العراق في مواجهة الميليشيات

العراق في مواجهة الميليشيات


06/03/2021

صادق ناشر

لا يكاد يخرج العراق من أزمة ما حتى يدخل في أخرى؛ بداية من الأوضاع في هذا البلد العربي التي لا تزال مشتعلة منذ غزو الكويت الذي قام به النظام السابق عام 1990، مروراً بالاحتلال الأمريكي للبلاد، وقدوم «داعش»، وانتهاء بأحداث الفوضى التي تعم العراق؛ من جرّاء إقدام الميليشيات المسلحة على ضرب الاستقرار، بما يخدم أجندة إقليمية، الكل يدرك أبعادها ومراميها.

تدرك الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي، خطر استمرار قوات ميليشيات «الحشد الشعبي» في تهديد الاستقرار والأمن؛ لهذا تتجه إلى القضاء على هذا الخطر اليوم قبل أن يستفحل غداً، على الرغم من أنها تجد نفسها محاصرة ومكبلة بالتهديدات التي تشكلها هذه القوات، وهو ما يعيق جهودها لتكون قادرة على مواجهة استحقاقات إعادة بناء الدولة؛ لأن الهدف الذي تسعى إليه هذه الميليشيات ليس فقط توجيه ضربة لخصومها المفترضين؛ بل لكيان الدولة العراقية بأكمله.

 الأحداث التي شهدها ويشهدها العراق منذ أشهر، وتحديداً منذ تعيين الكاظمي على رأس الحكومة، سواء الهجمات الصاروخية التي تستهدف قواعد أمريكية وسفارات أجنبية في المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، أو ضرب ما تعدها هذه الميليشيات أهدافاً معادية لإيران، كما حدث في استهداف منطقة أربيل بعدد من الصواريخ، آخرها استهداف مطار الإقليم، وقاعدة عين الأسد؛ تؤكد أن حدود هذه الهجمات لن تتوقف عند هذه النقطة؛ بل ستعمل على التصعيد بشكل أكبر وأخطر، وصولاً إلى تحويل العراق إلى ساحة مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والهدف هو تخفيف الضغط على إيران، التي تخوض مع واشنطن معركة بشأن العقوبات التي تفرضها عليها قبل العودة إلى الاتفاق النووي.

 رفع وتيرة استهداف الميليشيات لأمن العراق، إشارة واضحة إلى أنها لا ترغب في تهدئة الأوضاع طالما ظلت العلاقة بين واشنطن وطهران على حالها من التصعيد، فهي تعلم يقيناً أن نشاطها الإرهابي لن يجلب للحكومة إلا المزيد من الأزمات مع دول العالم، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال التصريحات التي أدلى بها الكاظمي قبل أسابيع، وأبدى فيها خشيته من أن تقدم بعض دول العالم، من بينها الولايات المتحدة على خفض سقف التعاون مع بغداد، ما يعني وجود فجوة عميقة بين العراق والعالم.

 لذلك كله تبدو الحكومة العراقية في سباق مع الزمن؛ لوضع حل للأزمات القائمة، ومن بينها بالطبع كبح جماح الميليشيات التي صارت تشكل عبئاً ثقيلاً على الدولة، وتقدم صورة سلبية عن مدى سيطرة الحكومة على الأوضاع، خاصة في ظل استمرار استهداف المصالح الأجنبية، بما يشكله ذلك من مخاطر على مستقبل البلاد بأكمله.

 من هنا يشكل الصدام القائم بين الحكومة والميليشيات المسلحة، أزمة على الصعد كافة، في ظل رغبة الكاظمي في أن يبقى القرار السيادي في يد الدولة، وهي التي يحق لها أن تحدد ماهية القوى المكلفة بحماية البلد، لا أن يترك الباب مفتوحاً للجماعات والميليشيات المسلحة، للتحكم بمصير بلد يدفع حتى اليوم ثمن أخطاء قادته وحكوماته السابقة.

عن "الخليج" الإماراتية

الصفحة الرئيسية