لماذا رخّص الليبراليون بيع الماريغوانا للمواطنين في كندا؟

كندا

لماذا رخّص الليبراليون بيع الماريغوانا للمواطنين في كندا؟


09/01/2019

لو علِم مهرِّب المخدرات الكولومبي الشهير بابلو اسكوبار أنّ الحكومات ستمتهن تجارته وتجعلها قانونية، طمعاً بجني المليارات من الدولارات، على حساب صحّة الناس وسلامتهم، لصبر قليلاً قبل أن يشرع بتجارته، ولما كان قد خسر حياته على أيدي قوات مكافحة تهريب المخدرات.

اقرأ أيضاً: كندا إذ تخالف المبادئ والمواثيق الدولية

وكثاني دولة تبيح بيع الحشيش المخدر لمواطنيها، حذت كندا حذوَ دولة الأوروغواي في خريف العام 2018، ورخّصت بيع القنب الهندي "الماريغوانا" في أسواقها لغايات ترفيهية، وقد كان ذلك القرار وفاءً بالوعد الذي قطعه العام 2015، المرشَّح آنذاك لرئاسة الوزراء الكندية الليبرالي، جستن ترودو.

ترودو يفي بوعده

ولم يُخلف ترودو، بعد أن اعتلى سدة الحكم، وعده؛ حيث جعل أوراق الماريغوانا متاحة على رفوف المحلات التجارية الكندية، رغم المعارضة الشديدة من قبل منظمات وأحزاب وجمعيات محافظة طالبته بالعدول عن قراره هذا.

عارضت الكنيسة الكندية القرار وأصدرت مجموعة من القساوسة في مقاطعات كندية بياناً رسمياً ضده

وزعم الحزب الليبرالي؛ أنّ هناك مجموعة من الذرائع دفعته لترخيص بيع الماريغوانا للشعب الكندي. ومن هذه المبررات؛ سحب البساط من تحت أرجل المنظمات الإجرامية التي تتحكم بسوق تجارة الحشيش في كندا، وصبّ مليارات الدولارات في خزينة الدولة، من عمليات بيع قانوني للحشيش، التي كانت تتمّ في السوق السوداء سابقاً، إضافة إلى الضرائب المترتبة على شركات إنتاج الحشيش، ونقاط البيع والتوزيع التي تمّ ترخيصها.

ومنذ أعلن الحزب الليبرالي الكندي نيّته ترخيص بيع الماريغوانا في عموم البلاد؛ انقسم الشعب الكندي وجيرانه بين معارض لبيع هذه المادة المخدرة، ومؤيد يقدم تبريراته وذرائعه التي تدعم موقفه المؤازر لحكومة جستن ترودو بهذا الشأن.

الشركات الزراعية من الأطراف المستفيدة من ترخيص بيع القنب

المعارضون يرفعون أصواتهم

أوّل من عارض ترخيص بيع الماريغوانا للمواطنين الكنديين؛ كانت القطاعات الطبية، وقد حذرت المجلة الطبية الكندية، لسان حال أطباء كندا، في تصريح مشهور لها على صفحاتها قائلة: "إنّ تجربة بيع الماريغوانا للناس غير خاضعة للمراقبة، وتضع أرباح منتجي القنب وعائدات الضرائب من هذه التجارة فوق صحة الشعب الكندي".

وأشار أطباء كنديون كثر، في لقاءات إذاعية وتلفزيونية كثيرة، إلى المخاطر الجمّة التي تحيق بمتناول هذه المادة المخدرة. وذكروا أن هذه المادة التي تقدم إما؛ كأوراق قابلة للتدخين، أو ضمن مادة غذائية قابلة للمضغ والأكل، تسبّب إدماناً ويترك تناولها أثراً ضاراً في الدماغ، وعملياته الحيوية من حفظ للمعلومات ومعالجتها واستدعائها عند الحاجة.

كما وتزداد أعراض الاضطراب النفسي والقلق، وفق أطباء كنديين، عند من يدخن المريجوانا أو يتناولها مع الطعام. بل لا يكون الفرد قادراً على تحديد المكان والزمان الذي هو فيهما، ولا يذكر مسميات الأشياء بدقة، بعد أن يجري تأثير الحشيش في شرايينه، وقد لاحظ الأطباء زيادة في ضربات القلب وأعراض هلوسة وانفصال عن الواقع عند كلّ من يدمن تناول هذه المواد المخدرة.

اقرأ أيضاً: كندا تواجه تحديات أخطر من الإرهاب.. ما هي؟

ويخشى العاملون في مجال الصحة من أن يكون تدخين الماريغوانا أو تناولها، مدخلاً للإدمان على أنواع أخرى من المخدرات تكون أشد فتكاً وتدميراً لصحة الإنسان.

 

وكان للشرطة الكندية قولها في معارضة تدخين الماريغوانا؛ حيث كثّفت دورياتها لمراقبة الطرقات وحماياتها من السائقين الذين يقودون مركباتهم، وهم في حالة انتشاء من أثر المخدرات، وقد أصدرت شرطة المقاطعات الكندية تحذيرات عبر وسائل الإعلام، للتحذير من تدخين الحشيش قبل ساعات من قيادة السيارة، وقد بينت مواقع حكومية كثيرة أنّ للحشيش تأثيراً على المهارات الحركية وسرعة الاستجابة، ويؤثر على الذاكرة والتركيز، وكلّ هذه المهارات ضرورية ومهمّة أثناء قيادة المركبات.

تم تبرير  هذه الخطوة بسحب البساط من تحت المنظمات الإجرامية وصبّ مليارات الدولارات في خزينة الدولة 

وجاءت المعارضة الثالثة من الكنيسة الكندية؛ حيث أصدرت مجموعة من القساوسة المشرفين على عدة كنائس في مقاطعات كندية بياناً رسمياً يعارض توجهات رئيس الوزراء ترودو في تقديم الحشيش للمواطنين على رفوف المتاجر، وقد قال بيان الكنسية: "إنّ تناول الميريجوانا يعدّ خطيئةً وإثماً، رغم أنّ هناك ترخيص رسمي ببيعها".

وتوحّد مثل هذه القضايا الوطنية صفوف المتدينين، وقد التحقت هنا الجمعيات الإسلامية الكندية بتوجهات الكنيسة، وأصدرت بيانات كثيرة تحذر من الإقدام على تناول الميرجوانا أو بيعها.

وكانت المعارضة الشديدة والصلبة التي واجهها الليبراليون بهذا الصدد قادمة من حزب المحافظين الكندي، الذي وجد ضالته في تأليب الرأي العام في عموم البلاد، ضدّ توجهات خصومه الليبراليين بترخيص تجارة الحشيش، لكنّ الحزب المحافظ أبقى رأيه متأرجحاً في مسألة؛ هل سيعيد حظر الماريغوانا إذا فاز في انتخابات العام 2019 أم لا؟  وهذا الغموض في تصريحات المحافظين مردّه لتكتيكات سياسية، لكسب أصوات الشباب وفئة المؤيدين لهذا الترخيص في المجتمع في الانتخابات الرئاسية القادمة.

وهناك معارضة من خارج كندا أيضاً لترخيص بيع واستهلاك مخدر الحشيش، وتأتي من الجار الجنوبي لكندا، أي الولايات المتحدة، التي استنفرت شرطتها وحرس حدودها على طول الحدود والمعابر، البرية والبحرية والجوية، لمنع عبور هذه المادة المخدرة، وأطلقت الشرطة الأمريكية تحذيرات للعابرين من كندا إلى أمريكا، من كافة الجنسيات، بعدم اصطحاب أيّة كمية من نبتة الماريغوانا معهم، إذا رغبوا بعبور الحدود جنوباً، وحذّرت الشرطة الأمريكية؛ أنّ من ينقل هذه المادة عبر الحدود أو يزور الولايات المتحدة للترويج للمريجوانا سيلقى عقوبات رادعة.

الشرطة الأمريكية وتحذيراتها بخصوص نقل مخدّر الحشيش عبر الحدود

 

 

المؤيّدون لهذه الخطوة

أكبر قطاع من المؤيدين لترخيص بيع مخدر الحشيش هم بطبيعة الحال، المدمنون، الذين كانوا يشترونه من السوق السوداء بأسعارٍ مرتفعة، وبنوعيات ذات جودة منخفضة؛ لذلك كانت فرحتهم كبيرة عندما أعلن ترودو، في الانتخابات الوطنية الكندية، العام 2015، أنه سيعمل على ترخيص بيع الحشيش في الأسواق، ويوفّر هذه المادة المخدرة لكلّ راغب بتناولها أو تدخينها.

اقرأ أيضاً: واقع الحشيش وصور الحشاشين في السينما المصرية .. أشهر الأفلام

ويعدّ الحزب الليبرالي الكندي، من أكبر مشجعي ومؤيدي تسويق الماريغوانا في الأسواق المحلية، وحجته سحب البساط من تحت أقدام العصابات، التي تروّج بالسرّ لهذه المادة المخدرة، ولا تدفع ضرائب تجارتها، وبذلك يريد الليبراليون لمليارات الدولارات التي تذهب لجيوب أفراد هذه العصابات أن تصبّ في خزائن الدولة، مضافاً إليها الضرائب المستحقة على عملية بيعها للناس.

أوّل من عارض ترخيص بيع الماريغوانا كانت القطاعات الطبية

وهناك قطاعات كثيرة مستفيدة من ترخيص بيع القنب للمدمنين على تناوله وتدخينه في كندا، وهؤلاء هم الشركات الزراعية التي بدأت تحضيراتها لتوريد بضاعاتها للأسواق، مع حلول منتصف العام 2018، وكذلك القطاعات الخادمة لهذه التجارة؛ من تخزين، ونقل، وشحن، وتوزيع، ومحلات بيع الجملة والتفرقة المتخصصة بهذا المجال.

كانت المعارضة الشديدة والصلبة التي واجهها الليبراليون بهذا الصدد قادمة من حزب المحافظين الكندي

وأسعد هذا الترخيص القطاع السياحي الكندي أيضاً؛ حيث تطمح الشركات السياحية والفنادق التابعة لها في عموم البلاد وشركات النقل البري والجوي، لزيادة مبيعاتها من الحجوزات والرحلات، لزوار من دول كثيرة تمنع استهلاك هذه النبتة المخدرة، ويتوقع كثير من خبراء السياحة الكنديين؛ أنّ هذا القرار سوف يدفع كثيراً من المدمنين على الميرجوانا في الولايات المتحدة الأمريكية المجاورة للسفر عبر الحدود شمالاً لتدخين مخدرهم المفضل؛ بل وستنفق هذه الأفواج السياحية المزيد من المال في الفنادق والأسواق الكندية، بحسب تقديرات بعض المحللين الاقتصاديين.

إنّ هذا القرار الذي اتخذته الحكومة الليبرالية الكندية، كان المقصد الواضح منه الحصول على المزيد من الأصوات؛ للفوز بالانتخابات، ولزيادة إيرادات الدولة من بيع هذه المادة المخدرة للمواطنين، ولكسب الضرائب المترتبة عن بيعها، لكنّ التبعات الصحية والاجتماعية والأمنية يبدو أنّها لم تكن في حسبان الليبراليين، ويترك للزمن هنا الحكم على النتائج طويلة الأمد من هذه الخطوة التي سيلمس الكنديون عواقبها في قادم الأيام.

الصفحة الرئيسية