ما سبب الشرخ غير المسبوق بين الولايات المتحدة وأوروبا؟

ما سبب الشرخ غير المسبوق بين الولايات المتحدة وأوروبا؟


كاتب ومترجم جزائري
03/10/2020

ترجمة: مدني قصري

أعلنت واشنطن، بشكل أحادي، العودةَ إلى العقوبات الدولية المفروضة على طهران، وبهذا القرار يحدث شرخ غير مسبوق بين الأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين.

لم يحدث قط في الماضي أن تمت القطيعة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الرئيسين.

شدّد فرانسوا هايسبورغ، المستشار الخاص لمؤسسة الأبحاث الإستراتيجية (FRS)، على القول إنّ القضية الإيرانية هي إحدى الذرائع التي يمكن أن يستخدمها للتشكيك في دور الدول، في داخل الناتو

تتجسّد الإرادة الأمريكية لتدمير الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في شرخ غير مسبوق بين الكتلتين، لقد أعلنت الولايات المتحدة من جانب واحد ليلة السبت إلى الأحد، عودة العقوبات الدولية المفروضة على إيران، والتي رُفعت عام 2015 مقابل التزام إيران بعدم امتلاك أسلحة ذرية.

لكن هذا الموقف نُدِّد به على الفور من قبل موسكو والأطراف الأوروبية في الاتفاق النووي، وفي هذا الشأن قال إيمانويل ماكرون، أمام الأمم المتحدة: إنّ فرنسا وحليفتيها في أوروبا، ألمانيا والمملكة المتحدة، "لن تتنازل" عن رفضها دعم إعادة الولايات المتحدة فرض عقوبات الأمم المتحدة ضدّ إيران.

لكنّ هذا الموقف سرعان ما ندّدت به موسكو والأطراف الأوروبية في الاتفاق النووي، على الفور.

لم يحدث قط في الماضي أن تمت القطيعة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الرئيسين

 قال إيمانويل ماكرون، أمام الأمم المتحدة؛ إنّ فرنسا وحليفتيها الأوروبيتَين، ألمانيا والمملكة المتحدة، "لن تتنازلا" عن رفضها دعم إعادة الولايات المتحدة فرض عقوبات الأمم المتحدة ضدّ إيران.

قال الرئيس الفرنسي، في خطابه الافتراضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: "ستواصل فرنسا مع شركائها الألمان والبريطانيين مطالبتها بالتنفيذ الكامل لاتفاق فيينا لعام 2015، حول الطاقة النووية الإيرانية، ولن تقبل الانتهاكات التي ترتكبها إيران"، وأضاف: "لكنّنا لن نتنازل عن تفعيل آلية لا تستطيع الولايات المتحدة بمفردها، من خلال انسحابها من الاتفاقية، تفعيلَها"؛ لأنّه، بحسب قوله، "من شأن ذلك أن يقوّض وحدة مجلس الأمن ونزاهة قراراته، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة".

اقرأ أيضاً: إسلاميّو أوروبا واللّعب بورقة الإسلاموفوبيا

وشدّد إيمانويل ماكرون على القول: إنّ "إستراتيجية الضغط الأقصى" التي قررها دونالد ترامب بعد أن قرّر سحب بلاده من الاتفاقية عام 2018 "لم تسمح في هذه المرحلة بوضع حدّ لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، أو لضمان عدم قدرتها على حيازة أسلحة نووية".

بالنسبة إلى رئيس الدولة الفرنسي "يجب علينا، بمرور الوقت، بناء إطار عمل مفيد (...) أي القدرة على استكمال اتفاق 2015"، "أولاً، عبر الوقت، وقبل كلّ شيء، لضمان أنّ إيران لن تتمكن أبداً من الوصول إلى السلاح النووي، ولكن أيضاً من خلال ضمان أننا سنقدم ردوداً على النشاط الباليستي الإيراني، وردوداً أيضاً لـ "زعزعتها للاستقرار في المنطقة".

 لندن تعارض واشنطن، للمرة الأولى

لقد سبق، بالفعل، أن حدثت الانقسامات عبر المحيط الأطلسي في الماضي، على سبيل المثال، أثناء غزو العراق (2003).

في الملف الإيراني تواجه واشنطن، منذ أكثر من عامين، جبهة موحّدة بحزم من قبل لندن وباريس وبرلين، التي تعتقد أنّ أمنها معرَّض للخطر بسبب خطر الانتشار النووي.

اقرأ أيضاً: حزام الساحل.. مخبأ الجهاديين العابر لإفريقيا والمقلق لأوروبا

ويشير باسكال بونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (Iris): "هذه هي المرة الأولى التي يعارض فيها البريطانيون أيضاً الولايات المتحدة وجهاً لوجه بشأن موضوع تراه الدبلوماسية الأمريكية ضرورياً"، ويضيف أنّ "المملكة المتحدة حافظت على مسارها، على الرغم من مطالب الولايات المتحدة الأكثر إلحاحاً"، والفجوة الدائمة الكبيرة التي يترتب عليها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع بقية أوروبا.

 إذا أعيد انتخاب دونالد ترامب، فهناك خطر حقيقي من أنّه سيغتنم الفرصة لكسر الحلف الأطلسي

لقد أدّى موقف الولايات المتحدة إلى إغراق الأمم المتحدة في ثقب قانوني أسود غير مسبوق، في الوقت الذي افتتِحت فيه الجمعية العامة السنوية، الثلاثاء، والتي من المفترض أن تسلّط الضوء على ... التعددية. تؤكّد الولايات المتحدة أنّها "لا تخشى من أن تكون بمفردها"، وقدّم رئيس الدبلوماسية الأمريكية، مايك بومبيو، سيلاً من المجاملات تجاه الأوروبيين، المتّهمين بعدم "تحريك أيّ ساكن ضدّ إيران"، و"اختيارهم للانحياز إلى ملالي إيران".

"شارع دبلوماسي سالك" لروسيا والصين

هذا الانقسام حول إيران، الذي بدأه الرئيس دونالد ترامب، هو تتويج لتفكك طويل للعلاقات بين الولايات المتحدة وأقدم وأقرب حلفائها الأوروبيين.

على مدى ثلاثة أعوام؛ تحدّثت عن قضايا مهمة أخرى، مثل: المناخ، والقدس، وعاصمة إسرائيل، أو الناتو، لكن أيضاً خلال المفاوضات في الأمم المتحدة حول موضوعات أقلّ أهمية.

وممّا أدهش الدبلوماسيين الأوروبيين غير المعتادين على مثل هذا التنمر، أنّ واشنطن ذهبت إلى حدّ التهديد باستخدام حقّ النقض، أو اقتراح مشاريع قرارات مضادة، لفرض رؤيتها عليهم، وهي ممارسة محفوظة، حتى الآن، لخصوم الأمريكيين.

قدّم رئيس الدبلوماسية الأمريكية، وزير الخارجية، مايك بومبيو، سيلاً من المجاملات تجاه الأوروبيين، المتّهمين بعدم "تحريك أيّ ساكن ضدّ إيران"، و"اختيارهم للانحياز إلى ملالي إيران"

فهكذا، في كانون الأول (ديسمبر) 2018، سقطت صاعقة أمريكية على المملكة المتحدة، بسبب نصّ عن اليمن لا يستهدف إيران وينتقد السعودية.

 وفي نيسان (أبريل) 2019؛ دحضت واشنطن نصّاً من ألمانيا حول العنف الجنسي يشير كثيراً إلى العدالة الدولية.

 "الافتقار إلى الوحدة الإستراتيجية بين الغربيين في مجلس الأمن يتيح وسيلة دبلوماسية لروسيا والصين لتعزيز مصالحهما في نيويورك"، هكذا أشار، العام الماضي، الخبير في مجموعة الأزمات الفكرية " Crisis group"، ريتشارد جوان.

تأثير نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية

بالنسبة إلى برتراند بديع، الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس، ساينس بو، فإنّ الأوروبيين قبل كلّ شيء في موقع "عرض" في الملف الإيراني، وهو يعتقد أنّ "الأولوية بالنسبة إلى جميع الأوروبيين بشكل أساسي هي الحفاظ على التحالف مع الولايات المتحدة، لأنّهم في حاجة إليها، ولأنّهم غير قادرين على ضمان سياسة دفاع أوروبي أو سياسة أوروبية خارجية".

وبشكل أكثر سطحية وركاكة، أضاف: "يقولون جميعاً لأنفسهم، علينا الانتظار لمدة 43 يوماً أخرى"، حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في 3 تشرين الثاني (نوفمبر).

افتقار إلى الوحدة الإستراتيجية بين الغربيين في مجلس الأمن

يأمل كثيرون في أن يؤدي فوز الديموقراطي، جو بايدن، إلى إعادة القوة الأمريكية إلى المحافل متعددة الجنسيات التي ابتعدت عنها، وستُعيد لمّ شمل التحالفات بين الغربيين.

ويتوقع باسكال بونيفاس: "إذا تمّ انتخاب جو بايدن، فإنّ إحدى أولوياته ستكون إصلاح الروابط الضعيفة أو المتضررة بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة".

اقرأ أيضاً: تركيا وأوروبا... الصراع على شرق المتوسط

وشدّد فرانسوا هايسبورغ، المستشار الخاص لمؤسسة الأبحاث الإستراتيجية (FRS)، على القول: إنّ "الأمريكيين والأوروبيين يسعون إلى "تلصيق الأشياء" من خلال إعادة دمج الولايات المتحدة في اتفاقيات دولية معينة"، وأضاف: "لكن إذا أعيد انتخاب دونالد ترامب، فهناك خطر حقيقي من أنّه سيغتنم الفرصة لكسر الحلف الأطلسي.

اقرأ أيضاً: أوروبا تستفيق.. وحزب الله في مرمى نيرانها

القضية الإيرانية هي إحدى الذرائع التي يمكن أن يستخدمها للتشكيك في دور الدول، في داخل الناتو".

من جهته، قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في الأمم المتحدة، الثلاثاء: إنّ "الفائز في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة لن يكون أمامه "خيار سوى الرضوخ" لمطالب إيران التي تطالب برفع العقوبات الأمريكية"، وقال في خطابه الذي تمّ تسجيله مسبقاً، وبُثّ أمام الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة: "نحن لسنا ورقة مساومة مرتبطة بالانتخابات الأمريكية والسياسة الداخلية للولايات المتحدة".

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.lexpress.fr

الصفحة الرئيسية