السيناريو المرجح بعد فرز الأصوات في الانتخابات العراقية

الانتخابات العراقية

السيناريو المرجح بعد فرز الأصوات في الانتخابات العراقية


13/06/2018

تحمل الأنباء الواردة من العراق والمتصلة بإعادة فرز الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، نذر خلافات عميقة؛ حيث أعرب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عن خشيته في أن يتسبّب ذلك في "الانزلاق إلى حرب أهلية"، لا سيما بعد الحريق الذي تعرضت له مخازن الصناديق الانتخابية في العاشر من الشهر الجاري.

في المقابل، أظهرت نتائج استطلاعات للرأي أجرتها صحيفة "البيان" على موقعها الإلكتروني وحسابها على موقعي "تويتر" و"فيسبوك"، أنّ إعادة فرز الأصوات في الانتخابات العراقية لن تغيّر من نتائجها؛ إذ أعرب 62 في المئة من المستطلعين عن شكوكهم في إمكانية أن تؤدي عملية الفرز إلى تغيير في النتائج مقابل 38 في المئة توقّعوا عكس ذلك. وذهب 73 في المئة من المستطلعة آراؤهم إلى أنّ إعادة الفرز ستغيّر من النتائج مقابل 27 في المئة بالجهة المقابلة.

ونظر بعض المراقبين إلى التداعيات الأخيرة باعتبارها تلاشياً لـ "الانتعاش الوقتي الذي أحاط بانتخابات مجلس النواب العراقي التي جرت في 12 أيار(مايو) الماضي وسط اندلاع أعمال عنف وتفجيرات، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تنظر في اتهامات بحدوث تلاعب في آلات التصويت الإلكترونية، وحشو صناديق الاقتراع، وتخويف الناخبين، وحصول أعمال رشوة، وسوء استخدام بطاقات هويات الناخبين.

أظهرت نتائج استطلاعات للرأي أنّ إعادة فرز الأصوات في الانتخابات العراقية لن تغيّر من نتائجها

وقد تجاهلت "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات" شكاوى التزوير في البداية، لكن تحقيقاً أجراه مجلس الوزراء وجد أدلة كافية، تشمل وقوع جرائم جنائية محتملة، للدعوة إلى إعادة عملية الفرز اليدوية للانتخابات بصورة استطلاعية بنسبة 5 في المائة في محافظات معينة. وبعد ذلك، وتحديداً في 6 حزيران (يونيو) كما يورد تقرير للباحث بلال وهاب من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، قام مجلس النواب بتعديل قانون الانتخابات من أجل فرض [القرارات] التالية:

♦ إلزام "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات" بإﻋﺎدة العد والفرز اليدوي الكامل للأصوات ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺎت.

♦ إحلال قضاة معيّنين من قبل مجلس القضاء الأعلى محل المفوضين الحاليين لـ "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات" (تتألف "المفوضية" من أشخاص معينين سياسياً).

♦ إلغاء جميع أوراق الاقتراع الغيابي في الخارج، فضلاً عن جميع النتائج التي أدلى بها رجال الأمن ومحطات الاقتراع في مخيمات النازحين.

وفي اليوم الذي سبق إصدار تعديلات مجلس النواب، دعت الحكومة إلى فرض حظر على سفر مسؤولي "المفوضية العليا" إلى جانب الأمر القاضي بإعادة الفرز اليدوي. وتشكك "المفوضية" الآن في دستورية خطوة السلطة التشريعية أمام المحكمة العليا.

وجدت اللجنة أنه تم رشوة بعض المسؤولين في "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات"

ما هو الدليل؟

بدأ التحقيق الرئيسي في 25 أيار(مايو)، كما يقول وهاب، في تقرير منشور على الموقع الإلكتروني للمعهد، عندما شكلت الحكومة لجنة تضم مسؤولين من وكالات التدقيق والاستخبارات العراقية للنظر في اتهامات التزوير. وعندما عرضت اللجنة نتائجها في 29 أيار (مايو)، وصفها رئيس الوزراء حيدر العبادي بأنها انتهاكات "خطيرة". وكان أحد الاستنتاجات الأكثر إثارة للقلق هو عدم اختبار آلات التصويت الإلكترونية العراقية - التي لم تستخدمها الدولة من قبل - بشكل كاف ضد حدوث تلاعبات قبل يوم الانتخابات. ونتج عن ذلك تناقضات بين عمليات الاقتراع الفعلية وقراءات آلات العد الألكترونية، مما أشار إلى أنّ بعض الآلات كانت مُبرمجة مسبقاً لكي تنتج أصواتاً مزوّرة.

تقرأ أيضاً: الانتخابات العراقية: ديمقراطية بلا ديمقراطيين!

كما وجدت اللجنة أيضاً أنه قد تم رشوة بعض المسؤولين في "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات" الذين أشرفوا على الانتخابات في الخارج من أجل تزوير نتائج الانتخابات من خلال حشو صناديق الاقتراع. وحتى أن بعض مراكز الاقتراع قد سجلت معدلات مشاركة بنسبة 100 في المائة - وهو إنجاز لم يكن ممكناً إلّا من خلال الحصول على بطاقات هوية بشكل غير قانوني لناخبين كانوا قد امتنعوا عن المشاركة في التصويت، والإدلاء بأصواتهم من خلال استعمال أسمائهم.

لماذا الأمر مهم؟

من شأن تجاهل الأدلة على تزوير الانتخابات أو تغطيتها أن يؤديان إلى اضمحلال الثقة في الانتخابات التي شابها بالفعل انخفاض قياسي في نسبة الإقبال، الأمر الذي يثير الشكوك حول شرعية الحكومة المقبلة. إن إعادة فرز الأصوات، رغم أنها محفوفة بالمخاطر في حد ذاتها، يمكن أن تبعث بعض الطمأنينة في النظام الانتخابي العراقي إذا أُجريت بشكل صحيح. ويرى الباحث أنّ تعزيز الثقة أمر مهم الآن؛ لأن هناك عمليتي انتخاب إضافيتين تلوحان في الأفق: الانتخابات التي ستجريها "حكومة إقليم كردستان" في أيلول (سبتمبر)، وانتخابات المحافظات المقرر إجراؤها في جميع أنحاء البلاد في كانون الأول (ديسمبر).

ويدعم كل من مجلس الوزراء والسلطة التشريعية إعادة فرز الأصوات، لذا من المرجح أن يتم العمل بها. وعلى أقل تقدير، ستؤدي هذه العملية إلى بعض التغيير في نتائج إحصاء الأصوات النهائي، وربما قد تكون كافية لتغيير النتائج في محافظات معينة.

إمكانية نشوب أعمال عنف أوسع نطاقاً بسبب إعادة فرز أصوات الناخبين يشكل تهديداً دائماً في العراق

ومع ذلك، فإنّ إعادة الفرز اليدوي ليست دواءً لكل داء، وعلى الرغم من أنها قد تمنع الاحتيال الإلكتروني، إلّا أنّها لن تكتشف المشاكل الأخرى مثل حشو صناديق الاقتراع وترهيب الناخبين. ويمكن أن يؤدي الحريق الذي وقع في مخازن الصناديق الانتخابية إلى زيادة الحد من فعالية إعادة فرز الأصوات إذا تم تدمير أدلة حاسمة. بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت هناك تناقضات فاضحة بين القراءتين الآلية واليدوية، فمن المرجح أن تتجه البلاد نحو إجراء انتخابات جديدة، كما دعا إليها رئيس الوزراء السابق إياد علاوي وغيره من القادة السياسيين.

اقرأ أيضاً: كم بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات العراقية؟

وتحمل عملية إعادة الفرز أيضاً مخاطر سياسية كبيرة، كما أظهر التقرير، فقد تؤدي إلى تأخير عملية تشكيل الحكومة حتى عام 2019 وتُسبب المزيد من تفكك الأحزاب. كما يمكن أن ينتج عنها تغييرات كبيرة في النتائج المعلنة التي قد تنتهي بتقويض الائتلاف الشيعي العربي الذي يتزعمه مقتدى الصدر، وهو تطور سيؤدي بلا شك إلى تفاقم التوترات الطائفية والاضطرابات السياسية.

إيليا ماكغناير: العراق يتّجه نحو مستقبل غير متوازن

تحذيرات من تغيير النتائج

وحذر الكاتب عبد الله جمعة الحاج في صحيفة "الاتحاد" الإماراتية من قرار إعادة فرز النتائج الذي "أضفى بظلال ثقيلة على نتائج الانتخابات، ومجمل الحياة السياسية العراقية في شقها المتعلق بسلاسة سير العملية الديمقراطية التي دخلت العراق حديثاً".

واعتبر الحاج، كما نقلت "بي بي سي" أنّ "نتائج فرز وإحصاء البطاقات الانتخابية دخلت منعطفاً خطيراً يهدد العملية الانتخابية من جذورها، وينبئ بنشوب خلافات حادة قد تتحول إلى عنيفة في حال تغير النتائج من صالح كتل فائزة حالياً بمراكز متقدمة إلى صالح كتل أخرى مراكزها متأخرة، وفقاً للفرز والإحصاء الذي أعلنت نتائجه سابقاً... مثل هذه العمليات قد تدخل العراق ذاته كدولة قائمة ومتماسكة في منعطف خطير".

ولم يكن مقال إيليا ماكغناير أكثر تفاؤلاً في صحيفة "الرأي" الكويتية، حيث حذر أيضاً من أن "العراق يتّجه نحو مستقبل غير متوازن". وأضاف الكاتب "إذا لم يتفق العراقيون على نتائج الانتخابات بعد الفرز اليدوي فسيدخل العراق نحو المجهول، لأن البرلمان سيُعتبر مستقيلاً ومنحلاً حيث لا يوجد مَنْفَذ في الدستور يخوّل البرلمان التمديد لنفسه. وتالياً ستبقى الحكومة الحالية وتصبح حكومة تصريف أعمال ويستمرّ بالتالي (رئيس الوزراء حيدر) العبادي رئيساً للوزراء في حكومة ضعيفة أصلاً بصلاحيات أقل".

الشأن الانتخابي في العراق عاد إلى المربع الأول فلا فائز اليوم ولا خسران بانتظار نتائج العد اليدوي

من جهته، اعتبر صادق العراقي في صحيفة "القبس" الكويتية أنّ "الشأن الانتخابي عاد إلى المربع الأول فلا فائز اليوم ولا خسران بانتظار نتائج العد اليدوي والتغييرات التي قد تطرأ على النتائج".

أما في "حكومة إقليم كردستان"، فقد قام "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و "الاتحاد الوطني الكردستاني" بالتشبث بالفعل (بمواقفهما المتعلقة بالانتخابات). فقد قاطعا جلسة مجلس النواب التي صوتت لصالح إعادة فرز الأصوات ورفضا الأمر الذي صدر بإلغاء نتائج الاقتراع الخاص بقوات الأمن (حيث يكون تأثير محاباة الحزبين هو الأقوى إجمالاً). وقد تلجأ بعض العناصر إلى عمليات العنف إذا لا تسير العملية في صالحها - على سبيل المثال، عندما ذكرت وسائل الإعلام التابعة لـ "حزب غوران" - فصيل المعارضة في "حكومة إقليم كردستان" - احتمال حدوث تزوير في عملية التصويت قبل موعد الانتخابات بوقت قصير، هاجمت [عناصر من] "الاتحاد الوطني الكردستاني" مقر الحزب في السليمانية.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى المرشح في الانتخابية العراقية المدرج بقائمة أمريكا للإرهاب

أما بالنسبة لإمكانية نشوب أعمال عنف أوسع نطاقاً على صعيد البلاد، فيبدو أن مثل هذه الاندلاعات تشكل تهديداً دائماً في العراق، كما يقول وهاب، فعلى الرغم من الإصلاحات الجارية بقطاع الأمن، إلّا أنّ العديد من القوات والميليشيات لا تزال تعمل خارج نطاق سيطرة الحكومة. وقد ساد الأمن خلال الانتخابات نفسها، ولكن التفجيرات التي وقعت في مدينة الصدر والحريق الذي طال مخازن الصناديق الانتخابية تُظهر مدى السهولة التي يمكن أن تصبح فيها بعض الجهات الفاعلة قوة مخربة - بغض النظر إذا كانت هذه الجهات أجنبية أم محلية.

ماذا نتوقع؟

من أجل الحد من هذه المخاطر واستعادة بعض الثقة في الديمقراطية العراقية، يجب إجراء عملية إعادة فرز الأصوات في أسرع وقت ممكن، ومع أقصى دعم دولي. وسيساعد المراقبون الأجانب غير المتحيزين على تعزيز الثقة في العملية - فمشاركة الأمم المتحدة أمر لا بد منه، وهو الحال مع الدعم الذي تقدمه المنظمات الشهيرة في الولايات المتحدة مثل "المعهد الجمهوري الدولي" و"المعهد الديمقراطي الوطني".

إن إجراء انتخابات جديدة قد ينطوي على مخاطر أكبر؛ وستصبح فرص هذا السيناريو أكثر وضوحاً في الأيام القادمة، خاصة إذا ساهمت شخصيات بارزة مثل المرجع الشيعي آية الله السيد علي السيستاني في الإدلاء بملاحظات علنية، كما يرجح الباحث العراقي بلال وهاب.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية