقاهي والمطاعم، ثم ختمت ذلك بمنعها من الخروج نهائياً من البيت حتى ولو كان ذلك من أجل التعليم في أي مرحلة عمرية؛ فقد أدركت الحركة أنه لا يمكن لها أن تستمر في حكمها إلا بإزاحة المرأة من الحياة الأفغانية.

"طالبان" جزءٌ من المشروع الإسلامي لجماعات الإسلام السياسي. صحيح أن تفاصيل تصور "طالبان" تختلف بحكم البيئة عن مشاريع الإسلاميين في المنطقة العربية، ولكن المشتركات بين هؤلاء الإسلاميين أكبر بكثير من هذه الاختلافات، ولعل تجربة "طالبان" بعد عام من الحكم لا تختلف كثيراً عن تجارب الإسلاميين في مصر وتونس والمغرب، كمثال.

حصر تجربة "طالبان" في موقفها من المرأة هو نظرة ضيقة للتجربة ورؤية غير سوية لها من زواياها المختلفة؛ فالحركة ليس لديها أي مشروع سياسي بل كلها اجتهادات فاشلة، فهي لم تنجح بعد ولا توجد أي مؤشرات لذلك على المدى القريب أو البعيد، فضلاً عن غياب مشروع إدارة الحكم عنها بكل تفاصيلة، وموقفها من المرأة هو مجرد دلالة على تطرف الحركة واتجاهها صوب التشدد.

وإذا كان لنا أن نحكم على موقف الحركة من المرأة، فإننا نجزم بأنها هي الفاعل الوحيد للقضاء على الحركة وأن الأخيرة رغم مواقفها لم تستطع ولن تستطيع أن تزيل المرأة من طريقها، ويبدو أن ثورة الأفغان سوف تبدأ من كعب المرأة التي كانت وما زالت تناضل من أجل الحصول على حقها وحق بلادها في حياة كريمة، وليس من البرقع الذي أرادت الحركة أن يكون شعارها في الحكم.

حتماً سوف تسقط حركة "طالبان" وهنا نقصد سقوطاً سياسياً بعدما سقطت في عين الشعب الأفغاني وهو ما سوف ينتج منه إزاحتها من السلطة، ولكن سوف تكون المرأة هي بطلة هذه المواجهة وليست القوات الأميركية كما كان في السابق. سوف يحدث ذلك قريباً لو أحسن الأفغان إدارة المواجهة ومن ثم الدولة في ما بعد وفق مشروع وطني قومي يكون للمرأة فيه نصيب كبير.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية