كيف سينعكس "الإضعاف الاستراتيجي" لـ"حزب الله" على لبنان؟

كيف سينعكس "الإضعاف الاستراتيجي" لـ"حزب الله" على لبنان؟

كيف سينعكس "الإضعاف الاستراتيجي" لـ"حزب الله" على لبنان؟


19/12/2023

فارس خشان

لم ينجح "حزب الله"، على الرغم من مرور 74 يومًا على إشعاله الجبهة اللبنانيّة - الإسرائيليّة، في تقديم تعليق مجدٍ واحد على الإشكاليّة التي بكّرنا في طرحها عليه: إنّك في مقابل خسائر بشرية ومادية كبيرة لم تستطع أن تقدّم لقطاع غزة عمومًا ولحركة "حماس" خصوصًا أيّ دعم فعلي، بل العكس هو الصحيح، إذ إنّك ألهيت اللبنانيّين وغيرهم عن التركيز على آلام غزة والمطالب الفلسطينيّة المحقة، بإثارة مخاوفهم، على أن يكون مصيرهم مثل مصير سكان قطاع غزة، وهم الذين كانوا قد ذاقوا بعضًا من آلامهم المبرحة في حرب تموز (يوليو) 2006، من جهة، وبإدخال الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران إلى المعادلة حيث راحت تطرح مقايضات توفّر لها أثمانًا باهظة، من جهة أخرى.

وثابر "حزب الله" بدل أن يراجع سلوكه العسكري الذي يُدرجه في خانة "دعم غزة" على تقديم خطاب غير مجد على الإطلاق، ككلامه عن الأذى الذي ألحقه بإسرائيل من خلال إجبارها على إخلاء سكان الشمال، وعرقلة النشاط الاقتصادي في هذا الجزء المهم من الدولة العبريّة، غير آبه بالكارثة التي أصابت بلدات لبنانية حدوديّة عدة، حيث قارب الدمار في بعضها ذاك الذي شهدته في عام 2006، قافزًا فوق التهجير القسري لسكان الجنوب ومقتل أكثر من مئة من شبابه المقاتلين، والخسائر الكبيرة التي لحقت باقتصاد لبنان الذي يحاول أن ينظم نفسه، بالتي هي أحسن، في ظل انهيار متماد منذ عام 2019.

ولو اقتصرت خسائر الحرب التي لا جدوى منها والتي أقحم بها "حزب الله" لبنان، في الثامن من تشرين الأول الماضي، دعمًا لقطاع غزة، على ما ورد أعلاه، لهان الأمر، لكنّ المشكلة الأكبر سوف تبرز حتى قبل أن تضع الحرب أوزارها، إذ إنّ لبنان الذي يهيمن "حزب الله" على قراره الإستراتيجي، سوف يتعرّض لضغوط دوليّة هائلة يشارك فيها الجميع، من أجل تنفيذ جدّي للقرار 1701، بحيث يتم إبعاد "الجناح العسكري" للحزب من المنطقة التي تقع جنوب نهر الليطاني، وتزخيم صلاحيات "اليونيفيل" حتى لا تبقى ووحدات الجيش اللبناني في وضعية "ورقة التوت" التي تُخفي الانتشار العسكري المموّه لـ"حزب الله"، كما حصل بين عامي 2006 و2023.

وإذا كان من البديهي أن يرفض "حزب الله" سحب وحداته المقاتلة إلى شمال نهر الليطاني، فإنّ من البديهي أكثر، والحالة هذه، أن يكون لبنان تحت ضغطين متوازيين ومكلفين للغاية: تهديد إسرائيلي مستمر بحرب تدميريّة، من جهة، وحرمان اللبنانيّين، بنسبة أكبر، من المعونات الدولية ومن البرامح الاقتصادية الإنقاذيّة، من جهة أخرى.

ولن تكون العلاقات الداخليّة بين القوى السياسيّة، ولا سيّما بعد أن يهدأ التبادل الصاروخي على الجبهة، بمنأى عن هذه التداعيات، إذ إنّ أصواتًا لبنانيّة مؤثرة سوف ترتفع نبرتها ضد "حزب الله"، بصفته منتجًا لمزيد من الكوارث، الأمر الذي سيدفع بالحزب إلى تصعيد مقابل ضد هذه القوى، بهدف احتواء تأثيراتها، من جهة، وترهيبها، من جهة أخرى.

ولن تكون مهمّة إقناع "حزب الله" بالتجاوب مع المساعي الدوليّة سهلة، إذ إنّه، بعد انتهاء حرب غزة، سيكون على المستوى الإستراتيجي أكثر ضعفًا، لأنّه، أقلّه على مدى سنوات مقبلة، سوف يخسر التهديد الذي ساقه في السنوات الأخيرة، بحيث كان يشير إلى أنّ أيّ مواجهة بينه وبين إسرائيل ستتحوّل إلى "صراع إقليمي"، ذلك أنّ قطاع غزة ومعه الضفة الغربية لن يكونا قادرين، قبل تضميد الجراح التي ألحقتها وتلحقها بهما حرب "السيوف الحديديّة"، على المساندة في أيّ صراع مستقبلي، في حين أنّ سوريا أثببت، في حرب غزة، بأنّها خارج القدرة على القيام بأي عمل يمكن أن يكون له أيّ أثر فعلي، في وقت يبدو أنّ الترتيبات الإقليمية والدولية للتعامل مع "حوثيّي" اليمن آخذة في التبلور، بحيث أصبح هؤلاء، بعد اللعب بسلامة الملاحة البحرية في باب المندب، خطرًا عالميًّا، لا بد من تذليله، بأنسب الطرق.

وفي مقابل خسارة "حزب الله" لفاعلية التهديد بـ"صراع إقليمي"، فهو بدأ يواجه دولة إسرائيليّة حوّلها هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إلى "وحش" يدافع عن نفسه حتى ضد ما يمكن أن يتخيّله من سيناريوهات، من دون أن يعير أيّ اهتمام بما يمكن أن يلحق به من خسائر مالية واقتصادية وحتى بشريّة.

وعليه، فإنّ "حزب الله" سوف يحاول أن يدافع عن نفسه، في ظل هذا التراجع الإستراتيجي، بكل ما يملك من قوة، ولن يقيم، والحالة هذه، أيّ اعتبار لأيّ خسارة يمكن أن تلحق باللبنانيّين الذين سوف يعمل، أكثر من أي وقت مضى، على الهيمنة عليهم وعلى ما تبقى متحررًا من مؤسساتهم، حتى تاريخه.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية