"الإسلام السياسي" بإقليم كردستان العراق... ما سبب فشل التحول إلى قوى شعبية؟

"الإسلام السياسي" بإقليم كردستان العراق... ما سبب فشل التحول إلى قوى شعبية؟

"الإسلام السياسي" بإقليم كردستان العراق... ما سبب فشل التحول إلى قوى شعبية؟


16/07/2023

على الرغم من الصراعات والنزاعات والحروب السياسية التي تنشأ بين الحزبين الحاكمين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" في إقليم كردستان العراق، إلا أنّ كلا الحزبين يستحوذان على المقاعد النيابية لبرلمان الإقليم بُعيد الانتهاء من إعلان النتائج الانتخابية في كل موسم انتخابي جديد. يسيطر الحزبان القوميان على مقاليد السلطة في الإقليم الكردي شمال العراق، في ظل حضور علني لمعارضة سياسية تناكفهما، وتتمثل في قوى "الإسلام السياسي"، القوى التي تتراوح نسبة حضورها إلى ما دون النصف من الربع بالمئة من مجمل مقاعد البرلمان المحلي بشكلٍ شبه دائم. لذا يطرح العديدون تساؤلاً حيال مدى فاعلية الأحزاب الإسلامية الكردية في الحياة السياسية في كردستان، وما مدى مقبوليتها لدى الأوساط المجتمعية الناقمة على سلوكيات الحزبين الحاكمين؟ ولماذا لم تأخذ المعارضة دورها في السلطة عبر استثمار أخطاء منافسيها؟ ولماذا غيرها من المعارضة العلمانية تحقق حضوراً لافتاً في المقاعد البرلمانية، بينما مقاعد "الإسلام السياسي" في تناقص مستمر بُعيد كل موسم انتخابي جديد؟

هوية الإسلاميين الكرد

تعود جذور الحراك الإسلامي الكردستاني إلى بدايات العقد الخامس من القرن الـ (20) المنصرم، حيث جاء الحراك بوصفه ممثلاً لأفكار حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر. وبعد (20) عاماً تجسدت الأفكار الإسلامية لدى مثقفين كرد في العراق، من خلال إنشاء تنظيم سياسي على يد الداعية عثمان عبدالعزيز الذي أسس الحركة الإسلامية في كردستان عام 1978. 

دائماً ما كان الإسلاميون الكرد يرفعون لواء المعارضة للحزبين الحاكمين في الإقليم، لكنّهم فشلوا في استمالة إحباط القطاعات المحلية لصالح جبهتهم

وبعد مجيء الخميني وانتصار ثورته في إيران عام 1979، برزت حركات إسلامية جديدة، وانشقت أخرى عن الحركة الإسلامية، مكونة كياناً إسلامياً مستقلاً، كـ"الاتحاد الإسلامي الكردستاني" الذي يُعدّ اليوم الممثل الشرعي لفكر الإخوان المسلمين في إقليم كردستان العراق. ولدى إناطة قيادة الحركة الإسلامية بالداعية علي عبد العزيز بعد وفاة شقيقه عثمان عبد العزيز، انشق عن الحركة تيار جديد سُمّي "تيار الجماعة الإسلامية" بقيادة علي بابير، وهو تيار سلفي يؤمن بالجهاد والشورى، لكنّه انخرط بقوة في العملية السياسية والانتخابية في الأعوام  الأخيرة.

أمير الجماعة الإسلامية الكردستانية علي بابير

ولدى كلا التيارين الإسلاميين مقاعد في برلمان الإقليم، ويحوز كلاهما (10) مقاعد من أصل (111) مقعداً، تذهب غالبيتها للحزبين القومييّن الحاكمين "الاتحاد الوطني"، و"الحزب الديمقراطي"، فضلاً عن أحزاب علمانية أخرى. 

فشل التسويق الإيديولوجي

تتعبّد غالبية المجتمع الكردي في العراق حسب المذاهب السنّية الـ (4)، لكنّ نمط التدين لديهم يأخذ طابعاً تعبدياً وروحياً فقط، حيث يُعدّ الإسلام هوية اعتقادية وأخلاقية لا أكثر، ويرفض الكرد بشكل عام عملية أدلجة الدين، وتسويقه سياسياً، وذلك مردّه إلى تأثر العقل الجمعي على مدار عقود بإيديولوجيا القوى القومية واليسارية التي هيمنت على العقل السياسي الكردي منذ منتصف القرن الـ (20). 

قيادات الاتحاد الإسلامي الكردستاني

ولدى قيام الإدارة المشتركة بين مراكز النفوذ الكردستاني عام 2005، وإعلان سلطة موحدة في إقليم كردستان، تمّ وضع القوتين القوميتين الحاكمتين في مواقع تجربة السلطة، لتلاحقها تهم الفساد، والاستئثار، والفشل في إدارة العلاقات الداخلية والخارجية، وهو ما دفع الإسلاميين إلى محاولة استثمار الغضب المجتمعي لصالحهم، وتعبئته حزبياً وانتخابياً، لكنّ بضاعتهم الفكرية لم تلقَ رواجاً نتيجة الفشل في التسويق.

في الأعوام الأخيرة برز حزبان علمانيان معارضان تمكنا من حصد (17) مقعداً في برلمان الإقليم، بينما بقيت مقاعد القوى الإسلامية تتراوح بين ما دون الـ (10) مقاعد

ولم ينجح "الإسلام السياسي" الكردي في أن يكون ملبياً سريعاً وموضوعياً لحالة إحباط القطاعات الشعبية من قوى السلطة في كردستان، فالإحباط في أغلب الأحيان يدفع الناس إلى الجهة المعارضة لأحزاب الحكم، ودائماً ما كان الإسلاميون الكرد يرفعون لواء المعارضة للحزبين الحاكمين في الإقليم، لكنّهم فشلوا في استمالة إحباط القطاعات المحلية لصالح جبهتهم.

من أسباب الفشل  

في الأعوام الـ (10) الأخيرة، برز حزبان قوميان جديدان باسم "حركة التغيير"   و"حركة الجيل الجديد"، وتمكن التشكيلان الجديدان من تكوين معارضة شعبية وسياسية مكنتهما من دخول البرلمان بواقع (17) مقعداً، بينما ظل الإسلاميون يتراوحون بين ما دون المقاعد الـ (10). وشكلوا مع الحزبين الجديدين كتلة معارضة نيابية في برلمان الإقليم الكردي. وتذهب التساؤلات إلى ماهية أسباب الفشل الإسلامي في كسب الجمهور الكردستاني لصالحه، بينما قوى ناشئة آنذاك تمكنت من ذلك الكسب؟ 

يعلل مراقبون سياسيون من الإقليم أنّ من أسباب فشل "الإسلام السياسي" في إقليم كردستان هو غياب مواقفه السياسية المبدئية من منظومة الحكم، كما أنّ الشارع الكردي يشهد حالة من الازدواجية في خطاب المعارضين الإسلاميين داخل الإقليم. 

الباحث رستم محمود: تيارات الإسلام السياسي كانت شريكة للقوى الحاكمة في كردستان، فقد شاركت الحزبين الحاكمين حصصهم الحكومية ومنافعهم الاقتصادية، وفي الوقت نفسه توجه خطاباً مناهضاً للسلطة

ويقول رستم محمود، باحث سياسي: إنّ "الحزبين الإسلامييّن (الاتحاد الإسلامي)   و(الجماعة الإسلامية) يشاركان غالباً في تشكيل الحكومات في إقليم كردستان العراق، ويسعيان للحصول على حصتهم من لعبة المحاصصة التي تنفذها القوى السياسية أثناء تشكيل الحكومات والمناصب العليا في السلطة المركزية، لكنّها في الوقت نفسه توجه الانتقادات إلى السلطتين المركزية والمحلية أشبه ما تكون بنوعية الانتقادات التي توجهها المعارضات الجذرية لأنظمة الحكم، عبر اتهامها بالفساد والتحاصص والاستيلاء على الموارد العامة والنهب العام والحكم العائلي في مناطق حكمها".

وأضاف أنّ "تيارات الإسلام السياسي كانت شريكة للقوى السياسية الحاكمة في الغالب الأعم من عمرها السياسي، حيث شاركت الحزبين الحاكمين حصصهم الحكومية ومنافعهم الاقتصادية وميزاتهم الشخصية"، مبيناً أنّ ذلك "أفقد تلك التيارات مصداقيتها السياسية، ومن ثمّة كتلة انتخابية وازنة". 

برلمان إقليم كردستان العراق

ويشير إلى أنّ "الحزبين الإسلاميين في الإقليم لا يملكان أيّ استراتيجية للتعاطي مع القوى المعارضة في الإقليم"، موضحاً أنّ "الإسلاميين يسعون لأن تكون لهم أواصر تشدهم إلى التنظيمات السياسية المعارضة في الإقليم، لكنّهم في الوقت نفسه يسعون لعدم خسارة مجموعة من الميزات التي أحرزوها عبر مجموعة الوشائج التي يملكونها مع الحزبين الحاكمين".


وأكد أنّ "قوى الإسلام السياسي في الإقليم لجأت إلى تبنّي مجموعة من السياسيات الشعبوية في عملها السياسي، أساسها الركون إلى ترسانة من الخطابات السياسية، التي تنتقد السُلطة الحاكمة، دون اقتراح حلول عقلانية للمشاكل الموضوعية في الإقليم".

مواضيع ذات صلة:

بعد تغريدة "مسيئة".. حرق مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد.. ما القصة؟

الحرس الثوري الإيراني يقصف حدود كردستان العراق... لماذا؟

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية