الضربات الأمريكية ـ البريطانية لمواقع الحوثيين وما بعدها

الضربات الأمريكية ـ البريطانية لمواقع الحوثيين وما بعدها

الضربات الأمريكية ـ البريطانية لمواقع الحوثيين وما بعدها


14/01/2024

شنّت القوات الأمريكية والبريطانية هجوماً جوياً وبحرياً ضد أهداف تابعة لميليشيات الحوثي في مناطق مختلفة باليمن شملت مطارات ومراكز ومنصات إطلاق صواريخ، وبلغ عددها حوالي (60) هدفاً، تم تنفيذها عبر صواريخ "توماهوك" أطلقت من البوارج البحرية الأمريكية في المنطقة والغواصات، بالإضافة إلى مشاركة طائرات حربية، أبرزها طائرات "تايفون" البريطانية التي انطلقت من قواعد بريطانية في قبرص، ووفقاً لبيانات الناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي فإنّ الضربات طالت قاعدة (الديلمي) الجوية شمال العاصمة، ومحيط مطار الحديدة، ومناطق في مديرية زبيد، ومعسكر كهلان شرقي مدينة صعدة، ومطار تعز، ومعسكر اللواء (22) بمديرية التعزية، والمطار في مديرية عبس.

وفي تعقيبه على تحديد أسباب هذه الضربات، أكد البيت الأبيض في بيان له أنّ "الضربات هي ردٌّ مباشر على هجمات الحوثيين غير المسبوقة ضد السفن الدولية في البحر الأحمر، بما في ذلك استخدام الصواريخ الباليستية المضادة للسفن لأول مرة في التاريخ، وبعد أن عرّضت هذه الهجمات الأفراد الأمريكيين والبحارة المدنيين وشركاءنا للخطر، وقوضت التجارة وهددت حرية الملاحة، وأضاف البيان أنّ الرئيس بايدن لن يتردد في إعطاء توجيهات لاتخاذ المزيد من الإجراءات لحماية الأفراد والتدفق الحر للتجارة".

طالبت السعودية والإمارات بضبط النفس، وضرورة الحفاظ على الأمن في المنطقة، وأعربتا عن قلقهما البالغ من العمليات العسكرية التي تجري في البحر الأحمر

 

وبعيداً عن المبالغة في حجم الضربات ضد أهداف عسكرية حوثية، وما يمكن أن تكون قد حققته من نتائج يردد الأمريكيون أنّها "جيدة"، وجاءت في سياق وصفها بعمليات جراحية وردعية ضد الحوثيين، وفي إطار الدفاع عن النفس تبعاً للمفهوم الأمريكي، دون الوصول إلى حرب مفتوحة في المنطقة، وذلك بعد تهديد الملاحة الدولية وتنفيذ الحوثيين أكثر من (20) عملية عبر المسيّرات والصواريخ ضد سفن تجارية وأخرى حربية في البحر الأحمر، وهو ما كان له انعكاسات سلبية على سلاسل التوريد للسفن العابرة من مضيق باب المندب اليمني.

وخلافاً للمقاربة الأمريكية تجاه "طوفان الأقصى" الذي شنته حركة حماس ضد إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، والمتضمنة بأنّه لا أدلة "دامغة" على دور طهران في التخطيط والدعم والتنفيذ، فإنّ الهجمات الحوثية المتكررة ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، حتى وإن جاءت في سياق حرب غزة، وتأكيد الحوثيين أنّها تستهدف فقط السفن المرتبطة بإسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأنّها ستتوقف بمجرد توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلا أنّ توسعها لتشمل سفناً أخرى ومساحات أخرى تتجاوز البحر الأحمر ومضيق باب المندب لتصل إلى بحر عُمان وبحر العرب قريباً من سواحل الهند، فإنّ تصريحات أمريكية متكررة أكدت الدعم والتخطيط والتوجيه الإيرانيين والمساهمة بمستويات مختلفة في عمليات القرصنة التي تمارسها جماعة الحوثي، وهي في غالبيتها تصريحات استندت لمعلومات استخبارية، ترتبط بعمليات التسليح الواسعة للحوثيين بالصواريخ والمسيّرات الإيرانية، وتزويدهم بمعلومات ليس بمقدور أجهزة الأمن الحوثية الحصول عليها، بما فيها ملكية السفن ونقطة انطلاقها وحمولتها والجهات المالكة والمشغلة، علاوة على أنّ عمليات الحوثي هي التي تترجم استراتيجيات طهران أكثر ممّا تترجمها اشتباكات حزب الله مع إسرائيل، ولا حتى هجمات ميليشيات في العراق وسوريا ضد قواعد أمريكية، ذلك أنّ قرصنة الحوثي للسفن التجارية تطرح مقاربات إيرانية تتضمن رسائل لأمريكا والغرب بقدرتها على التأثير بالتجارة العالمية ومطالبتها بالمعاملة بالمثل في الاستيراد والتصدير، وبما يفضي إلى إلغاء العقوبات المفروضة عليها.

يبدو أنّ كل السيناريوهات واردة في ظل ضبابية في الإقليم تؤكد أنّ استمرار حرب غزة ستبقي الباب مفتوحاً أمام احتمالات توسعها وتحولها إلى حرب إقليمية تقودها ميليشيات إيرانية

 

دول الخليج العربي، وتحديداً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، طالبت بضبط النفس، وضرورة الحفاظ على الأمن في المنطقة، وقد أعربت الرياض عن " قلقها البالغ" من العمليات العسكرية التي تجري في البحر الأحمر، والضربات التي تعرّضت لها مواقع في اليمن، ودعت إلى "أهمية الحفاظ على أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر التي تُعدّ حرية الملاحة فيها مطلباً دولياً لمساسها بمصالح العالم أجمع"، ونفت الرياض استقدام قوات أجنبية إلى المملكة بعد الضربات التي استهدفت الحوثيين، وبالتزامن أعربت الإمارات عن "قلقها البالغ من تداعيات الاعتداءات على الملاحة البحرية في منطقة باب المندب والبحر الأحمر، والتي تمثل تهديداً غير مقبول للتجارة العالمية ولأمن المنطقة والمصالح الدولية". ويشار هنا إلى أنّ الضربات جاءت في سياقات شكوك عميقة لدى العواصم الخليجية بالمواقف والعلاقة الحقيقية بين الإدارة الديمقراطية مع طهران والميليشيات التابعة لها في المنطقة، ومن بينها ميليشيات الحوثي، منذ قرار الرئيس بايدن في أيامه الأولى رفع جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب، وهو ما أفضى إلى عدم مشاركة دول الخليج في التحالف الذي شكلته أمريكا لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

من غير الواضح مدى تأثير هذه الضربات على احتمالات استمرار تهديد الحوثيين للملاحة البحرية في البحر الأحمر، أو توقفهم، وفيما إذا كانت فعلاً ترتبط فقط بحرب غزة كما تؤكد بيانات أنصار الله، وفيما إذا كانت الرسالة قد وصلت إلى طهران، واحتمالات أن تمارس ضغوطاً على الحوثيين لوقف عمليات القرصنة للسفن، ويبدو أنّ كل السيناريوهات واردة في ظل ضبابية في الإقليم تؤكد أنّ استمرار حرب غزة ستبقي الباب مفتوحاً أمام احتمالات توسعها وتحولها إلى حرب إقليمية تقودها ميليشيات إيرانية، ستواصل التحرش بحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، وربما لا تتوقف على هذه الميليشيات فقط، بوجود يمين إسرائيلي متطرف، يتحرش في المنطقة لحسابات داخلية إسرائيلية، تغطي على "فشله" في تحقيق أهدافه الكبرى بحرب غزة.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية