سيناريوهات الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية

سيناريوهات الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية


27/01/2022

ترجمة: علي نوار

أصبحت مسألة بقاء الديمقراطية في الولايات المتحدة موضع تساؤل، لا سيما مع التحدّيات العديدة التي تواجه البلاد؛ فبعد مرور ما يقرب من عام على نجاح مواطنين ومجموعات مُنظّمة تابعة لتيار اليمين المتشدّد الأمريكي في اقتحام مبنى الكونغرس، أثناء جلسة تأكيد فوز الرئيس الحالي، جو بايدن، بالانتخابات، وتهديدهم لحياة عدد من أعضاء مجلسَي النواب والشيوخ، ونائب الرئيس السابق مايك بينس، صارت احتمالية نشوب حرب أهلية في الولايات المتحدة موضع نقاش.

اقرأ أيضاً: كيف سيتعامل بايدن مع وصول أقصى اليمين الإيراني إلى الحُكم؟

وكشف استطلاع رأي أجراه "مركز استبيانات الحياة الأمريكية"، التابع لمعهد "أمريكان إنتربرايز"، نُذر شؤم مختلفة؛ فقد رأى 36% من المشاركين في الاستطلاع أنّ "أسلوب الحياة الأمريكية التقليدي يتعرّض للاندثار وبوتيرة سريعة لدرجة قد تدفعنا للجوء إلى القوة لإنقاذه"، كما رأى 40% من الناخبين المؤيّدين للحزب الجمهوري؛ أنّه "إذا لم يتمكّن الرؤساء المُنتخبون من حماية الولايات المتحدة، فينبغي على الناس في هذه الحالة أن يباشروا هذه المهمّة بأنفسهم، حتى لو تطلّب هذا ممارسات عنيفة".

من جانبه، اكتشف معهد "بابليك ريليجن ريسيرش"؛ أنّ 30% من المحسوبين على التيار الجمهوري وافقوا على أنّه "نظراً لأنّ الأمور باتت تسير على غير ما يرام بصورة فائقة، فمن الضروري أن يلجأ الأمريكيون الوطنيون للعنف بهدف إنقاذ بلادنا".

جاء دونالد ترامب ليعبّد الطريق أمام مزيد من السياسيين الجمهوريين كي يحوّلوا الحزب إلى تيار استبدادي ويدفع المحافظين المُعتدلين إلى خارجه

وقد أحدث كتاب "كيف تبدأ الحروب الأهلية"، للأستاذة الجامعية باربرا والترز، ردود فعل واسعة النطاق. وكذلك كان لكتاب "الحرب الأهلية المقبلة: رسائل من المستقبل" للروائي الكندي، ستيفن مارش، الأثر ذاته، خاصة مع تأكيده أنّ الولايات المتحدة "تسير نحو نهايتها" بخُطى ثابتة.

كما انضمّ الباحث الكندي المشهور، توماس هومر ديكسون، إلى هذه التنبّؤات، قائلاً: "بحلول عام 2025، ربّما تكون الديمقراطية الأمريكية في حالة انهيار، ما من شأنه إحداث حالة من انعدام الاستقرار السياسي الشديد، بما في ذلك العنف الأهلي المُعمّم. وعام 2030، إن لم يكن قبل ذلك، قد تُحكم البلاد من قبل نظام ديكتاتوري يميني".

يصير الحوار السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين أكثر تعقيداً، بينما تتّسع هوّة الأحقاد بين ذوي البشرة البيضاء من جانب، تجاه كلّ من ذوي البشرة السوداء والمسلمين واليهود والآسيويين والهوّيات المتنوّعة

بالمثل، يعتقد الصحفي بارتون جيلمان، في مقال له نشرته مجلة (أتلانتك)؛ أنّ السادس من كانون الثاني (يناير) من العام الماضي لم يكن سوى "تجربة" لأحداث مستقبلية، متكهّناً، وبالتفصيل، بسيناريو فوز الجمهوريين بقيادة دونالد ترامب في انتخابات 2024، أو حتى تزويرها عن طريق شنّ حملات التخويف والمنازعات القانونية. ويؤكّد جيلمان "وضع ترامب حجر الأساس لأول حركة سياسية واسعة النطاق في الولايات المتحدة على أهبة الاستعداد للقتال، باستخدام الوسائل المتاحة واللازمة كلّها، حتى سفك الدماء، من أجل تحقيق أهدافها".

الظروف والعوامل

تستند فرضية والترز، الخبيرة في الحروب الأهلية، إلى التحليل والمعلومات المدروسة، التي جمعتها عن حروب أهلية عنيفة نشبت في بلدان أخرى، وتخلص في النهاية إلى أنّ الولايات المتحدة لديها جميع العوامل المواتية لاندلاع حرب أهلية، خاصّة أنّ هناك بالفعل توتّراً قائماً بين الديمقراطية والأفكار السلطوية الاستبدادية وحدوث تصادم بين المُعسكرين.

على أنّ مفهوم الحرب الأهلية ذاته مُثير للجدل بدوره، ويُعرّف مركز "الأمن الدولي والتعاون"، التابع لجامعة "ستانفورد"، هذا المُصطلح بأنّه "صراع عنيف يشتعل بين مجموعات مُنظّمة داخل الدولة نفسها، تتقاتل فيما بينها بسبب هدف السيطرة على الحُكم، أو الأهداف ذات الطبيعة الانفصالية لأيّ طرف، أو حتى بسبب وجود سياسة حكومية تبعث على الشقاق".

مفهوم الحرب الأهلية ذاته مُثير للجدل بدوره

والواقع أنّ الولايات المتحدة تُعاني في الفترة الراهنة حالة استقطاب فكري حادّ، فضلًا عن تجريد الخصوم السياسيين من الطابع الإنساني- السلوك، الذي يكثر بوضوح من ناحية معسكر اليمين المتشدد، في ظلّ إطار من ذيوع نظريات المؤامرة والتي تغذّيها شبكات التواصل الاجتماعي.

يصير الحوار السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين أكثر تعقيداً، مع مرور الوقت، بينما تتّسع هوّة الأحقاد بين قطاعات من ذوي البشرة البيضاء من جانب، تجاه كلّ من ذوي البشرة السوداء والمسلمين واليهود والآسيويين والهوّيات المتنوّعة الأخرى.

وترى شرائح اجتماعية عريضة أنّها تتعرّض لتراجع سُكّاني وتضاؤل في الثقل الاقتصادي والسياسي لصالح قطاعات أخرى، نتحدّث ها هُنا، على وجه الخصوص، عن مشاعر رجال بيض يعيشون في مناطق ريفية أو صناعية حديثة نحو السود والمُهاجرين اللاتينيين.

اقرأ أيضاً: تصاعد الضغوطات في أروقة السياسة الأمريكية.. هل يعيد بايدن الحوثي لقائمة الإرهاب؟

ويظنّ ملايين الأشخاص أنّ ثمة "استبدالاً كبيراً" يحدث لذوي البشرة البيضاء بآخرين من السود واللاتينيين، وأنّ الفئتين الأخيرتين ستحصلان في نهاية المطاف على قدر من الحقوق يفوق ذلك الذي يتمتّع به البيض. إنّها نظرية مؤامرة "الاستبدال الكبير" التي أطلقها الكاتب الفرنسي رونو كامو، عام 2011، بفرنسا، وتؤمن بها العديد من حركات اليمين المتشدّد في بُلدان عدّة.

مواطنون كثيرون تولّدت لديهم قناعة بأنّ النُخب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري تخلّت عنهم على مدار العقود الماضية، وراهنت على العولمة الاقتصادية، عن طريق نقل صناعات متعدّدة إلى الصين ودول أخرى، وتنعكس حالة غياب الثقة هذه في صورة شعور متعاظم بالحنق على الديمقراطية والكُفر بها، وجاء دونالد ترامب ليعبّد الطريق أمام مزيد من السياسيين الجمهوريين كي يحوّلوا الحزب إلى تيار استبدادي ويدفع المحافظين المُعتدلين إلى خارجه.

صدامات ثقافية

مما لا شكّ فيه؛ أن العوامل الثقافية تكتسب ثقلاً بالغاً. والحقيقة أنّ العنصرية مشكلة متجذّرة في المجتمع الأمريكي وتعود بداياتها إلى نشأة البلاد ذاتها وحتى تطوّرها وتتمثّل في هيئة التوسّع بواسطة العنف في أراضي السكّان الأصليين مروراً بفترة العبودية ومرحلة الفصل العنصري، كلّها أرست النموذج الاقتصادي للولايات المتحدة حتى وصولها إلى الوضع الحالي؛ حيث الفجوة في الحقوق بين المواطنين ذوي البشرة السوداء والسكّان الأصليين مقارنة بأصحاب البشرة البيضاء.

بالمثل، توجد خلافات ثقافية عميقة حول ملفّات، مثل الإجهاض والهوّيات الجنسانية والأشكال الجديدة من البنية الأسرية، وقد اكتسبت هذه الصراعات بُعداً إضافياً مع دخول عدد كبير من الكنائس الإنجيلية على الخطّ وترويجها للقيم المحافظة ورفض العلم وسعيها وراء النفوذ السياسي باستخدام ذرائع ثقافية ودينية.

وينبثق انعدام الثقة تجاه الدولة من الطريقة التي تأسّست بها، فمقاومة استبداد مُحتمل هو حجّة المنظّمات وجماعات الضغط والمواطنين لممارسة حق حيازة وحمل الأسلحة.

ويعتقد ملايين الأمريكيين؛ أنّ الديمقراطيين يستهدفون إقامة نظام حُكم استبدادي وأنّه يتعيّن عليهم التصدّي لذلك بكلّ ما أوتوا من قوّة. وعلى سبيل المثال؛ ترفع حركة "3%" اليمينية المتشدّدة المسلّحة شعار "حين يصبح الاستبداد قانوناً، يكون التمرّد واجباً".

ورُغم أنّها ليست بظواهر جديدة حقيقة، لكنّ حيازة الأسلحة على نطاق واسع، ووجود مئات الحركات المسلّحة، وبعضها تنشط بشكل قانوني في ولايات عدّة، إلّا أنّها برزت بقوّة وازدادت وتيرة عٌنفها خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب.

السيناريوهات المُحتملة للتمرّد

نشر كلّ من معهد "بروكينجز" للدراسات السياسية و"مركز الدراسات الإستراتيجية" مؤخراً بحثاً بعنوان "الحرب تنتقل إلى الديار: تصاعد الإرهاب الداخلي في الولايات المتحدة"، الذي يسلّط الضوء على الخطر الذي ينطوي عليه صعود الميليشيات اليمينية المتشدّدة المناهضة للحكومة.

واستبعدت والترز ومحلّلون آخرون حدوث مواجهة بين جيشين على غرار الحرب الأهلية الأمريكية (1861 و1865)، وتبرز والترز أنّ هناك عدّة أسباب وجيهة تدفع للاعتقاد بأن حرباً أهلية بالمفهوم التقليدي غير واردة الاندلاع، لكن سيكون خطأ كبيراً الظنّ بأنّ الأمور ربّما تبتعد عن العنف الشديد.

اقرأ أيضاً: إيران ترفض المحادثات مع واشنطن وضغوط على بايدن لمنع رفع العقوبات

وترى الخبيرة؛ أنّه "لن يتجمّع المقاتلون في ميدان المعركة ولن يرتدوا أزياء موحّدة ولن يتحرّكوا تحت إمرة قادة؛ بل سيعملون في الظلّ ويتواصلون فيما بينهم باستخدام رموز مشفّرة".

وقد يتّخذ الأمر شكل سلسلة من الهجمات التي تستهدف مباني حكومية، أو اختطاف سياسيين، أو اغتيال شخصيات عامة وجامعية، أو بؤر تمرّد على السُلطات المحلّية، أو محاولات انفصالية لدى بعض الولايات، أو أعمال عُنف بين مواطنين مُسلّحين. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ التقديرات تفيد بحيازة الأمريكيين لـ 400 مليون قطعة سلاح، ولا تدخل ضمنها تلك التي تمتلكها أجهزة الأمن التابعة للدولة.

وعلى الأرجح ستتمّ الدعوة لهذه المُمارسات من قبل سياسيين مُعادين للديمقراطية مُنتخبين بشكل ديمقراطي، يلجأون إلى نظريات المؤامرة وشبكات التواصل الاجتماعي، وقد توصّلت دراسة أخرى، أجراها معهد "بروكينجز"، إلى أنّ الديمقراطية تبوء بالفشل في الولايات المتحدة، وأنّ هذا الأمر يشكّل "خطراً داهماً".

كما تتصوّر والترز؛ أنّه بحلول 2028 أو 2029، على أقصى تقدير، سيتم إغراق المنصّات الاجتماعية بسيل جارف من الأنباء الكاذبة التي تدّعي وجود مؤامرة من حركة "حياة السود مهمّة"، بالاشتراك مع مجموعات المهاجرين اللاتينيين، للاستيلاء على الحُكم في الولايات المتحدة. سيدفع ذلك عشرات الحركات المُسلّحة ذات التوجّه اليميني المتشدّد إلى مواجهة ذوي البشرة السوداء واللاتينيين، مع بدء بعض تلك الحركات في الاستعداد للقتال المُسلّح.

اقرأ أيضاً: لماذا تختلف إدارة بايدن وإسرائيل حول عودة القنصلية الأمريكية للقدس؟

ويتوقّع انتشار نظريات المؤامرة، وعلى رأسها احتمالية تعاون إدارة كامالا هاريس (نائبة الرئيس الحالي جو بايدن) مع قطاعات من اليهود والسود والمهاجرين من أجل حظر حيازة الأسلحة، وتحويل الكنائس إلى عيادات لممارسة الإجهاض، ومصادرة الأراضي من المزارعين البيض من أجل منحها لمواطنين سود كتعويض عن فترة العبودية، وإعلان الأحكام العُرفية، وعندها سيحين الوقت للشعب الأمريكي كي يرفع السلاح دفاعاً عن حقوقه.

وإزاء تنامي الميليشيات اليمينية المتشدّدة، والتي تحاول الانخراط في صفوف أجهزة الأمن الرسمية، بدأت جماعات يسارية هي الأخرى في التسلّح.

قفزة في أعداد الميليشيات المُسلّحة

شهدت أعداد الميليشيات ذات الفكر المُناهض للدولة، مثل: "أوث كيبرز"، و"3%"، و"براود بويز"، و"بوجالو بويس"، زيادة ملحوظة منذ تولّي باراك أوباما سُدّة الحُكم في الولايات المتحدة، وجميعها، بلا استثناء، تضمّ بين صفوفها أفراداً سبق لهم الخدمة في مختلف أفرع القوات المسلحة، وتؤكّد بعض هذه الجماعات أنّها تلعب دور "المسرّع" لعملية التمرّد على الدولة.

اقرأ أيضاً: بايدن يعلن إطلاق مبادرة كبرى للمناخ بالشراكة مع الإمارات.. ما أهدافها؟

على أنّ تاريخ الميليشيات طويل للغاية في الولايات المتحدة، بداية من الجماعات التي حاولت منع الدولة من مُصادرة أراضيها، ومقاومة حركة الحقوق المدنية ومنح السود حقوقهم، وكذلك منع دخول المُهاجرين إلى الأراضي الأمريكية، فضلاً عن رفض الانصياع للقيود التي تفرضها الإدارة الأمريكية على حيازة الأسلحة.

وينخرط عدد ليس بالهيّن من قُدامى المُحاربين، الذين جمعوا خبرات عسكرية من خوض حروب فيتنام والعراق وأفغانستان، ليضعوها في خدمة جماعات اليمين المتشدّد، مثلما كشفت كاثلين بيلو في عملها "جلب الحرب إلى الديار. حركة قوة البيض وشبه عسكرة الولايات المتحدة".

وقد فتح مكتب التحقيقات الفيدرالية "إف بي آي"، عام 2020، تحقيقات حول 143 فرداً من أفراد القوات المسلّحة، سواء من العاملين حالياً، أو من أنهوا خدمتهم، وتبيّن أنّ 68 منهم لهم صلة بوقائع تطرّف سياسي محلّي من مُنطلق مُعاداة الحكومة، بما في ذلك هجمات على منشآت ووكالات حكومية، بينما نفّذت ربع الحوادث أشخاص من القوميين البيض، ونسبة قليلة للغاية كانت وقائع من تنفيذ أشخاص مناهضين للفاشية.

وشهدت الأعوام الأخيرة زيادة في توجّه الميليشيات نحو التشدّد بمحاولات اختطاف والتعرّض لسياسيين ديمقراطيين، مثلما حدث مع جريتشن ويتمير، حاكمة ولاية ميتشيجان، ورالف نورث، حاكم ولاية فرجينيا. وتعجّ وسائل التواصل الاجتماعي بقدر مهول من نظريات المؤامرة التي تبتكرها مجموعات مثل "كيو أنون".

اقرأ أيضاً: أفغانستان تعصف بالملفات الإقليمية: ما خطط بايدن لمواجهة تشدد طهران؟

لعبت عدّة ميليشيات دوراً بارزاً في اقتحام مبنى الكونغرس، في السادس من كانون الثاني (يناير) 2021، وقد نقلت معركتها في الوقت الحالي إلى ساحة القضاء لمنع مُحاكمة بعض أفرادها وسجنهم، ووصل الأمر بالسيناتور الجمهوري، مارجوري تايلر جرين، لوصفهم بـ "سجناء حرب سياسيين"، ويُعتقد أنّ اقتحام الكونغرس حدث نتيجة انتشار نظريات مؤامرة تحرّض على العنف بغية التصدّي لمؤامرة يشارك فيها مناهضون للفاشية، مدعومون من الصين وباكستان، وتقودهم السياسية الديمقراطية البارزة نانسي بيلوسي.

لكنّ الاقتحام لم يقتصر فقط على جماعات مُنظّمة، كما يسود الرأي الشائع، بل شارك فيه مواطنون كذلك، أغلبهم بصورة فردية؛ فقد أظهرت دراسة أجراها روبرت بيب، مدير "مشروع الأمن والمخاطر" التابع لجامعة شيكاغو، حول هويات المقتحمين ومن أين أتوا، أنّ أغلبهم كانوا من الرجال البيض، متوسّط أعمارهم 47 عاماً، لديهم وظائف ووفدوا من دوائر انتخابية كان قد فاز فيها بايدن ومناطق ازداد فيها عدد اللاتينيين بشكل يفوق البيض.

اقرأ أيضاً: الجمهوريون يضغطون على بايدن: لا تخضع للابتزاز الإيراني

وبحسب دراسة أخرى أجراها فريق بيب أيضاً؛ هناك 21 مليون مواطن آخرون يعتقدون أنّ الانتخابات زوِّرت بشكل يسمح بحرمان ترامب من الفوز وأنّ "المواطنين الأمريكيين الصالحين قد يضطّرون إلى اللجوء للعُنف لإنقاذ بلادنا".

تطبيع العنف

لكن إزاء تصوّرات الحرب الأهلية هذه، يرى قطاع آخر من المحلّلين أنّ الولايات المتحدة هي دولة يسكنها 329 مليون نسمة وتمتاز بتنوّع اجتماعي ضخم ومؤسّسات قوية حقاً؛ لذا فإنّ العنف الذي يبدو أنّ الميليشيات تسير باتجاهه ويظهر أنّ الملايين من الأشخاص يوافقون عليه، لا يعني بالضرورة أن يؤدّي إلى اندلاع حرب أهلية، أو تفكّك مُحتمل للاتحاد الذي يجمع الولايات.

ويرى روس دوزات، الصحفي بجريدة "نيويورك تايمز"؛ أنّ مؤشّرات العُنف وأزمة المؤسّسات ليست مستحدثة، ولا تبرّر الشعور بالهلع، ومصدرها بالأساس الليبراليون التقدّميون.

تتأثّر المؤسّسات الحكومية والفيدرالية، سلباً بكلّ تأكيد، من حالة الاستقطاب والأزمة السياسية، بيد أنّها تتمتّع بالقدرة على الإتيان بردّة فعل ديمقراطية. وينطبق الشيء ذاته على الوسطَين الأكاديمي والصحفي؛ اللذين يعملان بصورة حثيثة لدراسة العنف وأزمة الديمقراطية والحاجة لإدخال إصلاحات على النظام السياسي، إلّا أنّ باربرا والترز تحذّر في كتابها من خطورة الاستكانة إلى أنّ الولايات المتحدة لن تنزلق في فخّ الحرب الأهلية.

ويذكّر فينتان أوتول، المُحلّل المُخضرم للحياة السياسية الأمريكية، بمدى تأثر أيرلندا الشمالية خلال الأعوام الأكثر دموية من الاقتتال العنيف بين الكاثوليك والبروتستانت، لكن الأمر لم يبلغ مطلقاً مرحلة الحرب الأهلية على نطاق واسع.

يسلط بحث نشر مؤخراً بعنوان "الحرب تنتقل إلى الديار: تصاعد الإرهاب الداخلي في الولايات المتحدة"، الضوء على الخطر الذي ينطوي عليه صعود الميليشيات اليمينية المتشدّدة المناهضة للحكومة

ويرى أوتول؛ أنّ الحرب الأهلية لن تكون تصوّراً مستقبلياً، وأنّه من الأفضل تجنّب الإفراط في تناول هذا الطرح لتفادي ذهاب اليمين المتشدّد إلى درجة أكثر خطورة في خطابه المثير للجدل، انتهاء بتبنّي فكرة أنّ الحرب الأهلية هي الحل الوحيد للالتهاب السياسي الحالي.

بيد أنّ الخبير الأيرلندي يؤكّد، في الوقت ذاته؛ أنّ العصر الحالي بات يرسّخ ثقافة سياسية تتعامل مع العُنف بوصفه شيئاً اعتيادياً في الولايات المتحدة. ويعبّر أوتول عن ذلك بقوله: "مشكلة الولايات المتحدة الحقيقية لا تكمن في خطورة تمزيقها عبر العُنف السياسي، بل أنّها تعلّمت كيف تتعايش معه".

انقلابات يومية

نشرت صحيفة "واشنطن بوست"، في 10 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، مقالاً بعنوان "18 خطوة لتقويض الديمقراطية"، أوضحت فيه "تتداعى الديمقراطية على الأرجح عن طريق سلسلة من الممارسات التصعيدية التي تتراكم فوق بعضها كي تهدم العملية الانتخابية، بالتالي تصبح نتيجة أية انتخابات رئاسية مغايرة تماماً لإرادة الناخبين. يتّخذ الأمر شكل تخريب صامت نوعاً ما، لكنّه مستمرّ، بدلاً من انقلاب عنيف أو تمرّد على الرئيس، وهو ما يجب أن يخشاه الأمريكيون اليوم بقدر أكبر".

وبالتزامن مع توجيه ترامب والجمهوريين اتهاماتهم للحزب الديمقراطي بـ "سرقة الانتخابات" والطعن أمام القضاء على نتائج بعض الدوائر والولايات دون أدنى توفيق في أيّ من تلك القضايا، دأبوا على بثّ الشكوك في النظام الانتخابي، وكانت الخطوة التالية هي الاستعانة بمتظاهرين من اليمين المتشدّد لمواجهة "سرقة" الانتخابات.

علاوة على ذلك، يتّخذ الجمهوريون سلسلة من الإجراءات للسيطرة على عملية التصويت وفرز بطاقات الاقتراع واعتماد النتائج استعدادًا لانتخابات 2024، وتعتمد إستراتيجية ترامب التي بدأها خلال حملته للحصول على ولاية ثانية، على التلاعب بالأصوات أو الادّعاء في حالة الخسارة بارتكاب الطرف الآخر لمخالفات.

اقرأ أيضاً: تفاصيل قمة جنيف.. ما أبرز الملفات التي ناقشها بوتين وبايدن؟

كما أنّ الحزب الجمهوري يعمل حالياً في عدّة ولايات على إعادة تخطيط الخرائط الانتخابية عبر نظام معقّد لتغيير ترسيم الدوائر بحيث تصبح المناطق التي يتمتّعون فيها بشعبية ممثّلة بصورة أكبر في الكونغرس، بينما يتلقّى المواطنون والنشطاء الذين أيّدوا وشاركوا في حملة بايدن، تهديدات بالقتل والاعتداء من قبل أنصار ترامب.

الإجراء الآخر الذي يحاول الجمهوريون الترويج له هو تقييد حق الانتخاب، وبالفعل، سنّ الحزب الجمهوري تشريعات في 17 ولاية تعرقل حقّ التصويت، لا سيما بالنسبة لذوي البشرة السوداء واللاتينيين والشباب، وهي الفئات التي ترجّح عادة كفّة الحزب الديمقراطي في الانتخابات؛ لذلك يرفض الجمهوريون مبادرة الرئيس بايدن الهادفة لإصلاح النظام الانتخابي لضمان منح جميع المواطنين حقّ التصويت بحرية.

ووجّه الرئيس بايدن، في 11 كانون الثاني (يناير) الجاري، دعوة للتصديق على مشروع قانون حرية التصويت، معتبراً أنّه يعني الاختيار بين الديمقراطية والاستبداد، وذهب بايدن لما هو أبعد من ذلك، بتصريحه "الأشخاص الذين يقفون وراء اقتحام الكونغرس، في السادس من كانون الثاني (يناير) 2021، هم أنفسهم الذين يعملون على التدبير لانقلاب على الإرادة الشعبية الواضحة للأمريكيين، عن طريق نشر الشكوك والادّعاء بحدوث تزوير لسرقة فوز وهمي من ترامب في انتخابات 2020".

لكنّ بايدن لن يحصل على قانونه؛ لأنّه لم يلقَ قبولاً لدى أيّ من نواب الحزب الجمهوري، فضلاً عن رفض اثنين من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ التصديق على هذه المبادرة.

اقرأ أيضاً: بايدن وأردوغان في لقاء "مثمر"... فهل قدمت تركيا تنازلات؟

 على الجانب الآخر، تتّهم مجموعات ناشطة في الدفاع عن حقوق الأمريكيين من أصول أفريقية الرئيس بأنّه لم يبذل جهداً كافياً، بل وتأخّر في سنّ هذا التشريع.

كما يعدّ فريق حملة ترامب لانتخابات 2024 لخطوة حاسمة بشأن المحكمة العليا، وهي الضغط من أجل منح الولايات صلاحية إصدار قوانين انتخابية باستقلالية تامة. ونظراً لسيطرة الجمهوريين على المجالس النيابية في الولايات؛ فإنّ ذلك يمنحهم إمكانية إلغاء أية نتائج انتخابية لا تصبّ في صالحهم، كما أنّ المحكمة العُليا تحظى بأغلبية من القُضاة المحافظين.

وتتراوح الآراء حول سبل تجاوز هذا الوضع بين إصلاح النظام الانتخابي البالي وتعزيز المبادئ الديمقراطية والتوعية بخطر الاستبداد واستخدام سُلطة القانون ضدّ المتمرّدين والميليشيات، على أنّ الأولوية ستكون لمكافحة الفوارق الاجتماعية التي تعاني منها الولايات المتحدة.

مصدر الترجمة عن الإسبانية:

ttps://bit.ly/3fUTlVa



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية