حالة الأديان في العالم المعاصر: كل ما يجب أن تعرفه

حالة الأديان في العالم المعاصر: كل ما يجب أن تعرفه

حالة الأديان في العالم المعاصر: كل ما يجب أن تعرفه


06/04/2024

ترجمة: محمد الدخاخني


كم عدد المؤمنين حول العالم؟

إذا كنت تعتقد أنّ الدّين ينتمي إلى الماضي، وأنّنا نعيش في عصر عقلٍ جديدٍ، فإنّك في حاجة إلى التّحقّق من المُعطيات الآتية: إنّ 84 في المئة من سكان العالم يعرّفون أنفسهم ضمن مجموعة دينيّة أو أخرى، وهم عادة أصغر سنّاً، وأكثر إنجاباً للأطفال، مقارنة بأولئك الذين ليس لهم انتماء دينيّ، وعليه؛ فإنّ العالم يصير أكثر تديّناً، وليس العكس، رغم وجود اختلافات جغرافيّة كبيرة.

ووفق أرقام عام 2015؛ يشكّل المسيحيّون أكبر مجموعة دينيّة بفارق ضئيل؛ حيث تضمّ المسيحيّة 2.3 مليار معتنق، أو ما يعادل 31.2 في المئة من مجموع سكّان العالم، البالغ عددهم 7.3 مليار نسمة. ثمّ المسلمون 1.8 مليار نسمة، أو 24.1 في المئة. فالهندوس 1.1 مليار، أو 15.1 في المئة. فالبوذيّين 500 مليون، أو 6.9 في المئة.

الدّين يضمحل في أوروبا الغربيّة وأمريكا الشمالية، ويصعد في كلّ مكان آخر

وتشمل الفئة التّالية الأشخاص الذين يمارسون الأديان الشعبية أو التقليدية؛ فهناك 400 مليون منهم، أو 6 في المئة من الإجمالي العالمي، ويصل أتباع الأديان الأقلّ ممارسة، بما في ذلك السيخية والبهائية واليانية، إلى 58 مليوناً، أو ما هو أقلّ بكثير من 1 في المئة.

وهناك أيضاً 14 مليون يهوديّ حول العالم؛ أي حوالي 0.2 في المئة من سكان العالم، يتركز معظمهم في كلّ من الولايات المتّحدة وإسرائيل.

لكنّ الفئة الثالثة الأكبر غائبة في القائمة الموجودة أعلاه؛ ففي عام 2015، صرّح 1.2 مليار شخص في العالم، أو ما يعادل 16 في المئة من سكانه، بأنّه ليس لديهم أيّ انتماء دينيّ على الإطلاق، على أنّ هذا لا يعني أنّ كافة هؤلاء من الملحدين الملتزمين؛ فبعضهم، وربّما معظمهم، يمتلك حِسّاً روحانيّاً قويّاً، أو يؤمن بإله، أو آلهة، أو قوى موجِّهة، وإن كانوا لا يعرّفون أنفسهم ضمن ديانة، أو يمارسون، ديانة منظّمة.

يعيش ثلاثة أرباع المسلمين في بلدان ذات أغلبيّة مسلمة

وتحظى كافّة الأديان تقريباً بتقسيمات فرعيّة؛ فقد يكون المسيحيّون من الرّوم الكاثوليك (وتلك أكبر مجموعة؛ حيث تضمّ ما يقرب من 1.3 مليار معتنق) أو البروتستانت، أو الأرثوذكس الشّرقيّين، أو الأرثوذكس اليونانيّين، أو الأنجليكان، أو من العديد من الطّوائف الفرعيّة الأخرى، وقد يكون المسلمون من السنّة (الأغلبيّة)، أو الشّيعة، أو الإباضية، أو الأحمديّة، أو الصوفية.

وتحظى الهندوسيّة بأربع مجموعات رئيسة، هي: الفيشنافيّة والشّايفيّة والشّكتيّة والسمارتيّة، وهناك تقليدان رئيسان في البوذيّة، الثّيرافادا والماهايانا، وينطوي كلّ تقليد منهما على مجموعات فرعيّة، ويمكن لليهود أن يكونوا من الأرثوذكس (أو الأرثوذكس الغُلاة)، أو المحافظين، أو الإصلاحيين، أو من المنتمين إلى مجموعات أصغر.

متوسط عمر سكان العالم هو 28 عاماً، وهناك ديانتان متوسّط العمر فيهما أقلّ من ذلك: الإسلام والهندوسية

والجغرافيا لها دلالتها؛ عندما يتعلّق الأمر بالدّين، فمنطقة آسيا-المحيط الهادئ هي الأكثر اكتظاظاً بالسّكان في العالم، وكذلك الأكثر تديناً؛ لأنّها تعدّ موطن 99 في المئة من الهندوس، و99 في المئة من البوذيّين، و90 في المئة من أولئك الّذين يمارسون ديانات شعبيّة أو تقليديّة. وتستضيف المنطقة أيضاً 76 في المئة من الأشخاص الذين ليس لديهم أيّ انتماء دينيّ في العالم؛ 700 مليون منهم من الصينيين.

ويعيش ثلاثة أرباع الدينين في بلد يشكّلون فيه أغلبيّة السّكان؛ فيما يعيش الرّبع المتبقي بوصفهم أقليات دينية. على سبيل المثال: يعيش 97 في المئة من الهندوس في ثلاثة بلدان ذات أغلبيّة هندوسيّة: الهند وموريشيوس ونيبال، بينما يعيش 87 في المئة من المسيحيّين في 157 بلداً ذات أغلبية مسيحية، ويعيش ثلاثة أرباع المسلمين في بلدان ذات أغلبيّة مسلمة، ومن بين غير المنتمين إلى أيّ دين، يعيش سبعة من أصل كلّ عشرة في بلدان يشكّلون الأغلبية فيها، بما يتضمّن الصين، وجمهورية التشيك، وكوريا الشمالية.

وفي المقابل؛ يعيش معظم البوذيّين (72 في المئة) كأقليّة في بلدانهم الأصليّة، لكن هناك سبعة بلدان يشكّل البوذيّون فيها أغلبية السكان: بوتان، وميانمار، وكمبوديا، ولاوس، ومُنغوليا، وسريلانكا، وتايلاند.

يعيش معظم البوذيّين (72 في المئة) كأقليّة في بلدانهم الأصليّة

أيّ الأديان في صعود؟ وأين؟

يمكن اختصار الإجابة؛ في أنّ الدّين يضمحل في أوروبا الغربيّة وأمريكا الشمالية، ويصعد في كلّ مكان آخر.

إنّ متوسط عمر سكان العالم هو 28 عاماً، وهناك ديانتان متوسّط العمر فيهما أقلّ من ذلك: المسلمون (23 عاماً)، والهندوس (26) عاماً. والأديان الرّئيسة الأخرى لها متوسّط عمر أكبر: المسيحيّون (30 عاماً)، البوذيّون (34 عاماً)، اليهود (36 عاماً)، ويصل متوسّط العمر عند غير المنتمين إلى أيّ دين إلى 34 عاماً.

الإسلام؛ هو الدّين الأسرع نموّاً في العالم، أكثر من ضعفي سرعة إجماليّ سكان العالم

والإسلام؛ هو الدّين الأسرع نموّاً في العالم، أكثر من ضعفي سرعة إجماليّ سكان العالم، وبين عامي 2015 و2060، من المتوقّع أن يزيد سكّان العالم بنسبة 32 في المئة، لكن من المتوقّع أن ينمو عدد السكان المسلمين بنسبة 70 في المئة، ورغم أنّ المسيحيين سيتفوّقون أيضاً في التّعداد العام للسكان، خلال تلك الفترة، مع توقّع زيادة قدرها 34 في المئة بشكل أساسي؛ بفضل النموّ السكاني في إفريقيا جنوب الصحراء، فإنّه من المرجّح أن تفقد المسيحية موقعها الأول بين أديان العالم، لصالح الإسلام، قبل منتصف هذا القرن.

ومن المقرّر أن ينمو الهندوس بنسبة 27 في المئة، واليهود بنسبة 15 في المئة، ويرجع ذلك أساساً إلى ارتفاع معدّلات المواليد بين الأرثوذكس الغُلاة، وسوف يشهد غير المنتمين إلى أيّ دين زيادة بنسبة 3 في المئة، ولكن تناسبياً؛ ستكون هذه المجموعات الدينية أصغر من الآن؛ لأنّ نموّها أقلّ من الزيادة الحاصلة في إجمالي سكان العالم، ومن المتوقع أن يشهد البوذيون انخفاضاً بنسبة 7 في المئة في أعدادهم.

إنّ الأمر يعود أساساً إلى معدّلات المواليد والوفيّات، لا التحوّل الديني؛ إذ يبلغ متوسط عدد الأطفال عند النساء المسلمات 2.9 طفل؛ أي أعلى بكثير من المتوسّط الذي لدى غير المسلمين كافّة (2.2 طفل)، بينما تبلغ نسبة المواليد عند النّساء المسيحيات 2.6 طفل، إلّا أنّها أقلّ في أوروبا؛ حيث تغلّب عدد الوفيات بين المسيحيين على عدد المواليد، بنحو 6 ملايين، بين عامي 2010 و2015، وفي الأعوام الأخيرة؛ كان للمسيحيّين نسبة كبيرة على نحو غير متكافئ من وفيات العالم (73 في المئة).

بين عامي 2015 و2060 من المتوقّع أن يزيد سكّان العالم بنسبة 32% وأن ينمو عدد المسلمين 70%

وبينما يشكّل غير المنتمين إلى أيّ دين حالياً 16 في المئة من سكان العالم؛ فإنّه لم يولد سوى 10 في المئة من الأطفال حديثي الولادة في العالم، إلى أمّهات غير منتسبات دينياً، بين عامي 2010 و2015.

على أنّ 23 في المئة من المسلمين الأمريكيين يقولون إنّهم من المتحوّلين دينياً، وفي الأعوام الأخيرة؛ كانت هناك أدلّة متزايدة على وجود لاجئين مسلمين يتحوّلون إلى المسيحية في أوروبا.

ومن جانبها، شهدت الصّين انتعاشة دينية كبيرة في الأعوام الأخيرة، ويتوقّع البعض أن يكون لديها أكبر عدد من المسيحيّين في العالم، بحلول عام 2030؛ فقد نما عدد البروتستانت الصينيين بمعدل 10 في المئة سنوياً، منذ عام 1979؛ إلى ما بين 93 مليون و115 مليون نسمة، وفق أحد التقديرات، وهناك تقديرات تتحدث عن 10-12 مليوناً من الكاثوليك أيضاً.

في المقابل، تتراجع المسيحية في أوروبا الغربية؛ ففي إيرلندا، وهي من البلدان الكاثوليكيّة التليدة؛ انخفضت نسبة الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم ضمن الكاثوليكيّة من 84.2 في المئة إلى 78.3 في المئة، بين تعدادي عامَي 2011 و2016، وانخفضت النسبة إلى 54 في المئة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و29 عاماً، بينما ارتفعت نسبة غير المنتمين إلى أيّ دين إلى 9.8 في المئة، وتلك قفزة تصل إلى 71.8 في المئة خلال خمسة أعوام.

وفي أسكتلندا، وذلك بلد آخر غارق في التقليد الديني؛ أصبحت أغلبية الناس (59 في المئة)، تعرّف نفسها على أنّها "غير دَيّنة"، مع وجود عدد أكبر من النّساء (66 في المئة)، مقارنة بالرّجال (55 في المئة)، ممّن ابتعدوا عن الإيمان المنظّم، وقد صرّح سبعة من بين كلّ عشرة أشخاص دون سنّ الـ 44 عاماً بأنّهم لا دينيّين، على أنّ الفئة العمريّة الوحيدة التي ينتمي معظمها إلى التديّن هي ما فوق الـ 65 عاماً.

23 في المئة من المسلمين الأمريكيين يقولون إنّهم من المتحوّلين دينياً

وماذا عن الدّول الثيوقراطية؟

ربّما تكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ هي أوّل ما يأتي إلى الذهن، عند طرح هذا السّؤال؛ فحتّى ثورة عام 1979، كان الشاه، أو الملك، هو من يحكم البلاد، لكنّ زعيم الدّولة الجديدة، آية الله روح الله الخميني، طبّق نظاماً سياسياً قائماً على المعتقدات الإسلامية، وقام بتعيين رؤساء القضاء والجيش والإعلام، وقد خلفه عام 1989 آية الله علي خامنئي. وهناك رئيس منتخب، وهو حالياً حسن روحاني، الذي يعدّ شخصية معتدلة إصلاحيّة، وتعدّ إيران إحدى دولتين فقط في العالم تحتفظان بمقاعد في مجلسهما التشريعي لرجال الدّين (الأخرى هي المملكة المتّحدة).

تعدّ الهندوسية الديانة الأقدم في العالم؛ حيث يعود تاريخها إلى حوالي 7,000 عام ق.م

تضمّ الثيوقراطيات الإسلامية الأخرى: موريتانيا، والسعودية، والسودان، واليمن، فيما تضع 27 دولة الإسلام في موضع قدسي، باعتباره دين الدولة.

والثيوقراطية المسيحيّة الوحيدة هي "الفاتيكان سيتي": وهي مركز صغير، إنما قويّ، للكاثوليكية؛ حيث البابا هو السلطة العليا، ويرأس الفروع التنفيذية والتشريعية والقضائية لحكومة الفاتيكان.

وتضع ثلاثة عشر بلداً (بينها تسعة في أوروبا) المسيحية، أو إحدى الطوائف المسيحية، باعتبارها دين الدولة؛ ففي إنجلترا، تعرَّف الكنيسة الأنجليكانية "كنيسة إنجلترا" باعتبارها: الكنيسة الرسمية "المقرّرة" في البلاد، وتحظى بأدوار مهمّة، ترتبط ببعض المناسبات الرسمية، ويجلس 21 من أساقفة الكنيسة في مجلس اللوردات، إلى جهة اليمين.

وتُعرّف إسرائيل نفسها على أنّها: "الدولة اليهودية"؛ حيث ثمّة أغلبية يهودية بنسبة 80 في المئة، وإن كانت الحكومة علمانية.

ولا تحظى أكثر من 100 دولة وإقليم بدين رسمي أو مفضل، وفق تقديرات عام 2015.

الهندوسية الديانة الأقدم في العالم

ما هي الأديان الأقدم؟ وهل ثمّة أديان جديدة؟

تعدّ الهندوسية الديانة الأقدم في العالم؛ حيث يعود تاريخها إلى حوالي 7,000 عام قبل الميلاد، واليهوديّة هي ثاني أقدم ديانة؛ حيث يرجع تاريخها إلى حوالي 2,000 عام قبل الميلاد، ثمّ الزرادشتية، التي تأسست رسمياً في بلاد فارس، في القرن السادس قبل الميلاد، لكن يُعتقَد بأنّ جذورها تعود إلى 1,500 عام قبل الميلاد. وترجع كلٌّ من الشنتو والبوذية واليانية والكونفوشيوسية والطاوية معاً، إلى حوالي 500-700 عام قبل الميلاد، ثمّ جاءت المسيحية، وتبعها الإسلام بعد 600 عام.

تعدّ اليهوديّة ثاني أقدم ديانة في العالم ويرجع تاريخها إلى حوالي 2,000 عام ق.م

قد يجادل البعض بأنّ الدين الأحدث لا يعدّ ديناً، رغم أنّ غير المؤمنين قدماء قدم البشرية نفسها، لكنّ الحركات الدينية الجديدة تنبثق دورياً، مثل؛ الكوبيمية، وهي ديانة تمارس عبر الإنترنت، أو الكنيسة الباستافارنية (المعترف بها رسمياً من جانب الحكومة النيوزيلندية، لكن ليس الهولندية)، والتيراسيم، وهي عبارة عن ديانة ما ورائية، تعتقد أنّ الموت اختياري، وأنّ الإله تكنولوجي.

وعام 2016؛ فشل معبد المسلك الجيدي (Temple of the Jedi Order)، الذي يتبع المنتسبون إليه مبادئ العقيدة المركزية لأفلام (Star Wars)، في جهوده الرامية إلى الاعتراف به كمنظمة دينية، بموجب قانون الجمعيات الخيرية البريطاني. وفي التعدادَين الأخيرين، كان المسلك الجيدي هو الديانة البديلة الأكثر شعبية؛ حيث حظي بأكثر من 390,000 تابع (0.7 في المئة من السكان)، يصفون أنفسهم بأنّهم من فرسان جيدي، وفق إحصاء أجري عام 2001، وبحلول عام 2011؛ انخفضت الأرقام بشكل حادّ، لكن كان ما يزال هناك 176,632 شخصاً، قالوا للحكومة إنّهم من فرسان جيدي.

هل من تأثير للدّين في العالم؟

بالطبع؛ هناك تبعات كبيرة للمعتقدات والممارسات الدينية.

أولاً: لقد كان لحروب وصراعات لا حصر لها بعدها الديني، العلني أو السري، عبر التاريخ، وحتى يومنا هذا. وفي الأعوام القليلة الماضية؛ رأينا متطرّفين إسلاميين يشنون حرباً في الشرق الأوسط، وصراعاً على السلطة بين السنّة والشيعة عبر المنطقة، واضطهاداً لمسلمي الروهينغا في ميانمار، وتمرّد حركة بوكو حرام في نيجيريا، وصدامات عنيفة بين مسيحيّي ومسلمي جمهورية إفريقيا الوسطى، على سبيل المثال لا الحصر.

كما يجري قهر النّساء، واضطّهاد المنتمين لمجتمع الميم (المثليون والمثليات وأصحاب الميول الجنسيّة المزدوجة والمتحوّلون جنسياً)، وتعذيب "المجدّفين"، وقتلهم باسم الدين.

تأسست الزارادشتية رسمياً في بلاد فارس، في القرن السادس ق.م لكن يُعتقَد بأنّ جذورها تعود إلى 1,500 عام ق.م

ثمّ إنّ هناك التأثير السياسي؛ فقد فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، بدعم كاسح من المسيحيين الإنجيليين البيض، وصوّت المشرّعون في الأرجنتين مؤخراً ضدّ تشريع الإجهاض، تحت ضغط الأساقفة الكاثوليك والبابا. وأشار رئيس الوزراء اليميني المتطرفّ في المجر، فيكتور أوربان، أشار إلى الحاجة إلى حماية "الثقافة المسيحية" في بلاده، لتبرير سياساته المعادية للهجرة.

لكنّ الأخبار ليست كلّها سيئة في هذا الصّدد؛ فهناك ملايين المؤمنين في كافة أنحاء العالم، يشاركون في مشروعات العمل الاجتماعي لمساعدة الفقراء والمهمّشين، ويمكن للمرء أن يأخذ بعين الاعتبار أيضاً انخراط الكنائس والمساجد والمعابد اليهودية في بنوك الطعام، ومشروعات دعم اللّاجئين، والحركة الكنسيّة في الولايات المتحدة، من أجل تقديم المأوى لمن يفتقرون إلى أوراق الإقامة، والمبالغ الاستثنائية التي جمعتها المؤسسات الخيرية الإسلامية لأعمال الإغاثة في بعض الأماكن الأكثر بؤساً في العالم.

تأسست الزارادشتية رسمياً في بلاد فارس

وماذا بعد؟

مزيد من التحامل والاضطهاد؛ فقد أفاد أتباع معظم الديانات الرئيسة بعداء متزايد، وعنف في حالات كثيرة، وجرى طرد المسيحيّين بضخامة من الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي وصفه البعض بأنّه "إبادة جماعيّة جديدة"، كما ترتفع في هذه الأثناء معاداة السامية والإسلاموفوبيا في أوروبا.

ومن المرجّح أن يكون موت (أو ربّما تقاعد) البابا فرانسيس، الذي يبلغ من العمر 81 عاماً، ويعاني العدد من المشكلات الصحية، من بين أكبر الاضطرابات في المشهد الديني في الأعوام القليلة القادمة، وكانت جهوده لإصلاح الفاتيكان والكنيسة قد أدّت إلى ردّ فعل معاكس من جانب القوى المحافظة؛ التي تنظم نفسها ضدّ بابويته وتستعدّ للحظة التي سيصبح فيها المنصب شاغراً.

العلم والدّين

يعدّ ريتشارد دوكينز، عالم الأحياء التطوري البريطاني؛ من أبرز المناصرين لعدم التوافق بين العلم والدين، وكان قد سخر من نظريات الخلق والتصميم الذكي.

لكن، وفق روان ويليامز، رئيس أساقفة كانتربري السابق؛ فإنّ الجهود الرامية إلى وضع العلم ضدّ الدين، تعبّر عن "حرب خدّاعة"، وكان استطلاع أجرته "يو-غوف" العام الماضي، قد أظهر أنّ 16 في المئة فقط من المؤمنين يقبلون بأسطورة الخلق.

ووجدت دراسة أخرى، أجريت على 3,000 من المتخصصين، في العلوم الطبية والتقنية والهندسية، في المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، بتكليف من الشبكة العلمية والطبية؛ أنّ 25 في المئة قد وصفوا أنفسهم بالملحدين، و45 في المئة وصفوا أنفسهم بالدينيين أو الروحيين.

من المرجّح أن يكون موت البابا فرانسيس  من بين أكبر الاضطرابات في المشهد الديني في الأعوام القليلة القادمة

ويقول البروفيسور إريك بريست؛ وهو عالم رياضيات ورئيس سابق للجمعية الملكية الفلكية: إنّ الصراع المفترض بين العلم والروحانية قد عفا عليه الزمن، والعديد من العلماء يمتلكون "نظرة أكثر حذقاً ودقّة للعلاقة بينهما، ويقرّون بأنّ التقصي والخيال والإبداع، والعقل والإيمان والمشاركة؛ هي سمات مشتركة لكلّ من العلم والدّين".

وفي الولايات المتّحدة؛ وجد استطلاع أجري حول عدد من العلماء، عام 2009؛ أنّ نسبة من يؤمن بإله أو بقوّة عليا بين العلماء؛ هي تقريباً نصف نسبة المؤمنين عند العامّة، وقال واحد من كلّ ثلاثة علماء إنّه يؤمن بإله، مقارنة بـ 83 في المئة من عامّة النّاس، وأقلّ بقليل من نصف العلماء الذين استطلعت آراؤهم، قالوا إنّه ما من انتماءات دينيّة لديهم، مقارنة بـ 17 في المئة فقط من الجمهور.

وفي تصريح لـ "إي بي سي" نيوز، تقول جينيفر وايزمان، وهي فيزيائية فلكية مسيحية، ومديرة "الحوار حول العلوم والأخلاق والدين"، وهو برنامج تابع للجمعية الأمريكية لتقدّم العلوم: إنّ العلم "كان أداة رائعة لفهم الكون المادّي"، لكنّ المعتقد الديني يقدّم إجابات عن أسئلة فلسفية أكبر في الحياة، "إنّنا مرتبطون مادياً بالكون، لكنّني أعتقد أيضاً بأننا نحظى بارتباط أعمق".

التثقف الديني

حذّرت بعض الشخصيات العامّة من مخاطر الأمّية الدينية، لا سيما في المجتمعات متعددة الأديان؛ حيث يمكن أن يتحوّل سوء الفهم والجهل إلى حالة من العداء والإيذاء والعنف.

إنّ الأساطير والأغلاط الواقعية، حول المعتقدات والنصوص الدينية شائعة، ويقول كثيرون: إنّ التثقيف بشأن الدين مهمّ من أجل فهم العالم، شأنه في ذلك شأن التاريخ والجغرافيا والعلوم والفنّ.

ووفق مشروع "هارفارد" للتثقف الديني؛ "فإنّ فهم التأثيرات الدينية المعقدة، يعدّ بُعداً مهمّاً لفهم الشؤون الإنسانية الحديثة، ورغم هذا الوعي؛ ما تزال هناك أمّية واسعة الانتشار حول الدين، تمتد عبر العالم، وهناك العديد من العواقب المترتبة على هذه الأمّية، لكنّ الأكثر إلحاحاً؛ أنّها تغذي الصراعات والعداوات، وتعوق المساعي التعاونية في كافة ساحات التّجربة الإنسانيّة".

ويقول البروفيسور آدم دينهام؛ المؤلّف المشارك ومحرّر كتاب 'التثقف الديني في السياسة والممارسة': "يُعدّ التثقف الديني مشكلة خاصة في الغرب المتطور؛ حيث يتزامن كلّ من العلمانية الغامضة والمشهد الديني المعقد، ولطالما افترض التفكير الأوروبي والغربي عالماً ما بعد دينيّ، وهو يسعى إلى التصرف، كما لو أنّ العالم كذلك، لكن عندما يتعلّق الأمر بالدين؛ فإنّ أوروبا هي الاستثناء، لا القاعدة، بل هي نفسها تستمرّ في أن تكون مسيحية، وأكثر علمانية، وأكثر تعددية في آنٍ واحدٍ".


هارييت شيروود، الغارديان


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية