إدراج الإخوان على قائمة التطرف في بريطانيا... ظروف إصدار القرار وأهميته وتأثيراته

إدراج الإخوان على قائمة التطرف في بريطانيا... ظروف إصدار القرار وأهميته وتأثيراته

إدراج الإخوان على قائمة التطرف في بريطانيا... ظروف إصدار القرار وأهميته وتأثيراته


18/03/2024

يواجه تنظيم الإخوان ضغوطاً صعبة في داخل أوروبا تتعلق باستمرار القيود والضوابط على نشاطه وتجفيف مصادر تمويله، بدأت قبل أعوام من النمسا ثم فرنسا وأخيراً بريطانيا التي يعتبرها التنظيم معقله الرئيسي، فقد أصدرت الخميس الماضي تعريفاً جديداً للتطرف نص على أنّ التطرف "هو ترويج أو تعزيز إيديولوجية تقوم على العنف أو الكراهية أو التعصب، تهدف إلى تدمير الحقوق والحريات الأساسية، أو تقويض أو استبدال الديمقراطية البرلمانية الليبرالية في بريطانيا، أو خلق بيئة للآخرين عن عمد لتحقيق تلك النتائج"، فما مدى أهمية القرار؟ وما ظروف اتخاذه؟ وما التأثيرات الناجمة عنه؟

بهذا التعريف تكون بريطانيا قد انضمت إلى دول أوروبية أخرى مثل فرنسا والنمسا عملت على التضييق على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين منذ أعوام، لكن ما يمثل مفارقة في هذا السياق أنّ بريطانيا لطالما مثلت قاعدة لجماعة الإخوان ومركزاً لعملياتها على مدى عقود، ويرجع ذلك إلى التعريف الفضفاض الذي كانت لندن قد صاغته للتطرف، والذي اقتصر على المعارضة الصريحة والفعلية لقيم المملكة البريطانية الأساسية، وهو ما ترك المجال واسعاً أمام الجماعة لتجذير أصولها في بريطانيا من خلال أشكال مختلفة؛ أوّلها النشاط السياسي الذي لا يتعارض مع قيم المملكة لتجنب الحظر، وكذلك التغلغل داخل الجامعات من خلال الأنشطة والجماعات الشبابية.

لا يمكن فصل القرار عن تداعيات الحرب في غزة، خاصة على بريطانيا التي شهدت مسيرات حاشدة وصفت بالكراهية

وتضم جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا شبكة جمعيات تقدّر بحوالي (60) منظمة، ويصل حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة للجماعة إلى حوالي (10) مليارات دولار، وقد حصلت شركات الإخوان ومؤسساتهم على الوضع القانوني تخوفاً من قبل الجانب البريطاني من أن يتحول الإخوان للعمل السري، ممّا يضر بمصالح الدولة، وفق ما نقل (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات).

ومن هنا؛ فإنّ بريطانيا التي شكلت بلداً استقرت فيه الجماعة ومارست أعمالها بعدما وفرت لها الحكومات البريطانية المساحات المطلوبة، تحولت اليوم وبعد التعريف الجديد للتطرف إلى بلد يضيق على أنشطة الجماعة على الأقلّ من الناحية النظرية، بما فيها من تأثير على المستوى الجماهيري عن طريق نشر وترويج الأفكار المتطرفة، وهي صفعة جديدة للجماعة تضاف إلى الصفعات المتتالية التي كان آخرها حالة التقارب بين القاهرة وأنقرة.

 

تضم جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا شبكة جمعيات تقدّر بحوالي (60) منظمة، ويصل حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة للجماعة إلى حوالي (10) مليارات دولار.

 

وعن أهمية القرار البريطاني، فإنّ عنصر التوقيت يشكّل عامل أهمية بالنسبة إلى التعريف البريطاني الجديد للتطرف، ذلك أنّه لا يمكن فصله بحال من الأحوال عن تداعيات الحرب في غزة، خاصة على الدول الأوروبية التي شهدت وعلى رأسها بريطانيا مسيرات حاشدة في كبريات مدنها وميادينها تدعو إلى نصرة غزة، وهي المسيرات التي وصفت بالكراهية في العديد من وسائل الإعلام البريطانية، وصاحب هذا ما وصف من قبل الحكومة بأنّه "موجة" عنف ضد اليهود الموجودين في بريطانيا، خاصة أنّ لندن لم تبد موقفاً داعماً لغزة، وكان موقفها منحازاً لجانب إسرائيل والولايات المتحدة، وفق تقرير نشرته صحيفة (الموقع).

ويعزز الاتجاه السابق أنّ الحكومة البريطانية كانت قد قدمت مشروع قانون في خطاب الملكة عام 2016 لمواجهة خطر التطرف، مع طرح جديد للنظام المدني لتقييد النشاط. وقد واجه مشروع القانون معارضة واسعة النطاق، وتم وضعه على الرفّ بعد أن فشلت الحكومة في تقديم تعريف مقبول قانوناً للتطرف، وهو التعريف الذي يطابق حسب الوثائق ما تمت الموافقة عليه حالياً، فقد نص مشروع القانون في 2016 على أنّ التطرف هو الترويج لأيّ إيديولوجية تهدف إلى "قلب أو تقويض ديمقراطية المملكة المتحدة ومؤسساتها وقيمها، أو تهدد حقوق الأفراد، أو تخلق بيئة مواتية للتطرف وجرائم الكراهية والإرهاب".

لطالما مثلت بريطانيا قاعدة لجماعة الإخوان ومركزاً لعملياتها على مدى عقود

هناك حالة من الربط بين توقيت القرار والأوضاع الداخلية على الصعيد السياسي وتراجع شعبية رئيس الوزراء البريطاني، ولذلك فإنّ تغيير التعريف الذي نص عليه في عام 2011 قد يكون محركاً لإعادة ثقة الجمهور في الحكومة البريطانية، خاصة أنّ سوناك تعهد سابقاً بالوقوف بحزم في وجه المتطرفين وإحباط مساعيهم في زعزعة استقرار البلاد، وقال في خطاب ارتجالي ألقاه يوم الأول من آذار (مارس) الجاري: "هناك قوى تحاول تمزيقنا من الداخل".

ويضاف إلى ذلك أنّ التعريف البريطاني الجديد جاء بناءً على طلبات إحاطة للحكومة وبعد نسخة مخففة من المقترحات التي تم طرحها. وتنعكس أهمية التعريف الجديد كذلك في اتساع نطاق الجماعات التي سوف يشملها ويؤثر على أدائها بالتضييق، ليأتي على رأسها تنظيم الإخوان والجماعات التابعة له، وكذلك التنظيمات البريطانية المتهمة بالتمييز ضد الأقليات، ومن ضمنها الحركة الاشتراكية القومية البريطانية والبديل الوطني.

 

الطعن في القرار يضع فكرة وجود التنظيم في بريطانيا في خانة حرجة، نظراً لأنّه يستند في مكونه المركزي على إيديولوجية الإسلام السياسي، وهي إيديولوجيا متطرفة بطبيعتها.

 

ونظراً لأنّ التعريف الجديد يركز على الجانب الفكري والإيديولوجي وليس على الفعل، فإنّه لن يكون هناك استئناف إذا تم تصنيف مجموعة على أنّها متطرفة، وبدلاً من ذلك يحق لتلك الجماعات الطعن في القرار الوزاري أمام المحاكم، وهو ما يضع فكرة وجود التنظيم في بريطانيا في خانة حرجة نظراً لأنّه يستند في مكوّنه المركزي على إيديولوجية الإسلام السياسي، وهي إيديولوجيا متطرفة بطبيعتها، وهو ما يمثل صفعة للتيار ككل، وعلى رأسه تنظيم الإخوان.

أمّا عن التأثيرات الناجمة، فإنّ التعريف الجديد سيخلق حالة من التوتر في علاقات مستقرة على مدى عقود بين بريطانيا والجماعة، وربما تنجم عنه آثار أخرى تؤثر على قرارات سابقة لاحتواء أعضاء الجماعة، انعكست في أنّ رئيسة الوزراء البريطانية السابقة (تيريزا ماي) أصدرت قراراً أتاح لعناصر جماعة الإخوان المسلمين حق اللجوء السياسي.

مع هذا التعريف الجديد تتخلى بريطانيا بشكل من الأشكال عن توظيف عناصر الإخوان المقيمين على أراضيها كعامل ضغط أو ابتزاز للدول الوطنية التي عانت من ويلات إرهاب الجماعة.

ومن التأثيرات المهمة أنّ الأنشطة الاقتصادية للإخوان في لندن سوف تتأثر، خصوصاً أنّ التعريف الجديد للتطرف يحظر على الوزراء والمسؤولين البريطانيين التواصل مع أو تمويل المنظمات التي تقوض نظام المملكة، وطبقاً لذلك أشارت مصادر حكومية إلى أنّ الجماعات التي سيتم إلغاؤها فعلياً من قبل مجلس الوزراء بسبب مخالفتها التعريف الجديد سيتم إعلانها في الأسابيع المقبلة.

ووفق شبكة (سكاي نيوز)، فإنّ القرار البريطاني سيضع قيوداً على الرابطة الإسلامية المحسوبة على الإخوان؛ ممّا سيؤدي إلى تقييد إضافي لحركة التنظيم التي تأثرت بشكل كبير منذ عام 2020 مع انتشار كوفيد ومنع التجمعات داخل المساجد، الأمر الذي أثر بدوره سلباً على حركة جمع التبرعات لصالح التنظيم.

 

التعريف الجديد  سيخلق حالة من التوتر في علاقات مستقرة بين بريطانيا والجماعة، وربما تنجم عنه آثار أخرى تؤثر على قرارات سابقة لاحتواء عناصر الجماعة. 

 

هذا بالإضافة إلى تأثير القرار على الاعتمادات المالية للتنظيم؛ ممّا سيؤدي إلى تقليص أنشطة التنظيم داخل أوروبا ووضع رقابة صارمة على تحركاته.

يُذكر أنّ نطاق التأثير للتعريف الجديد يشمل جميع المنظمات التي تتبنّى أفكاراً متشددة، ومن أبرزها الرابطة الإسلامية في بريطانيا، وهي الفرع البريطاني لجماعة الإخوان المسلمين، والتي سوف تتأثر بشكل كبير بفعل التعريف الجديد للتطرف، والمنظمة الإسلامية للتربية والتنمية، ومنظمة العمل والإصلاح الفلسطيني المشاركة، والتنمية الإسلامية، وجمعية أصدقاء الأقصى. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية