فك شفرة المهاجر (3).. نهاية أوهام النبوءة

تحقيقات

فك شفرة المهاجر (3).. نهاية أوهام النبوءة


12/12/2017

لم أجد في كتابات أبو حمزة المهاجر مفارقة أكثر من ولعه بشخصية المهلب بن أبي صفرة، ذاك القائد الإسلامي الأموي الشهير، الذي وهب نفسه وأولاده لحرب الخوارج، فأمضى سنين حتى كسر شوكتهم وقضى على مملكتهم في خراسان.

صعود نجم المهاجر
انتهت معركتا الفلوجة، الأولى والثانية التي خاضتهما قوات الاحتلال الأمريكي العام 2004، وما زالت "أسطورة" الزرقاوي، وجماعته، محلاً للجدل والنقاش، فهناك من يرى أنّها شخصية هلامية، اخترعها الأمريكيون، لخلق فزاعة تبرر تدخلاتهم ووجودهم، بينما يصر الأمريكان وحلفاؤهم، على أنّه شخصية إرهابية ضليعة بأحداث العنف في العراق.
إلا أنّ الظل الخفي له لم يكن يعرف عنه أحد شيئاً، إنّه أبو أيوب المصري "المهاجر"، الذي ظلّ مختفياً داخل دهاليز التنظيم السري أصلاً، حتى خطط الزرقاوي للهجوم على سجن أبو غريب، بعد انتشار فضيحة تعذيب السجناء.

ظل "المهاجر" مختفياً داخل دهاليز التنظيم السري للقاعدة بالعراق حتى خطط الزرقاوي للهجوم على سجن أبو غريب

وقع الاختيار على الرجل الثاني في الجماعة، أبو أنس الشامي، لقيادة الهجوم الذي نُفذ في شهر أيلول (سبتمبر) 2004، لكنه قُتل وغالبية مجموعته قبل الاقتحام الفاشل، فوقع الاختيار على أبو أيوب المصري "المهاجر" لتولي المهمة، فتحقق نجاح الهجوم، وأخرجوا يوم 1 كانون الأول (ديسمبر) 2005 العشرات من أتباعهم في معركة شرسة .. برز اسم المصري بعدها دون معرفة حقيقية بهويته، وأدرجه الزرقاوي ضمن 6 رشحهم لقيادة التنظيم حال وفاته، وهو ابن القاعدة الأصلي، ذلك التنظيم الأم الذي بايعه أبو مصعب على شرطه.
كيف لهذا الريفي المنطوي بنظارته السميكة أن يصبح قائدا عسكرياً؟ 14 عاماً كانت كافية لاكتسابه صفات جديدة، لقد تعرض في أماكن شتى لصنوف متعددة من الخبرات، فبات أكثر حيطة وحذراً، وتشرب القسوة والصلابة.. هكذا يحدثنا الاستشاري في الطب النفسي، إبراهيم مجدي حسين، لقد قَتل بالفعل قبل ذلك، ومن يقتل في المرة الأولى فإنّ عملية القتل تتحول بعد ذلك، لمتعة في بعض الأحيان.

نهاية الزرقاوي.. المهاجر أميراً
اصطادت طائرات التحالف "الزرقاوي" في مزرعة لشيخ صوفي يوم 7 حزيران (يونيو) 2006، فأردته قتيلاً، فتولى أبو حمزة القيادة فكان أول ما فعل تصفية من أرشد على مكان الزرقاوي .. ولهذه قصة نستوحيها من شهادة أحد قادة التنظيم الذين عايشوا هذه المرحلة، أبو عمر الدليمي.
كانت كنية عبدالمنعم بعدما دخل العراق هي "أبو أيوب المصري"، وعندما تولى قيادة التنظيم، قرر تغييرها لتصبح "أبو حمزة المهاجر" وهي الكنية التي أعلنها التنظيم في بيان توليه زعامته، وكان يقصد بذلك القيام بنوع من المناورة على أجهزة الأمن الأمريكية والعراقية.

تسرعت أمريكا بالإعلان أن "أبو أيوب" هو نفسه "المهاجر" ما أدى لكشف الجهة المخترِقة

كان للأردن ثأر قديم مع الزرقاوي؛ فبعد أن أفرجت عنه العام 1999 بعفو عام إثر سجنه العام 1996 بتهمة الانتساب لتنظيم "بيعة الإمام"، كان رده مهاجمة 3 فنادق في العاصمة عمان بعمليات انتحارية يوم 9 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2005 فكان القرار بتصفيته.
كانت الفرصة مناسبة عندما دخل أبو بلال المحلاوي لتلقي العلاج في مستشفيات الأردن، فالرجل أصيب في المعارك التي دارت رحاها بين "كتائب ثورة العشرين" والجيش الأمريكي. وكان أبو بلال قبل الاحتلال ضابطاً في الجيش العراقي، وكان مسؤولاً عن فوج طوارئ الأنبار، خلفيته هذه دفعت الأجهزة الأمنية الأردنية لتجنيده لتنفيذ إحدى أهم عمليات الاغتيال في التاريخ الحديث، عاد المحلاوي إلى العراق لتنفيذ المهمة، فقام بالتواصل مع أحد قادة تنظيم القاعدة في مدينة القائم، مسقط رأسه، ليثمر هذا التواصل عن بيعة للزرقاوي، وسيصبح بعدها أحد مقاتلي القاعدة.

برز اسم المهاجر بعد نجاحه باقتحام "أبوغريب" العام 2005 وأدرجه الزرقاوي ضمن 6 رشحهم لقيادة التنظيم حال وفاته

استطاع أبو بلال أن يندمج مع وسطه الجديد، فقد أصبح جهادياً أكثر من الجهاديين، أكسبه ذلك مزيداً من الثقة من طرف قيادات التنظيم، ليتم نقله بعدها إلى بغداد مستغلين مهاراته وتكتيكاته الأمنية، ليصبح أحد كوادر "فيلق عمر" الذي شكله الزرقاوي لمواجهة "فيلق بدر".
لم يكن سلوك "أبو رضا"، الكنية الجديدة للمحلاوي، يثير الشك فقد كان متقناً لعمله، منفذاً للأوامر التي تصدر له، كثرة احتكاكه بقيادات القاعدة أوصلته لأحد أهم الشخصيات آنذاك؛ وهو الدكتور عبد الرحمن النقشبندي الأستاذ بالجامعة الإسلامية ببغداد، فنظراً لمكانته الدينية استطاع الزرقاوي أن يتواصل معه ليقنعه بالانضمام للتنظيم، وذلك ما كان، فقد بايع "آبو أمنة"، كنية النقشبندي التي عُرف بها.
بعدها ستتطور العلاقة بين الرجلين، وذلك دفع لتعدد اللقاءات بينهما، وجدت هذه المعلومة طريقها لأبو بلال المحلاوي، فأدرك أنّ الزرقاوي قد وقع فعلاً في شباكه. فأبلغ قياداته في الأجهزة الأمنية الأردنية التي ستزود بدورها نظيرتها الأمريكية بهذه المعلومات الثمينة.

وفق شهادة قاعدية كان أبو حمزة المصري ذا عقلية غريبة وفي عهده توسع الغلو إلى أقصى حد

بواسطة الطائرات بدون طيار، تتبع الأمريكان تحركات أبو آمنة النقشبندي، ورغم اتخاذه لإجراءات أمنية بغية التمويه إلا أنه سيوصلهم في النهاية للمكان الذي كان الزرقاوي متخفياً فيه، الذي لم يكن سوى منزل للنقشبندي بقرية الحديد التابعة لناحية هبهب في قضاء الخالص بمحافظة ديالى شرقي بغداد. في يوم 7 حزيران (يونيو) 2006 استهدفت طائرة أمريكية من نوع F-16 المكان، المرصود بصاروخين موجهين أردت بواسطتهما كلًّا من النقشبندي والزرقاوي.
خطأ جسيم ارتكبته بعدها الولايات المتحدة بإعلانها عن هوية الأمير الجديد لتنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" أبو حمزة المهاجر. فالمعلومة كانت محصورة في دائرة ضيقة متمثلة في مجلس شورى القاعدة، وهذا ما دفع ما يسمى بـ"الأمنية" داخل أروقة التنظيم للبدء في تحقيق سيوصلهم لاكتشاف علاقة أبو بلال المحلاوي بعملية اغتيال قائدهم، ليكون مصيره الذبح على يد المهاجر.
أبو مصعب الزرقاوي

حلف المطيبين
كان أبو مصعب الزرقاوي قد رشّح ستة أسماء ليختاروا أحدهم من بعده، الخمسة أجمعوا على أبو حمزة المصري وتنازلوا له فنال بعد "الشيخ" مسؤولية إمارة التنظيم في العراق.
فتح المهاجر الباب على مصراعيه للانتساب لتنظيمه؛ فدخلت قيادات بعثية قديمة كان أبرزهم حجي بكر الذي سيكون له لاحقاً دور حاسم في تأسيس "داعش"، واحتج للمقربين منه بأنّهم "أمراء الاضطرار" وهو مصطلح أطلقه على الأمراء الذين لم يكن يثق بهم ثقة مطلقة.

فتح المهاجر الباب على مصراعيه للانتساب لتنظيمه فدخلت قيادات بعثية قديمة كان أبرزهم حجي بكر

نشرت مواقع القاعدة، لــ"أبو حسن الكويتي" مقالاً، يحكي فيها تفاصيل هذه المرحلة يقول فيه: "في هذه الفترة حصل إشكال في ديالى والأنبار والموصل في الاستنكار من قبل الأنصار، "عناصر التنظيم العراقيين" أو الضباط المنشقين هناك، على إمرة أبو حمزة المهاجر المصري، لكن استطاع هذا القيادي أن يحتوي الموقف وهدأت الفتنة، فأمّر أبو حمزة خلال هذه الفترة أبو عمر البغدادي ولاية ديالى.
وأبو عمر البغدادي كانت له بيعة لأبو مصعب الزرقاوي، وكان منذ العام ٢٠٠٤ يعمل إدارياً للتنظيم في مدينة حديثة .. وبعد استلام أبو حمزة كُلف أبو عمر البغدادي على ديالى وكانت الفترة من شهر حزيران (يونيو) حتى تشرين الأول (أكتوبر) العام 2006.
باغت المهاجر الفصائل المسلحة بمبادرة "حلف المطيبين" وإخبارهم بعزمه إعلان دولة، ووضع لها وزارات ودواوين، ودعا المهاجر أبو بكر البغدادي للانضمام لحلف المطيبين ومن هنا دخل البغدادي في تحالف القاعدة".

باغت المهاجر الفصائل المسلحة بمبادرة "حلف المطيبين" وإخبارهم بعزمه إعلان دولة ووضع لها وزارات ودواوين

يقول الجهادي والداعية المقيم في لندن هاني السباعي في تصريح لـصحيفة "الراي" الكويتية في نهاية العام 2015، إن التقسيم الإداري لتنظيم داعش بما فيه الدواوين هو من صنع أبو أيوب المصري، وهو ما يؤيده  فيه المحرر العسكري الشهير دونالد توماسي فيقول: من وضع أسس تنظيم الدولة في الأغلب هو المصري المهاجر.
خلال هذه الفترة كان يدور حوار ونقاش حول طلب أبو حمزة المهاجر إعلان الدولة داخل مجلس الشورى المكون من 7 فصائل )تنظيم القاعدة، سرايا الجهاد، أنصار التوحيد، الطائفة المنصور، كتائب الأهوال، الغرباء، جيش أهل السنة والجماعة).
قدم أبو حمزة مشروع الدولة بحجة الحفاظ على الدماء قبل خروج الأمريكان، وأن لا يحدث نزاع واقتتال بين "المجاهدين" كما حدث سابقاً بعد خروج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان تأويلاً واجتهاداً، وأن اعلان الدولة سوف يمنع حدوث الاقتتال والتنازع بالمستقبل، وفق السباعي.

وفق مراقبين فإن التقسيم الإداري لتنظيم داعش بما فيه الدواوين هو من صنع أبو أيوب المصري

يقول الباحث في شؤون الجماعات علي عبدالعال لـ"حفريات" إنّ حلم الإمارة كان متمكناً من نفسية هذا الشاب، مع أنه حاول تبريرها بحجة الخوف من أن يقطف ثمرة المقاومة العراقية غيرهم من الفصائل، التي يرى أنّها غير جادّة السلفية الجهادية، وكان يرى من التجارب السابقة أن من يخرج خاسراً بعد تحرير البلاد هم "الجهاديون".
لقي هذا المشروع في بداية التشاور عدم القبول والرفض؛ حيث إنّ الإعلان سوف يحدث أزمة في الساحة وأيضاً إنهم لا يملكون آليات إقامة الدولة وكوادرها وسوف يستعدي ذلك عليهم الآخرين .
وظل الوضع على هذا النقاش حول إعلان الدولة مع إصرار أبو حمزة على اجتهاده، فحين رأوا أنه لا يتزحزح عن موقفه قبلوا الأمر حتى لا يحدث نزاع آخر، فطلبوا أن ينتخبوا منهم أميراً، فقال أبو حمزة: "بل الأمير موجود لدينا" ورشح لهم أبو عمر البغدادي للإمارة وكان نائبُه رجلاً من الست فصائل الأخرى.

دولة المهاجر توقظ "الصحوات"

في العام 2007 ظهر أبو محارب الجبوري، وزير الإعلام في التنظيم، ليقرأ بيان إعلان "الدولة الإسلامية" في العراق "يزف إليكم إخوانكم في حلف المطيبين بشرى إنشاء وإقامة دولة العراق الإسلامية في بغداد والأنبار وديالي وكركوك وصلاح الدين ونينوى وأجزاء من محافظة بابل وواسط".
بإعلانه عن الدولة قامت الدنيا على المهاجر ولم تقعد، وتشكلت الصحوات، وبات قائدها عبدالستار أبو ريشة العدو الأول للمهاجر وجماعته، فأذاقهم الويلات وطردهم من المثلث السني، 10أيام فقط فصلت بين لقائه بالرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن ومقتله في 13 أيلول (سبتمبر) 2007.. لم يكد يحتفل أبو ريشة بالانتصار حتى كانت بعدها جنازته .. لقد قتله المهاجر.

قدم أبو حمزة مشروع الدولة بحجة الحفاظ على الدماء قبل خروج الأمريكان من العراق

انهزم المهاجر أمام الصحوات في العراق، حتى أنه اعترف بذلك في إحدى تسجيلاته الصوتية: "ونعترف بمرارة أننا خسرنا كثيراً من الأماكن بعد عمالة وردّة الجماعات المشكلة للمجلس السياسي للمقاومة وتحالفها مع (المحتل الصليبي)".. لقد كفّرهم على الجملة.
ويكمل: "اتقوا الله يا جنود المجلس السياسي السابقين واللاحقين .. فأن أبيتهم التوبة قبل القدرة عليكم فوالله لقتل المرتد أحب إلي من مئة رأس صليبية، وقد علمتم قوة بأسنا وطول ذراعنا".

في انتظار المهدي
يقول القيادي في القاعدة أبو عبدالله محمد المنصور في كتيب نشره في المنتديات الجهادية مؤخراً بعنوان "الدولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم": "أما أبو حمزة المصري فكان ذا عقلية غريبة، وفي عهده توسع الغلو إلى حد كبير، ولمعرفته أروي للقارئ الكريم ما حدثني به نائب مسؤول جيش المجاهدين، فقد التقى هو وأخ آخر بأبي حمزة المصري بعد إعلان دولتهم الموهومة بأيام قليلة، وقد قال أبوحمزة في هذا اللقاء: لقد صنعنا للمهدي منبراً؛ لأنه سيظهر بعد مدة وجيزة، وأقسم أنه إن لم يكن جنود الدولة الإسلامية هم جيش المهدي فلا جيش للمهدي! والغريب أنه أراهم صورة المنبر! وذكر في هذا اللقاء أموراً غريبة، منها: أنَّ من أسباب اختيار أبي عمر أميراً للمؤمنين أنه متزوج بزوجتين! وذكر كذلك أنه لا يمكن له أن يذكر شخصية أمير المؤمنين لأحد إلا بعد البيعة! وقال لإخواننا داعياً لهم للبيعة: إذا كان أمير المؤمنين لا يعجبكم فبإمكاننا اختيار أمير مؤمنين آخر!".

بإعلان المهاجر العام 2007 عن الدولة قامت الدنيا عليه وتشكلت الصحوات وبات قائدها عبدالستار أبو ريشة عدوه الأول

نبّه إلى هذا الخطر الشيخ أبو سليمان العتيبي الذي كان من رجال الزرقاوي، ثم عين قاضياً لدولة العراق الإسلامية، ولما رأى "انحرافهم" بعث رسالة إلى قيادة القاعدة للتنبيه على ضلالهم قبل أن يتركهم، يقول فيها: "ومن الأخطاء التي تمس العقيدة: الفهم الخاطئ عندهم لبعض أشراط الساعة، ولو كان الأمر، مقتصراً على هذا لسهل حله، ولكن المشكلة أنه دعاه إلى العمل الجهادي في الساحة، مثل ما جزم بأن المهدي سيظهر في أقل من عام، وكان هذا في رمضان 1427هـ، مما دعاه إلى القول بأننا سنملك الأرض كاملة في أرض الرافدين في غضون ثلاثة أشهر، فأصدر أمراً بالنزول في الساحات وعدم الانسحاب لمدة أسبوع حتى يأتي الأمر بالانسحاب وهذا خطير على الإخوة، وإلى كتابة هذه السطور مر عام ولم نملك الأرض فضلاً عن ظهور المهدي، وكذلك نتج عن هذا الفهم الخاطئ، التسرع في اتخاذ القرارات وكأن الساعة ستقوم غداً، ومن ذلك إعلان الدولة بهذه الصورة المستعجلة الضعيفة مع ما فيها من أخطاء سأبينها في موضعها، ولقد صرح لي أكثر من مرة بعد مناقشته في مثل هذه الأمور بقوله: ما بقي شيء على ظهور المهدي حتى إنه أمر بعض الإخوة بأن يصنعوا له منبراً ليرتقيه المهدي في المسجد الأقصى! وآخر لمسجد رسول الله والثالث للمسجد الأموي بدمشق..". إنه هوس النبوءة.
انتصار العرقنة
مع أن المهاجر استطاع أن يتأمر على العراقيين في التنظيم، إلا أنه لم يستطع أن يكون أميراً للدولة التي أعلنها، فقدم عراقياً آخر لتولي هذه المهمة وبقي هو قائداً ميدانياً لهذه الدولة.
انتصرت "العرقنة"... كانت هناك أصوات تعلو في المجاميع التي كونها العراقيون وخصوصاً المجاميع التي كونها ضباط منحلون بعرقنة التنظيم وتنحية "المهاجرين" من الصدارة.
وفي رسالة كتبها صاحب المسمى الحركي "قناص خراسان"، وذكر فيها أنها من أصحاب الزرقاوي القدامى في العراق، ونشرتها أيضاً مواقع القاعدة على الإنترنت، يقول: "في هذه الأثناء علا بريق أبو بكر البغدادي شيئاً فشيئاً.. كادت الحرب تنشب داخل التنظيم فحاول المهاجر أن يعيد النصاب فأمر ألا يحمل السلاح إلا من قاتل في 2003 و2004.
وبعد مقتل الزرقاوي العام 2006 جرى انتخاب أبي حمزة المهاجر زعيماً لتنظيم القاعدة، ومع بداية ظهور معالم الحكومة العراقية وبدء تكوين قوات الجيش والشرطة العراقيين، اعتبر التنظيم جميع السياسيين المشاركين بالحكم "عملاء"، وأصبح يستهدف جميع أجهزة الأمن العراقية والمنظمات الدولية والمقاولين الأجانب، واعتبر أن هدفه هو إقامة دولة تحكم بالشريعة الإسلامية في العراق، وأعلن تكفير فئات من الشعب العراقي مثل المدنيين الشيعة، الذين وصفهم الزرقاوي بالروافض، وتم استهداف أسواق شعبية ومساجد".

مع أن المهاجر تأمر على العراقيين في التنظيم إلا أنه لم يستطع أن يكون أميراً للدولة التي أعلنها

ويكمل: "بعد الإعلان حدثت أحداث كثيرة وحرب شرسة ورفضٌ، من الآخرين لهذا المشروع، ولسنا هنا في مقام عرض الأحداث التي حصلت أو ذكر رأينا عن مدى صحة مشروعية هذا الإعلان، وهذا يراجع فيه أهل العلم والاختصاص ..
أثناء هذه الحرب الشرسة فُقد الكثير من القيادات سواء بالاعتقالات أو القتل حتى كان مقتل الشيخين أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر، وذهبت شوكة الدولة والأراضي التي سيطرت عليها ذاك الوقت .
ظهر في هذه الأثناء مجموعة من بقايا الدولة وأعلنت استمرارية القتال ورفعت شعار الدولة فكان على رأس المجموعة: "أبو بكر البغدادي".
عندما فُقدت الأرض تحدث المهاجر عن تعريف جديد للدولة فلم يشترط كياناً جيوسياسياً مستقراً وثابت الحدود، إضافة إلى وجود شعب ونظام من أجل تطبيق الشريعة، بل مجرد الوجود في مكان ما بصرف النظر عن مساحته وطبيعته مع إمكانية تحكيم الشريعة فيه".
في رسالته "الدولة النبوية" يقول المهاجر: "كم هي مساحة الدولة النبوية في المدينة؟ وما مقدار بسط النفوذ على الأرض في ظل حكم إسلامي، وما مقدار المنعة والسيادة بعدما فاوض النبي على دفع ثلث ثمار المدينة للمشركين؟".
بدا أن المهاجر يتجاوز أوضاع تلك المرحلة واختلافها التام عن الأوضاع الحالية من حيث تطور الكيانات الاتحادية، وصولاً إلى عصر الدولة والمكونات الثابتة فيها، فتجاوز عنصر الأرض وراح يتحدث عن السكان.

في سرداب النهاية
في قصة النهاية نعتمد على ما روته الحكومة العراقية، وما رواه أفراد من تنظيم القاعدة أيضاً... في آذار (مارس) من العام 2010 ألقت القوات العراقية، إثر إشارة من الولايات المتحدة الأمريكية، القبض على زعيم التنظيم في بغداد، والذي يدعى مناف الراوي .. كان أحد القلائل الذين كان لديهم اتصال مباشر بزعيم التنظيم اللاحق أبو بكر البغدادي.
كان أبو بكر البغدادي مرسالاً لدى أبو عمر، إذ إنه كان يعمل في مركز بريد للتنظيم، وكان أحد الأشخاص يأتي ليلقي بريداً في باحة بيته ثم يأتي آخر ليأخذه دون معرفته بأي من الطرفين.
نشرت مواقع القاعدة هذه القصة، وقالت إنها شهادة لجندي كان يعمل مع الزرقاوي: "بقي أبو عمر البغدادي وأبو حمزة 7 أشهر في مكان واحد، هو الذي قتلا فيه مع مرافقتهما وبعض القيادات، ولم يتواصلا مع أحد إلا عبر مناف الراوي "والي بغداد" الوحيد والقديم بين باقي الأمراء الجدد الذين كان يسميهم أبو حمزة المهاجر بأمراء الاضطرار لحداثتهم.
الراوي كان هو من ينسق البريد ويوزعه، وكان أحد بيوت البريد هو بيت إبراهيم عواد السامرائي، ولم يكن يعرف الطرفان المرسل والمستقبل.. وبعد مقتل الراعي، وهو قائد أركان التنظيم، تم تسليم العميد البعثي حجي بكر قيادة الأركان، وكان قد سُجن سابقاً لعلاقته بعزت الدوري.
وبعد 7 أشهر اعتُقل أحد مراسلي البريد الذين كانوا يعرفون بيت السامرائي، وكان يعرف بيت مناف الراوي وبعدها جاء أحد "أمنيي" بغداد، يخبر أبو عواد السامرائي باعتقال المراسل وقال له إنه يعرف بيت مناف الراوي وطلب منه أن يخبر أحداً بذلك، فرد السامرائي أنه أنا مجرد بيت بريد، ولا يعرف أحداً وقال حرفياً "مو مثلي يعلمونه على أحد وعسى يصبر الآخر المراسل".

آمن المهاجر بقرب ظهور المهدي حتى إنه أمر بصنع منبر له ليرتقيه في المسجد الأقصى

فخرج العنصر الأمني والدمع بعينيه، وعلى إثر ذلك اعترف المراسل على مناف الراوي والي بغداد ومن ثم اعترف على مكان "أبو عمر وأبو حمزة" فقتلا ومعهما ثلة من القادة والمرافقة، فحصلت بلبلة كبيرة في الصفوف واعتقالات طالت أغلب مناطق العراق على إثر مقتلهما، ولم يبق في الساحة غير حجي بكر.
راسل حجي بكر كل مسؤول على حدة، موهماً إياه أنه استشار غيره فوافق على تعيين أبو دعاء السامرائي (الذي عُرف فيما بعد باسم أبو بكر البغدادي) أميراً بدل أبو عمر البغدادي، فوافق أغلب الأمراء دون معرفة ساعي البريد؛ ظناً منهم أنه قديم وصاحب سبق، وأن أبو دعاء شرعي قديم من أصحاب الزرقاوي وأنه قرشي حسيني بغدادي فوافق أغلب الأمراء الذين تم عزلهم لاحقاً بطرق عدة.
أما المصادر العراقية فتقول: وفقاً لما رشح من مصادر أمنية، فإن عملية تتبع وقتل كل من أبو أيوب المصري وأبو عمر البغدادي القياديين البارزين في تنظيم القاعدة، مرت بعدة مراحل من الرصد والمتابعة، إلى أن تم التوصل إلى مخبأ القياديين، وطبقاً لتلك المعلومات فإن عملية مراقبة القياديين بدأت من تتبع بريد ومراسلات بين المصري والبغدادي وبعض القيادات الكبيرة للقاعدة خارج العراق، ومنها أسامة بن لادن زعيم التنظيم.
ووضعت المعلومات في إطار سيارة تم مراقبتها ومراقبة المحطات المتعددة التي انتقلت فيها من مكان إلى آخر، وجرى مراقبة الأماكن التي تم التوقف فيها، إلى أن وصلت السيارة إلى المنزل الذي يقيم فيه زعيما القاعدة.
وحتى هذه اللحظة لم تكن القوات الأمنية العراقية تعلم بمحل إقامة القائدين المستهدفين. وتم استكمال المتابعة عن طريق طائرات أمريكية بعد أن تم إخبار القيادة الامريكية بهذه المعلومات وبعدها تمت محاصرة المنزل.
وتوجه فوجان من الجنود للتمويه إلى مدينة الموصل، بينما تمت العملية بالقرب من منطقة الثرثار، وعقب ذلك دخلت مجموعة خاصة تابعة لجهاز الأمن بزعامة قائد ميداني، رفضت السلطات الكشف عن اسمه، ثم تمت مهاجمة المنزل الذي كان تتواجد فيه عائلتا البغدادي والمصري ونسائهما.
وكان البغدادي والمصري في سرداب في باحة المنزل تم إخفاء مدخله بطريقة تشبه مخبأ صدام حسين، وجرى تغطية المدخل بالعشب الأخضر المزروع كما لو أنه باحة خضراء مزروعة، لدرجة أن قوات الأمن لم تنتبه في البداية، بعد ذلك طلب طاقم الطائرات الحربية الأمريكية من القوات العراقية المتواجدة إخلاء المنزل، وتم استهدافه بصاروخين، حينها تبين وجود السرداب وعثر على جثتي الرجلين إضافة إلى الشخص الثالث الذي جلب معه الرسائل، بعدما فجرا نفسيهما بسترات انتحارية.
وبعد بضع سنوات من مقتله العام 2010، انتشرت معسكرات تنظيم "داعش"، التي تحمل اسمه، في العراق وسورية وليبيا وسيناء، ونسجوا من قصائده أناشيد وهم يرددون "باسمك يا أبو حمزة المهاجر نقتدي".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية