جهود إماراتية مكثفة لنزع فتيل التوتر بين السودان وإثيوبيا

جهود إماراتية مكثفة لنزع فتيل التوتر بين السودان وإثيوبيا


20/01/2021

من وحي الإحساس بالمسؤولية، وتجنّب المواجهة العسكرية، ما زالت دولة الإمارات العربية المتحدة تواصل جهودها الحثيثة لتطويق الخلاف بين السودان وإثيوبيا الذي تفجّر أخيراً، داعية إلى تغليب الحكمة والامتثال لشروط العقل في إدارة الصراع بين البلدين.

وأعربت الإمارات عن قلقها من تطورات الأوضاع بين البلدين الشقيقين حول منطقة الفشقة الحدودية، وأكدت أهمية دورهما الرئيس والفاعل في استقرار وازدهار أفريقيا والمنطقة.

تعد الاشتباكات المسلحة على طول الحدود بين السودان وإثيوبيا أحدث تطور في تاريخ من التنافس المستمر منذ عقود بين البلدين

وأشارت وزارة الخارجية والتعاون الدولي، في بيان بثته وكالة (وام) الرسمية، إلى عمق ومتانة العلاقات التي تربط دولة الإمارات وكلا البلدين الشقيقين، مؤكدة أهمية أن يعمل السودان وإثيوبيا معاً لتغليب الحكمة وبدء الحوار ووقف أي أعمال من شأنها زيادة التوتر، ودعت إلى تغليب خطاب التعاون والشراكة بين البلدين الجارين، وبما يلبي آمال وتطلعات شعبي البلدين، في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار.
وتبادلت كل من السودان وإثيوبيا الاتهامات بالتصعيد، حيث اتهمت مصادر عسكرية سودانية قوات إثيوبية مسلحة بالهجوم على منطقة اللية في محلية القريشة في أراضي الفشقة بولاية القضارف داخل الحدود السودانية بعمق خمسة كيلومترات، وهو ما أدى لمقتل خمسة نساء وطفل وفقدان امرأتين، في حين قال السفير دينا مفتي، المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية: "إنّ أديس أبابا تبنت التهدئة في الخلاف مع السودان، "لكن يجب ألا يعتبر صمتنا خوفاً".

اتهامات إثيوبية للسودان

واتهم المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية السودان بالتوغل في الأراضي الإثيوبية ومواصلة نشاطات غير مشروعة على الحدود الإثيوبية، قائلاً، كما نقلت صحيفة "الاتحاد": "الجيش السوداني استغل انشغال إثيوبيا بأزمة إقليم تيجراي، وتوغل في أراضينا". وقال مفتي: "إن إثيوبيا متمسكة بالحوار مع السودان، وتسعى لعدم تضخيم موضوع الحدود بين البلدين، وجعله قضية إقليمية"

اتهم المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية السودان بالتوغل في الأراضي الإثيوبية
وتزايدت معدلات التعبئة العسكرية للقوات والمعدات على جانبي الحدود بين السودان وإثيوبيا، وفقاً لتصريحات مصادر ميدانية سودانية.

ولا ترى الإمارات أنّ من مصلحة البلدين تعميق الخلاف بينهما وتصعيده، لا سيما أنّ الاحتكاكات الأخيرة أسفرت عن مقتل 6 أشخاص في هجوم لقوات إثيوبية على منطقة بالقرب من منطقة الفشقة الحدودية، وفق منابر إعلام سودانية.

اقرأ أيضاً: إثيوبيا والسودان حسابات الحرب والسلام
وذكر موقع "سودان تربيون"، نقلاً عن مصادر إنّ "الهجوم وقع أثناء عمليات حصاد الذرة بالشريط الحدودي، وهو ما أدى إلى تدخل الجيش السوداني، وتمشيط المنطقة وملاحقة القوات الإثيوبية".

ماذا تقول الإمارات؟

وترى الأوساط الإماراتية أنّ "مسارعة الإمارات إلى دعوة البلدين لتفادي التصعيد وتغليب الحكمة في التعامل مع الأمر وفي هذا الوقت بالذات، هو تصويب لبوصلة، تدرك الإمارات أنّ اتجاهها الصحيح يجب أن يكون نحو توحيد الجهود والتعاون لمواجهة التحديات القائمة، بعيداً عن إشعال فتيل أزمات ومخاطر جديدة حتماً ستكون عواقبها وخيمة على جميع الأطراف"، حسبما قالت رئيسة تحرير "البيان" منى بوسمرة، أول من أمس.

اقرأ أيضاً: السودان استعاد نحو 70% من أراضيه على الحدود مع إثيوبيا... تفاصيل

وأكدت بوسمرة، في مقال لها، أنّ "السودان وإثيوبيا بلدان جاران، لاستقرارهما دور رئيسي وفاعل في استقرار وازدهار أفريقيا والمنطقة، إضافة إلى أنّ أوضاعهما الداخلية تلفت إلى أولوية إعطاء الاهتمام الأكبر إلى تثبيت دعائم الاستقرار والتنمية، والانتباه إلى علاقات جوار وتعاون دولي تمنحهما القدرة على مواصلة تلبية أحلام وتطلعات شعبيهما التي بدأت بالانتعاش بعد أعوام طويلة من صعوبات ضغطت على اقتصادهما".

وتدرك الإمارات، وفق رئيسة تحرير "البيان" "أنّ البلدين قادران على إحداث اختراق حقيقي في هذه الأزمة من أجل مستقبلهما، ما يفرض على الجانبين بشدة التعجيل نحو الطريق الوحيد للحل، وهو المسار السياسي الكفيل بتفويت الفرص على كل من له مصالح في الفتنة بين الطرفين".

حدود تبلغ 1600 كيلومتر

وتشترك الدولتان في حدود تبلغ 1600 كيلومتر، وكانت النزاعات مستمرة بينهما على مدى عقود، لا سيما على طول منطقة الفشقة.
وتقع الفشقة على الحدود الشرقية السودانية مع إثيوبيا، وتتميز بأراضيها الخصبة، حيث تتكرر هناك الحوادث مع المزارعين الإثيوبيين، الذين يزرعون أراضي يؤكد السودان أنها داخل حدوده.
وكان السودان أعلن أنّ قواته العسكرية بسطت سيطرتها على كل الأراضي السودانية الواقعة في المنطقة الحدودية، التي يقطنها مزارعون إثيوبيون، وذلك بعد أسابيع من الاشتباكات.

رئيسة تحرير "البيان" منى بوسمرة:  السودان وإثيوبيا بلدان جاران قادران على إحداث اختراق حقيقي في هذه الأزمة من أجل مستقبلهما


ومع اشتعال الصراع بين السلطات الاتحادية الإثيوبية وإقليم تيغراي، نزح آلاف اللاجئين هرباً من الحرب، وهو ما تسبب في أزمة إنسانية كبيرة في السودان، ولاسيما ولاية القضارف.

وفي غضون الاحتكاكات العسكرية، أكدت الحكومة السودانية، الأسبوع الماضي، أنّ طائرة عسكرية إثيوبية اخترقت الأجواء السودانية، دون تقديم مزيد من التفاصيل.

ووصفت وزارة الخارجية السودانية الخطوة بـ"التصعيد الخطير وغير المبرر"، مشيرة إلى أنه ستكون لها عواقب خطيرة وستزيد التوتر في المنطقة الحدودية.

الاشتباكات الأحدث

وتعد الاشتباكات المسلحة على طول الحدود بين السودان وإثيوبيا أحدث تطور في تاريخ من التنافس المستمر منذ عقود بين البلدين، رغم أنه من النادر أن يقاتل الجيشان الإثيوبي والسوداني بعضهما البعض مباشرة للسيطرة على الأراضي، وفق "بي بي سي".

وعلى الرغم من أنّ الحدود التقريبية بين البلدين معروفة جيداً، يحب المسافرون أن يقولوا إن إثيوبيا تبدأ عندما تفسح السهول السودانية الطريق للجبال الإثيوبية.

وتقول "بي بي سي" إنه نادراً ما يتم ترسيم الحدود الدقيقة على الأرض.

وتوالت الصراعات والحروب بين إثيوبيا وجاراتها في الماضي. لكن وبعد حرب عام 1998، قام السودان وإثيوبيا بإحياء محادثات كانت قد دخلت في سبات منذ أمد طويل ليحددا بدقة حدودهما التي يبلغ طولها 744 كيلومتراً.

اقرأ أيضاً: دليل استرشادي: ماذا يحدث بين السودان وإثيوبيا؟

وفي هذا الإطار، كانت الفشقة هي أصعب منطقة لتسوية الخلاف حولها، فوفقاً لمعاهدات الحقبة الاستعمارية لعامي 1902 و 1907 تمتد الحدود الدولية إلى الشرق منها، وهذا يعني أنّ الأرض ملك للسودان، لكنّ الإثيوبيين استقروا في المنطقة؛ حيث مارسوا الزراعة وهم يدفعون ضرائبهم للسلطات الإثيوبية.

ووصلت المفاوضات بين الحكومتين إلى حل وسط في عام 2008؛ حيث اعترفت إثيوبيا بالحدود القانونية، لكنّ السودان سمح للإثيوبيين بالاستمرار في العيش هناك دون عائق.

ووُصفت تلك المرحلة بأنها كانت حالة كلاسيكية لـ "الحدود الناعمة" التي تمت إدارتها بطريقة لا تسمح لموقع "الحدود الصلبة" بتعطيل سبل عيش الناس في المنطقة الحدودية؛ حيث ساد تعايش لعقود حتى طالبت إثيوبيا بخط سيادي نهائي.

السرديات المختلفة

ولكل جانب قصته الخاصة حول ما أشعل الاشتباك في الفشقة، لكن ما حدث بعد ذلك ليس محل خلاف، فقد طرد الجيش السوداني الإثيوبيين وأجبر القرويين على إخلاء أماكنهم.

يشار إلى أنّ إثيوبيا تمتعت طوال العقود الماضية بصلات قوية مع السودان إبان عهد الرئيس المخلوع، عمر البشير. وخلال مفاوضات سد النهضة اتهمت مصر السودان بالانحياز لصالح أديس أبابا.

وبعد إطاحة نظام البشير، لعبت إثيوبيا، وفق موقع "الحرة" دوراً كبيراً في إنجاح عملية الانتقال بالسودان والتي توجت بالحكومة الحالية بشقيها العسكري والمدني.

لكنّ اللافت هو التبدل الجذري في موقف السودان من مفاوضات سد النهضة وقربه من الموقف المصري، وما أعقبه من زيارات عسكرية رفيعة المستوى بين القاهرة والخرطوم، نظرت إليها إثيوبيا بعين الريبة والشك.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية