قراءة في كتاب العصبة المؤمنة عند سيد قطب

قراءة في كتاب العصبة المؤمنة عند سيد قطب

قراءة في كتاب العصبة المؤمنة عند سيد قطب


18/06/2023

صدر مؤخراً عن مبادرة (سند) بمؤسسة (طابة) بالقاهرة كتاب (العصبة المؤمنة)، للباحثة رحمة حسام، ويأتي هذا العمل ضمن مشروع علمي كبير يستعرض على مائدة البحث العلمي خلاصة المقولات والنظريات والأفكار، التي انبنت عليها أفكار التيارات السياسية المنتسبة إلى الإسلام، فكانت النتيجة أن ألصقت بالإسلام أفهاماً حائرة، ومقولات خطيرة، واستدلالات مضطربة.

جاءت الدراسة من (4) فصول:

الفصل الأول: تعريف العصبة المؤمنة في اللغة والاصطلاح.

الفصل الثاني: المنطلقات الممهدة للفكرة: الحاكمية وجاهلية المجتمع.

الفصل الثالث: تبلور مفهوم العصبة المؤمنة في كتابات سيد قطب.

الفصل الرابع: منابع الخلل.

ويمكن القول إنّ الفصل الأول لا يمثل قيمة كبيرة في الدراسة، وكان يمكن اختصاره في عدة سطور، بالقول إنّ العصبة المؤمنة تعني: جماعة المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر(المسلمين)، إلّا أنّ سيد قطب، وجماعة الإخوان، أطلقوها على (القلة التي تؤمن بالفكر الحركي والإسلام السياسي، أو بمعنى أدق الجماعة الحزبية التي ينتمي إليها سيد قطب وتنطبق على جماعة الإخوان).

الحاكمية هي اللبنة الأساسية التي بنى عليها الفكر التكفيري صرحه، فجاءت بقية المنطلقات مترتبة عليه، ويرجع السبق في ابتداعه ـوفقاً للباحثة- إلى أبي الأعلى المودودي، ومن بعده سيد قطب الذي تلقف الفكرة وصاغها في صورة أكثر وضوحاً وأشد صداماً

وأمّا الفصل الثاني، فقد تناول محورين مهمين من المحاور الرئيسية التي تأسست عليها مفاهيم التيارات الإسلامية وعددها (7) محاور، ومنها انطلقت الباحثة في دراستها عن العصبة المؤمنة عند حسن البنا وسيد قطب، فبدأت بالحديث عن محور الحاكمية، ومحور جاهلية المجتمع، باعتبارهما الجذر الذي نهضت على أساسه المنظومة الفكرية لهذه التيارات، لا سيّما تيار الإخوان، فانبثقت منهما فكرة العصبة المؤمنة، والوعد الإلهي لهذه العصبة المؤمنة، والمفاصلة والتمايز الشعوري، وفكرة الاستعلاء، وحتمية الصدام، والتمكين.

غلاف الكتاب

جاء في الدراسة أنّ الحاكمية هي اللبنة الأساسية التي بنى عليها الفكر التكفيري صرحه، فجاءت بقية المنطلقات مترتبة عليه، ويرجع السبق في ابتداعه ـوفقاً للباحثة- إلى أبي الأعلى المودودي، ومن بعده سيد قطب الذي تلقف الفكرة وصاغها في صورة أكثر وضوحاً وأشد صداماً، وفسّر الألوهية بأنّها مرادفة للسلطة، ويريد بالسلطة شقين: الأول: سلطة الهيمنة على السنن الطبيعية. والثاني: سلطة التشريع وإذعان الخلق لأحكامه.

هذا المعنى أسس له المودودي في كتابه: (المصطلحات الأربعة في القرآن)، وهو يرى أنّ الحاكمية هي جوهر الإيمان والغاية التي من أجلها بعث الله الرسل لإحداث انقلاب سياسي، حتى إنّه يقول في كتابه: (موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه): "ولذلك قد سعى كل نبي وكل رسول لإحداث الانقلاب السياسي حيثما بُعث"، ومن هنا استمد سيد قطب الفكرة التي أكد عليها في الظلال، حينما قرر أنّ الحاكمية لا تنفصل عن العقيدة، ومخالفها مارق من الدين، وهو ما رأت فيه الباحثة أنّ سيد قطب بهذا الفهم "عمد إلى الإساءة الآثمة لعلماء الأمّة المتمسكين بصحيح الدين".

تناولت الدراسة قضية تجهيل المجتمع في عدة صفحات باعتبارها ممهدة -كالحاكمية- لفكرة العصبة المؤمنة، ووفقاً للدراسة فإنّ سيد قطب لا يمكن حصر أقواله في تجهيل المسلمين لكثرتها، وأنّه قال إنّ الإسلام لم يعد موجوداً

ثم جاءت قضية تجهيل المجتمع، لتتناولها الدراسة في عدة صفحات باعتبارها ممهدة -كالحاكمية- لفكرة العصبة المؤمنة، ووفقاً للدراسة فإنّ سيد قطب لا يمكن حصر أقواله في تجهيل المسلمين لكثرتها، وأنّه قال إنّ الإسلام لم يعد موجوداً، ففي (المعالم) قال: "لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاءها هذا الدين، وانتكست البشرية إلى جاهلية كاملة شاملة للأصول والفروع والبواطن والظواهر"، ورتب على ذلك تكفير المجتمع في عدد من النصوص التي فاضت بها الدراسة.

ووفقاً للدراسة، فإنّ المسار التكويني لفكرة العصبة المؤمنة يتلخص في (3) خطوات غاية في الأهمية، دلت على تميز الباحثة:

الأولى: الإيجاد:

وهو مسار ينتهي إلى أنّ دعوة قطب لم تكن دعوة إصلاحية في شأن العصبة المؤمنة (ولا غيرها)، فهو ليس من أولئك الذين عُنوا بنهضة الأمّة وأسباب تأخرها، وتقديم الحلول لمشاكلها، لأنّ الدعوة إلى الإصلاح تقتضي اعترافه بوجود ما يسعى لإصلاحه، لكنّ سيد قطب لا يعترف بوجود الأمّة الإسلامية أصلاً، فهو يدعو إلى (إيجاد) العصبة المؤمنة، ثم بعد إيجادها نفكر في إصلاحها أو تحديد مسارها!.

الثانية: استبانة السبيل:

وهي فكرة وجد سيد قطب منطلقاً لها من التأويل المنحرف لقوله تعالى: (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)، يقرر سيد قطب أنّ العصبة المؤمنة لا بدّ أن تقوم بتكفير المسلمين دون تورع، ومن ثمّ الامتلاء بوهم التميز عنهم، وجعل هذا المسلك هو الوحيد لانطلاق العصبة المؤمنة وتكوينها وأداء مهامها، فلا بدّ أن يثق أصحاب العصبة المؤمنة بأنّهم المؤمنون، وهذا وحده غير كافٍ، بل لا بدّ من أن يتيقنوا أنّ غيرهم مجرمون، حيث لا يختلط السبيلان، ولا تلتبس الملامح والسمات بين العصبة المؤمنة (جماعة سيد قطب وإخوانه)، وبين المجرمين (بقية المسلمين)، وتنتهي الباحثة إلى أنّ سيد قطب يرى أنّ عدم الاستبانة، أي عدم نعت المسلمين بالإجرام والكفر، هو أخطر ما تواجهه الحركات الإسلامية اليوم، وتُدعم فكرتَها بنصوص من الظلال، مثل قوله: (وفي الأرض اليوم أقوام من الناس أسماؤهم أسماء المسلمين، وهم من سلالات المسلمين. وفيها أوطان كانت في يوم من الأيام داراً للإسلام، ولكن لا الأقوام اليوم تشهد أن لا إله إلا الله ـ بذلك المدلول ـ ولا الأوطان اليوم تدين لله بمقتضى هذا المدلول. وهذا أشقّ ما تواجهه حركات الإسلام الحقيقية في هذه الأوطان مع هؤلاء الأقوام! أشقّ ما تعانيه هذه الحركات هو الغبش والغموض واللبس الذي أحاط بمدلول لا إله إلا الله، ومدلول الإسلام في جانب، وبمدلول الشرك وبمدلول الجاهلية في الجانب الآخر. أشقّ ما تعانيه هذه الحركات هو عدم استبانة طريق المسلمين الصالحين، وطريق المشركين المجرمين، واختلاط الشارات والعناوين، والتباس الأسماء والصفات، والتيه الذي لا تتحد فيه مفارق الطريق).

الثالثة: العزلة الشعورية:

وفقاً للدراسة، فإنّ العزلة الشعورية نتيجة طبيعية بعد الدعوة لاستبانة سبيل المجرمين، وذلك باعتزال المجرمين (المسلمين) والاستعلاء عليهم والانفصال الشعوري والوجداني عن كل ما يحيط بهم حتى تتحقق المفاصلة الكاملة، التي تنتهي إلى تقسيم الوطن الواحد إلى أمّتين: أمّة تنصر الله، هي مجموعة سيد قطب ومن دار حول أفكاره، وأمّة تعادي الله، وهم باقي الناس.

جاء في الدراسة أنّ الحاكمية هي اللبنة الأساسية التي بنى عليها الفكر التكفيري صرحه

ففي سورة (الكافرون) يلتفت سيد قطب إلى عصبته المزعومة فيما تسمّيه الدراسة (التحريف السافر) لمقاصد القرآن، حيث يدعو عصبته إلى اتخاذ موقف حاسم مع أقوامهم، قائلاً: "البراءة الكاملة، والمفاصلة التامة، والحسم الصريح، لكم دينكم ولي دين، وما أحوج الداعين إلى الإسلام اليوم إلى هذه البراءة، وهذه المفاصلة، وهذا الحسم، وما أحوجهم إلى الشعور بأنّهم ينشئون الإسلام في بيئة جاهلية منحرفة".

وتخلص الدراسة إلى أنّ منابع الخلل في فكر جماعات التطرف يمكن ردها إلى عوامل كثيرة، أهمها: الانعزال في فهم النصوص الدينية عن علماء الإسلام، والرغبة في التميز، وفات الباحثة إضافة عوامل جوهرية أخرى.

إنّ الدراسة تسهم في علاج فكرة أدت إلى التطرف، لا سيّما أنّ التطرف قد يكون عنيفاً، وقد يكون تطرفاً دون عنف، والتطرف غير العنيف ناقل وممهد للتطرف العنيف، والفرد قد يمكث في المنطقة الرمادية بين التشدد والتطرف قبل الانتقال إلى الإرهاب"، ما لم يتم توجيهه لمثل هذه الأعمال التي تعالج الفكرة وتفككها في محاضنها الأولى.

وقد تميزت الدراسة بإيجابيات عديدة، منها:

-تقسيم العصبة إلى ايجاد واستبانه وعزلة شعورية، وهو تقسيم ملتزم منظم جداً.

-الربط  بين مفهوم التوحد مع الإسلام وبين حلّ النقراشي لجماعة الإخوان.

-الربط بين الفكرة عند المودودي وقطب بالفكرة عند حسن البنا.

-اللغة البسيطة التي تميزت بها الدراسة.

-النقل التوثيقي للنصوص من مصادرها الأصلية.

ولم تخلُ من سلبيات:

-عدم إيراد نصوص مهمة جوهرية لحسن البنا في المسألة، مثل قوله في مؤتمر رسالة المناطق والشعب ومراكز الجهاد الصادرة عام 1945: (نحن الإسلام، فمن فهمه على وجهه الصحيح، فقد عرفنا كما يعرف نفسه، فافهموا الإسلام، أو قولوا عنّا بعد ذلك ما تريدون)، وقوله في رسالة: تحت راية القران عام 1939:(نحن أيّها الناس -ولا فخر- أصحاب رسول الله، وحملة رايته من بعده، ورافعو لوائه كما رفعوه، وحافظو قرانه، والمبشرون بدعوته كما بشروا بها، هذه منزلتكم وتلك طبيعة دعوتكم، فلا تصغروا أنفسكم فتقيسوا أنفسكم بغيركم).

-علاقة الفرقة الناجية الواردة في الحديث النبوي لم تأخذ حقها من البيان مع أهميتها في الدراسة.

-عدم الربط بين أفكار سيد قطب بالعزلة الشعورية وواقع الإخوان اليوم، فجاءت الدراسة وكأنّها كشف عن أدبيات العصبة المؤمنة، مع أنّ العصبة المؤمنة هي التي ترتب عليها اليوم عند تنظيم الإخوان نتائج مهمة: كالثقة في النصر، وعدم التفرقة بين الفشل والابتلاء، ووهم اليقين الذاتي.

هذا، وقد شارك في مناقشة الدراسة كل من: الشيخ الدكتور مختار محسن من دار الإفتاء المصرية، والأستاذ الدكتور محمود خليفة بجامعة الأزهر، والكاتبة الدكتورة  أمل مختار من مركز الأهرام للدراسات، والأستاذة الصحفية ناهد إمام، وأدار المناقشة الأستاذ عقيل أكرم مظهر، وأشرف على الدراسة الأستاذ الشيخ عبد الله الجفري.

مواضيع ذات صلة:

"الدولة الإسلامية".. لماذا هي مستحيلة؟

"الإرهاب: مقدمة نقدّية".. كيف نفهم الظاهرة بعيداً عن السائد؟

"الفلسفة في زمن الإرهاب": هل من وصفة لمواجهة أخطار الإرهاب المدمّرة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية