شهر التراث العربي الأمريكي: قصة نجاح جالية عربية

شهر التراث العربي الأمريكي: قصة نجاح جالية عربية

شهر التراث العربي الأمريكي: قصة نجاح جالية عربية


19/04/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

في 31 آذار (مارس)، أصدر الرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن، أوّل إعلان رسميّ على الإطلاق بشأن تحديد شهر نيسان (أبريل) «شهراً للتّراث العربيّ الأمريكيّ». هذا هو العام الثّاني على التّوالي الذي يُحتفل فيه بهذه المناسبة. إنّ قيام بايدن بهذه الخطوة أمرٌ مهمّ، ويمثّل نقطة تحوّل في جهودنا المستمرّة منذ عقود لتأمين الاعتراف والاحترام لجاليتنا.

كتبتُ من قبل عن الإقصاء والتّمييز الصّريحين اللذين واجهناهما في العقود الماضية، واللذين كانا بسبب تهديدات خارجيّة إمّا من أولئك الذين خافوا من أن نصبح مُنظّمين ومُمَكّنين، أو أولئك الذين رأونا من خلال عدسة الصّور النّمطيّة العنصريّة.

لسوء الحظّ، هناك أمثلة كثيرة جدّاً على ذلك: رفض المرشّحين «للمال العربيّ» أو رفضهم تأيّيدنا لهم؛ حرمان الأمريكيّين العرب من مناصب أو من التّقدّم في الحكومة، أو الأوساط الأكاديميّة، أو وسائل الإعلام لأنّ إثنيّتهم نُظِرَ إليها على أنّها محلّ ريبة أو مصدر تهديد؛ حرمان منظّمات عربيّة أمريكيّة من عضويّة تحالفات وأحزاب سياسيّة بسبب اعتراض البعض على مشاركتنا؛ إطلاق جهات إنفاذ القانون، على المستويين الوطنيّ والمحلّيّ، برامج مراقبة أو عمليّات اعتقال عشوائيّة لأشخاص بأسماء عربيّة من أجل استجوابهم أو مضايقتهم.

كلّ هذه التّحدّيّات الخارجيّة لجاليتنا كان من المؤلم تحمّلها، لكنّها اختبرت قوّتنا وجعلتنا أقوى. ولأنّنا واصلنا التّنظيم، وحشد الأصوات، والالتحام مع الحلفاء، والمقاومة، حصلنا على الاعتراف في جميع أنحاء البلاد، والآن من رئيس الولايات المتّحدة.

هذا هو العام الثّاني على التّوالي الذي يُحتفل فيه بهذه المناسبة

ولكن لكي نكون واضحين، فإنّ التّهديدات الخارجيّة لتنظيم الجالية العربيّة الأمريكيّة لنفسها والاعتراف بها ليست سوى جزء واحد من القصّة. لقد واجهنا، أيضاً، تحدّيّات داخليّة. وترجع هذه التّحدّيّات أساساً إلى استيراد الأيديولوجيات والهويات التي قسّمت العالم العربيّ أو الطّرق التي استخدم بها الآخرون هذه الانقسامات لصالحهم وليس لصالحنا.

ولادة الهويّة العربيّة الأمريكيّة

تجدر الإشارة إلى أنّ ولادة الهويّة العربيّة الأمريكيّة الحديثة حدثت بالتّزامن مع اضطّرابات قوميّة مختلفة في جميع أنحاء العالم العربيّ. كانت هناك حركات متنافسة بقيادة جمال عبد النّاصر، وأحزاب البعث في سوريا والعراق، وذروة حركة التّحرير الوطنيّ الفلسطينيّ، والحرب الأهليّة اللبنانيّة المثيرة للانقسام بشدّة.

وفي هذا السّياق، أعلن العديد من المهاجرين العرب المُسيّسين انحيازهم إلى جماعة أو أخرى، أو أيديولوجيا أو أخرى. وفي الوقت نفسه، رأى أولئك الذين بلغوا سنّ الرّشد في الولايات المتّحدة هويتهم العربيّة بوصفها عاملاً موحِّداً وبدأوا في بناء منظّمات قائمة على الإرث والمخاوف المشتركة، بما في ذلك الدّفاع عن حقوق الإنسان الفلسطينيّ.

طعن هؤلاء في الصّور النّمطيّة السّلبيّة الموجودة في وسائل الإعلام والثّقافة الشّعبيّة. وسجّلوا ونظّموا النّاخبين العرب الأمريكيّين ودعموا المرشّحين العرب الأمريكيّين للمناصب العامّة - وفعلوا ذلك من دون الالتفات إلى بلد المنشأ أو الدّين، وهو أمر كثير من النّاس في العالم العربيّ أو أولئك الذين، كما نقول، «غرسوا أقدامهم هنا ولكن رؤوسهم ما تزال في الشّرق الأوسط» لم يتمكّنوا من فهمه. وفي هذا الصّدد، تتبادر ثلاث قصص إلى الذّهن.

ولادة الهويّة العربيّة الأمريكيّة الحديثة حدثت بالتّزامن مع اضطّرابات قوميّة مختلفة. كانت هناك حركات متنافسة بقيادة عبد النّاصر، وأحزاب البعث في سوريا والعراق، وذروة حركة التّحرير الوطنيّ الفلسطيني

في عام 1983، في خضم الحرب الأهليّة في لبنان وبعد التّدمير الإسرائيليّ لبيروت وجنوب البلاد، أطلقت مجموعة من العرب الأمريكيّين مشروعاً باسم «انقذوا لبنان» لجلب الأطفال اللبنانيّين والفلسطينيّين الجرحى إلى الولايات المّتحدة لتلقّي الرّعاية الطّبيّة التي لم تكن متوفّرة لهم في لبنان. كان تدفّق الدّعم من الجالية ساحقاً. وتبرّعت المستشفيات التي تديرها «جمعية أخوية شرينر» بخدماتها، واستقبلت الأسرُ الأطفالَ الجرحى. وقدّمت الخطوط الجوية الأردنيّة رحلات، وتكفّلت زوجة السّفير السّعوديّ بفعالية في «مركز كينيدي» شارك فيها فنّانان عربيّان أمريكيّان شهيران هما داني توماس وكيسي قاسم.

على مدى عامين، أحضرت مجموعة من العرب الأمريكيّين 63 طفلاً ووجدت منازل لهم ولأسرهم في أكثر من عشر جاليات عربيّة. ومع ذلك، كان هناك من اشتكى عندما أُرسل طفل فلسطينيّ إلى جالية لبنانيّة إلى حدّ كبير (أو العكس) أو عندما أُرسل طفل مسيحيّ إلى جالية يغلب عليه المسلمون (أو العكس). لكن الشكاوى لم تدم طويلاً لأن أولئك الذين اعترضوا في البداية نسوا مثل هذه التّحيّزات عند مقابلة الأطفال وعائلاتهم. ما قلناه ردّاً على ذلك كان: «أحضرنا الأطفال إلى هنا من أجل علاجهم. في النهاية، هم الذين عالجونا».

في أوائل التّسعينيّات زار سفيرٌ عربيّ مكتبي وبدأ المحادثة بسؤالي: «كيف تنظّم موظّفيك؟». أجبته بوجود فرق للتّنظيم، والسّياسات، والاتّصالات، والإدارة. سأل مرّة أخرى: «كيف يُنظَّمون؟». أجبته: «حسب الوظيفة». ثمّ قال: «لا، أعني ذلك الرّجل في مكتب الاستقبال. إنّه لبنانيّ شيعيّ، أليس كذلك؟ ما دول وديانات البقيّة؟». الآن، بعد أن فهمت سؤاله، أجبته: «بكل صدق يا سيدي، لا نسأل عن دينهم أو بلدهم الأصليّ، ولذلك ليس لدي أيّ فكرة. هذا ليس ما نحن عليه».

حفل خليل جبران

في «حفل خليل جبران السّنوي لروح الإنسانيّة» الذي ينظّمه «المعهد العربيّ الأمريكيّ» نُكرّم الجماعات والأفراد على خدمتهم العامّة. إحدى الجوائز التي نقدّمها هي جائزة الخدمة العامّة، التي تحمل اسم نجيب حلبي، والد الملكة نور الأردنيّة. كان حلبي، وهو أمريكيّ سوريّ، أول أمريكيّ عربيّ يشغل منصباً رفيعاً يُعيّن صاحبه من قِبل رئيس الولايات المتّحدة. وقد مُنحت الجائزة في عام 2012 للسّفير تيد قطوف، وهو فلسطينيّ أمريكيّ، وقدّمها وزير النّقل الأسبق راي لحود.

هذا الإعلان يُمكّننا من المضي قُدُماً في طريقنا

في ختام العشاء، خاطبت الجمهور مشيراً إلى أنّه «الليلة، منحنا جائزة تحمل اسم أمريكيّ سوريّ إلى أمريكيّ فلسطينيّ وقدّمها أمريكيّ لبنانيّ. هذا ما نحن عليه، وهذا شيء لا يمكن أن يحدث في العالم العربيّ».

في الأعوام الأخيرة، رأينا هذه الوحدة نفسها تتجلّى مراراً وتكراراً. ومع ذلك، المشكلات قائمة. ينشأ البعض منها من سياسات الحكومة التي تحاول تحديد هويتنا أو انتقاء أجزاء من جاليتنا في محاولة، غير واعية أو متعمّدة، لتقسيمنا، غالباً عن طريق محو هويتنا الإثنيّة من خلال إعطاء الأولويّة للدّين.

«شهر التّراث العربيّ الأمريكيّ» مناسبة تعترف بالجهود التي بذلناها بشقّ الأنفس للتّغلب على القوى الخارجيّة والدّاخليّة التي سعت إلى استبعادنا، أو التّمييز ضدّنا

على سبيل المثال، تعاملت إدارة بوش مع عدّة مجموعات مسيحيّة، بينما خلطت إدارة أوباما بين العرب والمسلمين. وفي حالات أخرى، كان ذلك من خلال إعطاء الأولويّة لبلدان المنشأ. فخلال الانتفاضات العربيّة، ركّز البعض اهتماماً خاصّاً على مجتمعات المنفيّين من البلدان المتضرّرة بينما تجاهل الجالية العربيّة الأمريكيّة الأوسع. استُغّلت هذه الجهود من قِبل أولئك الذين استخدموا هذه التّكتيكات المسبّبة للانقسام لصالحهم - فقط لتعطيل الجهود المبذولة لبناء جالية موحّدة.

مع هذه الخلفية، يجب أن يكون واضحاً سبب أهميّة الإعلان الرّسمي لإدارة بايدن عن «شهر التّراث العربيّ الأمريكيّ». إنّ هذه المناسبة تعترف بالجهود التي بذلناها بشقّ الأنفس للتّغلب على القوى الخارجيّة والدّاخليّة التي سعت إلى استبعادنا، أو التّمييز ضدّنا، أو حرماننا من الحقّ في تعريف أنفسنا. ومن خلال الاعتراف بتاريخنا في التّغلّب على العقبات وتكريم مساهماتنا لأمريكا، فإنّ هذا الإعلان يُمكّننا من المضي قُدُماً في طريقنا.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جيمس زغبي، ذي ناشونال، 14 نيسان (أبريل) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية