الرّجولة السّامة رائِجة: الاعتداء الإعلاني على الذكور

الرّجولة السّامة رائِجة: الاعتداء الإعلاني على الذكور

الرّجولة السّامة رائِجة: الاعتداء الإعلاني على الذكور


02/04/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

أدّت النّسخة البريطانيّة لمجلّة «فوغ» إلى انقسامٍ في الرأي مؤخّراً، مُثيرةً المديح والنّقد في الوقت نفسه. يعرض عدد المجلّة لشهر آذار (مارس) الفنانة ريهانا، الحائزة على جائزة «غرامي»، في وضعية مهيمنة - الذقن مرفوع والكتفان للخلف. المغنية الشّهيرة ظهرت في الصّورة وهي تقود، من دون ابتسامة على وجهها، أساب روكي، مغنّي الرّاب الأمريكيّ البارز، مُمسكةً بيده على طول شاطئ، فيما يحمل هو ابنهما الرّضيع كما لو أنه يُرضعه، ويقتفي أثرها. تتحدَّث معظم الانتقادات الموجّهة للصورة عن إخصاء أساب وفكرة أنّه هناك اعتداء على الرّجولة.

يمكن بسهولة نَبذ النّقّاد باعتبار أنّهم يُبالغون في تفسير الصّورة. إنّها مجلّة أزياء، وليست بهذا العمق. ومع ذلك، فإنّ هذه الضّجّة بالذّات ليست حادثة منعزلة. إنّها حلقة أخرى، وإن كانت صغيرة، في نقاش مستمرّ حول الرّجولة التقليديّة والمحاولات المتصوّرة لإعادة تشكيلها.

على سبيل المثال، في عام 2019، أثار إعلان على «يوتيوب» عن ماكينات حلاقة «جيليت» للرّجال غضباً عندما حاول بطريقة خرقاء استملاك فكرة هاشتاغ #أنا-أيضاً للمساعدة في بيع منتجات الشّركة. بهدف جذب جيل الألفية من خلال مُهاجمة «الرّجولة السّامة»، صوّر الإعلانُ رجالاً يتصرّفون بشكل سيئ، وفي تلاعبٍ بشعار العلامة التّجاريّة، تساءل بشكل بلاغي: «هل هذا أفضل ما يمكن أن يحصل عليه الرّجل؟ هل هو هذا؟».

فيديو تقرير عن الاحتجاجات ضد الإعلان عن ماكينات جيليت للرجال:

السخرية من الذكور

كان ردّ الفعل العنيف فوريّاً. شعر العديد من المشتكين أنّ الإعلان ذهب بعيداً جدّاً، حيث سَخِر من الذّكور ونمّطهم على أنّهم لا شيء سوى وحشيّين، أو متنمّرين، أو مفترسين جنسيّين. حاجج آخرون بأنّ بعض الأنشطة التي صُوّرت في الإعلان - على سبيل المثال، لعب الأولاد الصغار - لم تكن سامّة بشكل مؤكّد. نقّادٌ آخرون للإعلان كانوا غاضبين بالقدر نفسه ممّا اعتبروه حالة صارخة من «غسيل الدّماغ الذي يُسخّر الظّلم الاجتماعيّ»: الاستغلال الانتهازيّ للقضايا الاجتماعيّة لتحقيق مكاسب تجاريّة.

حاولت مقالة في مجلّة «فوربس» إحصاء ردود الفعل التي جاءت على إعلان «جيليت». كانت الأعداد كبيرة. تلقّى الإعلان أكثر من ربع مليون «إبداء عدم إعجاب» على «يوتيوب» مع نسبة تعليقات سلبيّة إلى إيجابيّة بلغت حوالي 10 إلى 1.

إنّ مفاهيم الرّجولة تُتَناقَل ثقافيّاً إلى حدّ كبير. القُدُوات، الأشخاص الذين نتمسّك بهم بوصفهم أبطالاً، النّماذج والأمثلة، يُشكّلون مُثلنا العليا وتطلّعاتنا

كما أدّى الاعتداء الإعلاميّ المتصوّر على الرّجولة إلى ظهور «المانوسفير» (المجال الرّجولي)، وهو مساحة على الإنترنت يروّج فيها مدوّنون، وإذاعيّون، وشخصيّات شهيرة على وسائل التّواصل الاجتماعيّ للأفكار المتعلّقة بحقوق الرّجال، والرّجولة، وما يعنيه أن يكون المرء رجلاً. عدد المتابعين وشعبيّة المؤثّرين المثيرين للانقسام، مثل أندرو تيت، يَشهدان على الأعداد المتزايدة من الشّبّان والشّابات المنفتحين على مثل هذه الرّسائل. لسوء الحظّ، في حين أنّ العديد من المفاهيم التي تُدفَع في «المانوسفير» غير ضارّة، وربما تكون مفيدة، فإنّ البعض الآخر معادٍ للمجتمع ومعادٍ للنّساء.

وبعيداً عن وسائل الإعلام، يُنظر أيضاً إلى الاعتداء على الرّجولة التّقليديّة على أنّه يأتي من جهات مهنيّة. على سبيل المثال، نشرت «جمعية علم النّفس الأمريكيّة» مؤخّراً إرشادات للمعالجين الذين يعملون مع الأولاد والرّجال. وتُحذّر هذه الوثيقة المؤثّرة من أنّ: «الأشكال المتطرّفة لسمات رجوليّة تقليديّة معيّنة ترتبط بالعدوانيّة، وكراهية النّساء، ولها نتائج صحّيّة سلبيّة».

وتشمل السّمات التي توصف بأنّها «رجوليّة تقليديّاً» الرّواقيّة العاطفيّة (أن يكون المرء هادئاً ومُتحكماً في انفعالاته) وروح المنافسة، والاعتماد على الذّات، والهيمنة، والعدوانيّة. وتشير الإرشادات كذلك إلى أنّ «الامتثال إلى الرّجولة التّقليديّة ثبت أنّه يحدّ من النّمو النّفسي للذّكور ويؤثّر سلباً على الصّحّة العقليّة والبدنيّة».

الطّابع المَرضي للرّجولة التّقليديّة

وقد انتقد العديد من علماء النّفس علانية إرشادات «جمعيّة علم النّفس الأمريكيّة». في مجلّة «سايكولوجي توداي»، وصف روب وايتلي، الأستاذ المساعد في «جامعة مكجيل»، الإرشادات بأنّها «تضفي الطّابع المَرضي على الرّجولة التّقليديّة». ووصفها عالم النّفس الكنديّ المثير للجدل، جوردان بيترسون، بأنّها «هجوم شامل على... الرّجال». احتدم هذا الجدل الخلافي ودفع للتّساؤل: ما الرّجولة الصّحّيّة بالضّبط؟

حملة جيليت 'The Best Men Can Be' لعام 2019 التي تناولت الذكورة السامة وسط حركة #MeToo

لسوء الحظّ، دار الكثير من التّركيز، حتّى الآن، على الجوانب السّلبيّة. على سبيل المثال، تُختتم معظم المناقشات حول هذا الموضوع بمفاهيم غير واضحة المعالم تُشير إلى وجود قصور مثل مفهوم «الرّجولة السّامة». ما السّمات السّامّة، ومَن الذي يقرّر أنّها كذلك؟ إنّ محاولات ردّ الفعل لإزالة السّموم من الرّجولة تؤدّي إلى خطر التّخلّص من العناصر الغذائيّة مع السّموم. علاوة على ذلك، تتداخل الرّجولة مع عناصر الهويّة الأخرى، مثل الثّقافة، والعِرق، والدّين. ويؤدّي الفشل في النّظر في هذه التّقاطعات إلى رؤية متجانسة (أحادية الثّقافة) للرّجولة، وفي هذا تبسيط مشوّه ومضلّل.

في 2019، أثار إعلان على «يوتيوب» عن ماكينات حلاقة «جيليت» للرّجال غضباً عندما حاول بطريقة خرقاء استملاك فكرة هاشتاغ #أنا-أيضاً للمساعدة في بيع منتجات الشّركة

من المنطقي التّحدّث عن أنواع مختلفة من الرّجولة، واتّخاذ نهج واسع، وبنّاء، وإيجابي تجاه فهم الرّجولة. وبالمثل، بدلاً من الرّجولة السّامة، قد نتحدّث عن الرّجولة الصّحّيّة، والرّجولة الاجتماعيّة التّضامنيّة، والرّجولة الرّحيمة. اختيار تحديد السّمات الرّجوليّة الإيجابيّة التي تفيد حاملها، وأسرته، والمجتمع الأوسع.

إنّ مفاهيم الرّجولة تُتَناقَل ثقافيّاً إلى حدّ كبير. القُدُوات، الأشخاص الذين نتمسّك بهم بوصفهم أبطالاً، النّماذج والأمثلة، يُشكّلون مُثلنا العليا وتطلّعاتنا. لا يوجد نقص في مثل هذه النماذج الإيجابية الرّجوليّة، التّاريخيّة والحيّة. والاحتفال بهؤلاء الأشخاص، بحياتهم وأعمالهم، جزء لا يتجزّأ من الحفاظ على الرّجولة الصّحّيّة وتعزيزها.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جاستن توماس، ذي ناشونال، 27 آذار (مارس) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية