خريف الإخوان في المغرب... هزيمة مدوية جديدة لحزب العدالة والتنمية

خريف الإخوان في المغرب... هزيمة مدوية جديدة لحزب العدالة والتنمية

خريف الإخوان في المغرب... هزيمة مدوية جديدة لحزب العدالة والتنمية


17/04/2024

مرة أخرى، يحصد حزب (العدالة والتنمية) المغربي، الذراع السياسية للإخوان في المغرب، هزيمة مدوية، تكشف عن انحساره السياسي وتآكل قاعدته ونبذه مجتمعياً. ففي انتخابات رئاسة مجلس النواب قبل أيام فاز رشيد الطالبي العلمي الذي أعيد انتخابه ممثلاً عن حزب (التجمع الوطني للأحرار) الخصم اللدود للحزب الإسلاموي والذي يقود الائتلاف الحكومي، بينما ستمتد فترة ولايته البرلمانية حتى عام 2026. 

أفول الإخوان 

فاز القيادي بحزب التجمع الوطني للأحرار بأغلبية ساحقة ولافتة في مواجهة خصمه السياسي من التيار الإسلاموي، بعدما شهد هزيمة مدوية قبل أعوام لتسجل نهاية الإسلام السياسي الذي صعد إلى الحكم في مصر وتونس بعد ما عرف بـ "الربيع العربي". وقد حصد (264) صوتاً مقابل (23) صوتاً لمرشح حزب العدالة والتنمية عبد الله بوانو.

وفي إطار تلميحات بأنّ بوانو لم يحظَ بكامل التوافق على مستوى حزبه، الأمر الذي ساهم في خسارته وإضعاف حظوظه، فكان تعقيبه يحمل إشارات ضمنية حول هذا الافتراض المتواتر، فضلاً عن تصعيده الخطاب لجهة الهجوم العنيف على الحكومة، حيث قال: إنّ "المناصب بصفة عامة تبقى وسيلة من أجل خدمة الوطن والمواطنين"، ومن ثم "فعبد الله بوانو سيرجع لموقع المعارضة ونحن كمعارضة سنبين من خلالها أنّ هذه الحكومة عاجزة وضعيفة واهتمامها بشيء واحد هو الفساد وتضارب المصالح والإشكالات الشخصية على حساب الوطن، ولذلك سنستعمل كل الآليات الديمقراطية والسياسية لكي نقوي من وجودنا الفعلي من خلال الرقابة والتشريع والتواصل".

وقال بوانو: "مؤسساتنا لديها طابع تعددي وديمقراطي، ونحن ترشحنا لكي نقول إنّ هذا البرلمان فيه تعددية وفيه ديمقراطية، ولا يمكننا أن نسمح بأن يكون هناك مرشح وحيد، وكأننا سنروج لنوع من الإجماع، فهذا الإجماع هو مرض، وعرض من أعراض الهيمنة والاستبداد، ويجب أن نقف ضده". وقال رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية: إنّ "حزبه بيّن أنّه حزب ديمقراطي ومستقل يتخذ قراراته ومواقفه ليس في اتجاه الريح، ولا يتخذ قراراته بين العرض والطلب، بل يتخذ قراراته بصفة مستقلة".

وقد دشنت الانتخابات وفق اشتراطات النظام الداخلي للمجلس، وهي تنص على أنّه "ينتخب رئيس المجلس في مستهل الفترة النيابية، ثم في سنتها الثالثة عند دورة (نيسان) أبريل لما تبقى من الفترة المذكورة، تطبيقاً لأحكام الفصل الثاني والستين من الدستور".

لعبة المعارضة في السياسة حين تزول السلطة

صرح رشيد الطالبي العلمي إثر فوزه برئاسة المجلس: "إنني رئيس مجلس النواب بجميع مكوناته، معارضة وأغلبية، وسأظل أتصرف على هذا الأساس وفق ما يقتضيه الدستور وينص عليه النظام الداخلي للمجلس. وعليه، فإنني أتوجه بالشكر إلى الجميع، سواء اللواتي والذين صوتوا لفائدة ترشيحي، أو اللواتي والذين كان لهم رأي آخر أحترمه تمام الاحترام".

 

يوضح الباحث عبد الله الفرياضي لـ (حفريات) أنّ حزب العدالة والتنمية، كغيره من تنظيمات وأحزاب الإسلام السياسي، لم يكن يملك أيّ مشروع مجتمعي حقيقي يؤهله لتدبير الدولة.

 

وتابع: "الأمر يتعلق مرة أخرى بتمرين ديمقراطي عادي في دولة المؤسسات والتعددية الحزبية التي تلعب فيها المعارضة والأغلبية أدواراً، مَهْمَا اختلفت أو تناقضت، فإنّها حاسمة في الديمقراطية. ولنا أن نفخر في المغرب بمحتوى دستورنا المتقدم والتحرري الذي بَوَّأ المعارضة البرلمانية مكانةً أساسية في النظام المؤسساتي حرصاً على التوازن وكفالة لحقوق الجميع. أمامنا، برسم النصف الثاني من الولاية التشريعية الحادية عشرة، عدة تحديات ينبغي أن تتضافر جهودنا للمساهمة في رفعها من موقعنا، ومن زاوية اختصاصاتنا الدستورية والمؤسساتية. وعلينا عدة واجبات ينبغي أن نُؤديها بالاحترافية الضرورية على النحو الذي يجعل المؤسسةَ مساهمةً في ديناميات الإصلاح والتنمية".

كما شدد على ضرورة العمل "للبناء على المنجز في اختصاصات التشريع ومراقبة العمل الحكومي بمختلف مداخله، وتقييم السياسات العمومية وأيضاً في وظائف أخرى، من قبيل اشتغالنا في واجهة الدبلوماسية البرلمانية، علماً بأننا راكمنا منجزات وخبرات ومناهج عمل وتقاليد مؤسساتية مغربية متأصلة، ينبغي أن نُطورها ونرسخها"، موضحاً أنّه "يجب الحرص على الرقي بالحوار في ما بيننا، وعلى المردودية والنجاعة، والتجاوب مع انتظارات المجتمع وتكريس المؤسسة كفضاء لتدبير الخلافات والاختلافات، والاقتراح والإقناع". وقال: إنّه "في مواجهة التحديات الخارجية، ومن أجل ربح رهانات التنمية والإصلاحات، لا أعتقد أننا نختلف؛ فالأمر لا يتعلق بالتقاطب بين الأغلبية والمعارضة، ما دام الجميع يساهم في تحقيقها، وما دام ذلك يتطلب النَّفَسَ المواطن والوطني الذي نفتخر في المغرب بأنّه من جينات السياسة في البلاد. ولا يمكن أن يُختزل العائدُ من ذلك في ما هو مادي وإنمائي فقط، ولكنّه يتجاوزه إلى تقوية المؤسسات، وتقوية الديمقراطية، وهذا ما يمنح التنمية روحها وأبعادها الحقوقية والسياسية".

رصيد من الشعارات

غير أنّ القيادي بالحزب الإسلاوي في المغرب عبد العزيز أفتاتي قال: إنّ حزبه "رشّح عبد الله بوانو ليس أملاً في الوصول إلى رئاسة مجلس النواب، ولكن لإيصال رسالة واضحة مفادها رفض الوضع السياسي الراهن المترتب عن نكوص انتخابات الثامن من أيلول (سبتمبر) 2021". وأضاف في تصريحات صحفيّة أنّ حزب (العدالة والتنمية) "لم يتفق مع أحزاب المعارضة بشأن ترشيح بوانو لرئاسة مجلس النواب، بحكم الاختلاف في تقدير درجة المعارضة للوضع السياسي. خندقنا واضح، وخطوة ترشيح بوانو تنسجم مع المعارضة التي يخوضها الحزب ضد حكومة عزيز أخنوش. إذا لم تتحرك أحزاب المعارضة بالشكل الكافي، فسيتحرك الشارع، وذلك في ظل نسب نمو متردية، ومؤشرات اجتماعية سلبية، وارتفاع الأسعار، وفساد بعض المسؤولين الكبار". 

في حديثه لـ (حفريات) يوضح الباحث والمحلل السياسي المغربي عبد الله الفرياضي أنّ حزب العدالة والتنمية كغيره من تنظيمات وأحزاب الإسلام السياسي، لا سيّما المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين، لم يكن يملك أيّ مشروع مجتمعي حقيقي يؤهله لتدبير الدولة. فكل رصيده السياسي لا يتجاوز جملة من الشعارات البراقة التي انطلى تهافتها على الشعب التواق إلى التغيير. وحين وصل الحزب إلى الحكم بدون أيّ تجربة ولا مشروع واضح برز قصوره جليّاً؛ وبالتالي فشله في التدبير.

وحين تمكن الحزب من الاستيلاء على غنيمة الحراك الاجتماعي عام 2011، وتأكد له استحالة نجاحه في تحقيق التغيير المنشود، فضل قادته التخلي عن الشعب مقابل خطب ودّ جيوب مقاومة التغيير في الدولة العميقة، وفق الفرياضي، وهكذا حول الحزب قيادته للحكومة إلى منصة لتصريف سياسات لا اجتماعية تضرب في الصميم مصالح كتلته الناخبة.

 

مرة أخرى يحصد حزب (العدالة والتنمية) المغربي ذو المرجعية الإسلامية هزيمة مدوية، تكشف عن انحساره السياسي وتآكل قاعدته ونبذه مجتمعياً.

 

وتابع: "استمرأ قادة الحزب المناصب والسلطة، وغلّبوا منطق المصلحة الشخصية، وهو ما تجلى في الانقسام الذي حدث بين قيادات الحزب أثناء تشكيل حكومة 2016، فقد فضل تيار عريض من الحزب التمسك بمغانم السلطة والتضحية برئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران فيما بات يعرف مغربياً بالبلوكلاج الحكومي (الانسداد)".

ويشير الباحث والمحلل السياسي المغربي عبد الله الفرياضي إلى أنّ تفجر فضائح فساد أخلاقي ومالي كان أبطالها قادة كبار للحزب، ممّا هدم أركان الصورة المثالية التي حاول الحزب أن يسوق لها منذ تأسيسه عبر استغلال الخطاب الديني. وفي المحصلة، فإنّ انهيار مشروع الإسلام السياسي في المغرب خلال انتخابات 2021 كان نتيجة حتمية لتضافر هذه العوامل، وهي تقريباً النتيجة نفسها التي حصلت في بقية الأقطار العربية، وإن بأشكال متفاوتة. 

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية