النفط بين تركيا والعراق: هل يكون الأكراد حصان طروادة؟

النفط بين تركيا والعراق: هل يكون الأكراد حصان طروادة؟

النفط بين تركيا والعراق: هل يكون الأكراد حصان طروادة؟


كاتب ومترجم جزائري
21/09/2023

ترجمة: مدني قصري

أدينت تركيا من قبل محكمة دولية في أذار (مارس) 2023 بتهمة شرائها النفط مباشرة من كردستان العراق بين عامي 2014 و2018. ومنذ ذلك الحين توقف استئناف الصادرات من العراق إلى تركيا. وقد ترتبت على ذلك خسارة فادحة في الإيرادات تكبدتها السلطات في أربيل، حتى وإن تعهد العراق بتأمين احتياجاته المالية مقابل سيطرته على عائدات النفط في المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي.

برِضاً صاخبٍ رحب العراق في نهاية آذار(مارس) 2023 بقرار صادر عن غرفة التجارة الدولية في باريس الذي حسم النزاع النفطي الذي ما انفك يقوّض العلاقات بين بغداد وأربيل وأنقرة منذ عام 2014. وقد قضت هيئة التحكيم ومقرها في باريس بأنّ أنقرة انتهكت اتفاقية خط الأنابيب المبرمة عام 1973 بين العراق وتركيا، والتي تلزم الحكومة التركية باحترام تعليمات العراق بشأن نقل النفط الخام المُصَدَّر من أراضي هذا البلد. وقد ألزمت هيئةُ التحكيم تركيا بدفع 1.5 مليار دولار (1.39 مليار يورو) كتعويضات للعراق.

في الوقت نفسه أجبر هذا القرارُ حكومةَ إقليم كردستان العراق على التوصل إلى اتفاق مع بغداد، وهو ما كانت ترفضه باسم استقلالها الاستراتيجي، على الرغم من قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية الصادر في شباط (فبراير) 2022. لقد قضت أعلى محكمة في البلاد بعدم دستورية قانون حكومة إقليم كردستان لعام 2007 بشأن النفط والغاز، مما يمنح المنطقة الحرية الكاملة لاستخراج وإدارة مواردها الطبيعية. وهو القانون الذي استندت إليه حكومة إقليم كردستان لإبرام عشرات العقود مع إكسون موبيل أو توتال، فضلاً عن اتفاقيات التصدير مع تركيا بسعر أقل من سعر السوق. ولتبرير قرارها الذي وصفته حكومة إقليم كردستان بأنه "سياسي" استندت المحكمة العليا العراقية إلى المادتين 111 و112 من الدستور العراقي لعام 2005. حيث نصّت المادتان على أنّ "النفط والغاز مِلكٌ لعموم الشعب العراقي في جميع المناطق والمحافظات" وأنّ "الحكومة الاتحادية والمحافظات المنتجة وحكومات الأقاليم تقوم معاً بصياغة السياسات الاستراتيجية اللازمة لتنمية الثروة النفطية والغازية".

اتفاقية موازنة ذات نطاق غير مسبوق

كان الرابع من نيسان (أبريل) 2023 يوماً يمثل علامة فارقة في الصراع على عائدات النفط بين العراق ومنطقة كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي. ففي ذلك اليوم أعلن زعماء الحزبين عن اتفاق تم تأكيده في المادتين 13 و14 من قانون الموازنة العراقية الذي تمت المصادقة عليه في 21 حزيران (يونيو). لقد خصص هذا القانون موازنة سنوية قياسية للعراق بقيمة 152 مليار دولار (140.81 مليار يورو) تعتمد 90% منها على إيرادات نفطه الذي يتم إنتاج 30% منه في الإقليم الكردي، مما يثبت اعتماد العراق الكلي على اقتصاده الريعي.

أدينت تركيا من قبل محكمة دولية في أذار (مارس) 2023 بتهمة شرائها النفط مباشرة من كردستان العراق بين عامي 2014 و2018

فإذا كانت أربيل قد وافقت على خسارة إدارتها لحقول النفط الغنية في نينوى وكركوك التي كانت تسيطر عليها في السابق فإنّ هذا القانون يضمن لها إيرادات كافية للسنوات الثلاث المقبلة حتى قبل بيع ذهبها الأسود. وينص هذا الاتفاق حول موازنة 2023-2025 على أنّ بغداد ستكون قادرة على المساهمة بما يصل إلى 12.67% من ميزانيتها لفائدة المنطقة الكردية، شريطة توفر الموارد. وبعبارة أخرى، فإذا لم تصل عائدات النفط الكردي إلى هذه العتبة فسوف يتم استكمالها من قبل بغداد حتى تتيح لحكومة إقليم كردستان تأمين النفقات اللازمة لإدارة شؤونه.

بعد إقرار هذا القانون أعلن وكيل وزير النفط العراقي محمد العبادي أنّ وزارته مستعدة لاستئناف ضخ النفط في إقليم كردستان بمعدل 500 ألف برميل يومياً. وينص قانون الموازنة المعتمد على تصدير 400 ألف برميل يومياً من إنتاج المنطقة نحو مستودعات المؤسسة الوطنية لتسويق النفط (سومو) في ميناء جيهان التركي. وستُودَع إيرادات هذه المبيعات من قبل إقليم كردستان العراق في حساب في البنك المركزي العراقي الذي سيديره، لكنه سيظل تحت السيطرة المباشرة لرئيس الوزراء العراقي.

توترات خطيرة بين الأحزاب الكردية

هذه السيطرة، ينبغي، عَمَلِياً، أن تُجبر حكومة إقليم كردستان على استخدام هذه الأموال بِحكمة والحدّ من الفساد واختلاس الأموال. وينص القانون أيضاً على أنه في حالة نشوب صراع بين المحافظات الكردية - محافظتي دهوك وأربيل الخاضعتين لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومحافظتي السليمانية وحلبجة الخاضعتين لسيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني - وفي إطار توزيع الإيرادات المخصصة للإقليم الكردي، تستطيع الحكومة العراقية، بعد أجل مدته 30 يوماً استعادةَ السيطرة على الأموال المخصصة للطرف المتضرر.

الجانب التركي يمارس ضغوطاً على الجانب العراقي من أجل الحصول على اتفاقٍ بشأن الـ 1.5 مليار دولار التي يدين بها للعراق

لقد بلغت التوترات في الواقع أعلى مستوياتها بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. ويدير الطرفان منطقة سيطرتهما بشكل مستقل داخل حكومة إقليم كردستان، إلى حد تمتع كل منهما بقواتها البشمركة الخاصة. وقد أثارت خلافاتهما مخاوف من انهيار حكومة إقليم كردستان التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني بشكل رئيسي، إلى حد إثارة خوف المجتمع الدولي الذي يعول على استقرار المنطقة الكردية وتحالفها معها. لقد زار مسؤولون أميركيون وفرنسيون وألمان وحتى بريطانيون المنطقة في الأشهر الأخيرة من أجل دفع استئناف الحوار بين الطرفين، رسمياً أو خلف الكواليس.

وصلت التوترات في الواقع إلى حدّ أن الاتحاد الوطني الكردستاني توقف عن المشاركة في جلسات البرلمان الكردستاني لعدة أشهر، في حين حكمت محكمة العدل في أربيل، في 5 حزيران (يونيو) بالإعدام غيابياً، على العديد من كبار المسؤولين التنفيذيين في أجهزة مكافحة الإرهاب التابعين للاتحاد الوطني الكردستاني، بما في ذلك زعيمه. وقد حُكم عليهم بالمسؤولية عن اغتيال هوكار جاف، وهو واحد منهم، في أربيل عام 2022، والذي يشتبه في أنه انقلب بتأثير من الحزب الديموقراطي الكردستاني.

أما بالنسبة للانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان فقد كان من المتوقع إجراؤها في خريف عام 2022، لكنّ الخلاف بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني حول آلياتهما وقانون الانتخابات الجديد دفعهما إلى تأجيلها إلى 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023. وستتم إدارة تنظيم هذه الانتخابات من قبل اللجنة الانتخابية العراقية وليس من قبل الأكراد أنفسهم، حيث أصبحت جميع قراراتهم البرلمانية منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لاغية وباطلة من قبل المحكمة العليا العراقية التي اعتبرت هذه القرارات خارج نطاق التفويض.

الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان فقد كان من المتوقع إجراؤها في خريف عام 2022

وأخيراً فإنّ التحالفات السياسية والجيوسياسية بين الحزبين الكرديين لم تنجح في تهدئة الأمور: فمن المعروف أنّ الاتحاد الوطني الكردستاني مقرّبٌ من إيران - التي سبق وأن قصفت بشكل متكرر جماعات المعارضة الكردية الإيرانية التي لجأت إلى حكومة إقليم كردستان في الأشهر الأخيرة - ولكن أيضاً من حزب العمال الكردستانيين (PKK) والميليشيات الشيعية العراقية التابعة للحشد الشعبي وكتلته السياسية التي تسيطر على الحكومة العراقية. إنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني حليف مخلص لتركيا (كان رئيسها نيتشرفان بارزاني أول من هنأ رجب طيب أردوغان على إعادة انتخابه بعد نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تركيا) التي تقصف قواتُها حزبَ حكومة العمال الكردستاني على أرض حكومة إقليم كردستان GRK بمباركة من حزب العمال الكردستاني. كما أنه مقرب من الكتلة السنية التي ينتمي إليها رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي.

الباحث العراقي يحيى الكبيسي: إقليم كردستان يدرك تماماً أنه منذ الاستفتاء على استقلال الإقليم عام 2017 فقدَ الكثيرَ من قوته

ففي خضم التوتر بين الأكراد حدثَ استئنافُ العراق الجزئي للسيطرة على النفط الكردي. وفقاً لتحليل الباحث يحيى الكبيسي المختص في شؤون العراق فإنّ "إقليم كردستان يدرك تماماً أنه منذ الاستفتاء على استقلال الإقليم عام 2017 فقدَ الكثيرَ من قوته، ليس فقط بسبب المواجهة مع بغداد، ولكن أيضاً بسبب شدة الانقسام الداخلي الكردي. وأضاف الباحث أنّ قرارات المحكمة الاتحادية ومن ثم محكمة باريس زادت من إضعاف الوضع في أربيل، وكان قانون الموازنة هو الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة".

تركيا المغرورة لا تريد دفع الغرامة

كل هذا كان من الممكن أن يكون إشارة لنهاية الأزمة واستئناف الصادرات من كردستان إلى ميناء جيهان التركي. كان هذا دون الأخذ في الاعتبار ردّ فِعل تركيا المغرورة، غير السعيدة بفرض عقوبات عليها من قبل غرفة التجارة الدولية في باريس، والخوف من فرض عقوبات جديدة عليها، فيما هناك شكوى ثانية من العراق خلال الفترة 2019-2023 قيد الدراسة حالياً. ولذلك قرّرت أنقرة عدم إعادة فتح ميناء جيهان وخط الأنابيب المؤدي إليه للضغط على بغداد. ويؤكد يحيى الكبيسي أنّ "الحكومة العراقية حريصة على التوصل إلى اتفاق بسبب العجز الكبير في الموازنة، وبالتالي ضرورة تصدير أكبر قدر ممكن من النفط لتجنب تفاقم هذا العجز". بالنسبة للكبيسي فإنّ "الجانب التركي يمارس ضغوطاً على الجانب العراقي من أجل الحصول على اتفاقٍ بشأن الـ 1.5 مليار دولار التي يدين بها للعراق وفقاً لقرار محكمة باريس، خاصة وأنّ الجانب التركي يعلم جيداً أنّ العراق يمكن أن يخسر هذا المبلغ كل شهرين في حال لم يُصدّر نفطه من ميناء جيهان".

بلغ العجز في الجانب العراقي بالفعل 2.5 مليار دولار (2.32 مليار يورو) عند أوّل تموز (يوليو) 2023. وبينما تجري المناقشات على أعلى مستوى في الدولتين التركية والعراقية إلا أنها لم تحقق أيّ تقدّم ملموس. في هذا السياق أوضح مسؤول عراقي لوكالة رويترز بعد اجتماع في 19 حزيران (يونيو) أنّ "المشاكل التي تحول دون استئناف صادرات النفط عوائقُ سياسية أكثر منها فنية". وبالفعل فقد تسبب إغلاق خط الأنابيب في انخفاض إيرادات حكومة إقليم كردستان بنسبة 80٪، وهذا وفقاً لرسالة وجهها أعضاء في الكونجرس الأمريكي في 15 حزيران (يونيو) إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، يطلبون فيها منه الضغطَ على تركيا والعراق من أجل التوصل إلى اتفاق سريع.

بلغ العجز في الجانب العراقي بالفعل 2.5 مليار دولار (2.32 مليار يورو) عند أوّل تموز (يوليو) 2023

تتهيّأ بغداد في الوقت الحالي لإعادة توجيه 400 ألف برميل من النفط الكردي نحو استهلاكها المحلي. ويتعيّن على حكومة إقليم كردستان، التي لم تمتلئ جيوبُها منذ نهاية آذار (مارس) أن تعتمد أكثر من أي وقت مضى على مساهمة بغداد المالية المنصوص عليها بموجب قانون الموازنة الجديد، وإلا فإنّ الاستقرار الاقتصادي والإنساني والاجتماعي في المنطقة قد يتضرر بشدة. وفي أثناء ذلك سوف تلجأ تركيا لابتزاز العراق، وحكومة إقليم كردستان هي التي ستتحمّل الخسارة في النهاية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://orientxxi.info/magazine/petrole-entre-la-turquie-et-l-irak-les-kurdes-echec-et-mat,6669




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية