لماذا تعد "الشعبوية" كلمة مشينة؟

لماذا تعد "الشعبوية" كلمة مشينة؟


14/11/2018

ترجمة: محمد الدخاخني


يتحدّث العديد من السّياسيين والنّقّاد عن "الشعبوية" كما لو كانت نظامَ اعتقاد غريب، ولا يميلون إلى الحديث بشكل جيّد حين يأتون على ذكر ممارسيها باعتبارهم "شعبويّين". ومع ذلك، فإنّ القاموس يعرّف "الشّعبويّة" بأنّها التّركيز على "هموم النّاس العاديين". ألا ينبغي أنْ يكون هذا ما يطمح أيّ سياسيّ إلى إجادته؟

اقرأ أيضاً: العالم في قبضة الشعبوية .. تعرف على أسباب صعودها ومستقبلها
لقد أدّى فشل السّياسيّين في القيام بذلك، إلى طوفان من الاضطّرابات السّياسيّة، كان الأكثر شهرة من بينها هو التّصويت على خروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبيّ (البريكست) وانتخاب دونالد ترامب. وبالرّغم من أنّ الخبراء ليسوا في رواج، فإنّنا يجب أن نكون ممتنّين إلى أنّ بعضهم ما يزال يتقدّم من أجل شرح دوافع سلوك النّاخبين، ومن أجل لفت انتباه الطّبقة السّياسيّة إلى بعض الدّروس.
من أجل فهم غير نمطيّ للشّعبويّة
في كتاب "الشّعبويّة القوميّة National Populism"، يقوم ماثيو غودوين، وهو واحد من الأكاديميّين القلائل الذين برهنت الاتّجاهات السّياسيّة في السّنوات القليلة الماضية على صحّة كلامهم، بالتّعاون مع روجر إيتويل، مؤرّخ أقصى اليمين، بهدم "الافتراضات المعيبة والإجحاف والهاجس السّاحق على المدى القصير" الذين ينغمس فيهم النّاس عادة عندما يحاولون تصوير "هذه التّمرّدات الشّعبويّة" باعتبارها ليست أكثر من تشنّج جلف لناخبين غير متعلّمين، سيتعلّمون عمّا قريب خطأ قراراتهم. يُظهِر كلّ من إيتويل وغودوين، مع فهم جِداليّ للتّفاصيل، كيف أنّ هؤلاء المعلّقين قد استسلموا "للصّور النّمطيّة الّتي تتوافق مع توقّعاتهم" بدلاً من الاستنتاجات المستندة إلى الأدلّة.

اقرأ أيضاً: الشعبوية ويمين الإسلام السياسي

كتاب "الشّعبويّة القوميّة National Populism"
في آذار (مارس) الماضي، صرّح السّير فينس كبل علانيةً بأنّ من صوّتوا من أجل "البريكست" هم أشخاص يتوقون إلى عالم "تكون فيه كلّ الوجوه بيضاء". ومع ذلك، يشير كلّ من إيتويل وغودوين إلى أنّ واحداً من كلّ ثلاثة نّاخبين سود أو ينتمون إلى أقلّيّات عرقيّة قد دعم "البريكست". كما صوّتت نسبة مماثلة (29 في المائة) من النّاخبين الّذين تعود أصولهم إلى بلدان ناطقة بالإسبانيّة لصالح دونالد ترامب في انتخابات الرّئاسة، بالرّغم من خطابه المعادي للمكسيكيين. فكيف يمكن أن يحصل ذلك؟
الحاجة إلى نخبة جديدة
ذات مرة، قال عضو البرلمان الأوروبيّ، نايجل فاراج، إنّ "التّصويت لحزب الاستقلال البريطانيّ (حزب يمينيّ شعبويّ معاد لوجود المملكة المتّحدة في الاتّحاد الأوروبي) يعبّر عن حالة ذهنيّة، وليس عن (تصويت) احتجاجيّ، إنّه تأكيد إيجابيّ على أنّنا نحتاج إلى أشخاص مختلفين في السّياسة". وقد وصل المؤلّفان إلى نتيجة مشابهة.

شعور النّاخبين السّلبيّ تجاه الخدمة المقدّمة من جانب ممثّليهم السّياسيّين المكرّسين هو ما أجّج سخطهم

من الواضح أنّ شعور النّاخبين السّلبيّ تجاه الخدمة المقدّمة من جانب ممثّليهم السّياسيّين المكرّسين، هو ما أجّج سخطهم. فعندما سألَت شركة أيبسوس موري النّاخبين مؤخّراً ما إذا كانوا قد شعروا بأنّ "الأحزاب والسّياسيّين التّقليديّين لا يهتمّون بأشخاص مثلي"، اتّفق عدد كبير من المستفتين في كافّة أنحاء أوروبا (بما يتراوح من نسبة منخفضة تصل إلى 44 في المائة في السّويد إلى 61 في بولندا و67 في فرنسا).
ضياع الحدود بين الأيديولوجيات والأجيال
الشّعبويّة أيضاً عابرة للانقسام الحزبيّ. فبقدر ما يروق لجيريمي كوربين وأتباعه التّنديد بمهيجي الشّعوبيّة، مثل ترامب وفاراج، يشير المؤلّفان إلى أنّ كوربين وزملاءه من اليساريّين، مثل بيرني ساندرز، ينغمسون في الخطاب نفسه. فزعيم حزب العمّال يتبجّح في نبرة ترامبيّة بكيف أنّه سيقاتل "النّظام المزيّف" ولن "يلعب وفق القواعد". ومن جانبه، يهاجم فاراج "الشّركات الكبرى" بشغف مؤيّدٍ لكوربين. وقد جاء البيان الانتخابيّ الأخير للحزب الوطنيّ الاسكتلنديّ، على طريقة "أمريكا أولاً"، تحت عنوان "أقوى من أجل اسكتلندا". وتدعم حركة "خمس نجوم" الإيطاليّة بحريّة السّياسات المحبوبة من جانب اليسار، من قبيل الدّخل الأساسيّ الشّامل، في حين تعبّر عن تشدّدها في ما يخصّ مسألة الهجرة.

اقرأ أيضاً: اللحظة الشعبوية: انتهاء ثنائية اليمين واليسار في أوروبا
ويعتقد البعض أنّ الزّخم الّذي يقف وراء هذه الاضطّرابات سيتلاشى بالمعنى الحرفيّ للكلمة حين يتمّ استبدال النّاخبين الأكبر سنّاً بأولئك الأصغر سنّاً. لكن كما يشير كلّ من إيتويل وغودوين، فقد صوّت نحو 41 في المائة من أبناء جيل الألفيّة البيض لصالح ترامب. إنّ تحليلهم الأكاديميّ سيكون بمثابة فحص واقعيّ لأيّ تشبّث بالأمل في أنّ الشّعوبيّة، بوجه عام، تعبّر عن عاصفة سياسيّة عابرة.
تغيّر ديموغرافيّ: وداعاً أوروبا البيضاء
يغطي كتاب "التّحوّل الأبيض White shift" لإيريك كوفمان بعض هذه التّضاريس نفسها، مشيراً، على سبيل المثال، إلى أنّ النّاخبين الّليبراليين من المرجّح أنْ يصبحوا محافظين مع التّقدّم في العمر، لكنّه يمضي في ذلك مستنداً إلى دروبه الخاصّة من التّحقيق الثّقافيّ. نقطة البداية في كتابه تتمثّل في فكرة أنّنا نعيش خلال قرن من "التحوّل الأبيض". فهو يتوقّع أنّه بحلول عام 2100، ستشكّل الأقليّات العرقيّة والذين من هم عرق مختلط الغالبيّة في العديد من البلدان التي تتمتّع حالياً بأغلبيّة بيضاء. ويتساءل عن أفضل كيفيّة يمكن للمجتمع أنْ يتعامل بها مع هذا التّغيّر الدّيموغرافي.

اقرأ أيضاً: عناصر الشعبوية في الخطاب السياسي المغربي

كتاب "التّحوّل الأبيض White shift"
إنّ استنتاجاته استفزازيّة، ومن المضمون أنّها ستأخذ العديد من محادثات حفلات العشاء إلى طريق مسدودة. على سبيل المثال، يجادل بأنّ البيض لا ينبغي ذمّهم على خوفهم من أنْ تقوم الهجرة بتقليل حصّة جماعتهم الإثنيّة من السّكان. ومن ثمّ ينبغي الإصغاء إلى رغبتهم في معدّل أبطأ للهجرة في "مناخ من التّسامح"، مع اعتبار مصالحهم ومصالح الجماعات العرقيّة الأخرى على القدر نفسه من الشّرعيّة. وإخراسهم، "بإجبار البيض على دفع تعويضات ثقافيّة عن أخطائهم التّاريخيّة"، يعدّ وصفة، كما يحذّر، تقود نحو الوصم، وليس الانسجام.
تعدديّة ثقافيّة أم تعدديّة "صوتيّة"
تتمثّل فكرة كوفمان الكبرى في استبدال التعدّدية الثقافيّة، النّظام المرتبط الآن بالهجرة الجماعيّة و"الغتوتة" [من غيتو؛ أي الأحياء المغلقة ثقافياً التي تعيش فيها الأقليّات]، بما يسمّيه "التعدّديّة الصّوتيّة". وهذا، كما يوضّح، يعني أنّ من هم من أصول مختلفة سيجدون العديد من المعاني المتناقضة في الهويّة الوطنيّة نفسها. فعندما حاول روبن كوك وجون ميجور إثارة الهويّة البريطانيّة من خلال أفكار تتعلّق، على التّوالي، بطبق دجاج التيكا ماسالا وملاعب الكريكت، كان كلاهما على حقّ، كما يقول كوفمان.

من المشاكل في طريقة كتابة كوفمان انغماسها في مصطلحات أكاديميّة كثيفة من قبيل "الحداثة اليساريّة"

وهو يشير إلى حزب العمّال كمثال على التعدديّة الصّوتية في موضع العمل، حيث يتمّ السّماح لمجموعات متناقضة مثل النّسويات الّليبراليّات والمسلمات المحافظات اجتماعيّاً بإظهار التزامهنّ بالحزب بشبكات فرعيّة خاصّة بهنّ. لكن يبدو هذا المثال الّذي جرى التقاطه ساذجاً، بالنّظر إلى المشكلات الّتي يعاني منها حزب العمّال: فمجموعة "أصدقاء بنغلاديش من حزب العمّال" تسبّبت في حالة غضب لقيامها باستضافة سياسيّين يخطبون في غرفة منظّمة على طريقة الفصل بين الجنسين، على سبيل المثال.
ثمّة مشكلة أخرى تتمثّل في طريقة كتابة كوفمان، والّتي انغمست في مصطلحات أكاديميّة كثيفة من قبيل "الحداثة اليساريّة". ربّما تظهر طريقته العصيّة في التّعبير، والتفكير، عندما يحثّ السّياسيين على عدم نسيان "الإشارة إلى التّقاليد الإثنيّة للأغلبيّة البيضاء" عند التحدّث إلى المحافظين حول الهجرة. على النّقيض من ذلك، ما يزال من الممكن إقناع النّاخبين الليبراليّين على أساس مزايا التّنوّع. لكن في عصر وسائل التّواصل الاجتماعيّ، من المؤكّد أنّ هؤلاء السّياسيّين سيتمّ كشفهم على رسائلهم غير المتساوقة، وسيُترك النّاخبون الّذين يتوقون إلى الموثوقيّة في حالة أكثر بؤساً.

اقرأ أيضاً: 9 دول ينشط فيها اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية
قد تكون نصيحة كوفمان مخيبة للآمال، ولكن ذلك لا يُبطل رؤاه، الّتي تثير القلق. يتذكّر في رعب أحد كبار المسؤولين في مؤسّسة دوليّة في جنيف يتحدّث بحماس عن لبنان، البلد الّذي دمّرته الحرب الأهليّة، وكونه "نموذجاً للتّنوّع". إذا كان هذا ما يشعرون به، فلا عجب أنّ الشّعوبية تتعاظم قوتها أكثر فأكثر.
 


آسا بينيت، التلغراف



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية