بتير .. جنة فلسطينية يسعى الاستيطان الإسرائيلي لجعلها جحيماً

بتير .. جنة فلسطينية يسعى الاستيطان الإسرائيلي لجعلها جحيماً


05/01/2021

على بعد خمسة كيلومترات، غرب محافظة بيت لحم، شمال الضفة الغربية المحتلة، تقع قرية بتّير التاريخية، التي يأسر الناظرين  جمال بساتينها المتدرجة، وكأنّها لوحة تشكيلية طبيعية، وأشجارها الكثيفة الملتفة، ومبانيها القديمة، وعيون الماء التي تغمر أراضيها وبساتينها، إضافة إلى سكّة حديد يافا - القدس التاريخيّة، التي تمّ بناؤها خلال عام 1905، وتمرّ عبر أراضي القرية .

وتتبع القرية، ومساحتها 12 ألف دونم، ويقطنها 6 آلاف و 500 نسمة، لمجلس قروي بتّير، أما المنطقة خلف السكة؛ أي داخل مناطق الـ 48، فتتبع بلدية القدس، لكن دون الاستفادة من خدماتها، ويمنع السكان من الاستفادة من خدمات المجلس القروي، التي تُتاح بشكل غير قانوني من وجهة النظر الإسرائيلية.

القرية يزيد عمرها عن 3 آلاف عام، وتضمّ ثماني عيون ماء

وبعد النكبة؛ قسّمت أراضي قرية بتير إلى قسمين؛ المنطقة (ب)، وتقدَّر مساحتها بألف و467 دونماً، والمنطقة (ج)؛ ومساحتها 5 آلاف و214 دونماً، ويسمح للأهالي بالوصول إليها بموجب اتفاقيات الهدنة التي أبرمت في جزيرة رودس (بين الحكومة الأردنية وإسرائيل)، التي عدّلت مسار خط الحدود عام 1949، وذلك مقابل المحافظة على سلامة القطار (قطار الحجاز)، الذي يمرّ من أراضي القرية، بحسب نصّ الاتفاقية.

جائزة "ميلينا ميركوري" الدولية

وحصدت البلدة، خلال العام 2011، جائزة "ميلينا ميركوري" الدولية، المقدّمة من اليونسكو، كأفضل مشروع للحفاظ على الأماكن التاريخية والطبيعية.

وأضافت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، خلال العام 2014، القرية على لائحة التراث العالمي، وبينت المنظمة أنّ الوديان المزروعة في القرية تتميز بمصاطب حجرية خلابة، تواجه خطر التعرّض لأضرار لا يمكن إصلاحها في حالة تشييد الجدار.

قرية بتّير قطعة فنيّة رائعة، ونقطة جذب سياحي للملايين، يعود تاريخها للعصور؛ البرونزي، والبيزنطي، والروماني، وصولاً للعصور الإسلامية المبكرة والمتأخرة

وأشادت وزيرة السياحة والآثار في الحكومة الفلسطينية، رولا معايعة، بالقرار، وقالت إنّ إسرائيل كانت تريد تدمير الموقع ببناء الجدار العازل، مضيفة أنّ المشكلة الآن أصبحت مع منظمة يونسكو.

وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن، خلال عام 2007، عن مخطط الجدار فوق أراضي القرية، بعد تقديم الأهالي التماساً للمحكمة الإسرائيلية العليا، التي أصدرت، في أيار (مايو)، أمراً احترازياً يمنع العمل بالجدار في مساره الحالي، وطالبت الجيش بطرح مسارات بديلة.

أضافت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، خلال العام 2014، القرية على لائحة التراث العالمي

وبدأت أعمال التجريف الإسرائيلية في أراضي قرية بتّير، الواقعة غرب بيت لحم، في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2018، وتأتي أعمال التجريف تنفيذاً لقرار اتخذته السلطات الإسرائيلية، في شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه،  لتوسيع شارع 60 الاستيطاني، وإنشاء نفق يربط بين المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي أربع قرى فلسطينية، تشتهر باسم (قرى العرقوب)، وهي: بتّير، ووادي فوكين، وحوسان، ونحالين، وتعرَف قرية بتّير تاريخياً بـ "بلد الزيتون والكروم".

اقرأ أيضاً: سلفيت.. مدينة الزيتون الفلسطينية يبتلعها الاستيطان الإسرائيلي

واقتحمت قوات  الاحتلال الإسرائيلي قرية بتّير، غرب بيت لحم، في 15 كانون الأول (ديسمبر) 2015، مستهدفة مساكن المواطنين هناك؛ حيث أخطرت عدداً منها بوقف العمل والبناء في (11) منزلاً بالقرية، وطالبت سلطات الاحتلال في إخطاراتها المواطنين بالتوقف فوراً عن أعمال البناء  بحجة البناء دون ترخيص.

قطعة فنية رائعة

بدورها، تقول مديرة الآثار في محافظة بيت لحم، إيمان الطيطي، لـ "حفريات" إنّ "قرية بتّير قطعة فنيّة رائعة، يعود تاريخها للعصور؛ البرونزي، والبيزنطي، والروماني، وصولاً للعصور الإسلامية المبكرة والمتأخرة، وأهم ما يميزها عن المناطق الفلسطينية الأخرى الطبيعة الموجودة، والغطاء النباتي، الذي يضمّ العديد من النباتات والأشجار المتنوعة، وكذلك المباني الأثرية، والمصاطب التراثية، وعيون المياه، والمقامات الدينية؛ كمقام "أبي اليزيد"، وهي مقومات تجعلها من أبرز المواقع الأثريّة في فلسطين وأهمّها".

مديرة الآثار في محافظة بيت لحم، إيمان الطيطي

وبقيت القرية لسنوات نقطة جذب سياحي للملايين من السياح حول العالم، لزيارة معالمها الدينية والتراثية والطبيعية، والتمتع بمأكولاتها التراثية والشعبية، وكذلك الإقامة ببيوت الضيافة التي أقامتها بلدية بتّير بالتعاون مع وزارة السياحة الفلسطينية، لاستقبال الحركة السياحية "كبيت سمارة".

اقرأ أيضاً: قرية أثريّة فريدة من 3 أفراد فقط في بيت لحم

 وأهمّ ما يميز تلك البيوت، بحسب الطيطي "اعتمادها بشكل أساسيّ على نمط الحياة التقليدية، إضافة إلى موقعها المميز والمرتفع، الذي يطلّ على كافة أرجاء القرية"، مبينة أنّ "السياحة للقرية تشهد حالة من الركود خلال العام الحالي، بفعل جائحة كورونا، والتي أصابت كافة مناحي الحياة بالشلل التام".

اعتداءات إسرائيليّة متواصلة

وأوضحت مديرة الآثار في محافظة بيت لحم أنّ "القرية تضمّ خربة بتّير، التي  تقع على تلّة أثريّة، وتعدّ من أبرز المواقع الأثرية وأهمّها، والتي تضمّ معاصرَ وأحواض تخزين، وقنوات للمياه تعود للعصرَين البيزنطي والروماني، كما تضمّ القرية العديد من المسارات السياحية؛ كمسار وادي المخرور، الذي يبلغ طوله 5 كيلو مترات، إضافة إلى المسارات الأخرى، التي تتراوح مساحتها بين 7 و12 كيلومتراً، وتهدف التعرّف إلى المواقع الأثريّة والتراثيّة والتاريخيّة للقرية".

اقرأ أيضاً: قرية فلسطينية تستعين بكاميرات مراقبة لردع المستوطنين الإسرائيليين

وعن الاعتداءات الإسرائيلية بحقّ القرية، تقول الطيطي: إنّ "الاعتداءات بحقّ قرية بتّير متواصلة ومستمرة، وتتمثّل في تجريف ومصادرة مساحات واسعة من أراضيها، لإقامة عدد من الطرق الالتفافية عليها، إضافة إلى الاعتداءات المتمثلة بتخريب المواقع الأثرية من قبل مجموعات من المستوطنين"، موضحة أنّ "وقوع جزء من القرية في المنطقة "ج" جعل القرية مطمعاً للصوص الآثار للقيام بعمليات التنقيب والحفر لسرقة بعض القطع الأثرية".

تقول الطيطي: إنّ الاعتداءات بحقّ قرية بتّير متواصلة ومستمرة

 ولإبراز المزيد من دور القرية الحضاري والتاريخي والتراثي، ترى الطيطي ضرورة "إثراء الوعي المجتمعيّ بمواقع القرية، من خلال الإعلانات المتلفزة، وإقامة المزيد من المسارات السياحية، للتعريف بالقرية وبمعالمها التراثية والحضارية، إضافة إلى ضرورة الاهتمام بمشروعات ترميم المباني القديمة، من أجل تشجيع حركة السياحة القادمة إليها".

نهضة سياحيّة

ويؤكد رئيس بلدية بتّير، تيسير قطوش أنّ "القرية يزيد عمرها عن 3 آلاف عام، وتضمّ ثماني عيون ماء، أبرزها عين المصري، وعين أباسين، وعين فروج، وأكبرها عين البلد، التي تنبع من مغارة على تلة جبلية طوال العام، وتجري المياه في قنوات تمّ إنشاؤها خلال العصر الروماني، لتصبّ في حوض يستخدم للسباحة وريّ المحاصيل الزراعيّة بالقرية؛ حيث يتمّ تخصيص يوم لكلّ عائلة بالقرية، لريّ بساتينها، لتصبح، كما هو الحال عليه الآن، جنّة الله في الأرض".

رئيس بلدية بتّير، تيسير قطوش

وأبلغ قطوش، "حفريات" أنّ القرية شهدت حركة سياحية نشطة خلال العام الماضي، عام 2019، ويقدّر عدد السائحين الوافدين إليها، محلياً وخارجياً، ما يزيد عن 150 ألف سائح سنوياً، "لزيارة أماكنها التاريخية والتراثية، ومقاماتها الدينية؛ كمقام أبو يزيد والعمري، وكذلك للتعرّف إلى الصناعات والحرف اليدوية والتراثية بالقرية، إضافة إلى الإقامة في بيوت الضيافة التي تمّ إقامتها لاستقبال السياح القادمين إليها، وهو ما ساهم بشكل كبير في حدوث نهضة سياحية كبيرة خلال الفترة السابقة، إلا أنّ هذه الحركة تراجعت خلال العام الحالي، بسبب جائحة كورونا، وتراجع أعداد السياح الوافدين لمستويات كبيرة".

اقتحامات إسرائيليّة مستمرّة

وتهدف بلدية بتّير إلى النهوض بالواقع السياحي بالقرية، وتطوير البنية التحتية التابعة لها، وزيادة المرافق السياحية فيها، بعد أن أصبحت عضواً في شبكة قرى البحر المتوسط، واتحاد المدن السياحية العالمية، وذلك لتصبح القرية من أبرز مناطق الجذب السياحي في فلسطين.

رئيس بلدية بتّير تيسير قطوش لـ"حفريات": الاحتلال يسعى للسيطرة على بتّير عبر جدار الفصل العنصريّ لعزل أكثر من 4 كيلو مترات من أراضي القرية

ولفت قطوش إلى أنّ "الاحتلال يسعى للسيطرة على بتّير من خلال محاولاته لإنشاء جدار الفصل العنصريّ، الذي من المتوقع أن يعزل أكثر من أربعة كيلو مترات من أراضي القرية الزراعية، الواقعة خلف سكة حديد الحجاز، بحسب المخططات الصهيونية"، مبيناً أنّ "القرية تتعرض لاقتحامات مستمرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، كان من بينها إخطار الإدارة المدنية الصهيونية عدداً من المنازل قيد الإنشاء بالقرية، والتي تقع في منطقتَي عراق جامع والجلح، بوقف أعمال البناء بها بحجة عدم الحصول على تراخيص مسبقة للبناء، في محاولة للتضييق على السكان ودفعهم لمغادرتها".

 سكة حديد الحجاز

وأكّد قطوش؛ أنّ "منطقة الخمار، شرق القرية، تتعرض لهجمات مستمرة من قبل قطعان المستوطنين، والذين قاموا بنصب خيمة استيطانية، تمهيداً لمحاولة السيطرة والاستيلاء عليها، لأغراض التوسّع الاستيطاني، وشقّ الطرق الاستيطانية؛ حيث تعدّ المنطقة سبيل السكان الوحيد للزحف العمراني لبناء منازلهم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية