المعارضة التركية خائفة من "تصويت الموتى" في الانتخابات المقبلة

المعارضة التركية خائفة من "تصويت الموتى" في الانتخابات المقبلة

المعارضة التركية خائفة من "تصويت الموتى" في الانتخابات المقبلة


09/04/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

أُعلِن، مؤخراً عن الأرقام الرّسميّة: عدد قتلى زلزال تشرين الثّاني (فبراير) في تركيا وحده تجاوز حاجز الـ 50 ألف شخص.

بالنّسبة إلى النّاجين، سيستغرق الشّفاء أسابيع وشهوراً- إذا حدث على الإطلاق. ولن يتعافى الكثيرون من الألم الذي أصاب حياتهم.

لكن في غضون أسابيع قليلة فقط، سيُطلب منهم التّصويت. هذا الاقتضاب مهمٌّ لثلاثة أسباب:

أولاً، اتّخذت السّلطات القليل من الإجراءات الخاصّة للنّاجين من الزّلزال. ثانياً، هناك خطر ضئيل، ولكنه جدّيّ، من حصول تزوير يأخذ شكل «موتى يدلون بأصواتهم». ثالثاً، ضرب الزّلزال واحدة من أكثر المناطق تنافسيّة من النّاحية الانتخابيّة في البلاد، ويمكن لكلّ صوت أن يُحدث فارقاً.

دعونا، أولاً، نُفكّر في إدارة الانتخابات. بالنّسبة إلى السّلطات، سيكون يوم الاقتراع، الأحد 14 أيار (مايو)، مثل أيّ يوم آخر. لكنّ محنة النّاجين ستظلّ طازجة.

ستظلّ الأنقاض متكدّسة في أماكن كانت توجد فيها ذات يوم أبنية سكنيّة. سيظل النّاجون يجدون مأوى من العوامل الجويّة داخل الخيام المصنوعة من القماش أو داخل الوحدات السّكنيّة الجاهزة. ويعني الدّمار أنّه لا يزال من غير الواضح عدد المدارس الآمنة كفاية للاستخدام باعتبارها مراكز اقتراع.

صعوبة تعقّب الناخبين

وسيكون من الصّعب تعقّب النّاخبين: فبعضهم يعيش في مساكن مؤقّتة، وانتقل آخرون إلى أجزاء أخرى من البلاد. ومع استمرار التّنقيب عن البقايا البشريّة كلّ يوم، ما زلنا لا نعرف على وجه اليقين عدد القتلى.

عدد قتلى زلزال تشرين الثّاني (فبراير) في تركيا وحده تجاوز حاجز الـ 50 ألف شخص

هذه ظروف صعبة لتنظيم انتخابات. ومع ذلك، تمضي الانتخابات قُدُماً. يقول القانون التّركيّ إنّ الظّرف الوحيد الذي يمكن فيه تأجيل أيّ تصويت وطنيّ هو إذا كانت البلاد في حالة حرب. الكوارث الطبيعية، مهما كانت مدمِّرة، ليست سبباً كافياً للتّأخير.

وتنصّ القواعد القانونيّة على بعض الاستحقاقات للأشخاص الذين تجعلهم ظروفهم الشّخصيّة غير قادرين على التّصويت. يمكن للمعاقين جسدياً، على سبيل المثال، أن يطلبوا من أحد أقاربهم أو من ناخب آخر في مركز الاقتراع مساعدتهم على استكمال أوراق الاقتراع الخاصّة بهم. ويمكن لأيّ شخص طريح الفراش ولا يمكنه التّحرّك إلى مركز الاقتراع على الإطلاق التّقدّم بطلب لجعل ما يسمّى بصندوق الاقتراع المتجوّل يقوم بزيارته في المنزل. لكن هذه الخدمة موجودة فقط في البلدات والمدن، وليس في القرى النّائية - التي يوجد عدد غير قليل منها في منطقة الكارثة.

ما يستحيل التّنبّؤ به هو لمن سيصوّت النّاجون من الزّلزال (القتلى تجاوزوا حاجز الـ 50 ألف شخص) وما إذا كانت طريقة استجابة الحكومة للكارثة ستؤثّر على قرارهم

ومع ذلك، انتقل العديد من النّاجين ببساطة إلى أجزاء أخرى من البلاد، ولم تُتَّخذ إجراءات خاصّة لهم. أمامهم حتّى بداية نيسان (أبريل) الجاري ليُبلغوا السّلطات بعناوينهم الجديدة.

البعض سيُحرم حتماً من الحقّ في التّصويت. وبالنّسبة إلى أولئك الذين يمكنهم التّصويت، ستُدرج أصواتهم في المقاطعة التي يعيشون فيها حالياً وليس في المكان الذي كان منزلهم فيه قبل وقوع الزّلازل.

خطر التزوير

وهنا يأتي دور نقطتي الثانية - خطر التّزوير -: من الممكن تماماً لشخص ما أن يقدّم نفسه في مركز اقتراع يوم 14 أيار (مايو) وهو يحمل هوية شخص مات. هذا لأننا ما زلنا لا نعرف على وجه اليقين عدد القتلى.

يتزايد العدد الرّسميّ للقتلى ببطء، ولكن هناك معلومات متضاربة حول عدد المفقودين بسبب الحجم الهائل للكارثة. ويقدّر رئيس نقابة المحامين في إزمير، وهي مدينة ليست بعيدة جدّاً من منطقة الكارثة، أنّه لا يزال ما يصل إلى 180 ألف ناخب في عداد المفقودين.

مرّة أخرى، ينصّ القانون التّركيّ على بعض الأحكام لحالات مثل هذه. لا يمكن للنّاخبين تغيير عناوينهم بعد الثّالث من نيسان (أبريل)، ولكن تُحدَّث قوائم الناخبين حتّى الأسبوع السّابق ليوم الانتخابات لإزالة الناخبين الذين وافتهم المنية. ومطلوب من النّاخب إظهار بطاقة هوية سارية المفعول قبل التّصويت في مركز الاقتراع. وانتحال الشّخصيّة جريمة يعاقب عليها بالسّجن من 15 إلى 20 عاماً.

لكنّ الحقيقة هي أنّ الكثير سيعتمد على ممثّلي الحكومة والأحزاب السّياسيّة المعارضة المتمركزين في صناديق الاقتراع. سيتعيّن عليهم قضاء ساعات طويلة في مراقبة كلّ ناخب يمرّ عبر الباب وكلّ صوت يُدلى به.

 هناك معلومات متضاربة حول عدد المفقودين بسبب الحجم الهائل للكارثة

هذه نقطتي الثّالثة. والسّؤال الأكبر هو: لمن سيصوّت النّاجون من الزّلزال؟

منطقة الكارثة تضمّ 11 مقاطعة وكانت - قبل 6 شباط (فبراير) - موطناً لأكثر من 6 ملايين شخص. ويمثّلهم 96 نائباً، أي ما يعادل سدس أعضاء البرلمان. ومن قبيل الصّدفة القاتمة أنّ الزّلزال ضرب منطقة تتنافس فيها جميع الأحزاب السّياسيّة الرّئيسة في تركيا.

مثلها مثل البلد ككلّ، فإنّ حركة الرّئيس رجب طيب أردوغان هي القوّة المهيمنة. وفي خمس مقاطعات، حصل حزب العدالة والتّنمية، الذي ينتمي إليه، على أكثر من نصف الأصوات في الانتخابات الأخيرة. يتمتّع الرّئيس، أيضاً، بشعبيّة شخصيّة هناك. في كهرمانماراس، مركز الزّلزالين، حصل على ثلاثة أرباع الأصوات في الانتخابات الأخيرة. والصّورة مماثلة في الأماكن المحافظة اجتماعيّاً مثل ملاطية وسانليورفا.

صورة سياسية مصغّرة للبلاد

لكن القصّة مختلفة في هاتاي، التي ربما تكون الأكثر تضرّراً من بين جميع المحافظات، حيث انتصر حزب العدالة والتّنمية بفارق ضئيل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وخسر منصب العمدة المحلّيّ أمام مرشح معارض. وفي عام 2019، تجمّعت أحزاب المعارضة معاً للسّيطرة على الحكومة المحلّيّة في أضنة، المدينة التي يزيد عدد سكانها عن مليوني نسمة.

هناك خطر ضئيل من حصول تزوير انتخابي يأخذ شكل «موتى يدلون بأصواتهم». فالزلزال ضرب واحدة من أكثر المناطق تنافسيّة في البلاد، ويمكن لكلّ صوت أن يُحدث فارقاً

منطقة الكارثة تُعدُّ صورة سياسية مصغّرة للبلاد: جعل أردوغان وحزب العدالة والتّنمية وجودهما محسوساً في كلّ مكان على مدار العقدين الماضيين، لكنّ الأحزاب التي تُمثّل يسار الوسط، والقوميّين ذوي التّوجهات المعارضة لأردوغان، والمحافظين الدّينيّين، والأكراد، كلّها، لديها فرصة جيّدة.

ما يستحيل التّنبّؤ به هو لمن سيصوّت النّاجون من الزّلزال وما إذا كانت طريقة استجابة الحكومة للكارثة ستؤثّر على قرارهم.

لكن بالكاد أحد عشر أسبوعاً تفصل بين أسوأ كارثة طبيعية في تركيا في العصر الحديث وبين الانتخابات التّركيّة الأكثر أهميّة في الذّاكرة الحيّة. وفي 14 أيار (مايو)، سيظلّ معظم النّاخبين المتضرّرين يواجهون محنتهم في أذهانهم أثناء الإدلاء بأصواتهم.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

مايكل دافينتري، ذي ناشونال، 30 آذار (مارس) 2023



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية