الثروة السرية لأردوغان: مقاضاة زعيم المعارضة بتهمة كشف كذب الرئيس

الثروة السرية لأردوغان: مقاضاة زعيم المعارضة بتهمة كشف كذب الرئيس


06/09/2020

بلغت عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضدّ زعيم حزب الشعب الجمهوري التركيّ المعارض، كمال كيليجدار أوغلو، من قبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، 21 دعوة قضائية، حتى عام 2019، حكم في 18 دعوة منها لصالح أوغلو، حتى اختتمها أردوغان بالدعوى الـ 22، قبل أيام، بعد اتهام أوغلو، له ولأسرته، بالتهرّب الضريبي، وامتلاك أموال وحسابات سريّة، ما أشعل غضب الرئيس مجدداً، وطالبه بدفع غرامة قدرها مليوني ليرة تركية.

اقرأ أيضاً: الإخوان مطية أردوغان

ونفى أردوغان أن يكون، هو أو أحد أفراد أسرته، ممتلكاً لحسابات سرّية، لكن بالاطلاع على ما تنشر الصحافة العالمية، يتّضح للعالم كذب أردوغان البيّن.

تركيا المنهوبة

لـ 17 عاماً، حكم فيها الرئيس رجب طيب أردوغان، بلاده من خلال  صناديق الاقتراع، وعن طريق تقديم رؤية للناخبين، مفادها استعادة أمجاد الماضي العثماني لتركيا، وتوسيع نفوذ بلاده من خلال زيادة انتشار التجارة، ورفع مستويات المعيشة، ومرّت أعوام كانت معدلّات من النمو الاقتصادي فيها تخدم قطاعات معينة من الشعب، لكن بعد الانقلاب العسكري المزعوم، عام 2016، شرع أردوغان في حملة قمع واسعة.

 وفي عام 2018، تذبذب الاقتصاد وهوت الليرة، بعد فترة وجيزة من إعادة انتخابه بسلطات أكبر، إضافة لتغلغل المحسوبية والاستبداد بشكل أعمق في إدارته، وبحسب مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، مطلع العام الماضي؛ فإنّ الثقة الشعبية التي انعدمت في نظام أردوغان، دفعت بالآف من أصحاب المهارات الفريدة، والعقول المميزة إلى الهجرة خارج البلاد، كما أفقد الوضع الاقتصادي المتردّي المستثمرين المحليين ثقتهم في أيّة معاملات مالية مع الدولة، التي تغرق البلاد في الديون.

أستاذة في العلوم السياسية لـ"حفريات": لأكثر من عقدٍ ونصف العقد سيطر أردوغان وحزبه على مفاصل الدولة، وعملوا في سرية تامة، وبنظام حكم قائم على المحسوبية والوساطة، وانعدام الشفافية

كان زعيم المعارضة التركية، كمال كيليجدار أوغلو، قد أجرى مقابلة مع صحيفة "جمهوريت" المؤيدة لحزب الشعب، الذي يترأسه، الإثنين العاشر من آب (أغسطس) الجاري؛ إذ دعا المعارض البارز، في حواره، الرئيس وأسرته أن يتوقفوا عن خداع الأتراك، وطالبهم بردّ أموال تركيا التي يهربونها إلى الخارج، تحديداً في سويسرا والولايات المتحدة، كما ناشدهم بسداد الضرائب المستحقة، التي أكّد أنّ هناك ما يثبت تهرب العائلة الحاكمة من الضرائب، كما أشار كيليجدار، الذي قاد حزب الشعب الجمهوري، منذ عام 2010، إلى المزاعم التي أدلى بها، للمرة الأولى، قبل ثلاثة أعوام؛ بأنّ شقيق أردوغان وابنه قد شاركا في إرسال ملايين الدولارات إلى جزيرة مان، وهي ملاذ ضريبي خارجي في البحر الأيرلندي، وذكر أنّ عائلة أردوغان حوّلت مبلغ 15 مليون دولار إلى شركة تدعى "بيلواي" المحدودة، وقدمّت وثائق بنكية تظهر المدفوعات، لكنّ أردوغان اتهمه بالكذب وبتضليل الرأي العام، وسرعان ما وصل الأمر إلى القضاء، ومطالبته بتعويض مالي قدره  مليونا ليرة تركية.

اقرأ أيضاً: اتفاقية تركية ليبية جديدة ببنود غامضة... أردوغان يستمر في استنزاف أموال الليبيين

تاريخ العداء بين أردوغان وقادة المعارضة التركية، خاصة أوغلو، ليس بجديد؛ ففي مطلع الشهر الماضي، تداولت الصحف التركية فيديو يتحدث فيه أوغلو عن الرئيس ورجاله، ويصفهم بالكذب والتلون والتحايل على الشعب، ولم يمضِ شهر على الواقعة، حتّى كشّر الرئيس عن أنيابه، كاشفاً عورات ديمقراطية نظامه المزعومة.

 التلاعب بالشارع التركي

نشرت صحيفة "فوكس" الألمانية،  في تموز (يوليو) الماضي، تحقيقاً استقصائياً، تداولته الصحف العربية، حول ثروة أردوغان وأسرته، غير المعلنة، وتطرق التحقيق إلى أنّ الرئيس التركي يملك حسابات سرّية في بنوك سويسرية، تقدر بملايين اليوروهات، حصل عليها من استحواذه على شركات القطاع العام التي كانت تمتلكها الدولة سابقاً، وعن طريق التلاعب بالأوراق الرسمية، حصل أردوغان على أرباح هذه الشركات، التي يتم إيداعها في بنوك سويسرا، كما شمل التحقيق ثروة الأبناء الأربعة لأردوغان، وهم: أحمد بوراك، الذي يمتلك شركة النقل البحري" إم بي"، والتي تقدَّر أصولها بـ 80 مليون دولار، كما يملك ابنه الثاني، نجم الدين بلال، ثروة طائلة لم تحدَّد برقم، لكنّ المؤكد أنّه اشترى نفطاً من تنظيم داعش الإرهابي، ودفع ملايين اليوروهات، أمّا ابنتا أردوغان؛ فالصغرى "سميّة" تعمل مستشارة لوالدها، والكبرى "إسراء" عضو مجلس إدارة في العديد من المؤسسات الرسمية، وأكّد التحقيق أنّ أردوغان يتعمّد توزيع ثروته بين أبنائه الأربعة، لتضليل الرأي العام، حول ما يملكه بالفعل.

تاريخ العداء بين أردوغان وقادة المعارضة التركية، خاصة أوغلو، ليس بجديد

توضح أستاذة العلوم السياسية التركية بجامعة "بودابست"، آسلي كراكا، أنّ أردوغان وأعضاء حزبه الإسلاموي أصبحوا جميعاً ورقة محترقة أمام الشعب التركي، إذ أوقعته الأزمة الاقتصادية الناجمة عن استنزاف أموال البلاد في حروب لا طائل منها، في مأزق سياسي أكبر، لا يجد سبيلاً للخروج منه سوى المزيد من الدعايات القومية والدينية، وكلّها أكاذيب ملّ الشعب منها.

عبّر البرلماني التركي عن حزب الشعب الجمهوريّ المعارض، عبد اللطيف شنّار، عن أنّ تراجع أردوغان عن إدانات ترامب له جاء في إطار تخوفه من مصادرة أمواله بالخارج

وتتابع كراكا، في حديثها لـ "حفريات": "الصحف العالمية مكتظة بتفاصيل حول ثروة أردوغان المزعومة، والأمر لا يحتاج إلى تصريح كمال أوغلو، الذي لم يأتِ بجديد، لكنّ أردوغان يستخدم الأكاذيب ثانية، ليبرىء نفسه، بعدما افتضح أمر ثروته وثروة أبنائه أمام العالم أجمع، وتبقى مقاضاته لأوغلو حلقة جديدة من مسلسل قمعه للمعارضة؛ حيث اتخذ الانقلاب المزعوم ضدّه ذريعة لتحقيقه، وتكميم الأفواه، وتزييف الحقائق".

التواطؤ الأمريكي

خلال حديث له عبر صحيفة "زمان" التركيّة، في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، عبّر البرلماني التركي عن حزب الشعب الجمهوريّ المعارض، عبد اللطيف شنّار، عن أنّ تراجع أردوغان عن إدانات ترامب له جاء في إطار تخوفه من مصادرة أمواله المتواجدة بالخارج، والتي قدّرها شنّار بمليارات الدولارات، كما أوضح أنّ ثروة أردوغان وعائلته صارت بمثابة أمن قومي في تركيا، فلا أحد يجرؤ على الحديث حول طبيعة هذه الثروة وحقيقتها وأماكن تواجدها، ومصادرها الشرعية، أو حتى غير الشرعية.

 وتعلّق على ذلك أستاذة العلوم السياسية قائلة: "لأكثر من عقدٍ ونصف العقد سيطر أردوغان وحزبه على مفاصل الدولة، وعملوا في سرية تامة، وبنظام حكم قائم على المحسوبية والوساطة، وانعدام الشفافية، التي هي من أهم دعائم الديمقراطية التي يدّعي الحزب أنّه يعززها في تركيا، لكنّ الأولى بالرئيس أن يقدّم كشوف حساباته وأرصدته البنكية، ويخضع للمساءلة الشعبية، بدلاً من السيطرة على المعارضين، ومحاولة تكميم أفواههم، وما يقوم به الرئيس وأنصاره، يأكل من رصيدهم الشعبي المتناقص منذ أكثر من خمسة أعوام، ينازع فيها الإخوان المسلمون من أجل البقاء".

الصفحة الرئيسية