الجماعة السلفية في مصر: حرب على الإرهاب أم تفريخ له؟ (1-2)

مصر والإرهاب

الجماعة السلفية في مصر: حرب على الإرهاب أم تفريخ له؟ (1-2)


11/03/2018

أجرت نيابة أمن الدولة المصرية في كانون الأول (ديسمبر) 2017 تحقيقاً مع نجل قيادي في حزب النور، الذراع السياسية لجماعة الدعوة السلفية في مصر، على خلفية اتهامه بقيادة وتأسيس خلية إرهابية تابعة لتنظيم داعش، اتخذت من منطقة كرداسة بمحافظة الجيزة، جنوب القاهرة، وكراً لممارسة أنشطتها العدائية ضد مؤسسات الدولة المصرية، ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتورط فيها أحد المنتمين للحزب في نشاطات تنظيمية متطرفة، فقد اتهم أحد شباب الحزب بالاشتراك في محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم في أيلول (سبتمبر) العام 2013.

حزب النور يعتبر الذراع السياسية لجماعة الدعوة السلفية في مصر

محاولات نفي تهم الإرهاب

دشنت جماعة الدعوة السلفية –على ما يبدو إثر ذلك- حملة لصد الاتهامات التي وصفت السلفية بأنها منبع الإرهاب، ونشر موقع الجماعة الرسمي، سلسلة من المقالات والحوارات والمحاضرات، التي ركّزت على تبرئة الجماعة والسلفية إجمالاً من تهمة تصدير الأفكار المتطرفة، كما شنت خلالها الهجوم على الجماعات الإرهابية المسلحة، ومحاولة تفكيك خطابها العنفي.

اتهم أحد شباب حزب النور بالاشتراك بمحاولة اغتيال وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم العام 2013

مرت تلك الجماعة التي يتزعمها عدد من شيوخ السلفية في الإسكندرية، أبرزهم محمد عبدالفتاح "أبو إدريس"، ومحمد إسماعيل المقدم، وياسر برهامي، بعدة منعطفات أهمها تحول الجماعة لمعترك العمل السياسي، بعد ثورة 25 كانون الأول (يناير) العام 2011، بعد أن ظلت رافضة له طيلة ما يربو على 30 عاماً من تشكلها في أواخر السبعينيات من القرن الماضي.

ثم كان المنعطف الأخطر في مسيرتها، بعد اندلاع ثورة 30 حزيران (يونيو) العام 2013؛ حيث انحازت لقرار عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، المدعوم من الكتلة الإسلامية، في مواجهة الكتلة المدنية التي طالبت بإسقاطه، مما دعا الجماعة بتحذير أتباعها من مشاركة الإسلاميين اعتصامهم الذين ضربوه في ميدان رابعة العدوية "شرق القاهرة"، وهو الأمر الذي جلب عليها عداوة أغلب التيارات الإسلامية، التي وصفوها بالمتراجعة والمتخاذلة، مما أدى إلى انشقاقات كبرى ضربت صفوف القيادة العليا، كان أحد مظاهرها انشقاق أحد المؤسسين للجماعة، وهو الشيخ سعيد عبدالعظيم، وانحيازه لمعسكر "رابعة".

 

محمد عبدالفتاح "أبو إدريس"، ومحمد إسماعيل المقدم، وياسر برهامي

من أسّس لشيطنة الصوفية؟

بعد حادث الروضة الإرهابي، الذي استهدف مركز الطريقة الصوفية الجريرية في شمال سيناء، أواخر العام 2017، خرج الدكتور نائب رئيس الجماعة السلفية ياسر برهامي، في حوار له نشره مع "جريدة الفتح"، ليندّد بالحادث واصفاً إياه بــ"إجرامي يؤلم كل مسلم، بل يؤلم كل عاقل".

وفي الحوار الممتد على جزأين، لم يتطرق الشيخ لموقف جماعته من الصوفية وطرقها بشكل مباشر، بل إنّه ذهب ليؤكد أنّه لا يعرف سبباً مبيحاً لدمائهم، في إشارة لمذبحة الروضة، "فليس كل من وقع في بدعة يصحّ تكفيره، فتعميم الكفر على الناس خطير جدا"، وفق نص الحوار.

تحولت الجماعة السلفية لمعترك العمل السياسي بعد ثورة يناير بعد أن ظلت رافضة له طيلة 30 عاماً

ولا تختلف جماعة الدعوة السلفية، عن غيرها من الجماعات السلفية في موقفها من الصوفية، فهي ترى أنها ذات عقائد فاسدة، وسلوكيات تعبدية بدعية، وتدعو إلى وجوب هدم الأضرحة لكنها ترفض القيام بإزالتها بيديها وبعيداً عن الدولة، حتى لا يؤدي ذلك إلى نشوء منكر أكبر من الذي يراد تغييره، فضلاً عن أن الجماعة ترفض استخدام العنف والقوة في مواجهتها مع الصوفية، وتسعى إلى مواجهتها فكرياً، عبر خطابها الدعوي والوعظي، وترى تلك الجماعة أنه قد يحكم على أفعال المتصوفة بالكفر لكن دون الحكم بالكفر العيني على شخص من ارتكب الفعل، تطبيقاً لقاعدة العذر بالجهل.

كان المنعطف الأخطر في مسيرتها العام 2013 بتأييدها لقرار عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي

وتمتلئ كتب الجماعة ومواقعها الإلكترونية بعشرات المحاضرات والفتاوى التي تعتبر فيها الصوفية فرقة ضالة، ففي مقاله المعنون بـ"الصوفية والعلمانية العفن والطفيل" الذي نشره موقع "صوت السلف" التابع للجماعة في آذار (مارس) 2011 اتهم المتحدث السابق للجماعة عبدالمنعم الشحات الصوفية بـ"المذهب الذي حاكى النصارى في معظم بدعهم وخرافاتهم وتقديسهم للأموات وارتمائهم على عتبات القبور"، وفي مقال آخر وصفهم بأنهم "موالون للكفار والشيعة".

ونشر الموقع مقالاً للشيخ محمد الباز العام 2011، بعنوان "الصوفية وأثرها على واقع المسلمين"، اتهم فيه الصوفية بأنّ عقيدتها فاسدة، مستدلاً بما أسماه "وقائع تاريخية تثبت ولاءهم للكفار واليهود"، وأكد فيه أنّ حياة الصوفية تحولت إلى "فوضى عقائدية وأخلاقية، وعُرِف عن ساداتهم وأوليائهم العظام عدم الصلاة وتناول المخدرات، والاختلاط المشين بالنساء والغلمان، ومقارفة الفواحش معهما، هذا إلى إدراجهم الرقص والغناء ضمن القربات، ووسائل الوصول إلى غاية الفناء".

هشام النجار لـ"حفريات": جماعة الدعوة السلفية لم تجرؤ إلى الآن على إجراء مراجعات حقيقية لأفكارها

مراجعة أم إمساك للعصا من المنتصف؟

في حواره السابق، طالب برهامي بــ"معالجة حقيقية لأفكار التكفير عبر الزاوية الفكرية والمنهجية"، واستعراض النصوص التي يستعملونها وتوضيح معانيها الصحيحة، واستعراض كلام العلماء الذي يستدلون به، وتوضيح المعنى الصحيح له، وليس العلاج بالطعن في الشخصيات العظيمة، مثلما يحلو للبعض، فينصبون المعارك مع ابن تيمية، رحمه الله، أو محمد عبدالوهاب، رحمه الله، أو غيرهما من الرموز السلفية عبر التاريخ".

وقال برهامي إنّ نصب المعارك مع رموز الاتجاه السلفي، سبب من أسباب زيادة المنتمين للفكر المنحرف، وتواصلهم مع التنظيمات الإرهابية الصدامية، وبالتالي التحول إلى ألغام تنفجر كل حين في وجه أو جسد الأمة "على حد تعبيره.

لا يختلف موقف جماعة مصر عن نظيراتها السلفية من الصوفية فهي ترى أنها ذات عقائد فاسدة

إلا أن الباحث في شؤون الجماعات الإسلاموية، هشام النجار، يرى أنّ جماعة الدعوة السلفية، لم تجرؤ إلى الآن على إجراء مراجعات حقيقية لأفكارها، بل وقفت في منتصف السلم، وهو ما جلب عليها سخط التيارات السلفية، ولم ترضَ عنها الكتلة المدنية، "فبينما هي التي وضعت اللبنة الأولى في تكفير الصوفية، تستنكر الآن الاعتداء عليها، دون أن توضّح لنا أنّ ثمة مراجعات فكرية حقيقية لمواقفها السابقة".

وينفي النجار في تصريحاته لــ"حفريات"، أن يكون ما تحدث به برهامي يندرج تحت مسمى "المراجعات" بل هو مجرد "ترقيعات"، على حد وصفه، و"محاولات خجولة مائعة لإرضاء جميع الأطراف؛ فالعنف يبدأ من السلفية العلمية ثم ينتهي عند السلفية التكفيرية".

  وشدد النجار على استحالة إقدام جماعة الدعوة السلفية على مراجعات فكرية، معللاً ذلك بأنّها ما تزال تؤمن بأفكارها القديمة فضلا عن خشيتها من تفتيت ما تبقى من الجسد السلفي، ولفت إلى أنّ مراجعات السلفية لا تقف عند موقفها من الصوفية فحسب؛ بل يجب أن تمتد للموقف من الأقباط، والمرأة، والديمقراطية، والدولة المدنية، وقضايا الحاكمية، وغيرها من المسائل الإشكالية.

الصفحة الرئيسية