هل طوت جماعة الإخوان صفحتها الأخيرة؟ دراسة حديثة تجيب

هل طوت جماعة الإخوان صفحتها الأخيرة؟ دراسة حديثة تجيب

هل طوت جماعة الإخوان صفحتها الأخيرة؟ دراسة حديثة تجيب


22/05/2024

عصفت أزمات كبيرة ومتلاحقة بجماعة الإخوان على مدار (10) أعوام، منذ سقوطها عن الحكم في مصر، لعل أخطرها أزمة الانهيار البنيوي التي لحقت بالتنظيم إثر احتدام صراع داخلي على قيادة التنظيم، أفرزت (3) جماعات في تنظيم واحد، يتصارعون فيما بينهم، وفي ضوء تلك الأزمات تبدو كافة السيناريوهات أمام التنظيم قاتمة. 

في السياق تناولت دراسة حديثة صادرة عن مركز (تريندز للبحوث والاستشارات) للباحث المصري منير أديب طبيعة الوضع التنظيمي الراهن للجماعة، الذي يبدو مترهلاً ومشتتاً إلى حدٍّ كبير، ومرّت الدراسة بالسيناريوهات المستقبلية المتوقعة للإخوان في ضوء احتدام الأزمات والصراع الداخلي من جهة، وتكثيف التحركات لإعادة التموضع في المشهد العربي من جهة أخرى. 

ظلال التقارب المصري التركي

تشير الدراسة إلى عدد من المؤثرات التي انعكست بشكل مباشر على وضع التنظيم الراهن؛ أهمها بحسب الباحث التقارب المصري-التركي، الذي مرّ بمراحل عدة حتى انتهى بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة، وتحولات ما بعد الزيارة، والتي تجلّت في سحب الجنسية التركية من القائم بعمل مرشد الإخوان محمود حسين، وعدد من الإخوان.

وتذكر الدراسة أنّ التقارب المصري-التركي من أهم التحولات التي مرّت بها حركة الإخوان المسلمين في تركيا؛ فزيارة الرئيس التركي الأخيرة خلّفت وراءها قراراً تركيّاً بسحب الجنسية من محمود حسين، القائم بعمل المرشد لجماعة الإخوان، والمقيم في إسطنبول، وقامت السلطات التركية بسحب جنسيته وإبطال جواز سفره الشخصي. 

وعليه فقد تحولت تركيا من ملاذ آمن لقيادات الإخوان إلى محطة جديدة ينتقل منها الإخوان إلى وجهة أخرى قد تكون إحدى الدول الآسيوية أو الأفريقية، أو يوزع الوجود بين عدد من البلدان، منها أوروبا التي يتواجد فيها الإخوان منذ فترة ليست بالقصيرة، وسوف يكون الانتقال في هذه الحالة للأشخاص وللاستثمارات أيضاً.

أزمات داخلية طاحنة

الجماعة مرت بأزمات عدة بعد دخولها في مواجهات مسلحة مع الدولة المصرية ومؤسساتها الأمنية والسياسية عقب عام 2013، بعد أن أسست الجماعة معسكرات تدريبية في مصر، بهدف تكوين ميليشيات مسلحة تابعة لها على غرار الحرس الثوري الإيراني، لمواجهة محتملة مع الجيش والشرطة، وفق الدراسة. 

 

دراسة: ما يحدث داخل التنظيم انعكاس لحالة الانهيار التي يمرّ بها وليس دليلاً على سقوطه، خاصة أنّه مرّ بأعوام الضعف والتحلّل هذه في أعوام سابقة. 

 

 وقد أدت الضربات الأمنية التي تعرّضت لها الجماعة على يد الدولة المصرية إلى انقسامها إلى جبهتين رئيسيتين في إطار الصراع بين قيادات الجماعة للسيطرة عليها تنظيميّاً وماليّاً وإداريّاً؛ إحداهما تقيم في لندن قبل أن يستبدل زعيمها الحالي صلاح عبد الحق، والأخرى تُقيم في إسطنبول منذ أن وقَع الخلاف بينهما، يتولى زعامتها محمود حسين، عضو مكتب الإرشاد والأمين السابق لجماعة الإخوان المسلمين.

ذلك إضافةً إلى بروز تيار جديد داخل الجماعة أُطلق عليه التيار الثالث تحت اسم "تيار التغيير" لينفِّذ فيها، وفق تعبيره، تعاليم حسن البنا وسيد قطب، ويهدف هذا التيار إلى السيطرة على الجبهتين المتصارعتين، وإحياء فكر سيد قطب ومحمد قطب ومحمد كمال، وتنفيذ وصايا الأب الروحي للمجموعة النوعية محمود عزت.

وتذكر الدراسة أنّ القبض على محمود عزت هو ما فجّر الخلافات داخل الجماعة وأدى إلى هذه الحالة من الانقسامات العميقة، فبينما كان محمود حسين، عضو مكتب الإرشاد، أمين عام التنظيم، يرى أحقيته في أن يحل محل عزت في منصب القائم بأعمال المرشد، كان إبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولي، يعتقد أنّه الأولى بتولي المنصب ذاته، وقد اشتد الصراع بقوة عقِب اجتماع مكتب الإرشاد العالمي في حزيران (يونيو) 2022، وإقراره بأحقية إبراهيم منير في إدارة الجماعة، وإلزام القيادات كافة في جميع الأقطار تقديم البيعة له نائباً للمرشد العام وقائماً بأعماله.

وهو قرار من شأنه عدم الاعتراف بالإجراءات كافة التي أقدمت عليها جبهة إسطنبول بزعامة محمود حسين؛ الأمر الذي دفع جبهة إسطنبول إلى شنّ هجوم واسع على مكتب الإرشاد العالمي، مشكِّكين في القرار، ومؤكِّدين عدم صحته من الناحية اللائحية.

انهيار بنيوي 

تصف الدراسة ما يحدث داخل التنظيم بأنّه انعكاس لحالة الانهيار التي يمرّ بها وليس دليلاً على سقوطه، خاصة أنّه مرّ بأعوام الضعف والتحلّل هذه في أعوام سابقة، فهناك من يتوقعون عودة التنظيم من جديد، ويستندون في ذلك إلى الظروف السياسية ذاتها التي مرّ بها التنظيم عام 1954. 

وهناك من يرى أنّ ما حدث للتنظيم هو دليل على انهياره وليس دلالة على سقوطه فقط، فما يمرّ به التنظيم مجرد عرض لمرض أكبر يتعلق بتفكك أفكاره بعد أن شاخ ووصل إلى مرحلة العجز بعد عمره الطويل.

 

تركيا تحولت من ملاذ آمن لقيادات الإخوان إلى محطة جديدة ينتقل منها الإخوان إلى وجهة أخرى قد تكون إحدى الدول الآسيوية أو الأفريقية، أو يوزع الوجود بين عدد من البلدان، منها أوروبا التي يتواجد فيها الإخوان منذ فترة ليست بالقصيرة.

 

يقول الباحث: "إذا كان من إجابة عن السؤال المطروح: ماذا بقيَ من التنظيم؟ فربما الإجابة الدقيقة أنّه لم يبقَ من التنظيم سوى اسمِه فقط، الذي يُعبِّر عنه وتستخدمه مجموعات مفكَّكة ومشتَّتة ومختلفة، ومنشقّة عن التنظيم الأم." 

سيناريوهات المستقبل

بحسب الدراسة، لا يمكن وصف التنظيم بأنّه وصل إلى مرحلة التحلّل التي تنتهي معه كل المظاهر التنظيمية، فالاعتقاد بزوال التنظيم اعتقاد في غير محلّه؛ صحيح أنّ التنظيم ليس في أحسن حالاته ولا يمكن التقليل من حجم التحلّل التنظيمي في الوقت نفسه، ولكنّ هذا لا يَعني تحلّل الفكرة المؤسسة للإخوان، فتحلّل التنظيم شيء وتحلّل الفكرة شيء آخر، ولا يَعني تحلّل التنظيم تحلّل الفكرة، فلا أهمية لتحلّل التنظيم من دون تحلّل الفكرة المؤسسة.

 صحيح ما زال التنظيم على مستوى قيادته يمرّ بتحولات عدة، قد يكون أهمها استمرار الخلاف بين قياداته، ويأتي في المقدمة الثانية رفع تركيا الغطاء عن دعم التنظيم، وعدد من البلدان الأخرى في وقت سابق، ولعل هذا يُؤثر على قوة التنظيم وبقائه، فقيادات التنظيم تتحرك بصورة دائمة، وهو ما أثر في فكرة مقرّ القيادة في إسطنبول، وصور الدعم التي كان يتلقّاها، وهنا تُرك التنظيم لمصيره في سياق ما أشرنا إليه من التحلّل.

 فقد تعرّض تنظيم الإخوان لمواجهات مختلفة ومتنوعة على مدار أعوام النشأة الممتدة، ولكنّه عاد إلى الظهور من جديد، وربما بصورة تبدو أكثر قوة وقدرة على اختراق المجتمع، خاصة أنّ هذه المواجهات انصبّت على الإطار التنظيمي دون المساس بالفكرة المؤسسة أو الاقتراب منها. 

ويشير الباحث إلى أنّ الإخوان ما زالوا قادرين على العودة إلى المشهد السياسي من جديد طالما كانت كل جهود المواجهة منصبّة على المواجهة الأمنية والعسكرية من دون مواجهة الفكرة المؤسسة للتنظيم، التي ما زال يجتمع عليها الكثير من الناس، فسيناريو التحلّل الوحيد مرتبط بالمواجهة الفكرية، وما تم تحقيقه في هذا السياق دون غيره.

 

تعرّض تنظيم الإخوان لمواجهات مختلفة ومتنوعة على مدار أعوام النشأة الممتدة، ولكنّه عاد إلى الظهور من جديد، وربما بصورة تبدو أكثر قوة وقدرة على اختراق المجتمع، خاصة أنّ هذه المواجهات انصبّت على الإطار التنظيمي دون المساس بالفكرة المؤسسة أو الاقتراب منها. 

 

 كل صور المواجهة السابقة التي تعرّض لها التنظيم في مصر، على مدار أعوام النشأة، مسّت التنظيم وبناءه الهيكلي فقط دون أيّ مواجهة تتعلق بتفكيك الأفكار المؤسسة، ولذلك ظل هذا النوع من المواجهة بلا أيّ تأثير، وهو ما سمح لنجاح التنظيم في العودة إلى صدارة المشهد السياسي، وبات تأثيره أقوى بكثير من السابق.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية