الحكم في قضية شكري بلعيد.. هل هو بداية محاسبة إخوان تونس؟

الحكم في قضية شكري بلعيد.. هل هو بداية محاسبة إخوان تونس؟

الحكم في قضية شكري بلعيد.. هل هو بداية محاسبة إخوان تونس؟


28/03/2024

في أول حكم يصدر في القضية التي أثارت صدمة في البلاد وتسببت بأزمة سياسية كبرى، حكم القضاء التونسي، الأربعاء، بالإعدام على أربعة مدانين في قضية اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد عام 2013، وذلك بعد مماطلة قضائية دامت أكثر من إحدى عشرة سنة.

وفجر الأربعاء، أعلن المساعد الأول لوكيل الجمهورية (المدعي العام) بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب (محكمة مختصة)، أيمن شطيبة، عن صدور حكم بالإعدام في حق 4 متهمين والسجن بقية العمر في حق متهمين آخرين وعقوبات سجنية لمدد متفاوتة تراوحت بين العامين و30 عاماً.

وأكد أنّ الحكم جاء بعدم سماع الدعوى في حقّ 5 متهمين باعتبار أنّه تم تتبعهم لنفس الأفعال والجرائم المنسوبة إليهم في قضايا أخرى، كما تم إخضاع جملة المتهمين لعقوبة المراقبة الإدارية لمدة تتراوح بين 3 و5 أعوام.

وقد أدين 23 شخصاً في اغتيال المحامي البالغ من العمر 48 عاما داخل سيارته أمام منزله في السادس من فبراير 2013. وكان بلعيد من أشد منتقدي حركة النهضة الحاكمة في ذلك الحين وأجبرت الاحتجاجات الحركة إثر اغتياله على الخروج من السلطة مؤقتاً.

من هم المحكومون الـ4 بالإعدام

والمتّهمون الأربعة الذين حكم عليهم بالإعدام شنقا حتّى الموت، هم عزّ الدين عبد اللاوي ومحمد أمين القاسمي ومحمد العكاري ومحمد العوادي (شهر الطويل).

كان بلعيد من أشد منتقدي حركة النهضة

محمد العوادي الملقب بـ"الطويل"، هو "قائد الجهاز العسكري والمسؤول الثاني في ما يُسمّى تنظيم أنصار الشريعة المحظور" والذي مكن اعتقاله من الحصول على معلومات هامة حول عمليات إرهابية واغتيالات كان يخطط لها التنظيم.

ووفق اعترافات سابقة للعوادي، فإنّ أوامر الاغتيال تمت بعد موافقة من أمير التنظيم سيف الله بن حسين المعروف بـ"أبو عياض". وأثناء عملية المداهمة لمنزل العوادي، تم العثور على صور شخصية لعدد من القيادات الأمنية البارزة والمعروفة بمحاربتها للإرهاب ووثائق دقيقة حول تحركاتهم ومدارس أبنائهم ووظائف زوجاتهم والمقاهي التي يرتادونها وأوقات الخروج والدخول إلى منازلهم، وتم حجز آلات تصوير حديثة.

أما محمد العكاري فيعد أبرز عناصر الجناح الأمني لتنظيم "أنصار الشريعة" المكلف بالتنسيق واستقطاب وتجنيد العناصر الجديدة غير المعروفة وذات مستوى ثقافي عال للعمل بالجهاز السري.


قادت عدّة دلائل إلى اتهام حركة النهضة الإخوانية وجهازها السري بتنفيذ عملية الاغتيال أو التستر على الحقائق وإخفائها فضلاً عن تعطيل القضاء في البحث فيها

وانتمى إلى تنظيم "أنصار الشريعة" ورحل إلى ليبيا حيث تلقى تدريبا عسكريا تحت إشراف "أحمد الرويسي" (تم اغتياله سابقا).

أما محمد القاسمي فهو قائد الدراجة النارية الذي قام بمراقبة بلعيد لمدة 3 أيام كاملة قبل اغتياله، ثم شارك في عملية القتل باعتباره كان سائق قاتل بلعيد (كمال القضقاضي وهو متوف).

في حين أنّ عز الدين عبد اللاوي هو مساعد الأمن السابق المتورط مع الجماعات الإرهابية، اعترف بتورطه في اغتيال  شكري بلعيد، وقال إنّه اختفى بعد عملية الاغتيال  في أحد المنازل بحي الغزالة بالعاصمة قبل أن ينتقل لاحقاً إلى منطقة الوردية حيث ألقي القبض عليه.

وحسب التحقيقات فإنّ عزالدين عبد اللاوي البالغ من العمر 49 عاماً كان يعمل لفائدة الأجهزة الأمنية، وأودع السجن، قبل أن يلتحق بالمجموعات الجهادية. وقد تورط في العديد من العمليات الإرهابية في العاصمة وفي جهات أخرى، كما يشتبه في تورطه مع عصابات ومجموعات لتهريب السلاح وتخزينه.

مسؤولية الإخوان

وقادت عدّة دلائل إلى اتهام حركة النهضة الإخوانية وجهازها السري بتنفيذ عملية الاغتيال أو التستر على الحقائق وإخفائها فضلاً عن تعطيل القضاء في البحث فيها، وفي أحدث التصريحات، قال كثير بوعلاق، عضو هيئة الدفاع عن شكري بلعيد إنّ راشد الغنوشي رئيس الحركة هو الذي قرر تصفية القياديين اليسار شكري بلعيد والقومي محمد البراهمي.

محمد العوادي رئيس الجناح العسكري في جماعة "أنصار الشريعة بتونس"

وأضاف بوعلاق، في تصريحات إعلامية، أنّ "الغنوشي كرئيس للجهاز السري لحركة النهضة هو الذي قرر تصفية بلعيد والبراهمي"، وتابع: "نحن مارسنا محاماة مقاومة، ووجّهنا أصابع الاتّهام رسميا للجهاز السري لحركة النهضة".

وتحدث بوعلاق عن "ضروب التنكيل التي تعرضت لها هيئة الدفاع، والخروقات والتجاوزات التي شابت الملف، والمحاولات المحمومة لدفن هذا الملف وطمس معالم جريمة الاغتيال بحق شكري بلعيد".

 

وقعت جريمة الاغتيال في عهد رئيس الحكومة الإخواني حمادي الجبالي ووزير الداخلية الإخواني (المسجون حاليا) علي العريض ووزير العدل الإخواني نور الدين البحيري

 

وفي السادس من شباط /فبراير 2013، استفاق التونسيون على خبر اغتيال بلعيد رمياً بالرصاص أمام منزله بضواحي العاصمة، في أول اغتيال سياسي تشهده تونس منذ عام 1956، ما مثل صدمة في الشارع التونسي، وكشف عن وجه قبيح لتنظيم الإخوان.

ووقعت جريمة الاغتيال في عهد رئيس الحكومة الإخواني حمادي الجبالي ووزير الداخلية الإخواني (المسجون حاليا) علي العريض، ووزير العدل الإخواني نور الدين البحيري.

واغتيل القيادي القومي محمد البراهمي في 25 تموز/يوليو 2013  بـ14 طلقة نارية أمام منزله في ضواحي العاصمة، 6 منها اخترقت الجانب العلوي من جسده، في حين توجهت 8 طلقات إلى رجله اليسرى، في حادثة مروعة جرت على مرأى ومسمع من زوجته وأبنائه الخمس.

وأثار اغتيال المعارضَين صدمة في تونس وشكل منعطفاً في هذا البلد الذي انطلقت منه شرارة ثورات الربيع العربي، فأثار أزمة سياسية كبرى في وسط عملية انتقال ديمقراطي كان يشهدها، انتهت بخروج حركة النهضة من الحكم وتشكيل حكومة تكنوقراط أمنت وصول البلاد إلى انتخابات في 2014.

النهضة تتنصل

هذا وسارعت حركة النهضة بعد الإعلان عن هذه الأحكام القضائية، التي لم تحمّل أي طرف سياسي مسؤولية اغتيال بلعيد، إلى إعلان براءتها من تهمة الاغتيال، مؤكدةً في بيان حمل توقيع العجمي الوريمي، الأمين العام للحركة، وحمل عنوان "جاء الحق وزهق الباطل"، أنّ ما توصلت إليه الأجهزة الأمنية بكُل تخصصاتها، وما انتهت إليه الدوائر القضائية من تفاصيل، "تُعّد بشكل يقيني أدّلة براءة للحركة، وأدّلة قطعية على الأجندة المشبوهة لما يسمى بهيئة الدفاع (عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي)، المتمثلة في استهداف طرف سياسي ظلماً وعدواناً وكذباً وبهتاناً"، على حد تعبيره.

محمد العكاري يعد أبرز عناصر الجناح الأمني لتنظيم "أنصار الشريعة"

وعدّت "حركة النهضة" أنّ صدور الأحكام في قضية الاغتيال "ينبغي أن يُنهي المتاجرة بدم الشهيد، ويعيد الاعتبار لمن طالته الاتهامات السياسية الباطلة والقاتلة، خاصة رئيس الحركة راشد الغنوشي"، كما دعت الحركة إلى فتح "صفحة المصالحات الكبرى، والإعراض عن الأصوات الناعقة بالفِتنة والإقصاء والكراهية". 

لكن قياديين في حزب الوطنيين الموحد، الذي كان بلعيد أحد قادته، قالوا إنّ الأحكام التي صدرت الثلاثاء لا تعني سوى المتورطين بشكل مباشر في تنفيذ عملية الاغتيال، وإنّ الحزب سيتحرك لاستكمال بقية القضية بمحاكمة من يقفون وراء التنفيذ، وإنّ المرحلة القادمة ستخصَّص لتتبع ملف الجهاز السري.

 

كان يُفترض أن تجري المحاكمة في وقت حكم النهضة لتشكل فرصة لمحاسبتها سياسياً وشعبياً من خلال الاحتجاجات أو الانتخابات

 

وكان يُفترض أن تجري المحاكمة في وقت حكم النهضة لتشكل فرصة لمحاسبتها سياسياً وشعبياً من خلال الاحتجاجات أو الانتخابات.

ويصدر القضاء التونسي أحكاماً بالإعدام ولا سيما في حق المتهمين بتنفيذ هجمات "ارهابية"، لكن تونس أوقفت تنفيذ هذه الأحكام منذ العام 1991.

وتبنى جهاديون مرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية اغتيال شكري بلعيد، وكذلك اغتيال المعارض القومي محمد البراهمي (58 عاما) بعد ستة أشهر.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية