الإخوان يحرضون الجيش السوداني على رفض وقف القتال والتنصل من المفاوضات

الإخوان يحرضون الجيش السوداني على رفض وقف القتال والتنصل من المفاوضات

الإخوان يحرضون الجيش السوداني على رفض وقف القتال والتنصل من المفاوضات


12/03/2024

رفضَ الجيش السوداني، مُمثلاً في مُساعد قائده المُثير للجدل الفريق ياسر العطا، دعوة مجلس الأمن الدولي طرفي الحرب في السودان وقف العدائيات في شهر رمضان، فيما استجابت قوات الدعم السريع وأيدت دول عديدة وكبيرة في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية القرار، ودعت الأطراف إلى الالتزام به تخفيفاً لمعاناة ملايين المدنيين المتضررين من القتال، وتوطئة للعودة إلى طاولة المفاوضات.  

ويتساءل كثيرون عن خلفيات الرفض المتكرر لقيادة الجيش السوداني لدعوات إيقاف الحرب من خلال التفاوض، رغم موقفه الميداني المُتأخر عن خصمه، وخسارته ولايات كاملة؛ (4) منها في إقليم دارفور (غرب)، وأجزاء واسعة من ولاية الخرطوم (شمال شرق)، وكامل ولاية الجزيرة الغنية بالموارد الزراعية وذات الموقع الاستراتيجي في الوسط الشرقي للبلاد؟. 

مراقبون يرون في موقف قيادة الجيش السوداني تعبيراً عن الخط السياسي والفكري وعن أجندات جماعة الإخوان المسلمين (الجبهة الإسلامية) التي سكّنت كوادرها السياسية في مناصب عسكرية وأمنية متقدمة منذ انقلابها على حكومة الصادق المهدي المنتخبة في حزيران (يونيو) 1989، ضمن ما سمّتها وقتها بسياسة التمكين التي طالت، بجانب المؤسسات الأمنية والعسكرية، الخدمة المدنية والمؤسسات التعليمية، فقد أزاحت حكومة الإخوان وشردت وفصلت عشرات آلاف الضباط الأكفاء والمهندسين والأطباء والإداريين وأساتذة الجامعات، وحولت جميع الوظائف العامة إلى خلايا حزبية تابعة لها.

يتساءل كثيرون عن خلفيات الرفض المتكرر لقيادة الجيش السوداني لدعوات إيقاف الحرب من خلال التفاوض

خلية إخوانية 

وفي هذا السياق، ينظر كثيرون إلى قيادة الجيش الحالية باعتبارها خلية عسكرية إخوانية تُعبّر عن إيديولوجيا الجماعة ومشروعها السياسي الذي لن يتحقق إلا بإزالة العقبات الكُبرى من أمامه، وأوّلها الثورة الشعبية التي أطاحت بآخر حكومة إخوانية برئاسة البشير عام 2019، وثانيها قوات الدعم السريع التي أسستها الجماعة نفسها عام 2013 لتقاتل الحركات المتمردة في إقليم دارفور (غرب) نيابة عنها، حتى أنّها منحت قائدها ونائبه رتبة (فريق) دون مرورهما بكليّة عسكرية، وعقب الإطاحة بالرئيس البشير تم تعيين محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائباً لقائد الجيش رئيس المجلس العسكري الانتقالي حينها، ثم نائباً له في رئاسة مجلس السيادة التابع للحكومة الانتقالية التي أطاح بها (البرهان وحميدتي) في 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، ومنذ ذلك التاريخ إلى اندلاع الحرب الراهنة 15 نيسان (أبريل)، عجزا عن تشكيل حكومة، وفشلا في تسيير دولاب الدولة، حيث دبت الخلافات بينهما نتيجة لإصرار قائد الجيش على إعادة كوادر الإخوان المسلمين إلى السلطة، فيما أبدى نائبه تحفظات كثيرة وخشية كبيرة إزاء عودة الجماعة مجدداً، فانفض التحالف بين القائدين واتسع البون بين الجماعة وحميدتي، فيما توثقت عُراها مع قادة الجيش وعلى رأسهم عبد الفتاح البرهان، ونائبه ومساعده الحاليين، شمس الدين الكباشي (كادر إسلامي معروف)، وياسر العطا، بجانب الفريق إبراهيم جابر وهو كادر إسلامي صريح أيضاً. 

حياة أو موت 

يقول مراقبون ومحللون وخبراء عسكريون: إنّ نسبة كبيرة، ربما تصل إلى نحو 70% من كبار قادة الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، تنتمي للجماعة التي عملت على تسكين كوادرها في هذه الوظائف العليا على مدى (30) عاماً وما تزال، ويدللون على ذلك بأنّ الكلية الحربية وكلية الشرطة ظلتا على مدى  عقود مغلقتين أمام السودانيين، ما عدا منسوبي الجماعة من خريجي المدارس الثانوية أو الجامعات، ويعتقد على نطاق واسع أنّ نحو (5) آلاف من ضباط الجيش وأكثر من (2000) من ضباط الشرطة كوادر إخوانية خالصة، وهذا ما يفسر الموقف الراهن لقيادة الجيش من الحرب الماثلة، والتي أصبحت تُمثّل بالنسبة إليها كذراع عسكرية للجماعة داخل الجيش قضية وجودية ومسألة حياة أو موت؛ تتلخص في الاستمرار في الحرب أملاً في إضعاف قوات الدعم السريع على أقلّ تقدير؛ مع شيطنة القوى المدنية من خلال الدعاية الإعلامية المستمرة بأنّها حليف للمتمردين، وفقاً لعبارتهم الشائعة. 

جيش وميليشيات

إلى ذلك، يُذكر أنّ قيادة الجيش السوداني استوعبت منذ الأيام الأولى للحرب جميع الميليشيات الإخوانية المسلحة وتحالفت معها، وعلى رأسها ميليشيا البراء بن مالك (الدفاع الشعبي) سابقاً، التي تأسست مطلع تسعينيات القرن المنصرم على يد الأمين العام الحالي للحركة الإسلامية (إخوان) علي أحمد كرتي، أحد الذين أشعلوا الحرب الراهنة، والذي يُرجح أنّه من يديرها الآن، وقوات الشرطة الشعبية والاحتياطي المركزي، وهما ميليشيتان إخوانيتان أوكلت مهمة تأسيسهما إلى الكادر الإخواني أحمد هارون،  آخر رئيس لحزب المؤتمر الوطني قبيل إطاحته عن السلطة، والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور بين عامَي 2003 و2004، والذي عرضت الإدارة الأمريكية مؤخراً مكافأة مالية تبلغ (5) ملايين دولار لمن يساعد في القبض عليه، بجانب قوات العمل الخاص وهي ميليشيا إخوانية أسسها مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق الإخواني (صلاح قوش) تحت اسم (هيئة العمليات)، وتم حلها عقب انهيار حكومة عمر البشير، قبل أن تعود مجدداً مع اندلاع الحرب بعنوان جديد. 

من أجل العودة 

ويعزي محللون سياسيون الرفض المتكرر لقادة الجيش السوداني لدعوات التفاوض وإيقاف الحرب إلى أنّهم أصبحوا أسرى لدى هذه الميليشيات الإخوانية؛ يسيرون في ركابها ويأتمرون بأمر قادتها الذين لا يرغبون في إنهاء الأزمة ما لم يتم استيعاب جماعتهم في التسوية السياسية التي تنجم عن أيّ مفاوضات محتملة، وإلا فإنّ الخيار الأوحد بالنسبة إليهم هو استمرار الحرب إلى الرمق الأخير، خصوصاً أنّهم يسيطرون الآن على القرار السياسي والاقتصادي وقرار الحرب والسلم وعمليات التجييش وما يُسمّى بالمقاومة الشعبية وعلى قيادة الجيش ووزارة الخارجية في المناطق التي تقع تحت سيطرة القوات المسلحة، ويفرضون على المواطنين إرادتهم السياسية وعقيدتهم العسكرية. 

وقد نجحت الجماعة نسبياً منذ بداية الحرب في وأد منبر جدة، وتمكنت من إطاحة جهود منظمة (إيغاد)، والتقت سراً ممثلة في كادرها الفريق أول شمس الدين الكباش نائب قائد الجيش، بقائد ثاني الدعم السريع عبد الرحيم دقلو في المنامة عاصمة مملكة البحرين، وأبرمت معه وفقاً لتسريبات متطابقة اتفاق مبادئ، سرعان ما تنصلت منه، وعادت إلى دق طبول الحرب مجدداً. 

وتراهن جماعة الإخوان المسلمين على الوقت، وعلى استمرار الحرب من أجل الضغط على الشعب السوداني المشرد في الآفاق داخلياً وخارجياً، وإجبار الدول المجاورة الأكثر تضرراً من الحرب وبقية دول العالم على الموافقة على مشاركتها في المفاوضات والتسويات السياسية المترتبة عليها، ممّا يتيح لها العودة مجدداً إلى العمل السياسي المحظورة عنه لـ (10) أعوام.

مواضيع ذات صلة:

الدعم الإنساني الإماراتي للسودان وعرقلة الإخوان عمليات الإغاثة

مُتكئاً على عصا الجيش السوداني ... قائد ميليشيات الإخوان ينفخ كير الحرب

صدام الجيش السوداني والإخوان السيناريو الأكثر ترجيحاً بعد سيطرة الدعم السريع على "ود مدني"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية