في ذكرى الثورة التونسية: "النهضة" جريحة.. وأموال لنشر العنف

في ذكرى الثورة التونسية: "النهضة" جريحة.. وأموال لنشر العنف


16/01/2022

للمرّة الاولى منذ 2011، تقرّر منع التظاهر أو الاحتفال بعيد الثورة التونسية، الموافق 14 كانون الثاني (يناير) من كلّ عام، بعد أن قرّر الرئيس التونسي إحياء ذكراها في 17 كانون الأول (ديسمبر) الموافق لتاريخ إحراق محمد البوعزيزي لنفسه في محافظة سيدي بوزيد، وذلك بالتزامن مع توتر سياسي متصاعد في البلاد بين الرئيس وحركة النهضة التي تعارض إجراءاته الإصلاحية.

اقرأ أيضاً: تونس: تداعيات ليلة القبض على العقل السياسي المدبّر لـ"النهضة"

وهذه المرّة الأولى أيضاً التي يحيي فيها التونسيون ذكرى الثورة بطعم مختلف، إذ لم تملأ الحشود الشوارع كما كان مألوفاً في السنوات الماضية، بل غصّت برجال الأمن ولاحقاً بقوى سياسية معارضة أرادت الاحتجاج ضدّ سعيّد.

إجراءات احترازية

واُغلقت جميع الشوارع المؤدية إلى شارع الحبيب بورقيبة، أو كما يسميه التونسيون شارع الثورة، وشهدت تواجداً أمنياً مكثفاً، ومعابر لتفتيش حقائب المارة من قبل قوات الأمن، إضافة إلى وضع حواجز حديدية وسط الشارع على طول أرصفة الحبيب بورقيبة، ومداخله الرئيسة والفرعية، فيما يتم السماح للمارة والسيارات بالمرور دون تشكيل تجمعات.

حركة النهضة تدعو للاحتجاج في عيد الثورة

يأتي ذلك تطبيقاً لقرار رئاسة الحكومة التونسية التي تقودها نجلاء بودن، والتي أقرّت حظر التجول ليلاً ومنع التجمعات والتظاهرات أو إلغاءها لأسبوعين لمكافحة عودة انتشار وباء كوفيد-19.

وزارة الداخلية التونسية: حجز مبالغ مالية تراوحت بين 24 ألف دينار (14 ألف دولار)  و94 ألف دينار (32 ألف دولار)، لدى ستة أشخاص كانوا يعتزمون توزيعها لأهداف تخريبية

إجراءات يرى جزء من القوى السياسية في البلاد أنّها تستهدف معارضي الرئيس سعيّد ودعوات الاحتجاج ضدّه؛ لأنّها تزامنت مع إحياء ذكرى الثورة، حيث عبر المحتجون من "مبادرة مواطنون ضدّ الانقلاب" (مجموعة من الأحزاب والشخصيات السياسية المعارضة لسعيّد) وعدد من الناشطين المعارضين لقرارات لسعيّد عن غضبهم بشأن منعهم من الاحتجاج، مردّدين شعارات تطالب بإسقاط ما يصفونه بـ "الانقلاب على الدستور".

اقرأ أيضاً: هل ينفجر الملف الاجتماعي في وجه الحكومة التونسية؟

وكانت حركة النهضة قد دعت أنصارها إلى الاحتجاج ضدّ سعيّد، متحديةً بذلك قرار منع التجمعات، مؤكدةً أنّها ستتظاهر "تصدّياً للدكتاتورية الناشئة التي تكرّس الانفراد بالحكم والسلطات، وتسعى لضرب القضاء الحرّ".

وحشد قادتها ومناصروها منذ أسابيع على مواقع التواصل الاجتماعي، للخروج إلى الشارع في ذكرى الثورة، في تحدٍّ واضح لقرار السلطات من أجل التصدي لانتشار متحور كورونا الجديد، رغم فشلهم سابقاً في تعبئة الشارع التونسي.

احتفالات باهتة

هذه الاحتفالات الباهتة، والحضور الأمني الكثيف، فضلاً عن الغضب الشعبي، رأى المحلل السياسي جمعي القاسمي أنّها نتاج لسياسات حركة النهضة الخاطئة التي سيّرت بها البلاد خلال الأعوام الماضية، وهو نتيجة طبيعية للجدل المتواصل حول تسمية الفترة الممتدة بين 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010 و14 كانون الثاني (يناير) 2011، وما إذا كانت ثورة أو انتفاضة أو مجرّد هبّة شعبية.

المحلل السياسي جمعي القاسمي: المقلق في تونس أنّ الطبقة السياسية الحاكمة عجزت أو امتنعت عن تحقيق شعارات الثورة

وشدّد القاسمي، في تصريحه لـ "حفريات"، على أنّ المقلق في تونس أنّ الطبقة السياسية الحاكمة عجزت أو امتنعت عن تحقيق شعارات الثورة التي طالب بها الشعب وأصرّ عليها، حتى إنّ نقطة الضوء الوحيدة المتمثلة في حريّة التعبير، صارت محلّ شكّ، وهو ما يفاقم مخاوف التونسيين من المستقبل.

اقرأ أيضاً: تونس: ماذا يعني إيقاف نائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري؟

وفي علاقة بدعوات النّهضة للخروج إلى الشارع، قال القاسمي إنّ الحركة التي تراجعت مكانتها منذ العام 2014، لدى محاولتها الخروج من ثوبها (الإسلام السياسي) واعتمادها خطاباً مزدوجاً، وتراجع تأثيرها على الشارع التونسي، تحاول اليوم استعادة ثقة التونسيين، مشدّداً على أنّها ستفشل بذلك.

اقرأ أيضاً: قيس سعيد يغير موعد الاحتفال بالثورة التونسيّة.. أيّ رسالة أراد توجيهها؟

المحلل السياسي أضاف أيضاَ أنّ الحركة بدأت بالدخول إلى مرحلة الانهيار التام الذي قد يدفع بقيادتها للبحث عن مخارج أخرى، مرجّحاً أن تكرّر تجربة إخوان تركيا، عندما تمّ تغيير اسم حزب أربكان إلى أردوغان والعدالة والتنمية.

أموال طائلة لنشر العنف

وبحسب وكالة "تونس أفريقيا للأنباء" الرسمية فقد تعمّد المحتجّون الذين تحدّوا قرار السلطات بمنع التظاهر، بسبب إجراءات احترازية تتعلق بفيروس كورونا، التهجّمَ على عناصر الشرطة.

من جهتها، قالت وزارة الداخلية إنّ الوحدات الأمنية تحلت بأقصى درجات ضبط النفس، إثر تعمّد مجموعات متفرقّة من الأشخاص ناهز عددهم الإجمالي حوالي الـ 1200 شخص التظاهر بمحيط شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة.

وذكرت في بيان لها أنّ المتظاهرين تعمّدوا مخالفة القرار القاضي بمنع جميع التّظاهرات بالفضاءات المفتوحة والمغلقة خلال هذه الفترة، كما تعمّدوا محاولة اقتحام الحواجز الأمنية ومهاجمة الأمنيين المتمركزين لحفظ النظام والأمن.

وقد استعملت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المحتجين المتجهين إلى شارع الرئيس، فيما أحالت الداخلية على النيابة العامة.

المحلل السياسي جمعي القاسمي لـ"حفريات": النهضة بدأت بالدخول إلى مرحلة الانهيار التام، وتراجعت مكانتها منذ العام 2014، لدى محاولتها الخروج من ثوبها (الإسلام السياسي) واعتمادها خطاباً مزدوجاً

وزارة الداخلية أكّدت أيضاً، في بيان سابق لها يوم 14 كانون الثاني (يناير)، فتح قضية تتعلق بحجز مبالغ مالية تراوحت بين 24 ألف دينار (14 ألف دولار)  و94 ألف دينار (32 ألف دولار)، مجهولة المصدر لدى ستة أشخاص كانوا يعتزمون توزيعها على "منحرفين بهدف أعمال تخريبية".

اقرأ أيضاً: حركة النهضة في اختبار "الحياة أو الموت" في تونس: الانتخابات أو الشارع

هذه معطيات تداولها ناشطون سياسيون وصحفيون منذ بداية يوم إحياء ذكرى الثورة، حيث أكّد الصحفي والمحلل السياسي باسل ترجمان؛ أنّ حركة النهضة هي الطرف الوحيد المرجح أن يكون متورّطاً بهكذا ممارسات، لأنّ لها سوابق في هذا الأمر، خصوصاً في ظلّ اللامبالاة الشعبية لدعواتها بالخروج إلى الشارع، فضلاً عن غياب أغلب أنصارها عن المظاهرة التي دعت إليها.

الصحفي والمحلل السياسي باسل ترجمان: حركة النهضة هي الطرف الوحيد المرجح أن يكون متورّطاً بهكذا ممارسات

وقال ترجمان لـ "حفريات"؛ إنّ الحركة، المتهمة بتلقي تمويلات أجنبية للنجاح بالانتخابات، لديها عادة بتوزيع الأموال من أجل تجميع أنصارها، وحشد الشارع، لافتاً إلى أنّها قد تعتمد العنف سبيلاً للبقاء في المشهد السياسي في ظلّ تراجع صيتها.

النهضة منزعجة

وندّدت حركة النهضة بمنع قوات الأمن المتظاهرين من التعبير بحرية عن آرائهم والوصول إلى شارع "الثورة"، مطالبة بوقف أعمال العنف والتعدي على حرية التعبير، وإطلاق سراح الموقوفين، بحسب ما جاء في البيان.

اقرأ أيضاً: اقتصادية أم سياسية... ما الرسائل التي تحملها زيارة تبون لتونس؟

ودخلت النهضة في صراع سياسي محتدم مع سعيّد، منذ أن أقرّ في 25 تموز(يوليو) الماضي، تعليق أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة وتولي السلطات في البلاد، وهو ما ترى الحركة أنّه "انقلاب على الثورة وعلى الدستور".

اقرأ أيضاً: بانوراما تونسية: قيس سعيّد رجل القرارات الصعبة رغم الاختناقات

وكان سعيّد قد حدد "رزنامة" سياسية لعام 2022 تبدأ بـ "استشارة شعبية" مطلع العام وتنتهي باستفتاء شعبي مرتقب في 25 تموز (يوليو) يتم بمقتضاه إجراء تعديلات دستورية، على أن تقام انتخابات نيابية في كانون الأول (ديسمبر) 2022 ويبقى البرلمان الحالي مجمّدًا إلى ذلك التاريخ.

وقرر سعيّد تغيير تاريخ إحياء ذكرى ثورة 2011 من 14 كانون الثاني (يناير) إلى 17 كانون الأول (ديسمبر) من كل سنة، معتبراً أنّ التاريخ الأوّل غير ملائم، وأكّد سعيّد يومها أنّ "يوم 17 كانون الأول (ديسمبر) هو يوم عيد الثورة وليس يوم 14 كانون الثاني (يناير) كما تم الإعلان عن ذلك في عام 2011".  

نظام الحكم جزء من المشكل

ومنذ اندلاع شرارة الثورة، في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010، استمرّت تونس في تغيير الحكومات ورؤساء الحكومات، حيث خلّف الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي 5 رؤساء، فيما تم تشكيل 13 حكومة، وثلاث انتخابات تشريعية، ورئاسيَّتين.

اقرأ أيضاً: هل حان وقت إغلاق مقر اتحاد القرضاوي في تونس؟

وتعتمد تونس في ذلك نظاماً برلمانياً معدلاً، يعطي البرلمان صلاحيات أكثر، تليه رئاسة الحكومة، على حساب رئاسة الجمهورية، وهو ما اعتبره نشطاء جزءاً من أزمات تونس السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، خصوصاً أنّ حركة النهضة كانت بيدها أهم سلطة في البلاد (البرلمان).

اقرأ أيضاً: الرئيس التونسي يعيد الاعتبار لسيدي بوزيد موطن "الانفجار الثوري"

النتيجة السابقة يدعمها المحلل السياسي محمد بوعود، الذي أكّد أنّ الخلل في العشرية التي تلت الثورة، التغيير المستمر في الحكومات، غير المسنودة ببرامج وإستراتيجيات واضحة، بل قامت جميعها على تقاسم الغنائم والمحاصصة الحزبية، حيث كانت الأهمية في أولوياتها تُعطى بحسب الحصول على مناصب وزارية وإدارية.

ولفت بوعود إلى أنّ هذا التخطيط في تغيير الحكومات بالاستناد إلى ما جاء في نظام البلد، بحسب دستور 2014، جعل الحكومات تتوارث اللامسؤولية، وهو ما أوصل البلاد إلى حافة الإفلاس، وجعلت من أغلب التونسيين لا يرغبون باستمرار النموذج الثوري، كما أنّها مهدت للاندفاعة القوية التي صاحبت الإعلان عن قرارات 25 تموز (يوليو) والترحيب بها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية