أي دور عربي بعد إنتهاء حرب غزّة؟

أي دور عربي بعد إنتهاء حرب غزّة؟

أي دور عربي بعد إنتهاء حرب غزّة؟


18/11/2023

خيرالله خيرالله

يبدو أنّ حرب غزّة ستكون طويلة. لن يكون سهلا تنفيذ إسرائيل وعيدها بإجتثاث "حماس". لكن الأكيد أن غزّة ما بعد حرب السابع من تشرين الأول – أكتوبر 2023 لن تكون غزّة ما قبل هذا التاريخ. ما ينطبق على غزّة ينطبق على إسرائيل نفسها التي سيتوجب عليها التخلص من بنيامين نتنياهو الذي أخذها إلى تلك الكارثة والمأزق.

من هنا، كانت أهمّية القمة العربية – الإسلامية التي انعقدت في الرياض والتي نادت بحل سياسي. تظهر الحاجة أكثر من أي وقت إلى حل سياسي يوقف الجنون الإسرائيلي ويضع حدا للمجازر التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني. سيتوجب على إسرائيل القبول بمثل هذا الحلّ بعدما راهنت طويلا على "حماس" ورفضها لخيار الدولة الفلسطينية والمشروع الوطني الذي نادي به ياسر عرفات منذ العام 1988. لكنّ السؤال الذي سيطرح نفسه هل سيعمل العرب على إيجاد حل سياسي واضح المعالم يشاركون في تنفيذه على أرض الواقع؟ أي دور عربي بعد إنتهاء حرب غزّة؟ هل تبقى إيران في وضع المتحكم بما يدور في المنطقة كلها عبر الأذرع التي تمتلكها، خصوصا في العراق وسوريا ولبنان واليمن؟

عاجلا أم آجلا، ستتوقف حرب غزّة. ستخلف الحرب ارضا مدمّرة لا مكان للعيش فيها، خصوصا في غياب إتفاق ذي طابع دولي وإقليمي يؤدي إلى أمرين. أولهما التأكد من أن حكم "حماس" للقطاع إنتهى والآخر إيجاد سلطة تدير شؤون القطاع بعيدا عن الشعارات الفارغة من كلّ مضمون من نوع "فلسطين وقف اسلامي" وما شابه ذلك. الحاجة واضحة إلى حل سياسي في فلسطين يقوم على خيار الدولتين. الدولة الفلسطينية "القابلة للحياة" وإسرائيل ضمن حدود 1967، مع بعض التعديلات الطفيفة، في حال كان ذلك مطلوبا... وبما يتلاءم مع مصلحة الجانبين.

يبدو مطلوبا البحث منذ الآن في مستقبل غزّة. يحتاج ذلك إلى لقاءات عربيّة أخرى على أعلى مستوى تخصص لمستقبل القطاع ووضعه في إطار تسوية سياسيّة على الصعيد الإقليمي. توجد ضرورة، أكثر من أي وقت، لإتخاذ الجانب العربي المبادرة وإتخاذ موقف من مستقبل غزّة تفاديا لتكرار المأساة التي تسبب بها الرد الإسرائيلي الوحشي على العمليّة التي قامت بها "حماس" في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي.

في هذا السياق، يبدو مفيدا إيجاد غطاء دولي، أميركي وأوروبي تحديدا، لدور عربي في غزّة بما يؤمن عودة أهلها إليها بدل إبعادهم إلى سيناء. يستأهل الغزاويون مستقبلا أفضل بعد عيشهم طوال 16 عاما تحت حكم "حماس" وبعد كلّ ما تعرّضوا من أعمال وحشية مارستها إسرائيل. راهنت إسرائيل منذ انسحابها من القطاع في آب – أغسطس 2005 على الإنقسام الفلسطيني لتفادي أي تسوية سياسيّة معقولة ومقبولة تستجيب لحقوق شعب حرم طويلا من هذه الحقوق المشروعة.

حققت حركة "حماس" انتصارا لا سابق له على إسرائيل. يؤكّد ذلك عدد القتلى العسكريين والمدنيين الإسرائيليين وعدد الأسرى لدى الحركة. أجبرت "حماس" إسرائيل على خوض مغامرة اقتحام القطاع برّا. سيكلفها ذلك خسائر كبيرة، لكنّ المفارقة أنّ "حماس" لن تستطيع الإستفادة من هذا الإنتصار، اللهمّ إلّا إذا كانت إسرائيل على استعداد للقبول بشروط معيّنة من بينها الدخول في صفقة تبادل للأسرى... قبل الإنتهاء من إجتياحها البرّي.

كان لافتا تشديد الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله في خطابه ما قبل الأخير، وهو الأول منذ إندلاع حرب غزّة، على ضرورة التوصل إلى وقف للنار. يرفض حسن نصرالله، الذي يهمّه إنقاذ "حماس"، أخذ العلم بأن حرب غزة لا تشبه حرب صيف 2006 في شيء. يعود ذلك إلى إسرائيل تخوض حاليا حرب وجود. إذا خسرت حربها مع "حماس"، سيعني ذلك بكلّ بساطة أن على مواطنيها جمع حقائبهم ومغادرة ما يسمونه "ارض الميعاد".

هناك أسباب عدّة تفرض البحث في مستقبل غزّة، اليوم قبل غد، وقبل إنتهاء الحرب. يفترض، بعد قمّة الرياض، وجود مبادرة عربيّة تأخذ شكل خطة عمل تعيد الحياة إلى غزّة. الهدف من ذلك تأكيد أنّ غزّة، من دون "حماس" جزء من الدولة الفلسطينية المتوقع قيامها ولم تعد "إمارة إسلاميّة"، على الطريقة الطالبانية، معزولة عن العالم. إضافة إلى ذلك، إن المبادرة العربيّة هذه تقطع الطريق على المتاجرين بالقضيّة الفلسطينية أكان في داخل إسرائيل نفسها أو في المنطقة.

راهنت إسرائيل على "حماس" وصواريخها من أجل القول أن "لا وجود لطرف فلسطيني يمكن التفاوض معه". تغاضت عن حصول "حماس" على مساعدات مالية من قطر وغير قطر واسلحة من إيران وغير إيران نظرا إلى أن "حماس" كانت ضمانة لتكريس الإنقسام الفلسطيني.

في السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر 2023، إنفجر لغم "حماس" في وجه إسرائيل التي تلجأ إلى إرتكاب المجازر، بما في ذلك قصف المستشفيات، للخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه. سيوفر وقف النار، في حال وجود مبادرة عربيّة تجاه غزّة، فرصة للغزاويين أوّلا. لدى مثل هذه المبادرة أمل بالنجاح. يعود ذلك إلى أنّ مرحلة ما بعد حرب غزة سترى، على الأرجح، ولادة ثلاثة فراغات. الأول إسرائيلي ناجم عن حال ضياع داخلية يرافقها افول نجم بنيامين نتانياهو، والثاني فلسطيني بعدما تبيّن أن السلطة الفلسطينية في رام الله باتت من الماضي ولا دور من أي نوع لها، والثالث أميركي بسبب إنهماك الرئيس جو بايدن في الإعداد للإنتخابات الرئاسية بعد سنة من الآن. سيكون همّ إدارة بايدن محصورا بالداخل الأميركي في الأشهر القليلة المقبلة.

تشكّل هذه المبادرة العربيّة ضرورة ملحة وفرصة لا تعوض في وقت تبدو "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران مستعدة للذهاب بعيدا في جني ثمار "طوفان الأقصى" في كلّ انحاء المنطقة، بدءا بالعراق وصولا إلى اليمن، مرورا في طبيعة الحال بسوريا ولبنان طبعا.

كانت قمة الرياض مهمّة. لكنّ أهميتها ستزداد في حال بلورة خطة عربيّة لمرحلة ما بعد حرب غزّة.

عن "ميدل إيست أونلاين"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية