الحرب في اليمن: الإنهاك التام والسلام الهش

الحرب في اليمن: الإنهاك التام والسلام الهش

الحرب في اليمن: الإنهاك التام والسلام الهش


كاتب ومترجم جزائري
14/09/2023

ترجمة: مدني قصري

أكثر من 337 ألف قتيل- 60٪ منهم لأسباب غير مباشرة مثل انعدام الأمن الغذائي وعدم الوصول إلى الرعاية الصحية - خلال ثماني سنوات من التدخل العسكري في اليمن، وهي أسوأ أزمة إنسانية يمر بها الكوكب حالياً ، خطوة إلى الوراء على مدى عقدين من الزمن من حيث التنمية، اشتباكات مميتة دون استنتاجات عسكرية حاسمة... وصل الصراع  في اليمن إلى نقطة إنهاك تام، سواء بالنسبة للسكان المدنيين أو بالنسبة للمتحاربين.

ففي هذا الإطار تندرج مفاوضات السلام التي بدأت منذ نيسان (أبريل) 2023 من قبل مبعوثين سعوديين وحوثيين، تحت إشرف سلطنة عُمان، الوسيط التقليدي في المنطقة. بِدافع اتفاق التطبيع الدبلوماسي بين المملكة العربية السعودية - على رأس التحالف ضد الحوثيين – وبين إيران - الداعم الرئيسي للحوثيين – تحت إشراف الصين في بكين في 10 آذار (مارس) الماضي، تشهد محاولات التوصل إلى اتفاق سلام، أو على الأقل إلى وقف دائم للقتال، تسارعاً ملموساً، سواء تحت إشراف الأمم المتحدة أو من دونها، وتُترجِم هذه المحاولات إرادةَ المتحاربين في العثور على حل للصراع الذي دمّر اليمن.

إجراء مفاوضات يمنية داخلية تشمل كامل الطيف السياسي والعسكري الوطني شرطٌ أساسي لأي مناقشات حقيقية تهدف إلى إيجاد حلّ شامل ودائم للصراع

فإذا كان قد تم إحراز تقدم واعد لا جدال فيه في الأشهر الأخيرة، وهو ما يعطي لمحة عن آفاق تحقيق نتائج حقيقية ودائمة من عملية السلام، فإنّ المفاوضات شهدت في نهاية المطاف بعض التباطؤ، أو حتى جموداً غير معترف به. وعلاوة على ذلك لم تشمل مختلفُ الجهات الفاعلة المشاركة في هذه المحادثات سوى جزء من فسيفساء الأطراف المتحاربة في الصراع، وقد استبعدت في الواقع جهات أخرى، على الرغم من أهميتها، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي. وللتذكير فإنّ المجلس الانتقالي الجنوبي حركة سياسية موروثة منذ أن تعايشت دولتان، اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، ضمن أراضي اليمن الحالي. يحافظ المجلس الانتقالي الجنوبي على أهداف انفصالية، ويدعو إلى إنشاء كيان سياسي جنوبي مستقل عن اليمن الحالي. وقد تمكن المجلس الانتقالي الجنوبي منذ بداية الحرب، من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي وعدّة مدن في جنوب البلاد، وفي مقدمتها عدن.

يحافظ المجلس الانتقالي الجنوبي على أهداف انفصالية ويدعو إلى إنشاء كيان سياسي جنوبي مستقل عن اليمن الحالي

 نجاحات واعدة

 منذ اليوم التالي لاتفاق التطبيع الدبلوماسي بين الرياض وطهران جرت مفاوضات في برن (سويسرا) تحت رعاية الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بين مبعوثين حوثيين ووفد من الحكومة المعترف بها، للوصول إلى اتفاق حول تبادلٍ واسع النطاق للأسرى. كانت هذه المفاوضات، وهي السابعة من نوعها، قد أسفرت في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، عن تبادل وإطلاق سراح أكثر من ألف أسير. وبلغت هذه الدورة الجديدة ذروتَها هذه المرة في 14 نيسان (أبريل)، بالإفراج عن 887 آخرين. قبل ذلك بأيام قليلة، في 7 نيسان (أبريل) قام التحالف الذي تقوده السعودية، في بادرة جديدة من الانفتاح، برفع قيود الاستيراد في الموانئ - بما في ذلك عدن، عاصمة الانفصاليين في المجلس الانتقالي الجنوبي - في جنوب اليمن، التي كانت خاضعة حتى تلك اللحظة منذ ثماني سنوات للحصار.

وبالتزامن مع هذه المفاوضات لعبت سلطنة عمان مرّة أخرى دور الوسيط خلال المباحثات بين وفدٍ سعودي وكبار المسؤولين في صنعاء "عاصمة" المتمرّدين الشيعة في اليمن، من أجل تسريع عملية السلام. وكان في استقبال المبعوثين السعوديين في 9 نيسان (أبريل) رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مهدي المشاط، الذي ورد أنه قال إنّ إقامة سلام مشرف بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية سيكون "انتصاراً للطرفين"، داعياً جميع الأطراف إلى اتخاذ التدابير اللازمة "للحفاظ على الأجواء السلمية والاستعداد لطي صفحة الماضي". كما نوقشت مواضيع أخرى خلال مفاوضات السلام هذه، مثل إعادة فتح مطار صنعاء الدولي، ودفع رواتب الموظفين المدنيين العاملين في أراضي الحوثيين، والجهود الواجب بذلها لإعادة بناء البلاد، والجدول الزمني الذي يجب إعداده لتنظيم مغادرة القوات الأجنبية للأراضي اليمنية. وكانت مسألة تمديد الهدنة، التي تم التوصل إليها في نيسان (أبريل) 2022 وانتهت في 2 تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه، على الرغم من المحاولات العديدة التي بذلتها الأمم المتحدة لتفعيلها من جديد، مدرجةً أيضاً على جدول أعمال المفاوضات.

أعلن مفاوض الحوثيين الرئيسي، محمد عبدالسلام، أنّ المناقشات كانت "جدية وإيجابية" بينما قال المبعوث الأممي إلى اليمن إنه "متفائل" بـ "العمق والجدية" التي تتميز بها المناقشات الجارية  في صنعاء

وخير دليل على إرادة الرياض للتوصل إلى اتفاق أنّ هذه المناقشات لم تعد سريّة، بل قد تم ترويجها إعلامياً، كما تشهد على هذه الحقيقة صورةُ السفير السعودي لليمن محمد الجابر وهو يصافح مهدي المشاط، وهو مشهدٌ لم يكن بالإمكان تصوّره قبل أشهر قليلة فقط. في 14 نيسان (أبريل) أعلن مفاوض الحوثيين الرئيسي، محمد عبدالسلام، أنّ المناقشات كانت "جدية وإيجابية" بينما قال المبعوث الأممي إلى اليمن، الدبلوماسي السويدي هانز جروندبرج، إنه "متفائل" بـ "العمق والجدية" التي تتميز بها المناقشات الجارية  في صنعاء.

ولكن منذ هذه التطورات الواعدة، تبدو المفاوضات مجمّدة في وضعها الراهن، وعلاوة على ذلك لم تحظَ هذه المناقشات بإجماع بين المتحاربين في الصراع، لكنّ الجميع اتفقوا على ضرورة وضع حدّ للأزمة.

من الصعب نسبياً تصور تحقيق استقرار أمني شامل في اليمن في الوقت الذي لا تزال فيه الجماعات الجهادية تحتفظ بمواقع قوية في اليمن

 ما هي العقبات التي تقف في طريق عملية السلام التي بدت رغم ذلك أنها تتقدم بخطى ثابتة، وفيما كان يجري التخطيط لجولات من المفاوضات للأشهر المقبلة؟

 المفاوضات والأطراف المتحاربة 

"ليس من السهل توضيح الخطوات التالية للمفاوضات"، هذا ما اعترف به المندوب السعودي في ختام زيارته إلى صنعاء في نيسان (أبريل) الماضي، مؤكداً في هذا السياق كلام دبلوماسي أجرت معه وكالة فرانس برس مقابلة في 11 أيار (مايو)، والذي جاء فيه أنّ "الأمل في التوصل إلى حل سريع قد تضاءل إلى حد ما". ويبدو أنّ تفاؤل مبعوث الأمم المتحدة هانز جروندبرج، بالفعل، قد تضاءل على مر الأسابيع، فبعد أن أكد أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 17 مايو (أيار) أنّ جهوداً قد بُذِلت "للتوصل إلى اتفاق بشأن المسار الذي يجب اتباعه لإنهاء الصراع بطريقة دائمة" عاد ليؤكد بعد أيام قليلة، في 30 أيار (مايو) لشبكة التلفزيون الصينية العالمية أنّ إقامة هدنة تبدو "ممكنة، ولكنها ليست سهلة، قبل أن يؤكد في لاهاي، في 14 حزيران (يونيو) أنّ الأطراف المختلفة "تراجعت مع الأسف عدة خطوات إلى الوراء".

هناك أسباب عديدة تتحكم في تباطؤ المفاوضات، أو حتى في تجميدها الحالي. أوّلاً، على الرغم من التقدم الحقيقي - لا سيما فيما يتعلق بإنهاء الحصار البحري – فإنّ العديد من العقبات لا تزال تعرقل عملية السلام: على سبيل المثال، فإذا لم يستبعد السعوديون أنّ الحكومة اليمنية تدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية الذين يعملون لصالح الحوثيين فإنهم – السعوديون - يرفضون معنى مصطلح "موظف مدني" الذي تتبناه صنعاء تعني بهذا المصطلح القوات المسلحة الحوثية أيضاً.

ومع ذلك فإنّ السبب الرئيسي الذي يجعل نتائج هذه المفاوضات جد معقّدة يظل، قبل كل شيء، افتقارها إلى التمثيل لفسيفساء الجهات الفاعلة السياسية والعسكرية المشاركة في الحرب الأهلية اليمنية. في الواقع، بعيداً عن اختصارها في مجرد حرب بين السعوديين والحوثيين - على الرغم من ظهورهم كأطراف رئيسية في الصراع، على الأقل في وسائل الإعلام - فإنّ الأزمة اليمنية تشمل العديد من الجهات الفاعلة الرئيسية الأخرى، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي لم يفته منذ شهر آذار ( مارس) التعبير عن استيائه ومعارضته لأي اتفاق يذهب أبعد من تجديد الهدنة ولا تتم استشارته بشأنها. ومنذ ذلك الحين أكد المجلس الانتقالي الجنوبي هيمنته على الجنوب، وضرورة الاعتراف بهذا الانقسام بين الشمال الذي يسيطر عليه ويديره الحوثيون، والجنوب الذي يسيطر عليه المجلس الانتقالي الجنوبي، في أي اتفاق سلام. ونظراً لتشاؤمهم بشأن التقدم الحقيقي في اتفاقية السلام هذه فقد أكد كبار مسؤولي المجلس الانتقالي الجنوبي بأنه إذا بدا تجديد الهدنة ممكناً، فلن يمنع ذلك الاستئناف الوشيك للحرب، حيث سيستغل كل طرف متحارب هذه المهلة للتحضير لأعمال عدائية جديدة.

كما تم عزلُ "المجلس الرئاسي اليمني"، وهو الهيئة المكوّنة من ثمانية أعضاء والتي تشكلت في نيسان (أبريل) 2022 لتحل محل الرئيس عبد ربه منصور هادي، عن المحادثات بين السعودية والحوثيين. كما أقصى الحوثيون أيضاً الإمارات العربية المتحدة، التي كانت الشريك الرئيسي للمملكة العربية السعودية في التحالف في اليمن قبل أن تعيد تحديد أولوياتها لدعم حلفائها ووكلائها اليمنيين، ولا سيما المجلس الانتقالي الجنوبي. 

بعض الأطراف تتّهِم الحوثيين باستغلال هذه المفاوضات لتعزيز أنفسهم وتعظيم مكاسبهم والاستعداد لاستئناف الأعمال العدائية قريباً

وأخيراً، تجدر الإشارة إلى استمرار الوجود القويّ للجماعات الجهادية المتطرفة في جميع أنحاء اليمن، بدءاً بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وداعش. فإذا كانت هذه الجماعات لا تملك أي نيّة في الاندماج في المفاوضات الرامية إلى تجديد الهدنة أو التوصل إلى اتفاق سلام، فإنه  يبدو من الصعب نسبياً تصور تحقيق استقرار أمني شامل في اليمن في الوقت الذي لا تزال فيه هذه الجماعات، ولا سيما تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، تضم عدة آلاف من المقاتلين الناشطين في صفوفها، وتحتفظ بمواقع قوية في مناطق مأرب وأبين وشبوة، وكذلك في حضرموت والمهرة والجوف.

إيجاد مخرج للصراع 

وهكذا، فإنّ رغبة السعودية في إيجاد مخرج للصراع في اليمن، الذي غرقت فيه لمدّة ثماني سنوات، تبدو اليوم أقوى مع سعي المملكة إلى استعادة مكانتها كلاعب سياسي واقتصادي مهيمن في الشرق الأوسط، كما أظهر ذلك اتفاقُ التطبيع الدبلوماسي الذي أبرِم مع طهران بالتزامن مع بدء المفاوضات مع الحوثيين في صنعاء. ومع ذلك فإنّ هذه المناقشات لا يبدو أنها متلائمة مع جميع الأطراف المتحاربة، حيث إنها تتجاهل مطالب العديد من الأطراف اليمنية، التي لا يمكن تجاوزها، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، وحتى الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي نفسه. 

بعض الأطراف تتّهِم الحوثيين باستغلال هذه المفاوضات لتعزيز أنفسهم وتعظيم مكاسبهم والاستعداد لاستئناف الأعمال العدائية قريباً، فور انسحاب السعوديين. وبالتالي يبدو أنّ إجراء مفاوضات يمنية داخلية تشمل كامل الطيف السياسي والعسكري الوطني شرطٌ أساسي لأي مناقشات حقيقية تهدف إلى إيجاد حلّ شامل ودائم للصراع.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://www.lesclesdumoyenorient.com/Point-de-situation-de-la-guerre-au-Yemen-la-paix-mais-pour-qui-1-2.html



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية