باحث فرنسي: تصريحات قادة إيران حول غزة مبتذلة

باحث فرنسي: تصريحات قادة إيران حول غزة مبتذلة

باحث فرنسي: تصريحات قادة إيران حول غزة مبتذلة


كاتب ومترجم جزائري
26/10/2023

ترجمة: مدني قصري

في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) يعود الباحث الفرنسي ميشيل ماكينسكي، المدير العام لشركة Ageromys International والباحث المشارك في IPSE وIEGA، في كتابه "مفاتيح الشرق الأوسط" إلى مسألة التورط الإيراني في أعمال الحركات الإسلامية الفلسطينية (في ضوء تصريحات الرئيس الإيراني رئيسي).

 وحول السياق السياسي والدبلوماسي الذي يمكن أن يفسّر سبب وقوع الهجمات في هذه الأيام، أجري حوار مع ماكينسكي، هنا تفاصيله:  

هل يمكنك العودة إلى تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يوم 8 تشرين الأول (أكتوبر)، في أعقاب الهجمات التي شنتها حماس على إسرائيل، حيث قال إنه "يدعم الدفاع المشروع عن الأمة الفلسطينية" ويُحيّي "مقاومة فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وأفغانستان واليمن، ويُحيّي غزة البطلة المقاومة، ويُحيّي حماس وكل فصائل المقاومة"؟

إنّ تصريحات إبراهيم رئيسي وغيره من الإيرانيين تصريحات مبتذلة. وهذه شهادة رِضَى إيرانية مدوّية لا ينبغي أن تفاجئنا. والمعنى في شهادة الرضى هذه واضح جداً، فهي تنطوي على نغمةٍ قديمة للحرس الثوري: اليقين بأنّ دولة إسرائيل ستنهار، وأنّ الأمر نفسه سيكون مصيرَ كل الذين يقاتلهم هؤلاء الحرس على جبهات أخرى. لكن ليس لهوس هذا اليقين أيّ آثار عَمليّة، فهو رسالة موجّهة إلى جمهور داخلي وخارجي (خاصة تحذير للدول العربية التي تتعاون مع الدولة اليهودية). داخلياً، يُعد ذلك أيضاً وسيلة لإظهار استمرار سيطرة الحرس على السلطة، والذي ظهر الدليل الأكثر وضوحاً عليه في إقالة علي شمخاني، أمين مجلس الأمن الأعلى الوطني، الذي تفاوض ووقّع على الاتفاق السعودي - الإيراني.

إلى أي مدى تدعم إيران الحركات الإسلامية الفلسطينية؟

حتى وقت قريب، بدا أنّ طهران تُفضِّل دعمَها لحركة الجهاد الإسلامي، وهي حركة متطرفة عنيفة للغاية، كما تدعم إيران حماسَ أيضاً (للعلم، شهدت العلاقات الثنائية صعوداً وهبوطاً، والمصالحة الأخيرة ليست قديمة جداً بعد فترة من البرودة). ويجب ألا ننسى أيضاً أنّ حماس هي الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين. وقد لوحظ أنه قبل هجوم حماس كانت آخر أعمال العنف هي التي نفّذتها حركة الجهاد الإسلامي، والأمر الذي أدهش المراقبين أنّ حماس لم تشارك فيها، وهو ما كان مفاجئاً. ويصبح تفسير عدم مشاركة حماس هذه ضرورياً اليوم: لقد كان ذلك جزءاً من تكتيكات حماس التي أدت بالتالي إلى تنويمِ حذرِ وشكوكِ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. وبعد فترة وجيزة، وعلى الرغم من كل شيء فقد أجرت حماس بعض التدريبات التي لم تكن كافية لجذب انتباه الإسرائيليين.

حتى وقت قريب، بدا أنّ طهران تُفضِّل دعمَها لحركة الجهاد الإسلامي

لتحديد دور إيران في هجوم حماس أعتقد أنه يمكن وصفه بأنه دور متواطئ وشريك ولكن ليس دور المُنفِّذ المباشر. قد أكون مخطئاً، لكنْ هناك إجماعاً واضحاً حول هذا الأمر، على الرغم من الأصوات المتنافرة النادرة في هذا الشأن. علاوة على ذلك، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أنّ الولايات المتحدة لا تملك دليلاً على مشاركة إيران المباشر. ومع ذلك، فإنّ إيران متورطة بعدة طرق:

 أ) من المؤكد أنّ الصواريخ والمعدات المستخدمة هي من صنع إيراني، سواء تم توفيرها جاهزة للاستخدام أو في أجزاء سيتم تجميعها في الموقع.

كان من الملح أن تعيد حماس طرح القضية الفلسطينية في وقت تتناقش فيه السعودية مع واشنطن من أجل الحصول على التكنولوجيا النووية

ب) إنّ التطور التكتيكي والعملياتي لحماس في هذه العملية لم يسبق له مثيل على الإطلاق. لقد قفزت من وضع حركة إرهابية بدائية إلى وضعِ وِحدةٍ متكاملة، حركة إرهابية بالتأكيد، لكنّ أسلوب عملها يقع على مستوى العمليات المسلحة. فهو الآن أسلوب على نفس مستوى حزب الله اللبناني. وهذا المستوى لا يمكن أن تحقّقه الحركة بمفردها، فحماس غير قادرة عليه. ومن الواضح أنّ هذا التدريب التكتيكي والعَملِيّاتي والتخطيطي المتطور، وما إلى ذلك، تلقته حماس إمّا من حزب الله، الذي يتمتع بهذه المؤهلات، أو من قبل مدرّبين إيرانيين، أو من كليهما.

لماذا حدثت هذه الهجمات الآن؟

هناك عدة أسباب يمكن أن تُجِيبنا عن هذا السؤال.

أ) كان من الملح أن تعيد حماس طرح القضية الفلسطينية في وقت تتناقش فيه المملكة العربية السعودية مع واشنطن من أجل الحصول على التكنولوجيا النووية (دون ضمان الاستخدام غير العسكري)، وعلى دعم عسكري، مع طلبها (رسمياً) من إسرائيل الالتزام بإنشاء دولتين. لكنّ بنيامين نتنياهو لا يريد ولا يستطيع (بسبب حلفائه المتشدّدين) الموافقة على أي بادرة في هذا الاتجاه. لذا، فلمواجهة التصريحات التي تشير إلى أنّ الاتفاق بات وشيكاً تريد حماس نسف هذا الاتفاق المستقبلي.

التدريب التكتيكي والعَملِيّاتي والتخطيطي المتطور تلقته حماس إمّا من حزب الله، الذي يتمتع بهذه المؤهلات، أو من قبل مدرّبين إيرانيين، أو من كليهما

ب) أصبحت السلطة التنفيذية الإسرائيلية ضعيفة بسبب أزمة سياسية داخلية كبرى، أزمة شرعية. لقد تفاقمت هذه الأزمة بسبب حركة جنود الاحتياط الذين رفضوا المشاركة في التدريب العسكري. والأسوأ من ذلك، أنّ الجيش أصبح ضعيفاً، وأنّ التنسيق بين الهيئات المساهمة في الأمن قد انفجر مع تعيين وزير الأمن إيتمار بن جفير الذي تبنى وجهة نظر معاكسة للقادة العسكريين. وكان الهدف من المبادرات الكارثية على وجه الخصوص هو تشجيع العمليات المتطرفة التي يقوم بها المستوطنون ضد الأراضي الفلسطينية ومستثمريها. ونتيجة لذلك لم يقتصر الأمر على فقدان التنسيق فحسب، بل اقتضت هذه العمليات نقل الوحدات الأمنية المتمركزة على طول الجدار الأمني، مما أدى إلى إضعاف الدفاع عن الجدار الذي تم اختراقه في عدة أماكن. لهذا قرر نتنياهو في 11 تشرين الأول (أكتوبر) تشكيل "حكومة وحدة" مع بيني غانتس (خصمه الوسطي) ووزير الدفاع يوهان غالانت. نحن نفهم أنّ هذا من شأنه أن يُحسّن أداءَ القوات المسلحة، ولكننا لا نعرف كيف سيتعامل رئيس الوزراء الإسرائيلي مع حلفائه اليمينيين المتطرفين.

ج) بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الاتفاق السعودي الإيراني لا يخدم حماس مثلما لا يناسب الحرس الثوري. إذاً فمن خلال الابتعاد عن نهج تهدئة وخفضِ التوترات بين السعودية وإيران تهدف حماس إلى أن تُظهر للشرق الأوسط بأكمله أنّ هذا الاتفاق ليس في صالح دول المنطقة، بدءاً بفلسطين، وأنه وسيلة غير مباشرة لمحاباة إسرائيل على حساب الفلسطينيين.

د) وأخيراً، وهذا مهم جداً: في الوقت الذي يناقش فيه السعوديون والأمريكيون والإسرائيليون العلاقات الدبلوماسية بين الدولة العِبرية والمملكة السعودية فإنّ خطر التضحية بالمصالح الفلسطينية (في نظر حماس) يوفر فرصة ذهبية لحماس لِتُظهِر لأعين الجميع أنّ السلطة الفسطينية أمام هذا الواقع غير قادرة على الدفاع عن الفلسطينيين، وأنها فقدت مصداقيتها تماماً، وأنها- أي حماس - هي الوحيدة القادرة على الدفاع عن الفلسطينيين، وعلى إلحاق إذلال شديد بهم، بدلاً من تقوقعها في دور الشريك المتواطئ.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://www.lesclesdumoyenorient.com/Entretien-avec-Michel-Makinsky-Le-positionnement-de-l-Iran-dans-le-contexte-de.html




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية