تحالف الأحمر والأخضر يدعم سردية إيران التلفيقية في أمريكا اللاتينية

تحالف الأحمر والأخضر يدعم سردية إيران التلفيقية في أمريكا اللاتينية

تحالف الأحمر والأخضر يدعم سردية إيران التلفيقية في أمريكا اللاتينية


02/01/2023

منذ نهاية القرن الماضي، أصبحت أمريكا اللاتينية ساحة خلفية بارزة، سعت من خلالها إيران نحو توسيع نفوذها ونطاق عملها، وسط تقارير تقليدية تتهمها بممارسة تهريب المخدرات وغسيل الأموال، لكن إيران تمكنت في غفلة من كل من اتهموها بممارسة الأنشطة المافايوية، من تكوين شبكة من الوكلاء المحليين، مارست من خلالهم عمليات الاختراق والتجنيد والتبشير وجمع الأموال، لتمتد أنشطتها من فنزويلا في الشمال، إلى الأرجنتين في الجنوب، ومن تشيلي في الغرب إلى البرازيل في الشرق.

جدير بالذكر أنّ ميليشيا حزب الله الموالية لإيران، تعمل بدورها كذراع طولى عابرة للحدود، من أجل دعم أنشطة طهران في أمريكا اللاتينية، عبر عدة أذرع لمؤسسات تابعة لها، أبرزها مؤسسة التجمع الخيرية، وهي منظمة موالية لإيران، مقرها لبنان، ولها صلات قوية بحزب الله والميليشيات الشيعية.

تحالف الأحمر والأخضر

تلعب عناصر الالتقاء على المستوى الأيديولوجي، بين إيران والتيارات اليسارية الراديكالية في أمريكا اللاتينية، دوراً في جذب تلك التيارات تجاه دعم الخطاب الثوري الإيراني المناهض للإمبريالية الأمريكية، ليظهر ما يسمى بتحالف الأحمر والأخضر، الذي تسعى من خلاله طهران إلى ربط النضال اليساري بمبدأ تصدير الثورة، وفق سردية تلفيقية، هدفها مد جسور التعاون المشترك بين الإسلاموية الشيعية والأحزاب والحركات اليسارية، وطرح خطاب مشترك على المستوى الأيديولوجي، مع التركيز بشكل أساسي على دولتين هما: الأرجنتين وتشيلي.

ضمن هذا السياق الأيديولوجي، الذي يحاول تجاوز الدين كنقطة خلاف، يستخدم تحالف الأحمر والأخضر الخطاب الديالكتيكي لجذب انتباه المضطهدين. بالنسبة لليسار الراديكالي، فإنّ الرأسمالية الغربية هي من تضطهد الطبقة العاملة. وبالنسبة لإيران، فإنّ الرأسمالية الغربية هي من يدعم إسرائيل، ويقمع المسلمين، وفي كلتا الحالتين يكمن الحل في الثورة على الأولى، من أجل أن ينتهي هذا الخلل، وفق نظرة أخروية للتاريخ تنتهي بحتمية انتصار الثورة.

ينشط رباني في مجال التبشير الإسلامي بأمريكا اللاتينية

وعلى الرغم من البون الشاسع بين التصورات الماركسية الأممّية ومعطياتها المثالية، والطرح الإيراني الطائفي، بكل ما فيه من انتهازية، نجحت إيران في خلق حلقة وصل مع الجماعات الثورية الماركسية، التي تدافع بشكل تقليدي عن إرث هوغو شافيز، ونيكولاس مادورو، وفيدل كاسترو وغيرهم من رموز النضال الماركسي.

جامعة المصطفى وأنشطتها في أمريكا اللاتينية

وجهت إيران اهتمامها صوب أمريكا اللاتينية منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث أنشأ النظام الإيراني عدة خلايا؛ لتصدير الثورة، وتجنيد المتحولين لقضيته، وإقامة روابط سياسية مع المنظمات غير الحكومية والحركات السياسية هناك، حيثما أمكن ذلك.

ومع الوقت اتسعت شبكات إيران في أمريكا اللاتينية، بشكل ملحوظ، وفي العام 2007، أنشئت جامعة المصطفى الدولية في مدينة قم الإيرانية؛ لتصبح فيما بعد مركز العمليات الرئيسي، للإشراف على مصالح إيران في أمريكا اللاتينية. ومنذ تأسيسها، منحت جامعة المصطفى ألقاباً أكاديمية لأكثر من 50000 طالب من 122 دولة، وتمّ ترسيم العديد منهم كأئمة.

من جهته، كشف إيمانويل أوتولينغي، الزميل الأول في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في ندوة عبر الإنترنت لمنتدى الشرق الأوسط في 23 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، النقاب عن عمليات التأثير الإيرانية في أمريكا اللاتينية، والتي تعزز أجندتها العالمية لتصديرها الثورة الإسلامية المعادية للولايات المتحدة.

تنشط الدعاية الإيرانية في مجال الترويج لرموز إيران، أمثال قاسم سليماني، باعتباره المقابل الموضوعي للرموز الثورية اللاتينية، من أمثال جيفارا وشافيز

أوتولينغي ركز على الدور الذي تقوم به جامعة المصطفى في عمليات التجنيد، وتأهيل رجال الدين الشيعة حول العالم، قبل أن يتم وضع هؤلاء الأئمة الجدد في بلدانهم الأصلية، لرئاسة المراكز والمساجد التي ترعاها إيران. ومن بينهم العديد من المتحولين من المسيحية، بينما جاء آخرون من حركات النازيين الجدد. حيث ينخرط هؤلاء الأئمة عند عودتهم إلى بلدانهم الأصلية، ضمن أجندة إيران التوسعية؛ عبر اختراق الشبكات الثقافية والاجتماعية والسياسية.

من أمثلة هؤلاء محسن رباني، وهو رجل دين سابق في مسجد التوحيد الشيعي في بوينس آيرس، تقلد منصب الملحق الثقافي بالسفارة الإيرانية في العاصمة الأرجنتينية، ويشرف رباني على أنشطة جامعة المصطفى في أمريكا اللاتينية، على الرغم من إدراجه على قوائم الإنتربول؛ بسبب تورطه في تفجيرات بوينس آيرس في عامي 1992، و1994.

ينشط رباني في مجال التبشير الإسلامي بأمريكا اللاتينية، وتنظيم الفاعليات الثقافية والدينية، وكذا إدارة المنصات الرقمية عبر الإنترنت، وإبرام الاتفاقيات العلمية مع جامعات أمريكا اللاتينية، وهي مهام رصدت لها ميزانية سنوية تزيد عن 80 مليون دولار، بحسب تقرير نشر بالإنجليزية على موقع (Middle East Forum) الأمريكي.

مؤسسة التجمع الخيرية، وهي منظمة موالية لإيران، مقرها لبنان، ولها صلات قوية بحزب الله والميليشيات الشيعية

وفي إطار هذه الشبكات المعقدة، يلعب اثنان من تلاميذ رباني، دوراً رئيسياً لتفعيل المهام المسندة إلى وكلاء إيران في أمريكا اللاتينية، الأول هو عبد الكريم باز، وهو أرجنتيني اعتنق الإسلام على المذهب الشيعي، ودرس في قم لمدة خمس سنوات. والثاني هو سهيل أسعد، وهو محاضر جندته طهران، وينشط كلاهما في تشيلي والأرجنتين.

من جهته، كشف المدعي الفيدرالي الأرجنتيني، ألبرتو نيسمان، في تقرير موثق، عن الدور الخفي الذي تلعبه هذه الشبكة، وأماط اللثام عن مخطط يشرف عليه رباني وأتباعه؛ لتوسيع نفوذ إيران في المنطقة؛ عبر شبكة أشبه بجهاز استخباراتي؛ تستخدم المساجد من أجل نشر الإسلام الشيعي والتبشير والتجنيد. ويشير التقرير إلى ارتباط عمليات التجنيد بشبكة مالية معقدة، تقوم بتمويل أنشطة إيران في الأرجنتين، كما يتم تدريب المجندين وتأهيلهم دينياً على المذهب الشيعي في جامعة المصطفى بمدينة قم بإيران.

وبحسب تقرير المدعي الفيدرالي الأرجنتيني، تملك إيران جهازاً دعائياً قوياً، عبر شبكة من قنوات الإتصال الفاعلة في الأرجنتين، من بينها إذاعة "أرمونيا" بتردد AM 1600، وعبر راديو أرمونيا هذا، بث عبد الكريم باز، عدة برامج إذاعية مع شخص آخر مرتبط بالشبكة يدعى محسن علي.

وفي العام 2012، أطلقت إيران شبكة إعلامية ناطقة باللغة الإسبانية، حيث بثت القنوات والمنصات التابعة لجامعة المصطفى عدداً من البرامج الإذاعية والتلفزيونية المحلية، عملت على تدريب جيل من المحللين والصحافيين والمعلقين المعتنقين لأجندة إيران، على شبكات التلفزيون التابعة لها، في الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي وغيرها.

توظيف الأقليات الشيعية ضمن المشروع الإيراني

في معظم دول أمريكا اللاتينية، توجد مجتمعات شيعية صغيرة، من أصول لبنانية وإيرانية، كما توجد العديد من المؤسسات الإسلامية الشيعية في مجتمعات الشتات اللبنانية في أمريكا اللاتينية، ومعظمها مرتبط بإيران وحزب الله.

وتُعد البرازيل أحد أبرز معاقل الجاليات اللبنانية في العالم، ويبلغ عددهم، بحسب تقرير (Middle East Forum) نحو 10 ملايين شخص، ومعظمهم من أصول مسيحية، فر آباؤهم من بطش العثمانيين، ويشمل التقدير نحو مليون مسلم، عشرة في المئة منهم من الشيعة، ويستهدف محسن رباني اللبنانيين غير المسلمين بشكل رئيسي، من خلال برنامج دعوي وخدمي ضخم، من أجل أسلمتهم وفق المذهب الشيعي، ومن ثمّ دمجهم ضمن خطط إيران التوسعية.

تحولت المساجد والمراكز الثقافية الإيرانية إلى مراكز تدريب وتكوين نشطاء سياسيين واجتماعيين من المجتمع المحلي، يجري من خلالهم اختراق النظام السياسي

ويشرف رباني، على رجال الدين الناطقين بالإسبانية والبرتغالية، والمكلفين بالترويج للرسالة الإيرانية الثورية عبر أمريكا اللاتينية، من خلال الندوات والفعاليات الثقافية والأكاديمية، وعبر الإعلان عن رحلات مدفوعة التكاليف بالكامل للمتقدمين وعائلاتهم إلى جمهورية إيران الإسلامية. كما وسعت إيران من أنشطتها الدعائية في مجال توفير فرص التوظيف على مستوى القارة كلها، من خلال إنشاء منصات إعلامية محلية، ودور نشر، وجمعيات ثقافية، ومشاريع استثمارية.

وترتكز إستراتيجية إيران في أمريكا اللاتينية على عاملي الجذب والتجنيد، كما تنشط الدعاية الإيرانية في مجال الترويج لرموز إيران، أمثال قاسم سليماني، باعتباره المقابل الموضوعي للرموز الثورية اللاتينية، من أمثال جيفارا وشافيز، وكجزء من حملتها تلك، روجت دور النشر التابعة للملالي في أمريكا اللاتينية، لكتاب يحيي ذكرى سليماني، بعنوان عمي أو صديقي سليماني.

لا تقتصر إستراتيجية إيران في أمريكا اللاتينية على مجرد نشر الأيديولوجيا الإيرانية

ولا تقتصر إستراتيجية إيران في أمريكا اللاتينية على مجرد نشر الأيديولوجيا الإيرانية، حيث تحولت المساجد والمراكز الثقافية الإيرانية، إلى مراكز تدريب وتكوين نشطاء سياسيين واجتماعيين من المجتمع المحلي، يجري من خلالهم اختراق النظام السياسي، وعليه تستفيد إيران بشكل هائل من القوة الناعمة من خلال مراكزها الثقافية والإعلامية والأذرع ذات الصلة، والتي تنشط في جميع بلدان أمريكا اللاتينية، فبالإضافة إلى أذرعها النشطة في الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا، فإنّ شبكة إيران موجودة أيضاً في بوليفيا وتشيلي وكوستاريكا وكوبا والإكوادور والسلفادور والمكسيك وبيرو.

وتمثل هذه الشبكة الواسعة للجمهورية الإسلامية، مصدر قلق خاص بسبب قدرة طهران على تنشيط وتحفيز مؤيديها وعملائها؛ لتوفير اللوجيستيات والبنية التحتية اللازمة لدعمها سياسياً وعسكرياً إن لزم الأمر، باعتبارها قاعدة عمليات أمامية لإيران وحزب الله.

من جهة أخرى، وبحسب تقرير (Middle East Forum)، فإنّ الكنيسة الكاثوليكية لا تكترث بالأنشطة الدعوية الشيعية، التي تمارسها إيران، بل وتمّ الترحيب بإمام عراقي في ساو باولو، شارك في النشاط الثوري الإيراني منذ الثمانينيات، للانخراط في حوار الأديان مع الكنيسة الكاثوليكية، التي يبدو أنها لا تولي الكثير من الاهتمام لهذه القضية، ومن المثير للدهشة أنّه حتى الكنائس الإنجيلية، الأكثر تأييداً لإسرائيل، لا تستجيب أيضاً لهذا التهديد.

مواضيع ذات صلة:

الحرس الثوري الإيراني يجد موطئ قدم في فنزويلا... هذه نشاطاته

هكذا تعبث إيران في أمريكا اللاتينية؟

أمريكا اللاتينية الملعب الخلفي لأنشطة إيران المشبوهة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية