بايدن المغرم بإسرائيل يحطم صورة أمريكا في العالم

بايدن المغرم بإسرائيل يحطم صورة أمريكا في العالم

بايدن المغرم بإسرائيل يحطم صورة أمريكا في العالم


02/01/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

أحداث الأسبوع الماضي سلّطت الضّوء على الكيفيّة التي ألحق بها سلوك أمريكا، العاجز والمتسامح تجاه السّياسات التي تنتهجها إسرائيل، الضّرر بمكانتها في العالم. وأظهر تصويتان في الأمم المتّحدة يدعوان إلى وقف إطلاق النّار في غزّة أنّ معظم حلفاء الولايات المتّحدة المقرّبين قد تخلّوا عنها، ويُسائل العديد منهم بشكل متزايد قيادتها العالميّة. ومن المتوقّع إجراء تصويت آخر اليوم.

تُواصل إسرائيل منذ أكثر من شهرين قصف الفلسطينيّين في غزّة بلا هوادة. وقد تجاوز عدد القتلى حتّى الآن 18 ألف شخص، معظمهم من المدنيّين. وأدّى القصف الإسرائيليّ على شمال غزّة إلى تحويل أكثر من نصف القطاع إلى أنقاض، في حين أُجبِر ما يقرب من مليوني فلسطينيّ على الفرار من منازلهم.

بعد الهدنة الإنسانيّة القصيرة التي سمحت بتبادل الرّهائن والأسرى، حوّلت إسرائيل حملة القصف إلى الجنوب، حيث تُصدِر أوامر يوميّة للفلسطينيّين بالانتقال من منطقة إلى أخرى، فقط لقصف المناطق التي وَجّهوا لهم الأوامر بالانتقال إليها. وفي المخيّمات المؤقّتة التي ظهرت في الجنوب، يتفشّى الجوع والمرض.

جهود إماراتية

وفي مواجهة ضخامة هذه الأزمة، قدّمت بعثة الإمارات العربيّة المتّحدة لدى الأمم المتّحدة الأسبوع الماضي قراراً إلى مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النّار لأسباب إنسانيّة. وتمّت الموافقة على القرار من قِبل 103 دولة - وهو رقم قياسيّ.

جنود إسرائيليون يسيرون بالقرب من حدود غزة

عَكَسَ التّصويت النّهائيّ مدى عزلة الولايات المتّحدة - حيث أيّدت 13 دولة وقف إطلاق النّار، بينما عارضت الولايات المتّحدة القرار وامتنعت المملكة المتّحدة عن التّصويت. وجاء المزيد من الأدلّة على عزلة الولايات المتّحدة في اليوم التّالي عندما حصل قرار غير مُلزِم بوقف إطلاق النّار في الجمعيّة العامّة على 153 صوتاً، في حين صوّتت الولايات المتّحدة ومجموعة مُخجِلة من تسع دول أخرى ضدّه.

 

بدلاً من التعامل بأي قدر من الجدية مع الخسائر الفادحة في أرواح الفلسطينيين تواصل الولايات المتحدة إعطاء الأولوية للهدف العسكري الإسرائيلي

 

وكان تفسير الولايات المتّحدة لاستخدامها حقّ النّقض والتّصويت بـ«لا» هو أنّ القرار عُجّل به من دون اتّخاذ الوقت الكافي للتّشاور. وهذا غير صحيح بشكل جليّ لأنّ الأزمة الإنسانيّة في غزّة مضى عليها أكثر من شهرين، والقرار الإماراتيّ كان متداولاً لعدّة أيام، ممّا أتاح متّسعاً من الوقت للمناقشة. لقد أصبح من الواضح للعالم أنّ إدارة بايدن غير مستعدّة للدّعوة إلى وقف لإطلاق النّار.

هناك عاملان آخران يُعزّزان هذا الاستنتاج. بعد يوم من تصويت الأمم المتّحدة، الذي اشتكت الولايات المتّحدة من أنّه لم يكن لديها الوقت الكافي للنّظر فيه بشكل مناسب، أعلن البيت الأبيض أنّه اتّخذ قراراً أحاديّاً بشحن 14 ألف قذيفة مدفعيّة إلى إسرائيل من دون إخطار الكونغرس أولاً. بمعنى آخر، لم يكن لدى إدارة بايدن ما يكفي من الوقت للنّظر في قرار وقف إطلاق النّار، لكنّها لم تكن في حاجة إلى وقت على الإطلاق لإرسال المزيد من الأسلحة الفتّاكة إلى إسرائيل في انتهاك للقواعد التي تتطلّب إشراف الكونغرس والتي سنّها «قانون مراقبة تصدير الأسلحة».

بايدن مغرم بإسرائيل

قبل أسبوع، في تجمّع بمناسبة عيد الحانوكا في البيت الأبيض، تحدّث الرّئيس جو بايدن بتوهّج عن حُبّه لإسرائيل وحقّها في الدّفاع عن نفسها، وتعهّد بأنّ الولايات المتّحدة ستقف دائماً إلى جانب إسرائيل. ثمّ تحوّل بعد ذلك إلى توجيه ما بدا أنّه انتقاد لسلوك إسرائيل في الحرب متّهماً إيّاها بـ«القصف العشوائيّ» في غزة. وقبل أن يعتقد أيّ شخص أنّ هذا يمثّل نقطة تحوّل، «قلّل» أحد المتحدّثين باسم الإدارة، في اليوم التّالي، من تصريحات الرّئيس، في حين أشار متحدّث آخر إلى أنّ إسرائيل كانت في الواقع أكثر حَذَراً ودقّة في حملة القصف المتجدّدة في الجنوب.

أدى هطول الأمطار إلى تفاقم الأمور بالنسبة للعديد من الفلسطينيين في المخيمات

بدلاً من التّعامل بأيّ قدر من الجدّيّة مع الخسائر الفادحة في أرواح الفلسطينيّين والظّروف اليائسة التي أُجبر النّاجون على العيش في ظلّها، تُواصل الولايات المتّحدة إعطاء الأولويّة للهدف العسكريّ الإسرائيليّ الخياليّ المتمثّل في «القضاء على حماس». ونتيجة لذلك، يرى صنّاع السّياسات في الولايات المتّحدة أنّ الدّعوات لوقف إطلاق النّار تعتبر مُشوِّشة.

أتذكّر محادثة أجريتها مع أحد كبار المسؤولين في إدارة بايدن بعد أسابيع قليلة من هذه الحرب. في لحظة ما، أشار، مردّداً الخطاب الإسرائيليّ، إلى أنّ «وقف إطلاق النّار لن يكون مقبولاً لأنّه لن يؤدّي إلّا إلى منح حماس الوقت لإعادة التّسلّح». وفي وقت لاحق، عندما رويت الوفيات والدّمار في غزّة، قال: «هذا أيضاً أمر لا يطاق». وأجبته: «إذاً، هناك أمران لا يطاقان، وقد اخترت الأمر الذي لا يزال يكلّف المزيد من أرواح الفلسطينيّين».

 

بينما يتغير الرأي العام الأمريكي والعالمي بشأن السلوك الإسرائيلي في غزة، فإنّ السياسة الأمريكية ما زالت عالقة ومعزولة على نحو متزايد

 

ووقعت هذه المحادثة في وقت كان قد وصل فيه عدد القتلى في غزّة إلى ثلاثة آلاف شخص. والآن يقترب العدد من 20 ألفاً، ويشعر العالم وجزء كبير من الرّأي العامّ الأمريكيّ بالضّجر ليس فقط من حرب إسرائيل ولكن من الدّعم الأمريكيّ لها. تُلحق إدارة بايدن الضّرر بمكانة الولايات المتّحدة ومصداقيتها والقِيَم والمبادئ التي تدّعيها البلاد.

خلاصة القول هي أنّه بينما يتغيّر الرّأي العامّ الأمريكيّ والعالميّ بشأن السّلوك الإسرائيليّ، فإنّ السّياسة الأمريّكية ما زالت عالقة ومعزولة على نحو متزايد.

المصدر:

جيمس زغبي، ذي ناشونال نيوز، 18 كانون الأوّل (ديسمبر) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية