هل يشعل التطرف الإسرائيلي الانتفاضة الفلسطينية الثالثة؟

هل يشعل التطرف الإسرائيلي الانتفاضة الفلسطينية الثالثة؟

هل يشعل التطرف الإسرائيلي الانتفاضة الفلسطينية الثالثة؟


كاتب ومترجم جزائري
15/04/2023

ترجمة: مدني قصري

في الثلاثاء، الرابع من الشهر الجاري، تدخّلت شرطة الاحتلال الإسرائيلي بعنف في ساحة المساجد، خلال ليلة تميزت بالاشتباكات، أثناء تواجد المصلين الفلسطينيين في اعتكاف، وهو ملاذ روحي خلال شهر رمضان. يتكرر هذا النوع من العنف كلّ عام في القدس الشرقية منذ عام 2021. وخلال يوم الخميس، 6 نيسان (أبريل) قصف الجيش الإسرائيلي الأراضي اللبنانية لأوّل مرّة منذ نيسان (أبريل)2022 ، بعد أن أطلِقت عدة عشرات من الصواريخ باتجاه إسرائيل من مخيّم فلسطيني. وبحسب الدولة اليهودية ستكون حماس مسؤولة عن هذه الهجمات الصاروخية. وقد امتدّ العنف أيضاً إلى قطاع غزة الذي قصفه الجيش الإسرائيلي بعد إطلاق صواريخ على إسرائيل.

بموازاة ذلك كانت الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة مسرحاً لاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي وجماعات فلسطينية مسلحة جديدة، خاصة في جنين ونابلس. كما تتصاعد أعمال العنف من قبل القوات الإسرائيلية والمستوطنين ضدّ المدنيّين الفلسطينيين، وكذلك الهجمات التي يخطّط لها الفلسطينيون ضد أهداف إسرائيلية. قد توحي هذه العناصر بأنّ المنطقة أصبحت على مقربة من انتفاضة ثالثة وشيكة.

انتفاضة ثالثة

في بودكاست نشرته  صحيفة "هآرتس" العبرية في 1 كانون الأول (ديسمبر) 2022 قال عاموس هرئيل بنبرة حادة: "أعتقد أنّ الوقت قد حان للحديث عن اندلاع انتفاضة ثالثة". المحلل الأمني ​​لوسائل الإعلام الإسرائيلية ليس أوّل من يحذر. في دراسة نُشرت في أيلول (سبتمبر) 2018 تحت عنوان "القدس أو الانتفاضة الزاحفة" أكّد الباحث نيكولاس دوت بويارد أنّ التقارب الأمريكي - الإسرائيلي بشأن المدينة المقدسة خلال رئاسة ترامب أشعل "غضب الشعب الفلسطيني". وربما كان يُعدّ لـ"انتفاضة جديدة". بصرف النظر عن حلقات العزل المرتبطة بـ Covid-19 فقد تضاعفت دورات العنف واشتدت منذ عام 2018، لا سيما في الأراضي الفلسطينية، مما أثار مخاوف من اندلاع انتفاضة عامة. كان عام 2022 مميتًا بشكل خاص.

ألوانٌ من العنف في تصاعد

نشرت الصحافية كلوثيلد مرافكو في حزيران (يونيو) 2022 مقالاً بعنوان "الضفة الغربية المحتلة مجزرة صامتة"، ويوثق هذا المقال تصاعد الغارات الإسرائيلية في الضفة الغربية بعد سلسلة من الهجمات الدموية في إسرائيل. هذه الغارات تحصد بانتظام ضحايا فلسطينيين ومقاتلين ومدنيّين عزلاّ، مما جعل عام 2022 أكثر الأعوام دموية على الفلسطينيين منذ نهاية الانتفاضة الثانية. وفي نفس العام أصبح مقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي كشف تحقيقٌ نشرته شبكة (سِي إن إن) أنها قُتلت بنيران قناص إسرائيلي، رمزاً لهذه "المذبحة الصامتة".

الباحث أباهر السقا: إضعاف محكمة العدل العليا سيؤثر على الفلسطينيين

في الوقت نفسه، ازداد عنف المستوطنين الإسرائيليين، والذي اندلع معظمه بالقرب من البؤر الاستيطانية في عام 2022 وفقاً لتقرير الأمم المتحدة: "على مدار العقد الماضي وثّقت الأمم المتحدة 3372 حادثاً عنيفاً ارتكبها المستوطنون، مما أدى إلى إصابة 1222 فلسطينياً (... ). في عام 2022 وصل العنف الذي يرتكبه المستوطنون إلى أعلى مستوى يُسجّل على الإطلاق".

في هذا السياق تضاعفت الهجمات الفلسطينية المميتة ضد أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وفي قلب إسرائيل. في نهاية شهر كانون الثاني (يناير) قُتل 7 إسرائيليين في هجوم في القدس الشرقية، شنّه فلسطيني، بحسب تقرير الشرطة الإسرائيلية. ويُعتبَر هذا الهجوم "الأكثر دموية منذ ما يقرب من عشر سنوات"، وفقاً للباحث ديفيد خلفا.

أدى وصول اليمين المتطرف إلى السلطة إلى تفاقم الوضع الأمني الهش بالفعل، كما يتضح ذلك من تحذيرات يورام كوهين ويوسي كوهين، الرئيسين السابقين لشين بيت والموساد

هذا الفصل الجديد من العنف يأتي في وقت يتم فيه إعادة تحديد القوات من كل جانب. في إسرائيل  نجح اليمين العنصري المتطرف في الاستيلاء على السلطة بدخوله حكومة نتنياهو السادس. وفي الضفة الغربية تواجه الفصائل الفلسطينية المسلحة، التي تُعبِّر عن معارضتها لسياسات محمود عباس، القوات الإسرائيلية، في سياق بدأت تفقد فيه المؤسسات الفلسطينية وممثلوها شعبيتها.

لا شك أنّ تلاقي هذه الديناميكيات يؤشّر بالتأكيد على بدايات انتفاضة ثالثة.

اليمين الإسرائيلي المتطرف في السلطة

في كانون الأول (ديسمبر) 2022 أدى وصول إيتامار بن جفير (القوة اليهودية) إلى الحكومة كوزير للأمن القومي، وبتسلئيل سموتريتش (الحزب الصهيوني الديني) كوزير للمالية، إلى جعل حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل. ففي حين أنّ استيطان الأراضي الفلسطينية لم يتوقّف أبداً في ظل الحكومات السابقة  فإنّ هذا التحالف الجديد المكوَّن من قادة سياسيين استفزازيين عنصريّين وداعمين للمستوطنين الأكثر تطرفاً، يمثل بلا شك فصلاً جديداً في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية.

أدى وصول اليمين المتطرف إلى السلطة (الذي أتاحه بنيامين نتنياهو) إلى تفاقم الوضع الأمني ​​الهش بالفعل، كما يتضح ذلك من تحذيرات يورام كوهين ويوسي كوهين، الرئيسين السابقين لشين بيت والموساد على التوالي، بشأن مخاطر السياسة التي تنتهجها الحكومة الحالية. لطالما كان يُنظر إلى نتنياهو على أنه سياسي براغماتي من قبل قطاع الأمن الإسرائيلي. لكن اليوم يقوم زعيم الليكود بخطوة حثيثة لضمان بقائه السياسي. تمت محاكمة بنيامين نتنياهو بتهم "الفساد" و"إساءة استخدام السلطة" و"الاحتيال المالي" في ثلاث مناسبات، لذلك يسعى للبقاء في السلطة بأي ثمن كان، من خلال التشكيك في استقلالية العدالة، بدعم من اليمين المتطرف. إنّ مشروع إصلاح العدالة الذي تنفذه حكومة نتنياهو لا ينص فقط على تولي السلطة السياسية في تعيين القضاة ومسيرتهم المهنية، ولكن أيضاً على إعلان إنهاء المحكمة العليا، ومع ذلك فهي القوّة المضادة الوحيدة في إسرائيل.

على عكس إسرائيل لم يؤدّ مشروع الإصلاح هذا في الأراضي الفلسطينية إلى تعبئة شعبية. وبحسب الباحث أباهر السقا، الأستاذ في جامعة بيرزيت فإنّ الفلسطينيين لا يشعرون بأنّ إضعاف محكمة العدل العليا سيؤثر على حياتهم اليومية، "نادراً ما أنصفت المحكمة العليا الفلسطينيين فيما يتعلق بالسياسة الاستيطانية. لكنّ إضعافها لا يزال ينطوي على بعض الخطر، لأنّ الفلسطينيين عادة ما يملكون إمكانية تقديم طلباتهم إلى هذه الهيئة، مما يؤدي إلى إجراء تقنيّ طويل، مع تأجيل الإجراءات الإسرائيلية لمصادرة الأرض. في مواجهة الاحتجاج الهائل وغير المتجانس في الأشهر الأخيرة داخل المجتمع الإسرائيلي تمّ تعليق هذا المشروع الإصلاحي في الوقت الحالي، ولكن لم يتم التخلي عنه. فإذا تم تبنّيه، من دون ضوابط وتوازنات يمكن للحكومة أن تضع سياسة يدعمها اليمين المتطرف وتكون ضارة بشكل خاص بالفلسطينيين. لقد أدرج المتطرف الإسرائيلي إيتامار بن غفير مؤخراً بعض الإجراءات ذَكرها في خطاب ألقاه في القدس، مثل "عقوبة الإعدام للإرهابيين (العرب)" أو حتى "حصانة الجنود الإسرائيليين".

لدعم بقائه في السلطة يضاعف بنيامين نتنياهو التنازلات لصالح اليمين المتطرف. في مقابل تأجيل الإصلاح القضائي قام رئيس الوزراء المتطرف بتكليف إيتامار بن غفير بمهمة تدريب "الحرس الوطني". هذا المطلب الذي ظل هذا الكهاني يستمسك به منذ وقت طويل سيسمح له، وفقاً لخصومه، بتشكيل ميليشيا بأوامره، بالعناصر الأكثر تطرفاً في المستوطنات، ولا سيما "شباب التلال"، مما سيزيد من تفاقم الوضع الأمني ​​والإفلات من العقاب في الأراضي الفلسطينية. وهناك تنازل آخر لفائدة التشكيلات اليمينية المتطرفة، وخاصة للحزب الديني الصهيوني بتسلئيل سموتريتش، حيث  ألغى الكنيست في نهاية شهر آذار (مارس) قانوناً صدر عام 2005 يحظر على السكان اليهود السفر إلى منطقة في شمال الضفة الغربية، حول نابلس. سيؤدي هذا التشريع الجديد إلى إضفاء الشرعية على مستوطنة حومش التي أصبحت رمزاً للمستوطنين الإسرائيليين من اليمين المتطرف. بالنسبة للباحث أباهر السقا فإنّ "هذه نقطة تحوّل، حيث أنّ البرلمان الإسرائيلي يعطي تفويضاً مطلقاً للمستوطنين، بمن فيهم أولئك الذين يمثلون خطراً على إسرائيل".

السلطة الفلسطينية: الثقة تتداعى

في تقريره الأخير الصادر في 14 آذار (مارس) 2023  نشر المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والتحقيقات (PCPSR) هذا الاستنتاج: "في ضوء الأحداث الأخيرة في حوارة وفي شمال الضفة الغربية أصبح موقف الرأي العام الفلسطيني أكثر فأكثر تشدّداً. إنّ دعم الكفاح المسلح آخذ في الازدياد، ومعه تراجع دعم حل الدولتين، وأغلبية كبيرة تعارض لقاء العقبة. في الوقت نفسه تتضاءل الثقة بالسلطة الفلسطينية، وتتزايد مطالبةُ الرئيس عباس بالاستقالة، وللمرّة الأولى تُعارض غالبية السكان إنشاء السلطة الفلسطينية، معلنة أنّ حلّها أو انهيارها يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني"..

وكما يتضح من عمل مركز الأبحاث، الذي يتحرى بانتظام حالة الرأي العام الفلسطيني، فقد عانى الرئيس محمود عباس من تراجع شعبيته في السنوات الأخيرة. هذا الاتجاه ليس جديداً. لكنّ استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر أيضاً أزمة ثقة متفاقمة في المؤسسات. إنّ استمرار التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، والذي يستمر على الرغم من سياسة استيطان الأراضي المحتلة، وكذلك الفساد داخل المؤسسات الفلسطينية، يتعرّض لانتقادات منتظمة من قبل الفلسطينيين في الضفة الغربية. في هذا السياق أدى إلغاء الانتخابات الفلسطينية (التي كان من المقرر إجراؤها مبدئياً في ربيع 2021) من قبل محمود عباس، إلى زيادة فقدان الثقة بشكل كبير، إذ يَعتبر الفلسطينيون أنّ السلطة الفلسطينية غير قادرة على قبول تجديد ممثليها وتغيير المسار السياسي. .

في موازاة ذلك يسلط تقرير PCPSR الضوء على الشعبية المتزايدة للجماعات المسلحة الناشئة الجديدة التي لا تنتمي إلى حركة فتح التي يتزعمها محمود عباس ولا لحركة حماس الحاكمة في غزة. إنّ فشل محاولات المصالحة بين حماس وفتح، على الرغم من رغبة غالبية الفلسطينيين، هو الذي يدفع السكان إلى اللجوء إلى مجموعات بديلة، تتمركز بشكل أساسي في نابلس وجنين، وبعض أعضائها من فتح، ولكنهم يقترحون "طريقاً ثالثاً" في مواجهة إهمال الحزبين التقليديين. يتضح هذا من خلال الدعم الهائل الممنوح لمجموعات عرين الأسود. لقد شنّت هذه الجماعة المسلحة غير المنتسبة إلى الأحزاب الرئيسية، والتي ظهرت في آب (أغسطس) 2022 في مدينة نابلس بالضفة الغربية، تمرّداً لعدة أسابيع قبل أن تقتل القوات الإسرائيلية أعضاءها.

تسلط تقارير الضوء على الشعبية المتزايدة للجماعات المسلحة الناشئة الجديدة التي لا تنتمي إلى حركة فتح التي يتزعمها محمود عباس ولا لحركة حماس الحاكمة في غزة

في هذا السياق تعرّضت قمّة العقبة التي جمعت قادة فلسطينيين وإسرائيليين ومصريين وأردنيين في نهاية شباط (فبراير) لانتقادات شديدة في الضفة الغربية. خلال الاجتماع  تعهد ممثلو السلطة الفلسطينية وإسرائيل "بمنع المزيد من العنف" والعمل على "وقف التصعيد". وهو التزام يُنظر إليه على أنه خيانة في نظر الفلسطينيين، بحسب الباحث أباهر السقا، "لم يفهموا سبب مشاركة ممثلي السلطة الفلسطينية في هذه القمة، في وقت يتعرّض فيه المقاتلون الفلسطينيون، وكذلك المدنيّون، للقتل بشكل منتظم من قبل الجيش الإسرائيلي".

اليوم، ليس شخص محمود عباس وحده هو الذي يثير الكثير من المعارضة، بل المؤسسات أيضاً. وبحسب PCPSR فإنّ 57٪ من الفلسطينيين في الضفة الغربية يعتقدون أنّ السلطة الفلسطينية تخدم مصالح إسرائيل و52٪ يعتقدون أنّ حلها أو انهيارها يخدم مصالح الشعب الفلسطيني. في الوقت نفسه تتوقع غالبية الفلسطينيين في الضفة الغربية (61٪) اندلاع انتفاضة ثالثة.

ومع ذلك فإنّ العديد من الفلسطينيين الذين يعملون لصالح الإدارة، أو الذين يتلقون مساعدة مخصصة لعائلات المعتقلين الفلسطينيين، يعتمدون على السلطة الفلسطينية لمواجهة مصاعب الحياة. علاوة على ذلك فإنّ قوى الأمن الفلسطينية ككل لا تشكك في سلطة محمود عباس. لذلك لا تزال المؤسسات الفلسطينية تتمتع ببعض الاستقرار، كما يشهد على ذلك أباهر السقا، "بدعم من إسرائيل والمجتمع الدولي تحافظ السلطة الفلسطينية على سلطتها على الضفة الغربية. لا يزال لديها القدرة على السيطرة على تلك المنطقة. في الواقع لا يزال لديها الوسائل اللازمة لتمويل رواتب موظفي الخدمة المدنية وأهالي المعتقلين". علاوة على ذلك إذا كانت فتح تمر بانقسامات قد تُضعِف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، كما تبيَّن ذلك من ظهور قائمة فتح غير تابعة لعباس أثناء الحملة الانتخابية الملغاة في أيار (مايو) 2021 فإنّ محمود عباس وحاشيته ما زالوا يسيطرون على الحزب الفلسطيني.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.lesclesdumoyenorient.com




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية