عبير النجار: ينبغي إدراج الإعلام في المناهج المدرسية‎

عبير النجار: ينبغي إدراج الإعلام في المناهج المدرسية‎


24/10/2019

أجرت الحوار: رشا سلامة


قالت الأكاديمية الأردنية المتخصّصة في الإعلام، الدكتورة عبير النجّار، إنّه ثمة قلق مشروع على نزاهة مهنة الإعلام ومصداقيتها، في ظل التغييرات التي تفرض نفسها و"من أبرزها التسارع التكنولوجي الذي يصعب، في مرات، الإحاطة بمتغيراته المستجدة على الدوام".

اقرأ أيضاً: "الفبركة".. أداة إعلام الإخوان الفاشلة للتحريض ضد مصر

وأضافت أستاذة الإعلام في الجامعة الأمريكية بالشارقة، في حوارها مع "حفريات"، أنّ ثمة هوّة كبيرة جداً بين مخرجات التعليم وسوق الإعلام، موضحة أنّ الممارسة الإعلامية تحتاج لثقافة ووعي إضافة للمهارات التي يتطلّبها سوق العمل، و"بعض البرامج الأكاديمية لا زالت تحاول تحقيق هذه المعادلة".

حالياً ظروف معظم المؤسسات الأكاديمية العربية التي تمنح دكتوراة الإعلام تفتقر للشروط المطلوبة لتأهيل الباحثين

العميد السابق لمعهد الإعلام الأردني تؤكد أنّ على الإعلاميين قيوداً كبيرة جداً، وهي قيود تصفها بأنّها "لاإنسانية" أحياناً، "لكن علينا استذكار أنّ السياسة هي فن الممكن، وبوسع الصحافي انتقاء الكلمات وجوانب التناول، محافظاً على إنسانيته وأخلاقه".

ورأت النجار أنّ الإعلام ينتظره مستقبل غامض؛ "بعد أن أصبح المتلقي شريكاً في صناعة المادة الإعلامية والتعليق عليها واستخدامها ومشاركتها"، مؤكدة أنّ إدراج تعليم الإعلام في المناهج المدرسية أصبح أمراً ضرورياً "في ظل ما نشهده حالياً لتعزيز ثقافة المشاركة والتعبير المسؤولَين".
وهنا نص الحوار:

تعقيد المشهد الإعلامي

الناقل غير الواعي قد يعمّم "بروباغاندا" أو أخباراً مضلّلة من دون أن ينتبه
ثمة من يرى اضطراباً في مهنة الإعلام حالياً؛ مع تداخل التخصّصات وبروز ظاهرة المواطن الصحافي، هل تشعرين بالقلق حيال ذلك؟

القلق أمر إيجابي، وهو موجود لدى جلّ من ينخرطون في الحقل الإعلامي حالياً، وتحديداً من هم في الحقل الأكاديمي، لدينا قلق على نزاهة المهنة ومصداقيتها، كما طرأت أمور عدّة تبعث على القلق، لعل أبرزها التسارع التكنولوجي الذي يصعب، في مرات، الإحاطة بمتغيراته المستجدة على الدوام.

ثمة قلق على الإعلام في ظل التآكل المطرد للحريات ودخول عدد كبير للمشهد بمرجعيات مجهولة

ثمة قلق أيضاً من التآكل المطرد للحريات، ومن دخول عدد كبير للمشهد من دون أن نعلم شيئاً عن مرجعياتهم الإعلامية وتلك المرتبطة بأخلاقياتهم ومصداقيتهم، ولا نعلم كذلك إن كانوا بشراً أم ذباباً إلكترونياً أم روبوتات أم حسابات وهمية، وليس هذا قلقاً عربياً فحسب، بل موجود في العالم كله، وهو مرتبط إلى حد كبير بإعادة تعريف مهنة الصحافة وفهم وظيفة الصحافي كما ينبغي لها أن تكون.
ما يجعل الوضع أكثر تعقيداً في المنطقة العربية هو غياب التقاليد والمؤسسات الصحفية العريقة والتي أرست قواعد وأخلاقيات رصينة للمهنة، إضافة الى صعوبة الحصول على المعلومات بسبب ضعف الشفافية في المنطقة. 

كباحثة وأكاديمية في الإعلام، كيف تصفين مشهد العالمين الأكاديمي والتطبيقي في هذا الحقل؟

ثمة هوّة كبيرة جداً بين مخرجات التعليم وسوق الإعلام؛ هناك مؤسسات أكاديمية تحاول ردم هذه الهوّة الحاصلة، عبر تحديث برامجها وترجيح النواحي التطبيقية على المعرفية، وفي هذا أيضاً إشكال كبير؛ فالممارسة الإعلامية تحتاج لثقافة ووعي إضافة للمهارات التي يتطلّبها سوق العمل، وبعض البرامج لا زالت تحاول تحقيق هذه المعادلة.

اقرأ أيضاً: جان كرم: المؤسسات الإعلامية المتهاونة تكرّس الرداءة
أما بالنسبة للأبحاث العلمية في ميدان الإعلام، الجهد البحثي السائد حول الإعلام العربي، إلى حد كبير حالياً، يتم تقديمه من قِبل من لا يتقنون العربية بشكل كافٍ، ومن قِبل من لا يفهمون تاريخ وثقافة المنطقة العربية بشكل جيد، ما يفضي لطرح حلول وتفاهمات غير قابلة للتطبيق في المنطقة العربية؛ بسبب تسييس الجانب التمويلي في الإعلام العربي وانخفاض سقف الحريات السياسية والإعلامية، وهذه ليست مشكلة في حقل الإعلام فقط، بل في مجمل الدراسات الشرق أوسطية.

الآن كل شيء اختلف وبات المتلقي شريكاً في صناعة المادة الإعلامية والتعليق عليها واستخدامها ومشاركتها

صحيح أن ثمة تحسناً طرأ في الأعوام العشرة الأخيرة على إنتاج الباحثين العرب في مجال الإعلام، لكن لا يزال هناك الكثير من الجهد المنتظر لتطوير البحوث في مجال الإعلام، لا بد من أجندة بحثية عنوانها الرئيس هو: المصلحة العام والتطوير الاجتماعي والسياسي والتعليمي.
بوصلتي مثلاً في البحث الإعلامي هي: ما يساعد العامّة على التعامل مع الجو الإعلامي المنفتح، وكيفية تقييم مصداقية المادة الإعلامية ومهنيتها وما بين سطورها.
من الضروري جداً مواءمة البحوث التي يتم العمل عليها مع متطلبات المؤسسات والأفراد وأن تحاول هذه البحوث تقديم حلول للمشاكل التي تواجه المجتمعات العربية حالياً.

إشكالية الوعي والحيادية

نعيش إعادة تعريف مهنة الصحافة وفهم وظيفة الصحافي كما ينبغي لها أن تكون
تجترح بعض المؤسسات الإعلامية حالياً مصطلح "الناقل الواعي" على المراسل أو الصحافي الذي يتولّى نقل المادة، عوضاً عن "الناقل" فحسب، ما تقييمك لهذا المصطلح؟

الوعي أمر إيجابي، وإن كان هناك عدم وضوح في استخدام المؤسسات الإعلامية لهذا التعبير، لكن ما يهمنا هو ألا يكون هنالك منتِج ولا مستهلِك ولا متلقٍ ولا ناشر للمواد الإعلامية غير متسلح بالوعي؛ هذا ضروري جداً في الوقت الحالي. الناقل غير الواعي مثلاً، قد يعمّم "بروباغاندا" أو أخباراً مضلّلة من دون أن ينتبه؛ فلا بد أن نكون واعين حتى في ما يتعلق بتحيّزاتنا الداخلية.

اقرأ أيضاً: كيف يواجه الإعلام تحديات "الفساد المقدس" في العراق؟
هناك مثال أستخدمه مع الطلاب لتحفيزهم على تطوير الفكر النقدي في تناول وتداول المواد الإعلامية؛ حيث أخبرهم، على سبيل المثال، أنّي قبل التعامل مع أية مادة أتساءل  كوني امرأة ومن أصول فلسطينية، هل أثّر هذا على تحيّزاتي في تقييم المادة الإعلامية، لا بد أن نكون واعين حيال ما يظهر في الصورة وما يجري تعمد إخفائه وتوريته، هذا النوع من الوعي هو ما يجدر بنا تأسيسه في المدارس والجامعات والفضاء الإلكتروني عبر تحفيز التفكير النقدي قبل التفاعل مع المواد الإعلامية.

لكن هل بوسع الأكاديمي والإعلامي الممارس التحرك بحيادية وسط هذه المشادات والنزاعات العربية؟ كيف بوسعه أن ينجو بذاته من الاصطفافات والتحيزات؟

أهم ما في الأمر ألّا يبيع روحه عبر التعصّب الأعمى لأحد الأطراف دون الآخر، والابتعاد عن الاصطفافات الضيقة؛ أي أن يحافظ على سلامة روحه الصحافية والأخلاقية، ولهذا يلجأ بعض الصحافيين والنخب إلى الصمت؛ لرغبتهم في عدم التورط بنقد مجتزأ يتم تجييره سياسياً وإخراجه عن هدفه، علينا كإعلاميين وأكاديميين قيود كبيرة جداً، وهي قيود لاإنسانية في مرات، لكن علينا استذكار أنّ السياسة هي فن الممكن، وبوسع الصحافي انتقاء الكلمات وجوانب التناول، محافظاً على إنسانيته وأخلاقه، قد يكون في هذا جهد أكبر وضغط على الموارد أكثر، لكن هذا نوع من المقاومة أيضا من أجل الصالح العام.

الإعلام الأكاديمي

من الضروري تأهيل العامة وتسليحهم بالأخلاقيات الضرورية لضمان فعالية أدوارهم في استخدام الإعلام
هل تجدين البرامج الأكاديمية العربية، في حقل الإعلام، قد نضجت إلى حد كافٍ، لتكون قادرة على منح درجات علمية عليا كالدكتوراة؟

تحتاج الدراسات العليا مناخات بحثية وتعليمية مختلفة عن الواقع الموجود في الدول العربية؛ ليس مستحيلاً تحقق هذا، لكن يحتاج طالب الدكتوراة التمتع بموارد علمية وبحثية ضخمة، وهذا لا يتوفر في الغالب لدى كثير من المؤسسات الأكاديمية العربية، يضاف إلى ذلك مشكلات البحث العلمي في حقل الإعلام، التي تحدثنا عنها.

اقرأ أيضاً: كيف لا تختار دبي عاصمة للإعلام؟
الظروف الحالية لدى معظم المؤسسات الأكاديمية العربية التي تمنح الدكتوراة في الإعلام تفتقر للشروط المطلوبة لتأهيل الباحثين. ثمة خلل مؤسسي وتمويلي وآخر يتعلق بطبيعة الكادر الأكاديمي، عدا عن اعتبارات أخرى مرتبطة بالحريات التي ما فتأت تتآكل.

في ظل السابق كله، كيف ترين مستقبل الإعلام العربي؟

مستقبله غامض؛ ثمة تغيّرات في أدوار الأطراف الضالعة في المشهد الإعلامي؛ إذ في السابق كان هناك المرسل والمتلقي، وكان الأخير معنياً بالتلقي فحسب، الآن كل شيء اختلف وبات المتلقي شريكاً في صناعة المادة الإعلامية والتعليق عليها واستخدامها ومشاركتها، وأصبح رجال الأعمال، باعتباراتهم المادية والربحية، يستخدمون المؤسسات الإعلامية ومحتوياتها لجني المزيد من الأموال من دون الخضوع للمساءلة.

يلجأ بعض الصحافيين والنخب إلى الصمت لرغبتهم بعدم التورط بنقد مجتزأ يتم تجييره سياسياً

من هنا، تبرز الحاجة لتأهيل العامة وتسليحهم بالأخلاقيات الضرورية لضمان فعالية أدوارهم وإيجابيتها في استخدام الإعلام بطريقة تخدم رفاه مجتمعاتهم وسلامها، وكذلك ضرورة وضع هذه المؤسسات الإعلامية والتكنولوجية الكبرى ضمن أطر قانونية ومساءلتها للقيام بمسؤولياتها تجاه المجتمعات.
لقد اقترح نيل بوستمان، قبل الطفرة التكنولوجية في التواصل والإعلام، في العام ١٩٨٥، أن يُدرَج تعليم الإعلام في المناهج المدرسية؛ أظن أنّ هذا ضروري تماماً، في ظل ما نشهده حالياً لتعزيز ثقافة المشاركة والتعبير المسؤولين.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية