جماعات الإسلام السياسي بين السقوط ومحاولات إعادة التموضع

جماعات الإسلام السياسي بين السقوط ومحاولات إعادة التموضع

جماعات الإسلام السياسي بين السقوط ومحاولات إعادة التموضع


10/07/2023

هيمنت إشكالية مفهوم الدولة والمواطنة على علماء السياسة، وعكفت النخب الفكرية والسياسية منذ عقود طويلة على دراسة محددات الدولة الوطنية؛ خاصّة على مستوى الدول العربية التي خبرت ذلك عقب موجات الاستقلال في الأعوام التي تلت الحرب العالمية الثانية، وتشكيل الجمهوريات الأولى في عدد من الدول العربية. كما ألقت بظلالها مرة أخرى عقب ثورات ما عرف إعلامياً بـ"الربيع العربي"، ومدى التناقض والارتباك فيما بين تطوير بنية الدولة الحديثة، وحالة التمكين والهيمنة التي سعت إليها تنظيمات الإسلام السياسي، ومحاولة فرض مفهوم ومكونات الدولة الإسلامية على تلك المجتمعات.

ثمّة خصومة بنيوية بين فكر تنظيمات الإسلام السياسي، ومفهوم الدولة الوطنية؛ على خلفية الرؤية التي أطلقها حسن البنا للإسلام كدين ودولة، وعقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ومصحف وسيف؛ الأمر الذي يضع مفهوم الدولة الوطنية الحديثة في مأزق شديد عند تلك التنظيمات، مرة وهي قيد العمل الدعوي، وأخرى عندما عرفت العمل السياسي، وتحولت إلى حركات سياسية في عدد من الدول، خلال الأعوام التي تلت العام 2011، وعرفت في مصر باسم حزب الحرية والعدالة، وفي تونس حركة النهضة، وغيرها من المسميات؛ الأمر الذي بدا جلياً في حالة الرفض المجتمعي الذي واجه تلك التنظيمات، وانفجر من خلال تدفق الجماهير في المحافظات المصرية خلال نهاية شهر حزيران (يونيو) من العام 2013، وكذا تداعي وانهيار تلك التنظيمات في تونس والمغرب والسودان وليبيا.

إشكالية الدين والدولة

ثمّة إشكالية عرفتها دول "الربيع العربي" مع تنظيمات الإسلام السياسي، إذ عملت تلك التنظيمات على تقويض مفهوم الدولة الوطنية، بينما كان من الضروري النظر إلى ما حدث باعتباره نقطة مركزية ينبغي البناء عليها لتطوير بنية الدولة الحديثة، وانتشالها من حالة الدولة الهشة، ممّا دفع  الشعوب العربية إلى رفض تلك التنظيمات.

زينب التوجاني: الإسلام السياسي في كل نسخه وتصوراته، ومنذ بداياته الأولى، كان عائقاً أمام تطور الدولة الوطنية

إنّ علاقة الدين بالدولة بشكل عام تمثل أزمة منهجية في تاريخ المجتمعات العربية خلال عقود طويلة مضت؛ نظراً لرؤية الأنظمة السياسية العربية لوضعية الدين، وكيفية توظيفه كأداة في ممارسة الحكم، الأمر الذي تستطيع أن تدركه مع دراسة وتفحص علاقة بعض الأنظمة بتنظيمات الإسلام السياسي، وحالات المد والجزر فيما بين الطرفين خلال أعوام الحكم؛ ممّا يعكس طبيعة التناقض بين الرؤية والواقع لدى مؤسسات الحكم في الدول العربية، تجاه دور الدين في الحياه السياسية، وتلك التنظيمات بشكل خاص.

زينب التوجاني: رؤية تنظيمات الإسلام السياسي للإنسان بشكل عام هي أبعد ما تكون عن محددات المواطنة

في هذا السياق، تؤكد الدكتورة زينب التوجاني الأستاذة بجامعة منوبة، في تصريحات خصّت بها "حفريات"، أنّ الإسلام السياسي في كل نسخه وتصوراته، ومنذ بداياته الأولى، كان عائقاً أمام تطور الدولة الوطنية، وكذا كان حال تداعياته على دينامية الانتقال الديمقراطي في الدول التي خبرت ثورات ما عرف بــ "الربيع العربي".

تتابع التوجاني حديثها، مؤكدة أنّه من الصعوبة بمكان وضع تداعيات الإسلام السياسي على مفهوم الدولة الوطنية على مقياس واحد؛ نظراً للتباين في ذلك بين عدد من الدول في المنطقة؛ إذ استطاعت مصر وتونس استعادة أركان الدولة من قبضة تلك التنظيمات، بعد تجربة الحكم التي مارستها خلال أعوام قليلة، ممّا دفع الشعبين المصري والتونسي تجاه اكتشاف حقيقة تلك التنظيمات، سواء على مستوى حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، أو حركة النهضة  في تونس. بينما كانت الصراعات والفتن المذهبية مجالاً ميدانياً في بلدان أخرى عرفت هيمنة تلك التنظيمات، خاصّة ما كان ماثلاً في السيناريو الليبي عبر موجات متلاحقة من التأزيم وعرقلة الحل السياسي، وتقويض جهود استعادة الاستقرار مرة جديدة.

ثمّة إشكالية عرفتها دول الربيع العربي مع تنظيمات الإسلام السياسي، إذ عملت تلك التنظيمات على تقويض مفهوم الدولة الوطنية

وترى الأكاديمية التونسية أنّ معضلة الدولة الوطنية، والانتقال الديمقراطي خلال العقد الأخير، كان مردّها جملة من العوامل والعناصر الفاعلة، خاصّة وجود الإسلام السياسي، غير أنّ التوجاني تلاحظ أنّ ردة الفعل التي واجهت عملية التحديث، سواء في مصر أو تونس، كانت طبيعية إلى حد ما؛ بمعنى أنّ فعالية القوى المحافظة وحضورها في المشهد العام كان مؤثراً إلى حد كبير.   

خصوصية الحالة التونسية

ومن جهة أخرى، تضرب التوجاني مثلاً بحيوية المقاومة ونضج التراث الحداثي في تونس، من ناحية  الخطاب الذي بلوره الإسلاميون في مواجهة مجلة الأحوال الشخصية، والذي كاد يعيد وضعية المرأة التونسية إلى الوراء، بيد أنّ مقاومة التيار الحداثي أوقفت هذا الخطاب عند حدود معينة.

وأشارت زينب التوجاني إلى أنّ وضعية المرأة في المجتمعات العربية خلال الفترات التي عرفت سيطرة تنظيمات الإسلام السياسي كانت مهددة، بوصفها إحدى مفردات تطور الدولة الوطنية، إذ لا يمكن الحديث عن بناء دولة، إذا كان جانباً من هذه الدولة ليس له وضعية المواطنة الكاملة.

من الصعوبة بمكان وضع تداعيات الإسلام السياسي على مفهوم الدولة الوطنية على مقياس واحد؛ نظراً للتباين في ذلك بين عدد من الدول في المنطقة

نحو ذلك ترى التوجاني أنّ رؤية تنظيمات الإسلام السياسي للإنسان بشكل عام هي أبعد ما تكون عن محددات المواطنة؛ إذ إنّها  ترنو إليه باعتباره عبداً من عباد الله، وبالتالي فإنّ المنزلة والدرجة هنا تمثل حيز المنزلة الدينية، لا المواطنة الكاملة.

وتتابع قائلة: إنّ ذلك أمر يستقيم مع منهجية تنظيمات الإسلام السياسي بشكل عام، حيث تجد في بلد مثل إيران حالة من التخلف في الوضعية الحقوقية لكل طبقات المجتمع وخاصّة المرأة، فضلاً عن القصور الحاد في منسوب الإيمان بالاختلاف والتنوع، ومبدأ التعايش المشترك. وتضيف: "لا ريب أنّ فكرة سقوط تجربة حكم الإخوان في القاهرة  مثلت لحظة فارقة في مصير ومستقبل تنظيمات الإسلام السياسي، فضلاً عن كونها لحظة احتفالية تجاوزت حدود المجتمع المصري، وتماهت مع المجتمع التونسي؛ لأنّ ذلك بدا عتبة مهمّة وحقيقية نحو سقوط الإخوان في تونس". وتابعت: "ما حدث في القاهرة عشية الـ (30) من حزيران (يونيو) العام 2013، كان عاملاً رئيسياً لموافقة النهضة وراشد الغنوشي في العام 2015 على المسار التوافقي مع الرئيس التونسي الراحل  الباجي قايد السبسي". 

خريف الإخوان

كان سقوط داعش، وسقوط الإخوان في مصر وليبيا والمغرب والسودان، لحظة البدء في خريف حركة النهضة، وسقوط راشد الغنوشي، وخروجهم بعيداً عن تجربة الحكم، وانتهاء شعبيتهم وحضورهم الميداني في الشارع التونسي.

طارق الزبيدي: المجتمعات العربية جميعها تحتاج أن تمتلك وعياً سياسياً واستيعاباً عميقاً لتجربة العقد الأخير

ويذهب أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور طارق الزبيدي إلى التأكيد على أنّ الأحداث كشفت جميع حركات الإسلام السياسي، التي لم تكن لها رؤية سياسية فيما يتعلق بالحكم وشروطه.

وتابع الزبيدي في إطار تصريحاته لـ "حفريات"، لافتاً إلى أنّ جميع هذه الحركات ظلّت متمسكة بعقلية المعارضة، وذهنية فرض الأمر الواقع، وعدم استيعاب وقبول الآخر، ومنهجية عدم التفاوض والحوار مع المختلف؛ الأمر الذي جعلها تفشل في جميع البلدان التي أتيح لها تجربة الحكم فيها، سواء على مستوى منصب الرئيس، أو على مستوى الجانب التشريعي، وكذا  الجانب التنفيذي.

طارق الزبيدي: لم تتوقع حركات الإسلام السياسي السقوط والتداعي الحر؛ كنتيجة منطقية ومباشرة لحالة عدم الاستعداد للحكم، وعدم الجاهزية لمحددات إدارة الدولة، ممّا جعلها تسقط عبر الرفض المجتمعي، وبشكل عاجل وسريع

ويرى الأكاديمي العراقي طارق الزبيدي أنّ سقوط حركات الإسلام السياسي في البلدان التي عرفت تجربة الإسلام السياسي في الحكم، لا سيّما في القاهرة وتونس وليبيا، كان أمراً متوقعاً. بيد أنّ هذه الحركات لم تتوقع السقوط والتداعي الحر؛ كنتيجة منطقية ومباشرة لحالة عدم الاستعداد للحكم، وعدم الجاهزية لمحددات إدارة الدولة، ممّا جعلها تسقط عبر الرفض المجتمعي، وبشكل عاجل وسريع.   

أمّا بخصوص فرضية سعي تنظيمات الإسلام السياسي نحو إعادة التموضع من جديد في المجتمعات العربية، فيذهب طارق الزبيدي إلى التأكيد على أنّ المجتمعات العربية جميعها تحتاج أن تمتلك وعياً سياسياً، واستيعاباً عميقاً لتجربة العقد الأخير، وما جرى من تداعيات جراء سيطرة حركات الإسلام السياسي؛ فضلاً عن ضرورة الاستمرار في عمليات التحديث داخل بنية الدولة الوطنية، وتعميق محددات المواطنة بشكل منهجي؛ الأمر الذي يقف حائلاً أمام أيّ عودة جديدة لتلك التنظيمات.

مواضيع ذات صلة:

هكذا جعلت حركات الإسلام السياسي المساجد معقلاً للعمل الدعوي

ما بعد الإسلام السياسي: هل انتهى الشكل التقليدي للحركات الإسلامية؟

"الإسلام السياسي" انتهى في الجزائر



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية