الرجل الخروف

الرجل الخروف

الرجل الخروف


09/07/2023

ضجت وسائط السوشيال ميديا عندما وصفت مذيعة مصرية الرجلَ بالخروف، وكتبت على حسابها في "فيسبوك"، مخاطبة الفتيات: "مش فاهمة ليه البنات ما بتحبش تاكل لحم الخروف بس بتحب ترتبط بيه".

وفي مصر نفسها تجد، على منصة تلفزيونية مشهورة، مذيعة أخرى متخصصة في امتداح الرجال وضرورة "تقديسهم"، حتى إنها تخاطب المرأة بأنه إذا جاء زوجك فعليك أن تنهضي على قدميك لاستقباله، وإن صدف أنك تتحدثين بهاتفك فيجب عليك قطع المكالمة فوراً، وسوى ذلك من "نصائح" أعتقد أنها ترفع ضغط الليبراليين والعقّال بوجه عام.

وكلا الخطابين: خطاب الخروف، وخطاب سي السيد، ينهلان من ثقافة واحدة. وإن اختلفا في التوجه، لكنهما متشابهان في التطرف، فلا الرجل خروف، ولا هو إله، وهذا ينطبق على النساء، حتى لا تتورط هذا المقالة في التمييز الجنسوي.

وما يثير الانتباه أنّ ثمة فسطاطين متنازعين حول الأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة؛ الأول يأمر بالطاعة والانصياع المفرط، والثاني يحضّ على القطيعة واعتبار أنّ الشر مصدره الرجال.

الذين عارضوا وصف الخروف، بدوا في ردودهم أنهم أسُود، وأنّ الوصف آذى نرجسيتهم، فراحوا بوحي من ذلك يشرّقون في الشتائم ويغرّبون.

لعل ما يجعل أي مجتمع منكوباً هو أنّ نساءه بلا خُيلاء، وكأنه يتباهى برؤيتهن ذليلات، ويتعامل معهن باعتبارهن جاريات، ولسن شريكات في صنع الحياة

وأما النساء اللائي يعتبرن المذيعة الرافعة شعار: قم للزوج ووفّه التبجيلا، فإنهن يعِبن على الخطاب نفيه علاقة المودة والاحترام والتفاهم القائمة بين الطرفين، بما يضمن الإنصاف: قومي لزوجك، وقم لزوجتك، وهنا تتجلى "الأسْدَنة" (من أسُود) بمعناها الجوهري الذي تنتصر فيه الحقيقة على الوهم وثقافة المجاملات البالية.

ويحضر في البال عند ذكر العلاقة بين الرجل والمرأة، ما ظل يكتبه نصير النساء الألمع في الشعر العربي المعاصر نزار قبّاني الذي كتب ذات مرة بلا تحيز: "لا أدري لماذا يعتريني الشعور أحياناً أنّ العلاقة بين الرجل العربي والمرأة العربية هي علاقة عقارية، ينطبق عليها كل ما ينطبق على العلاقات العقارية من معاينة، ودفع رسوم، واستملاك .. إنّ الرجولة كما يفهمها مجتمع الرجال لدينا هي القائمة على الكسر، والقمع، وإلغاء إرادة المرأة. النساء كالرجال لسن كلهنّ قديسات ووادعات وضحايا، فالضحية ليس لها جنس، فقد تكون امرأة شفافة كدموع الكريستال، وقد تكون رجلاً له شارب وعضلات ويحمل مسدساً".

الأدباء والمفكرون استرعتهم الإشكاليات الجدلية بين الرجل والمرأة، فخاضوا غمارها، ولشكسبير عبارة بليغة: "بالنار يُختبر الذهب، وبالذهب تُختبر المرأة، وبالمرأة يُختبر الرجل".

وسواء كان خروفاً أم أسداً، فإنّ السلوك الإنساني الرؤوف هو ما يميز رجلاً عن آخر، والأمر ذاته ينطبق على المرأة. لكنّ الاجتماع معطوفاً على الدين ينجز صورة عن الطرفين مرتبطة بالتوجس. وفي المجتمعات التي نعيش في أعطافها يتجلى المزيج الديني الاجتماعي على هيئة نزّاعة إلى التطرف والسلطوية، حتى إنّ بعضهن يروق لها القول بأنّ وراء كل امرأة تعيسة رجلاً أساء معاملتها ولم يعتنِ كما قال قبّاني بـ"الكريستالة" فخدشها وسرق منها البريق والخُيلاء.

ولعل ما يجعل أي مجتمع منكوباً هو أنّ نساءه بلا خُيلاء، وكأنه يتباهى برؤيتهن ذليلات، ويتعامل معهن باعتبارهن جاريات، ولسن شريكات في صنع الحياة التي لن يُقيّض لها التفتّح والنضوج ما لم تكن مثل الطائر الطليق الذي يحلّق بجناحين ملؤهما الفضاء.

لا بأس أن أكون خروفاً. المهم أن أكون خروفاً محترماً!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية