في ذكرى هجمات 11 سبتمبر.. أين وصلت الحرب على الإرهاب؟

هجمات 11 سبتمبر

في ذكرى هجمات 11 سبتمبر.. أين وصلت الحرب على الإرهاب؟


11/09/2018

قبل سبعة عشر عاماً؛ في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، أفاقت أمريكا على رعب الإرهاب، متجسداً بسوريالية لم تُستوعب حتى اليوم، حينما تعرضت الأراضي الأمريكية لهجمات إرهابية، كانت هي الأعنف التي تستهدف الأراضي الأمريكية، منذ الهجوم الياباني على بيرل-هاربر العام 1941 خلال الحرب العالمية الثانية.

وإذا كانت هجمات بيرل-هاربر المباغتة، جزءاً من الحرب التي تتقاتل فيها الأطراف الفاعلة من الدول مع بعضها في حروب مفتوحة؛ فإنّ هجمات 11 أيلول كانت من نوع مختلف؛ نوع "هجين"، حرب من نوع آخر، تجمع بين الدولة والمنظمة كطرف فاعل من غير الدول. 

شكّلت هجمات 11 سبتمبر 2001 تطوراً لم يتكرر حتى الآن في أساليب وأدوات تنفيذ الإرهاب

شكّلت تلك الهجمات تطوراً، لم يتكرر حتى الآن، في أساليب وأدوات تنفيذ الإرهاب؛ عن طريق استخدام الطائرات، السلاح الذي كان يعدّ استخدامه حكراً على الأطراف الفاعلة من الدول.

وفي هذا اليوم (11 أيلول)؛ كشّرت آليات العولمة التكنولوجية، ربما للمرة الأولى في التاريخ المعاصر، عن أنيابها، وأكثر مظاهرها عنفاً، وأنّها سيرورة محايدة، لا بل عمياء لا تميز بين كبير أو صغير، أو بين قوي أو ضعيف.

أعلن جورج بوش الابن، في 16 أيلول (سبتمبر) 2001، مفهوم "الحرب على الإرهاب"

لقد خلّفت هجمات 11 أيلول الإرهابية، التي نفذها تنظيم القاعدة، الكثير من الجراحات والندوب في عمق الوجدان الأمريكي والمجتمع الدولي، وكانت، كما أجمع الكثير من علماء السياسية والعلاقات الدولية، حتى الفلاسفة، بداية عصر جديد للمجتمع الدولي العامر بالدول، ولم يقتصر تأثيرها على الولايات المتحدة الأمريكية؛ بل شمل العالم كله.

ومثّلت الهجمات فشلاً ذريعاً للأجهزة الاستخبارية الأمريكية "وكالة المخابرات المركزية" (CIA)، صاحبة الولاية في متابعة الشؤون الاستخبارية الخارجية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)؛ المكلَّف بالشؤون الأمنية الداخلية، من جهة عدم قدرتها على التنبؤ بتلك الهجمات، وتعاملها باستخفافٍ قاتل وعجرفة مع الكثير من الشواهد والمؤشرات؛ بل والمعلومات، عن إمكانية حصول هذه الكارثة.

خلفت هجمات سبتمبر الكثير من الجراحات والندوب في عمق الوجدان الأمريكي والمجتمع الدولي

ولم تكن النُخب الأمريكية في مراكز البحث والدراسات والباحثين في ظاهرة الإرهاب، بمنأى عن حالة الإنكار والعجز عن استشراف إمكانية حصول الكارثة؛ نظراً إلى أنّ هذا القطاع الواسع من المجتمع المدني، يتشارك مع النخب في القوات المسلحة والمجمع الاستخباري الإيمان العميق بالحكمة التقليدية للنظرية "الواقعية" في السياسة الدولية، التي ما تزال تحاجج بأنّ "الدولة" فقط هي الطرف الفاعل الوحيد في صياغة السياسة الدولية والعالمية، وتنظر باستخفاف فاضح للأدوار التي يمكن أن تلعبها الأطراف الفاعلة من غير الدول، مثل؛ الجماعات والمنظمات الإرهابية، ابتداء من تنظيم القاعدة، ووصولاً إلى تنظيم داعش اليوم.

اقرأ أيضاً: أمريكا تحيي أحداث 11 سبتمبر

كما خلّفت الحقبة التي تلت تلك الأحداث القيامّية (Apocalyptic) كثيراً من التغيرات في "بنية" و"سلوك" الدول في مختلف قارات العالم، وعلى رأس هذه التغيرات؛ "الحرب الطويلة" التي لم تنته على الإرهاب العالمي، التي رفعت منذ بدايتها، عقب 11 أيلول (سبتمبر) 2001، حين أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الابن، في 16 أيلول (سبتمبر) 2001، مفهوم  "الحرب على الإرهاب" (War on Terrorism )؛ ليؤكّد استهداف السلاح، لا من يستخدمونه، وما هي أهدافهم، ثم غيّر استخدام المفهوم إلى "الحرب العالمية على الرعب" (Global War on Terror)؛ ربما كان يعني أنّهم يحاربون الخوف والرعب فقط.

اطمأن أوباما إلى اختباء "أفعى الإرهاب" في جحرها ونسي أنّ الأفعى أخطر إذا عادت إلى الجحر

وقد حملت هذه المفاهيم، بشكل عام، راية الغزو العسكري واستخدام "القوة الخشنة" والعمليات الاستخبارية المعقدة، وأحدث تقنيات مكافحة الإرهاب والقضاء على الإرهابيين؛ من خلال التوسع باستخدام آليات العولمة التكنولوجية، خاصة الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار، وتسطّح المجمع الاستخباري العالمي؛ حتى أصبحت أجهزة مخابرات العالم، إلى حدٍّ بعيد، كأنها جهاز مركزي واحد، للمرة الأولى في التاريخ؛ من خلال تشارك وتقاسم المعلومات الاستخبارية السرية.

وأصبح التمسك بالمعلومات الاستخبارية الخاصة بالجماعات الإرهابية وملفات الإرهابيين مدعاة للنقد والمساءلة، بعد أن كان عامل قوة وتميّز للأجهزة الاستخبارية في العالم، تبيعه بأغلى الأثمان، وتتفاوض عليه، وتستخدمه كوسيلة من أهم وسائل الدبلوماسية وتنفيذ السياسات الداخلية والعلاقات الدولية، حتى مع ألدّ الأعداء.

مقاربة أوباما للإرهاب وخطره كانت كارثية حين أغمض عينيه عن مؤشرات مخاطره

جاء الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، العام 2013، وأعلن نهاية سياسة سلفه جورج بوش الابن، ونهاية الحرب على الإرهاب، وخرج بمفهوم بديل؛ هو "مكافحة التطرف العنيف"، وهو مفهوم ملتبس وفضفاض، كما هي سياسة أوباما الخارجية، التي تميزت، بحسب اعتقادي، بالضبابية والسيولة المفاهيمية؛ فلا هي بالواقعية الصرفة، ولا الليبرالية، ولا المثالية!

أمّا مقاربة أوباما للإرهاب وخطره؛ فكانت كارثية، حتى لا أقول ساذجة؛ حيث أغمض عينيه عن مؤشرات خطر الإرهاب، واستمرّ في النظر إليه من منظور اقتصادي ضيّق، وكأنه محاسب تكاليف في مؤسسة صغيرة، تحسب الأرباح والخسائر بالفلسات؛ بل وذهب إلى أبعد من ذلك؛ بالادّعاء بأن الإرهاب لا يختلف عن غيره من الجرائم العنيفة في أمريكا، وأنّ الذين يموتون يومياً في حمامات البيوت أكثر من الذين يقتلون بفعل العمليات الإرهابية!

ربما ظنّ أوباما؛ أنّ أمريكا بوش الابن، قضت على "أفعى الإرهاب"، ودفعتها الى الاختباء في جحرها، لكنّه نسي أنّ الأفعى أخطر ما تكون إذا عادت إلى الجحر.

وقع أوباما مع إيران الاتفاق النووي ثم جاء ترامب ليقذف به في سلة المهملات

ذلك أنّه، بعد عام واحد فقط من إعلانه نهاية الحرب على الإرهاب، العام 2013؛ كان تنظيم داعش الإرهابي يخرج من جحره في العراق، ويتمدّد في العراق وسوريا، في مساحة من الأراضي أكبر من مساحة بريطانيا، ويعلن زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، خلافة المسلمين، خلال خطبة الجمعة في مسجد النوري، في الموصل بتاريخ 4 حزيران (يونيو) 2014، ثمّ يشن "حرباً مركبة شعواء" على كافة الجبهات؛ العدوّ القريب والآخر البعيد، ليعيد "الحرب على الإرهاب"، التي ادّعى أوباما نهايتها، إلى نقطة الصفر.

اقرأ أيضاً: كم مليوناً قتلت الولايات المتحدة في الحروب التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر؟

كانت الحرب على الإرهاب، وغزو أفغانستان، واحتلال العراق، أكبر أمثلة على فشل "المقاربة  الخشنة" (Kinetic)؛ مقاومة النار بالنار، الحرب الاستباقية، واستخدام القوة العسكرية، حتى إن تغير الوضع بعض الشيء مع  باراك أوباما، الذي حاولت إدارته، كما أسلفتُ، إقامة "برامج لإعادة التأهيل والإدماج والرعاية اللاحقة للإرهابيين"، من خلال مقاربته "مكافحة التطرف العنيف" البديلة للحرب على الإرهاب، لكنّ نتائجها كانت غير مشجّعة، خاصة تجارب سجن أبو غريب، وسجن "بوكا" المعروف؛ الذي خرج منه عدد من أهم قيادات تنظيم داعش، ومنهم "الخليفة" الحالي، وقائد التنظيم، أبو بكر البغدادي.

وبدلاً من مواجهة ودراسة أسباب ودوافع الإرهاب والتطرف العنيف، هرب أوباما من مشكلات الشرق الأوسط والاشتباك الإيجابي مع الدول العربية، خاصة عقب الربيع العربي، إلى إيران؛ الدولة الوحيدة في العالم العربي والإسلامي التي تعلن العداء لأمريكا، وتصفها بالشيطان الأكبر! ليتفاوض معها ويوقع معها الاتفاق النووي، الذي سرعان ما قذف به خلفه دونالد ترامب، في 8 أيار (مايو) 2018، في سلة المهملات.

لم ينته الإرهاب بل تماهى مع سيرورة العولمة وتغيرت أساليبه وأشكاله وأصبح أكثر قدرة على الحركة

في المقابل؛ أصبحت الأطراف الفاعلة من غير الدول "الجماعات والمنظمات الإرهابية"، بفضل استخدامها لآليات العولمة التكنولوجية، أكثر خطراً وفتكاً، وأخذت تهدّد الأمن والسلم العالمي، والاقتصاد العالمي، وبرامج التنمية الشاملة.

إنّ الإرهاب، اليوم، الثمرة المتعفنة للعولمة، طال معظم دول العالم بفعل تنظيم داعش؛ فبحسب "مؤشر الإرهاب العالمي" (GTI)، لعام 2018؛ الذي يصدره "معهد الاقتصاد والسلام " (The Institute for Economics & Peace) (IEP)؛ فقد تعرضت للإرهاب 77 دولة، من أصل 163 دولة يشملها المؤشر في العالم، وزادت نسبة ضحايا الإرهاب، خلال العقد الماضي من عام 2006-2016، بنسبة 67%.

لم ينته الإرهاب؛ بل تماهى مع سيرورة العولمة، وتغيرت أساليبه وأشكاله، وأصبح أكثر قدرة على حرية الحركة، واستفاد من تجربة "الحرب المركبة"، والتنظيم الهجين "الهايبرد"، واليوم عاد لوضعه الطبيعي أصلاً، ليكون سلاح الضعيف، والمقاومة من أسفل؛ لذلك فهو اليوم أخطر من السابق، رغم هزائمه العسكرية على الأرض.

وستبقى هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001؛ ذكرى عالمية مأساوية، تُذكرنا كلّما اقتربت باستمرار خطر الإرهاب، وكأنّها بداية لتأريخ أو تقويم جديد (قبل 11 أيلول وبعده)، خاص بالدول والمجتمعات والأفراد في عصر العولمة، لا يخصّ أمريكا فقط؛ بل العالم كلّه.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية