الجوع يهدد السوريين.. ما الجديد في أزمة الخبز؟‎

الجوع يهدد السوريين.. ما الجديد في أزمة الخبز؟‎


23/02/2022

 ما تزال آلاف العائلات السورية تعاني بسبب عدم قدرتها على توفير مادة الخبز في كافة المناطق السورية، الخاضعة منها للنظام السوري، والأخرى القابعة تحت حكم الميليشيات المسلحة شمال شرقي البلاد، لأسباب متعددة، منها رفع الدعم عن الخبر، ومنها شحّ مادة الدقيق، بالإضافة إلى الاحتكار، والتحكّم من قبل مسؤولين في النظام وقادة ميليشيات بحثاً عن الربح السريع، حتى لو كان الأمر متعلقاً بتجويع شعب كامل.

ففي مناطق النظام، نتيجة قرار رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس، تمّ رفع الدعم عن (600) ألف عائلة في الداخل السوري، حيث أعلن أنّ الحكومة لم تعُد قادرة على الاستمرار بنمط الدعم الواحد للمواطنين، الذي كان سائداً قبل قرار رفع الدعم.

وخلال حديثه لصحيفة "الوطن" المحلية، أكد عرنوس أنّ القرار يترتّب عليه مصاعب لا سيّما مع شحّ الموارد المالية والحصار الاقتصادي الذي تواجهه البلاد، لكنّ النتائج الإيجابية ستنعكس مستقبلاً؛ لأنّ هدف القرار هو اقتصادي بحت.

ما تزال آلاف العائلات السورية تعاني بسبب عدم قدرتها على توفير مادة الخبز في كافة المناطق السورية

وحول حرمان آلاف العوائل من دعم مادة الخبز، زعم عرنوس أنّ الخبز ما زال خطّاً أحمر، لكن ليس بمفهوم سعر ربطة الخبز، بل باستمرار الحكومة في دعم القطاع الزراعي، وتأمين مادة القمح والدقيق وتوفيرها للأفران، وبأسعار مقبولة للمواطن.

وبيّن المسؤول الحكومي أنّ غالبية السوريين لا يعرفون كيف يتمُّ تأمين القمح والدقيق والوسائل المعتمدة لتوفيرها، موضحاً أنّ الحكومة السورية تستورد، وبالعملة الأجنبية، متطلبات مواطنيها، واصفاً ما تعيشه البلاد بالظرف الاستثنائي.

 

رفع الدعم عن (600) ألف عائلة في الداخل السوري، والحكومة تزعم أنّ النتائج الإيجابية للقرار ستنعكس مستقبلاً

 

في حين يشتكي أصحاب الأفران من كساد مئات ربطات الخبز، بسبب عدم قدرة بعض العائلات على دفع أسعارها بعد استبعادها من الدعم، رغم اعتراضاتهم على منصة وزارة التجارة، الأمر الذي تمّ استغلاله بحسب الأهالي، فقد تمّ تطبيق القرار مرة أخرى بعد يومين فقط من عودة الدعم.

بدوره، صرّح مدير فرع مؤسسة المخابز الآلية بالسويداء علاء مهنا صحة شكاوى الأهالي، موضحاً أنّ العديد من الأسر لم تتمكن من شراء الخبز يومياً، نتيجة قرار رفع الدعم عنها، على الرغم من اعتراضهم على منصة الوزارة.

وأوضح مهنا، في تصريح نقله موقع "الحل نت" المحلي، يوم الأحد الماضي، أنّه تمّ تقديم جميع طلبات استثناء الدعم على المنصة الإلكترونية؛ ولكن بعد تحليل طلبات الغالبية منهم، وإعادتهم إلى الدعم، ظهرت حالات معينة، بسبب فشلهم في تقديم المستندات المناسبة إلى السلطات الرسمية.

اقرأ أيضاً: لا خبز في لبنان اليوم ... هل تستمر الأزمة؟

وبحسب تصريح مهنا، فإنّ الكثير من المواطنين لا يملكون بطاقة إلكترونية للحصول على الخبز، خاصة في مدينة السويداء ذات الكثافة السكانية العالية، "سواء منهم الطلاب الجامعيون، أو العزّاب، أو الأرامل، أو حتى ناطور البناء"، بسبب عدم قدرتهم على تنظيم عقود الإيجار، التي يجب تصديقها وفقاً للقانون.

الكثير من المواطنين لا يملكون بطاقة إلكترونية للحصول على الخبز

وعاد مدير المخابز ليذكر جملة من الأسباب بعيداً عن مشكلة الدعم، فأوضح أنّ أكبر عيوب توزيع الخبز في المنافذ والمصرّح لهم بالتوزيع، هو عدم وجود شبكة اتصالات، الأمر الذي أدى إلى عدم القدرة على قطع البطاقات، والذي نتج عنه حشود من المواطنين وتراكم طوابير الانتظار.

وبسبب ذلك، بدأت الأفران بتوزيع الخبز بمعدل حزمتين لكلّ مواطن بسعر مدعوم لتلافي المشاكل الناجمة عن الغياب التام للشبكة، والذي أدى في كثير من الأحيان إلى قيام المواطنين بسحب الأجهزة من المصرّح لهم أو كسرها أو حجزها.

 

علاء مهنا: العديد من الأسر لم تتمكّن من شراء الخبز يومياً نتيجة قرار رفع الدعم عنها، على الرغم من اعتراضهم على منصة وزارة التجارة

 

وبيّن مهنا أنّه بالإضافة إلى الأسباب التي سبق ذكرها، والتي تسببت في مشكلة في توزيع الخبز، هناك موضوع آخر وهو عدم كفاية التخصيصات المحددة لكلّ مواطن نتيجة وجود مواطنين مستبعدين من توزيع الخبز، ممّا يجعل الناس يراجعون فرع المخبز ويطلبون المادة، وهو ما خلق إشكالية كبيرة ضمن منافذ البيع في المخابز.

بعد الرفع التدريجي للدعم عن المشتقات النفطية، في عام 2020 وخاصة في عام 2021، اتخذت دمشق الخطوة المهمة التالية، ففي 1 شباط (فبراير) الجاري أعلنت استبعاد ما يقرب من (600) ألف أسرة من برنامج الدعم الخاص بها؛ أي ما يقرب من (3) ملايين شخص في المجموع، على أساس متوسط (5-6) أفراد لكلّ أسرة سورية، حوالي 15% من حاملي البطاقة الذكية.

اقرأ أيضاً: ارتفاع سعر الخبز في إسطنبول والأزمة الاقتصادية تتفاقم

وتعليقاً على القرار الأخير، وما حصل للعائلات، أوضح عضو الهلال الأحمر السوري  عمران الأسود لـ"الحل نت" أنّ القرار، مثل إجراءات التقشف السابقة، يزيد من التهميش الاقتصادي والتوترات السياسية في سوريا، مضيفاً: "يجب أن نتذكر أنّ أكثر من 90% من السكّان يعيشون تحت خط الفقر، ويحتاج ما لا يقلّ عن (13.1) مليون شخص إلى مساعدات إنسانية".

يشتكي أصحاب الأفران من كساد مئات ربطات الخبز، بسبب عدم قدرة بعض العائلات على دفع أسعارها بعد استبعادها من الدعم

وتابع الأسود: "جاء هذا الإجراء الجديد في الوقت الذي أصبحت فيه المنتجات المدعومة باهظة الثمن بشكل متزايد، بالإضافة إلى تزامنه مع تقليص الحصة المخصصة للأسر، خاصة في عامي 2020 و2021، وبسبب الفجوة الكبيرة بين الأسعار المدعومة وغير المدعومة في بعض الحالات، تتوقف بعض الأسر عن شراء منتج معيّن تماماً".

اقرأ أيضاً: الأولوية الآن: للخبز أم للديمقراطية؟

وأوضح الأسود أنّه قبل قرار الحكومة كانت الأسرة تحتاج حوالي (200) ألف ليرة سورية (ما يعادل 79.6 دولار أمريكي) شهرياً لشراء السلع العادية والسلع المدعومة. والآن ستحتاج العائلة، بالأسعار غير المدعومة، إلى أكثر من (600) ألف ليرة سورية (ما يعادل 238.9 دولار أمريكي) للحصول على هذه العناصر نفسها".

ففي الأيام التي أعقبت قرار الحكومة برفع الدعم، قفز سعر الخبز في دمشق في السوق السوداء إلى (2500) ليرة سورية، وارتفعت أسعار بعض المنتجات الغذائية في الأسواق في جميع أنحاء البلاد.

 

عمران الأسود: قرار رفع الدعم، مثل إجراءات التقشف السابقة، تزيد من التهميش الاقتصادي والتوترات السياسية في سوريا

 

نائلة شمّر، وهي موظفة حكومية وأرملة، حُرمت من الدعم بسبب امتلاكها سيارة منذ (25) عاماً، قالت إنّها لم تستخدم سيارتها منذ أكثر من عامين لعجزها عن شراء مادة البنزين، مضيفة: "لديّ (7) أولاد، نعيش على راتبي الشهري الذي لا يتجاوز الـ (125) ألف ليرة، ما يعادل (33) دولاراً، وأحتاج يوميّاً لـ(3) ربطات خبز، كنت أشتريها قبل رفع الدعم بـ (600) ليرة سورية، بينما ربطة الخبز في السوق السوداء بلغت (2500) ليرة، وأحتاج يومياً لـ(7500) ليرة لشراء الخبز، وراتبي لا يكفي لسدّ جوع أطفالي من الخبز الحاف".

ونشرت الصحفية لينا ديوب على صفحتها الخاصة على "فيسبوك" أنّ جارها في مدينة  "مصياف" كان من ضمن الذين استُبعدوا من الدعم بحجة أنّه خارج البلاد، مؤكدة أنّه مايزال في سوريا، ولا يمتلك جواز سفر أصلاً، الأمر الذي أكده لؤي حبيب، وهو مدرس لغة فرنسية، استُبعدت عائلته من الدعم بحجة أنّ والده مسافر، لافتاً إلى أنّ والده ووالدته منفصلان منذ أكثر من (25) عاماً، وانقطعت عنهم أخباره منذ (20) عاماً، ولا يعلمون ما إذا كان مسافراً حقاً، أو أنّه متوفى.

اقرأ أيضاً: السودان: أزمة خبز حادة.. ومخزون الدقيق يكفي لـ 4 الأيام فقط

وعلّق الخبير الاقتصادي مصطفى خليل على قرار الحكومة بأنّه يزيد الفجوة الاقتصادية والتضخم، لا سيّما أنّ أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، ويحتاج أكثر من (13) مليون سوري لمساعدات إنسانية، بسبب عجز الأسر عن تأمين طعامها اليومي.

وأكد مصطفى أنّ سعر ربطة الخبز في السوق السوداء وصلت إلى (2500) ليرة، متوقعاً أنّ إجراء الحكومة الأخير سيخلق تضخُّماً جديداً في السوق السورية، إن لم تُتدارك خطورته.

بالمقابل، كانت الناطقة باسم الحكومة السورية قد صرّحت، خلال حوار صحفي مع وكالة "سانا"، أنّ معاونة وزير التجارة الداخلية رشا كركوكي حدّدت السعر الحُر للخبز بـ(1300) ليرة سورية، مع بقاء سعر الربطة لمستحقي الدعم بـ(200) ليرة.

وأكدت كركوكي أنّ مخصصات البطاقة الإلكترونية من المواد الأساسية ستبقى على حالها، لكن بالسعر المدعوم للمستحقين، وبالسعر الحر للمستبعدين من الدعم، موضحةً أنّ تكلفة ربطة الخبز الفعلية على الدولة هي (1800) ليرة سورية.

 

تغيّر المناخ وجفاف الأنهار في المناطق الخاضعة للميليشيات المسلحة أدّى إلى صعوبة توفير مادة الدقيق، وأصبحوا يستخدمون الذرة المخصّصة للحيوانات في صناعة الخبز

 

في المناطق الخاضعة للميليشيات المسلحة، كهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)،   أدّى تغير المناخ وجفاف الأنهار إلى صعوبة في توفير مادة الدقيق لإنتاج الخبر، بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".

ونقلت الصحيفة معلومات تتعلق بخلط الدقيق بالذرة في أحد المخابز الذي يعتمد على الآلات القديمة التي يعود تاريخها إلى ما قبل الحرب، وعلى حبوب الذرة التي جعلت من الطحين الملقى في أوعية الخلط أصفر اللون بدلاً من الأبيض.

وأوضح مدير المخبز أنّ تجربة خلط الطحين بحبوب الذرة بدأت قبل (3) أو (4) أشهر، وذلك لتجنّب نقص الخبز.

ويقول خضر شعبان (48) عاماً، وهو مزارع حبوب بالقرب من بلدة الشدادي، حيث حلت التربة العارية محلّ معظم حقول القمح بسبب نقص المياه، يقول ساخراً: "كنّا نطعم الذرة للدجاج...، أصبحنا نأكلها اليوم".

وارتبط الجفاف الذي طال أمده في المنطقة بتغير المناخ في جميع أنحاء العالم، لكن في شمال شرق سوريا، سلة الخبز التاريخية للبلاد، تضاعفت آثارها بسبب أكثر من عقد من الحرب، والاقتصاد المدمّر، والبنية التحتية المدمّرة، وزيادة الفقر.

وفي جميع أنحاء سوريا، أفاد برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، في الصيف الماضي، أنّ ما يقرب من نصف السكان ليس لديهم ما يكفي من الغذاء، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع هذا العام.

وقد ترك المزارعون العديد من حقول الأرض الحمراء غير قادرين على شراء البذور أو الأسمدة أو الوقود لتشغيل مضخات المياه لتعويض انخفاض هطول الأمطار في الأعوام السابقة.

اقرأ أيضاً: "خبز البهائم" يثير أزمة في المغرب... ما القصة؟

وما تزال هذه المنطقة المنفصلة شبه المستقلة في شمال شرق سوريا، التي تحتاج بشدة للحصول على السيولة وعلاقات مستقرة مع دمشق، تبيع الكثير من محصولها من القمح للحكومة السورية، ممّا يترك القليل لسكانها.

من جهته، يبيّن مات هول، المحلل الاستراتيجي في منظمة إنقاذ الطفولة في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، أنّ "مشكلة تغيّر المناخ مقترنة بمشاكل أخرى، لذا فهي ليست مجرّد شيء واحد".

وأضاف هول: "هناك حرب وعقوبات والاقتصاد مدمّر، لا يمكن للمنطقة أن تتحمل الأزمة عن طريق استيراد القمح لأنّها لم تعد تملك المال".

يُذكر أنّه منذ آلاف السنين، رعى نهر الفرات، وأكبر رافده، نهر الخابور، الذي يمرّ عبر محافظة الحسكة، بعض أقدم المستوطنات الزراعية في العالم، لكنّ الأنهار تجف.

وطال الجفاف سداً رئيسياً في شمال غرب سوريا للمرة الأولى منذ إنشائه قبل نحو (3) عقود، جرّاء تراجع مستوى الأمطار والاهتراء وتزايد اعتماد المزارعين على مياهه، وفق ما قال مسؤول محلي ومزارعون لوكالة "فرانس برس".

في شمال شرق سوريا كان الجفاف حاداً بشكل خاص خلال العامين الماضيين، لكنّ هطول الأمطار الأقلّ من المتوسط ليس سوى جزء من المشكلة.

وأتى الجفاف، وفق منظمات إنسانية، على مساحات زراعية واسعة تعتمد أساساً على مياه الأمطار، في بلد يعاني 60% من سكّانه من انعدام الأمن الغذائي.

وأوردت الأمم المتحدة أنّ إنتاج الشعير قد يتراجع (1,2) مليون طن العام الحالي، ممّا يصعب تأمين العلف للحيوانات خلال الأشهر القليلة المقبلة، بحسب "فرانس برس".  

يُذكر أنّه في جميع أنحاء المنطقة ساهم الفقر المدقع، وانعدام الفرص، في انضمام بعض الشباب إلى تنظيم داعش.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية