استقرار الأردن مهدَّد بالمستوطنات الإسرائيلية

استقرار الأردن مهدَّد بالمستوطنات الإسرائيلية

استقرار الأردن مهدَّد بالمستوطنات الإسرائيلية


كاتب ومترجم جزائري
29/10/2023

ترجمة: مدني قصري

إنّ الفكرة الغريبة القائلة بأنّ العاصمة الأردنية عمّان يجب أن تتنازل عن أراضٍ من أجل فلسطين جديدة فكرة ليست مهيئة للاختفاء في وقت قريب.

كثيراً ما يؤكد المتطرفون الإسرائيليون ويصرّون على القول إنّه بدلاً من إقامة دولة فلسطينية مستقلة يجب على الفلسطينيين قبول الأردن كوطن لهم. (كان الأردن يحكم الضفة الغربية، والعديدُ من الأردنيين لديهم جذور فلسطينية). الصيغة الأكثر اعتدالاً لهذه الخطة تتلخص في إعادة أجزاء الضفة الغربية التي لا تريدها إسرائيل إلى الحكم الأردني. أمّا النسخة الأكثر تطرفاً فتتضمّن تهجير الفلسطينيين جسديّاً إلى الأردن.

على الرغم من غياب الموافقة الأردنية أو الفلسطينية فإنّ فكرة الأردن كوطن فلسطيني لا تزال متداولة في الأوساط القومية الإسرائيلية. كما أنها تكتسب أرضاً في زوايا غير متوقعة في واشنطن. ففي الشهر الماضي نشرت المجلة الليبرالية Just Security "اقتراحاً غريباً وأصيلاً" من قِبل جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة سكوكروفت Scowcroft لأمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي الوسطي Atlantic Centrist Council..

"بعض المستوطنات (الإسرائيلية) في الضفة الغربية والأراضي التي تقع عليها سوف تحتفِظ بها إسرائيل حتماً بموجب أي اتفاق. وفي هذ السياق كتب بانيكوف أنّ عدد المستوطنات التي ستصر إسرائيل على الاحتفاظ بها سوف يتزايد كل عام". ومن دون هذه الأراضي لا يمكن لفلسطين أن تكون دولة مستقلة وقابلة للحياة. ويتلخص الحل الذي يطرحه بانيكوف في استبدال الأراضي المفقودة لصالح المستوطنات بإعطاء فلسطين جزءاً من الأراضي الأردنية.

الوصاية على الأماكن المقدسة

وفي المقابل سيحصل الأردن على جزء من الأراضي السعودية بالإضافة إلى امتيازات اقتصادية. ولترسيخ الاتفاق سيُطلب من الملكية الأردنية أن تتقاسم أغلى تراثها ــ الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس ــ مع أفراد العائلة المالكة السعودية.

فهذا الاقتراح أسوأ من مطالبة الأردن بأن يبيع حقّ بكريته الطبيعية مقابل أجر زهيد. فهذا الاقتراح يطلب من الأردنيين المخاطرة بانهيار عنيف لبلادهم. علاوة على ذلك، فإنّ الأرض التي يفكر فيها بانيكوف، وهي وادي الأردن هي سلّة غذاء البلاد. الأردن بالفعل بلد فقير بالمياه. فمن دون النهر والأراضي الخصبة المحيطة به ستواجه البلاد كارثة بيئية. فعلى بعد بضعة كيلومترات إلى الشرق، تتحول المناظر الطبيعية الأردنية إلى صحراء مظلمة لا تصلح لعدد كبير من السكان.  

اللعب باستقرار الأردن لا معنى له. ولا شك أنّ السعي للقيام بذلك باسم المستوطنات الإسرائيلية سعيٌ نابعٌ مِنْ تعصُّبٍ أعمى لا شك فيه

ففي واشنطن يشكل اقتراح بانيكوف عرَضاً من أعراض قِصر النظر فيما يتصل بالشرق الأوسط. غالباً ما ينظر صناع السياسة الأمريكيون إلى المصالح الإسرائيلية باعتبارها قضايا وجودية يجب التعامل معها بأكبر قدر من العناية. وفي المقابل، نادراً ما يُنظر إلى الدول العربية، حتى تلك الصديقة للولايات المتحدة، من نفس الزاوية. وغالباً ما يتم التعامل مع مصالحها الحيوية كسلع يمكن تبادلها. لن تطلب أي مؤسسة فكرية think-tanker أو مركز أبحاث من إسرائيل التخلي عن تل أبيب من أجل مصلحة الأردن، لكن بانيكوف يستطيع أن يقترح بكل أريحية تفكيك الأردن من أجل مصلحة إسرائيل.

لقد اعتادت واشنطن على إجبار بقية دول الشرق الأوسط على تلبية المصالح الإسرائيلية. ولأسباب أيديولوجية، يعتقد الساسة الأمريكيون أنّ عليهم مسؤولية حماية إسرائيل، التي يعتبرونها دولة صغيرة وضعيفة ومحاطة بخصوم عرب أقوياء. فهذه الصورة عفا عليها الزمن منذ عقود. إنّ العديد من الدول في المنطقة، ومواطنيها، أكثر عرضة للهجمات الإسرائيلية من العكس.

الحاجة إلى المستوطنات

على سبيل المثال، كثيراً ما يقول القادة الإسرائيليون إنهم بحاجة إلى المستوطنات للحفاظ على "حدود يمكن الدفاع عنها". وإلا فإنّ المدن الإسرائيلية مثل تل أبيب ستجد نفسها تحت سيف ديموقليس، على بعد أقل من 30 كيلومتراً من الأراضي العربية. لكنّ الأردن معرّض للخطر بنفس القدر. يتمركز الجيش الإسرائيلي على بعد 35 كيلومترا فقط من عمّان، وإربد، ثاني أكبر مدينة في البلاد. الميناء الوحيد في البلاد، العقبة، هو شريط ساحلي طوله 15 كيلومتراً يقع بين الحدود الإسرائيلية والسعودية. وعلى بعد بضعة كيلومترات إلى الشرق من الحدود تتحول الأراضي الأردنية إلى صحراء غير صالحة لعدد كبير من السكان.

لأسباب أيديولوجية، يعتقد الساسة الأمريكيون أنّ عليهم مسؤولية حماية إسرائيل، التي يعتبرونها دولة صغيرة وضعيفة ومحاطة بخصوم عرب أقوياء. هذه الصورة عفا عليها الزمن

وهكذا، فعندما يتحدّث السياسيون الإسرائيليون عن إمكانية التهجير الجماعي للفلسطينيين إلى الأردن، أو يقفون أمام خريطة تُظهر الأردن كجزء من "إسرائيل الكبرى" فإنّ الأردنيين لديهم كل الأسباب لفهم أنّ الأمر يتعلق بتهديد ذي عواقب وخيمة. الواقع أنّ الضفة الغربية كانت جزءاً من الأردن عندما غزتها القوات الإسرائيلية واحتلتها في عام 1967. ولكن لا أحد يقترح تقسيم الأراضي الإسرائيلية حتى يشعر الأردنيون بمزيد من الأمان.

والأردن ليس الجار الوحيد لإسرائيل الذي يعيش تحت هذا النوع من التهديد. لقد شهدت مصر وسوريا ولبنان غزو القوات الإسرائيلية لأراضيها واحتلالها. وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة حاولت التأثير على كلا الجانبين في الماضي إلا أنّ سياستها الحالية تركز بالكامل على هيمنة إسرائيل على الدول العربية. فبينما يهدد المسؤولون الإسرائيليون بإعادة لبنان "إلى العصر الحجري" وفيما تخترق الطائرات العسكرية الإسرائيلية المجال الجوي اللبناني بشكل صاخب، فإنّ واشنطن تتساءل في حيرة حول كيفية نزع سلاح ميليشيا حزب الله اللبناني وتشجيع جيش لبناني لا يهدد إسرائيل.

الأردن ومصر حالتان فريدتان من نوعهما، لأنّ الولايات المتحدة تعتبرهما "حليفين رئيسيين من خارج الناتو". وقد أشادت الحكومة الأمريكية بالأردن لالتزامه بـ "الأهداف الاستراتيجية المشتركة" وتعتبر من الناحية النظرية أنّ استقرار الأردن هو مصلحة أمريكية. علاوة على ذلك، بَذل الأردن الكثير من أجل تحقيق السلام مع إسرائيل بالشروط التي تفضلها واشنطن. وفي عام 1994 وقّعت الحكومة الأردنية معاهدة سلام مع إسرائيل، وتخلت عن مطالباتها بالضفة الغربية واستوعبت اللاجئين الفلسطينيين في المجتمع الأردني. وبعد ثلاثين عاماً يبدو أنّ القوميين الإسرائيليين وداعميهم الأميركيين عازمون على معاقبة الأردن على تعاونه.

تحذيرات

لقد وافق الأردن على معاهدة وادي عربة 1994 لتجنب تحمل تكاليف القضية الفلسطينية. وكما أوضح وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر في مقابلة أجريت معه مؤخراً، فقد تخلت المملكة عن مطالباتها بالضفة الغربية من أجل إنشاء حدود دائمة وإنهاء فكرة أنّ الأردن سيكون "وطناً (فلسطينياً) بديلاً". ومع خروج عمّان من الصورة، كان من المفترض أن يقوم الإسرائيليون والفلسطينيون بحل قضاياهم داخل حدود إسرائيل وفلسطين.

ويُحذّر بانيكوف من أنّ استمرار السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية " يهدد بإنهاء هُوية إسرائيل كدولة ذات أغلبية يهودية". لكن المستوطنات الإسرائيلية ليست الموضوع الثابت الذي يصوّره بانيكوف. بالطبع فإنّ ترْك الآلاف من المواطنين الإسرائيليين تحت السلطة الفلسطينية ــ أو إجلائهم قبل التنازل عن الأراضي ــ سوف يكون مؤلماً على المستوى السياسي بالنسبة لإسرائيل. قالمشكلة مشكلة إسرائيلية وليست أردنية.

إذا كانت إسرائيل راغبة حقاً في التخلص من الضفة الغربية وتجنب مشاركة الدولة مع الفلسطينيين فقد تجد طريقة لتحقيق ذلك. ولا يوجد سبب أخلاقي أو عملي لتحميل الأردن تكاليف ذلك. إنّ اقتراح بانيكوف في واقع الأمر إقتراح إيديولوجي، ويرتكز على الاعتقاد الأمريكي بأنّ انعدام أسباب الرفاه الإسرائيلي أهمّ بكثير من المعاناة العربية.

على الأقل، فإنّ تهديد خصوم إسرائيل السوريين واللبنانيين يستجيب لمنطق استراتيجي معيّن، لأنهم أعداء للولايات المتحدة أيضاً. إنّ اللعب باستقرار الأردن، الدولة الصديقة، لا معنى له. ولا شك أنّ السعي للقيام بذلك باسم المستوطنات الإسرائيلية سعيٌ نابعٌ مِنْ تعصُّبٍ أعمى لا شك فيه.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://www.les-crises.fr/conflit-israelo-palestinien-hamas-stabilite-jordanie-menacee-colonies-israeliennes/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية