صفعة على وجه الإخوان... التعريف الجديد للتطرف في بريطانيا

صفعة على وجه الإخوان... التعريف الجديد للتطرف في بريطانيا

صفعة على وجه الإخوان... التعريف الجديد للتطرف في بريطانيا


17/03/2024

لدى جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة على قوائم الإرهاب في مصر وعدد من البلدان العربية، نفوذ هائل وتاريخي في بريطانيا. وبخلاف انتشارها في الغرب والعواصم الأوروبية في مرحلة الشتات التي تعرضت لها الجماعة في ستينيات القرن الماضي، فإنّ للجماعة ارتباطات وثيقة بلندن على أكثر من مستوى، بداية من التمويل الذي حظي به المرشد المؤسس حسن البنا في الإسماعيلية، ودورها الوظيفي لخدمة الاحتلال عندما كانت مصر في ظل الحماية أو الاستعمار البريطاني. ولم يعد خافياً الدور الدعائي المشبوه الذي ساهمت في ترويجه الجماعة بالتشنيع على النظام الناصري في حرب اليمن، من خلال المنشورات التي كانت المخابرات البريطانية تكتبها زوراً وعليها شعار جماعة الإخوان بعد تضرر مصالح لندن النفطية وقتذاك.

التاريخ السري 

وفق الوثائق البريطانية، التي تم الكشف عنها في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، كانت جماعة الإخوان بمثابة الأداة الجاهزة في قبضة بريطانيا لشن "حرب نفسية دعائية سرية" ضد أعدائها، ومنهم بطبيعة الحال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. وظهرت منشورات عديدة تصف الجيش المصري بعبارات بها دعاية سلبية ومزايدات هدفها التشويه أو التشكيك في الدور المصري الإقليمي والخارجي، من بينها "إذا كان لا بدّ للمصريين أن يخوضوا غمار الحروب، فلماذا لا يوجهون جيوشهم ضد اليهود؟".

ومن بين تلك المنشورات: "القنابل التي ألقيت على اليمن خلال الحرب التي تستعر نيرانها في هذا البلد المسكين لـ (4) أعوام، كانت تكفي لتدمير إسرائيل تدميراً تاماً". وأنّه يتم "استخدم أسلحة السوفييت الشيوعيين في قتل اليمنيين المسلمين".

ظهرت منشورات عديدة تصف الجيش المصري بعبارات بها دعاية سلبية ومزايدات هدفها التشويه

المؤرخ والصحفي البريطاني مارك كورتيس سبق له أن تتبع تاريخ العلاقة بين الطرفين منذ النصف الأول من القرن الماضي في كتابه المهم: "التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين"، وألمح إلى أنّ الجماعة شهدت نمواً ملحوظاً بقيادة حسن البنا، الذى يسعى لتأسيس مجتمع إسلامي ليس في مصر فقط، ولكن في كل أقطار الدول العربية، ولذلك أنشأ العديد من الفروع لجماعته، في كل من السودان والأردن وسوريا وفلسطين وشمال أفريقيا، وذلك بهدف إقامة دولة إسلامية تحت شعار "القرآن دستورنا". والتزمت جماعة الإخوان بالتقيد الصارم لتعاليم الإسلام، وقدمت نفسها للمجتمعات الأوروبية على أنّها بديل للحركات الدينية وحركات القومية العلمانية والأحزاب الشيوعية في مصر والشرق الأوسط، وذلك لجذب انتباه كل من بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، وهما القوتان الموجودتان على الساحة في تلك الفترة".

الدور الوظيفي أو المشبوه للإخوان

وبحسب كورتيس، فقد "كانت بريطانيا تعتبر مصر بمثابة محور مهم لها في الشرق الأوسط، وذلك منذ إعلان الحماية البريطانية على مصر في بداية الحرب العالمية الأولى، لتهيمن الشركات البريطانية في الفترة بين الحرب العالمية الأولى والثانية على الاستثمار الأجنبي والحياة التجارية في مصر، في حين كانت أكبر قاعدة عسكرية للقوات البريطانية موجودة في قناة السويس، وزادت التحديات للوجود البريطاني في مصر بتزايد الحركات القومية والدينية، في حين كان الملك فاروق حليفاً للندن، الذي تولى العرش في عام 1936. وفي عام 1936 دعا الإخوان للجهاد ضد اليهود في فلسطين، وأرسلوا متطوعين إلى هناك بعد مطالبة المفتي بالجهاد هناك، واعتبرت جماعة الإخوان بريطانيا دولةً ظالمةً، ودعت إلى مقاومة الاحتلال البريطاني في تلك الفترة، والذي تنامى خاصة بعد تمرد فلسطين خلال الأعوام الأولى من الحرب العالمية الثانية، وفي بداية الأمر انتهجت بريطانيا استراتيجية قمعية ضد جماعة الإخوان، خاصة بعد تحالفها مع القوى السياسية الأخرى، ولكن في الأربعينيات ومع مهادنة حكومة فاروق لحسن البنا، بدأت بريطانيا في تمويل جماعة الإخوان منذ عام 1940".

كورتيس: كانت بريطانيا تعتبر مصر بمثابة محور مهم لها في الشرق الأوسط، وذلك منذ إعلان الحماية البريطانية على مصر في بداية الحرب العالمية الأولى

واستمر دور الجماعة الوظيفي في يد بريطانيا مع نشوء الجمهورية، وانتهاء المرحلة الاستعمارية، حيث كانت تباشر دورها في محاولة إسقاط الدول القومية، وفق كورتيس، الذي يقول: "هدف بريطانيا من وراء دعم المنظمات الإسلامية في ذلك الوقت هو التصدي للتيار القومي، الذي اكتسب شعبية كبيرة، والحفاظ على الانقسامات في منطقة الشرق الأوسط، وجعلها تحت سيطرة سياسات منفصلة، لضمان عدم وجود قوة فاعلة وحيدة في الشرق الأوسط تسيطر على المنطقة، وهو ما كان يسعى عبد الناصر لتحقيقه، ويدعمه فيه المؤيدون للقومية العربية، التي كانت التهديد الأبرز لمصالح بريطانيا، خاصة النفطية، خلال عقدي الخمسينيات والستينيات".

إخوان بريطانيا وصفعة على الوجه

لكن يبدو أنّ هذا التاريخ يشهد انقلاباً ما، وربما هو غامض في تفاصيله، ويحمل التباسات لا تبدو جميعها معلنة أو مفهومة، حيث إنّ بريطانيا صنفت الخميس الماضي، جماعة الإخوان ضمن قائمة التطرف، بحسب مقاييس التعريف الحكومي الجديد للتطرف، وهو القرار الذي يتزامن مع استمرار الحرب في غزة، وتأزم الوضع الإقليمي منذ شن حركة حماس هجماتها المباغتة على إسرائيل. والتعريف البريطاني الجديد للتطرف الذي يختلف عن سابقه في عام 2011 يتضمن مقاربة أوسع وأكثر دقة ممثلة في "ترويج أو تعزيز إيديولوجية تقوم على العنف أو الكراهية أو التعصب، تهدف إلى تدمير الحقوق والحريات الأساسية، أو تقويض أو استبدال الديمقراطية البرلمانية الليبرالية في بريطانيا، أو خلق بيئة للآخرين عن عمد لتحقيق تلك النتائج".

شيار خليل: القرارات المحتملة ركزت على معالجة التطرف بشكل شامل، وليس فقط الإسلام السياسي

وبحسب رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك، فإنّ من بين أهداف التعريف الجديد هو مقاومة أو مكافحة ما اعتبر أنّه "سمّ" للديمقراطية، وقال: إنّ هناك "زيادة مروعة في الاضطرابات المتطرفة والإجرام تهدد البلاد بالانتقال إلى حكم الغوغاء".

وحدد وزير المجتمعات المحلية مايكل غوف بالأسماء منظمات كـ (الرابطة الإسلامية في لندن)، و(كيج)، و(ميند)، بأنّها تشكّل بارتباطاتها بالإسلام السياسي والجماعات الأصولية، ومنها الإخوان، خطراً على الديمقراطية.

وقال مايكل غوف: إنّ "منظمات مثل (الرابطة الإسلامية في بريطانيا)، وهي الفرع البريطاني لجماعة الإخوان المسلمين، ومجموعات أخرى مثل (كيج وميند) تثير التوجس من توجهاتها ومعتقداتها الإسلامية". وشدد على إجراء محاسبة لـ "هذه المنظمات وغيرها لتقييم ما إذا كانت تلبي تعريفنا للتطرف، وسنتخذ الإجراء المناسب". وقال: إنّ "الانتشار الشامل للإيديولوجيات المتطرفة يتوضح أكثر فأكثر بعد هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ويشكل خطراً حقيقياً على أمن مواطنينا وديمقراطيتنا". 

تأتي تلك القرارات مع توجه عالمي للضغط على تلك التنظيمات، وتحديداً في ظل تدخلها بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وقضايا الشرق الأوسط

قبل عام 2022 لم يكن هناك قرار محدد من بريطانيا يشير بشكل صريح إلى إدراك خطر الإسلام السياسي. ومع ذلك أشارت بعض التقارير والتحليلات إلى أنّ هناك توجهاً عامّاً في بعض الدول الغربية لمراجعة السياسات المتعلقة بالتطرف الديني، بما في ذلك الإسلام السياسي، وفق الصحفي المختص في الشؤون السياسية والإقليمية المقيم في فرنسا شيار خليل.

ويقول خليل لـ (حفريات): إنّ تلك القرارات المحتملة قد ركزت على معالجة التطرف بشكل شامل، وليس فقط الإسلام السياسي. وهذه القرارات المحددة والجديدة التي تتعلق بالإسلام السياسي تشمل أبعادها تشديد الرقابة على المؤسسات والأفراد المشتبه في ترويجهم الفكر الإسلامي المتطرف، وزيادة التعاون مع الجهات الدولية لمواجهة هذا التحدي.

وبالنسبة إلى تأثير ذلك على "انحسار نفوذ الإخوان"، فإنّه يمكن أن يؤدي إلى ضغوط على المنظمات الإسلامية السياسية، بما في ذلك جماعة الإخوان، ويمكن أن يؤدي إلى "تقييد نشاطها" وتقليل تأثيرها في الساحة السياسية، كما يقول خليل.

ومع ذلك، والحديث للمصدر ذاته، يتوقف تأثير ذلك بشكل كبير على كيفية تنفيذ السياسات، واستجابة المجتمع المعني. وتأتي تلك القرارات مع توجه عالمي للضغط على تلك التنظيمات، وتحديداً في ظل تدخلها بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وقضايا الشرق الأوسط، وبالتالي سيؤثر ذلك بشكل مباشر على انحسار نفوذ الإخوان المسلمين في المنطقة، وانحسار نشاطاتهم تحت أسماء متعددة لجمعيات مدنية وأخرى دينية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية