حروب عشوائية أم نظام جيوسياسي؟!

حروب عشوائية أم نظام جيوسياسي؟!

حروب عشوائية أم نظام جيوسياسي؟!


16/11/2023

هيلة المشوح

قد تبدو الأحداث في غزة في إطارها الإقليمي الحالي جزءاً من واقع عربي تاريخي غير طارئ على المشهد السياسي في الساحة العالمية، لكن الواقع أن بعض الحروب، ومثالها ما يحدث في كل من غزة وأوكرانيا، علاوة على كونها مفتعلة، فإنها قد تسببت بشكل أو بآخر في تفاقم الانقسامات العالمية. وهذه الحروب جزء من صراعات القوى العظمى لتشكيل النظام العالمي الجديد الذي يبدأ بعملية إعادة تشكيل جيوسياسية ربما يتلوها التحول نحو نظام عالمي آخر. والحروب الدائرة اليوم، لا سيما في كل من غزة وأوكرانيا، قد تتفاقم أو يتم توسيع نطاقها لتنتج حروباً أخرى، وهذا سبب كاف لتزايد المخاوف من خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة في ظل التوترات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.

وإلى ذلك فإن تدفقات التجارة والاستثمار تتغير على نحو يشير إلى أن الاقتصاد العالمي ربما ينقسم إلى كتلتين لا تقل إحداهما ثقلاً عن الأخرى. ومن الملاحظ أن الصين التي استطاعت توسيع وتنويع علاقاتها بمنطقة الشرق الأوسط، أصبحت تملك قوة بحرية عظمى وخفر سواحل من أقوى نظرائه على مستوى العالم، وهي تقف بثبات أمام الهيمنة الغربية على النظام المالي العالمي والمؤسسات الدولية، كما تعمل على بناء نظام عالمي بديل بتحالفات جديدة تهيئها لمزيد من الصعود اقتصادياً وسياسياً.

وقد يكون هذا الصعود الصيني سبباً في الحراك الذي يجري حالياً على الساحة الدولية، حيث تطل الولايات المتحدة بكامل ثقلها على الشرق الأوسط من جديد. وربما تتضح الصورة أكثر خلال القمة المزمع عقدها بين الرئيسين الصيني والأميركي على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، والذي يقام هذه الأيام في الفترة من 15 إلى 17 نوفمبر في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية.

وتتلقى إسرائيل في حربها مع «حماس» دعم الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وكندا ومعظم دول الغرب، ويتضامن مع «حماس» ما يسمى «محور المقاومة»، ويشمل إيران والجماعات الحليفة لها في المنطقة. وفي هذه المعادلة تُشدِّد كلٌ من الصين وروسيا، وهما المنافسان السياسيان والاقتصاديان للولايات المتحدة، على الحاجة إلى حل النزاع المستمر منذ سبعة عقود وعلى ضرورة «إقامة دولة فلسطينية مستقلة»، وهذا في الواقع ما تسعى له معظم الدول العربية في بياناتها وقممها المتتالية منذ اندلاع الصراع الحالي، وذلك بغية احتواء الأزمة وتداعياتها الإنسانية، مع تأكيد المطالبة بـ«حل الدولتين» وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967.
الأزمات والصراعات والحروب المستعرة حالياً تسلّط الضوءَ على المشهد الجيوسياسي وعودة التنافس بين القوى العظمى ليصبح محور العلاقات الدولية مجدداً، وبالتالي فإن النتيجة بلا شك لصالح الولايات المتحدة. فالنظام العالمي الحالي بُني على نتائج الحرب العالمية الثانية ووفق شروط المنتصرين الذين وضعوا قواعد النظام الدولي الناشئ في عام 1945، حيث كانت الولايات المتحدة تمتلك 80% من الذهب في العالم، ونصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي في حينه، ولديها احتكار للقوة العسكرية.. ولذا فقد أمكنها وضع النظام العالمي الحالي كما تريد. وهذا أيضاً سبب وجود الأمم المتحدة في نيويورك، وكذلك صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، واتخاذ الدولار عملةَ الاحتياطي العالمي. فهل عادت الولايات المتحدة تملك كل هذه الهيمنة في وقتنا الحالي حيث تدور الحروب التجارية والتكنولوجية، وحروب النفوذ الجيوسياسي؟ 

عن "الاتحاد" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية