حين تصبح مناهضة التطرف تطرفاً

حين تصبح مناهضة التطرف تطرفاً


07/05/2018

عبدالعزيز التويجري

تشويه صورة الإسلام ونشر الأباطيل عنه والتخويف منه باعتبار أنه «يهدد الحضارة الإنسانية المعاصرة»، كما يهرف بذلك من لا يعرف حقيقته، كل ذلك أشكال من الحرب الثقافية المشهرة على العالم الإسلامي، التي تثبت أن التطرف لدى فئات في الغرب لا يقل عن تطرف غيرهم في الشرق، وأن جهود أنصار الحوار والتحالف بين الثقافات والحضارات تقابل بجهود أعداء هذا الحوار وهذا التحالف، فنشعر بالحزن لأن الموازين قد اختلت، والمعايير قد اختلطت، والعالم أصبح يواجه أخطاراً عدة من جراء استفحال هذه الظاهرة وتفاقم التهديدات الناتجة عنها، للسلام العالمي، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره مقدمات لمرحلة من المواجهات الحضارية التي لا بد من تضافر جهود المجتمع الدولي للحيلولة دون قيامها.

ولذلك كان متوقعاً أن يتناول الإعلان الصادر عن قمة القدس التي استضافتها الظهران، هذه القضية المعقدة التي صارت موضع اهتمام واسع من طرف مَن يهمه استقرار المجتمعات واستتباب الأمن والسلم في العالم. فلقد أدانت القمة، وبشدة، محاولات الربط بين الإرهاب والإسلام، وطالبت المجتمعَ الدوليَّ ممثلاً في الأمم المتحدة، بإصدار تعريفٍ موحد للإرهاب، موضحة في الفقرة 21 من الإعلان، أن الإرهاب لا دين ولا وطن ولا هوية له، كما طالبت حكومات دول العالم كافة، بتحمّل مسؤولياتها لمكافحة هذه الآفة الخطيرة.

ولقد كان الإعلان دقيقاً وصريحاً في إبراز الموقف العربي الرسمي الجماعي إزاء هذه الظاهرة الآخذة في التفشي على نطاق واسع، لأن الربط بين الإرهاب والإسلام له انعكاسات خطيرة على عدة مستويات؛ فهو من جهة، تشويهٌ لصورة الإسلام وتزييفٌ لحقيقته، وإساءةٌ إليه وازدراء به وتطاول عليه، وهو من جهة ثانية، تغطية على حقيقة الإرهاب من حيث هو، والتستر عليه باعتباره جريمة كاملة الأركان تُدان، فضلاً عن أنه خلط للأمور ومغالطة وتدليس وطمس للحقائق، وهو من جهة ثالثة، تحفيزٌ إلى الإضرار بالمجتمعات المسلمة وتهديد لأمنها وسلامتها.

فالجماعات الإرهابية، التي هي في حقيقة الأمر عصابات إجرامية، تستغل الاتهام الذي يُوجَّه إلى الإسلام بربطه بالإرهاب، في إيجاد مبررات لها لارتكاب الجرائم بدعوى الحمية والغيرة والدفاع عن النفس ونصرة الإسلام. وهي جميعُها مبررات واهية باطلة لا سند لها من شرع ولا من قانون. وهذا ما استحضرته القمة العربية في الفقرة 22 من إعلانها الذي جاء فيه: «نستذكر تشويه بعض الجماعات المتطرفة في العالم لصورة الدين الإسلامي، من خلال الربط بينه وبين الإرهاب، ونحذر من أن مثل هذه المحاولات لا تخدم إلا الإرهاب ذاته».

فهذه المحاولات التي باتت اليوم تَتَصَاعَدُ وتيرتُها، تدفع نحو ارتكاب الجرائم التي تأخذ طابعاً دينياً في زعم القائمين عليها والممارسين لها، فنصبح أمام حالة شاذة، وهي ممارسة الإرهاب تحت غطاء الدين. وفي ذلك منتهى الخطورة في جميع الحالات، وتهديدٌ واضحٌ للأمن وللاستقرار.

إن الربط بين الإرهاب والإسلام هو، في التكييف القانوني، جريمةٌ ضد الإنسانية، بحسبان ما يترتّب عليها من أخطار مهددة للسلام العالمي. وفي جميع الحالات، فإن الربط بين الإرهاب وبين الإسلام دين الحق الذي جاء من الخالق سبحانه وتعالى هدايةً للناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلى النور، هو مبعثٌ لكثير من التوترات التي تؤدي إلى صراعات ونزاعات بين الدول والشعوب تهدد الأمن والسلم الدوليين.

كان إعلان القمة العربية التاسعة والعشرين قوياً في التعبير عن حقيقة الموقف العربي الإسلامي إزاء هذه القضية المعقدة والمشبوهة والمغرضة التي تربط بين الإرهاب الذي هو الآفة الخطيرة المدمرة للحياة الإنسانية، وبين الإسلام الذي هو دين السلام والرحمة والمحبة والتسامح والوئام بين بني البشر، وهو المفهوم الصحيح الذي عبرت عنه القمم الإسلامية واجتماعات مجلس وزراء الخارجية في منظمة التعاون الإسلامي في دوراتهما المتعاقبة، والذي يتطلب مزيداً من الشرح والتوضيح ونشره على نطاق واسع، ليكون إسهاماً من العالم العربي الإسلامي في الجهود المبذولة من أجل تجنيب العالم صراعاً حضارياً لا يمكن التنبؤ بنهاياته.

عن "الحياة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية