ازدواج الجنسية آخر تجليات صراع الفرقاء في ليبيا

ازدواج الجنسية آخر تجليات صراع الفرقاء في ليبيا


14/07/2022

يعتبر الخلاف حول أحقية مزدوجي الجنسية في الترشح للانتخابات الرئاسية وتولي المناصب القيادية العقبةَ التي تتصدر إخفاق لقاءات المسار الدستوري بين لجنتي مجلس النواب والدولة في القاهرة وجنيف، والتي لم يستطع رئيسا المجلسين الوصول لاتفاق حولها.

وهناك رؤى متعددة حول هذه القضية الخلافية، والتي ظهرت في المشهد السياسي عقب الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، في أعقاب عودة شخصيات ليبية وازنة من الخارج بعد عقود من ترك بلادهم فراراً من بطش النظام السابق؛ حيث واجهت شخصيات ليبية تولت مناصب قيادية هذه القضية، وحكمت محكمة ليبية بعزل رئيس هيئة صياغة الدستور السابق، علي الترهوني، من منصبه لحمله جنسية دولة أخرى.

ومع أحقية الطرح الذي يتبناه المجلس الأعلى للدولة بشأن رفض ترشح مزدوجي الجنسية، إلا أنّ طبيعة الأوضاع السياسية في ليبيا، تحتم على أعضاء المسار الدستوري التوصل لتفاهمات تعالج هذه القضية في سياق تاريخي؛ كوّن التمسك بإقصاء مزدوجي الجنسية يعني استهداف شخصيات وازنة لها دور في المشهد السياسي والعسكري، ولن يساهم في حلّ الأزمة والتي هي الهدف الأساسي، وكذلك سيحرم العديد من الشخصيات الوطنية من المشاركة في إدارة البلاد، بينما يسمح نظرياً لشخصيات من النظام السابق بالعودة للمشهد.

خلافات المسار الدستوري

ولم ينجح اللقاء الذي عقدته المبعوثة الأممية، ستيفاني ويليامز بين رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، نهاية شهر حزيران (يونيو) الماضي، في جنيف بسويسرا، في حل القضايا الخلافية التي كانت لجنتا المجلسين أحالتها إليهما عقب اختتام اجتماعات المسار الدستوري في القاهرة، في الشهر نفسه.

اجتماعات المسار الدستوري في القاهرة

ورغم اتفاق البعثة مع صالح والمشري على عقد لقاء آخر عقب إجازة عيد الأضحى، إلا أنّ البيانات التي صدرت عن كل طرف كشفت عن وجود خلافات أخرى بين الطرفين غير قضية مزدوجي الجنسية التي كانت السبب الرئيسي في إخفاق الاجتماع.

وذكر بيان مجلس النواب أنّ التوافق شمل معظم النقاط الخلافية بين مجلسي النواب والدولة باستثناء حقّ حاملي الجنسية الأجنبية في الترشح لرئاسة الدولة والمناصب السيادية، واتُّفق على إحالة الأمر للمجلسين للبتّ فيه. وأضاف البيان أنّ المجلسين توافقا على أن يكون عدد مقاعد مجلس الشيوخ بالتساوي بين الأقاليم الثلاثة، ويكون مقره مدينة سبها، ويكون مقر مجلس النواب مدينة بنغازي، وأن تكون اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة، والشريعة الإسلامية المصدر الرسمي للتشريع، وأن تراعى حقوق مكونات المجتمع الليبي كافة دون تهميش ويوزع الدخل بطريقة وآلية عادلة. وأكد البيان أنّ ثوابت مجلس النواب لا تخرج عن ضمان تحقيق المشاركة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي تحت مبدأ الأقاليم التاريخية الثلاثة (برقة، طرابلس، فزان) وتوفير فرص المشاركة للجميع طبقاً لدستور كامل شامل لا يسمح بأي انحراف أو انفراد بالسلطة.

رفض ترشح مزدوجي الجنسية سيحرم العديد من الشخصيات الوطنية الليبية من المشاركة في إدارة البلاد، بينما يسمح نظرياً لشخصيات من النظام السابق بالعودة للمشهد

من جانبه، قال المشري في خطاب متلفز، إنّ "بعض أجزاء رواية رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بشأن اتفاقات جنيف الأخيرة غير صحيحة". وأوضح أنّ الاتفاق كان على تشكيل مجلس الشيوخ من 78 عضواً ينتخبون بالاقتراع العام السري المباشر على ألّا يقلّ عمر الناخب عن 18 عاماً، وتعديل المادة 68 بأن يتألف مجلس النواب من أعضاء ينتخبون بالاقتراع العام السري على أساس السكان، وتقسيم البلاد إلى 13 محافظة بالدوائر الانتخابية نفسها الموجودة حالياً، وأنّ يكون مقر مجلس الشيوخ طرابلس في دورته الأولى، وتترك مسألة المقر للدورة الثانية.

وعن قضية ازدواج الجنسية، أشار المشري إلى أنّ عقيلة صالح برّر مطلب استثناء مزدوجي الجنسية بأن البلد تمرّ بظروف استثنائية، وهناك من يحمل جنسيتين ويرغب بالترشح، ويجب عدم حرمان أحد، مضيفاً أنّ عقيلة "قال لي حرفياً إننا نتفق معكم بعدم ترشح مزدوجي الجنسية للانتخابات".

وبحسب خطاب المشري، تراجعت لجنة مجلس النواب عن الاتفاق مع عقيلة صالح بشأن منع مزدوجي الجنسية من الترشح، وأشار إلى وجود أفكار لحل هذه القضية، منها تنازل المترشح عن الجنسية الأجنبية بعام قبل تقدمه للترشح، وربما يكون التنازل قبل الترشح دون تحديد مادة مسبقة.

د. محمد محفوظ: الخلاف ليس حول ترشح العسكريين بل على مسألة ازدواج الجنسية

وجانب آخر من الخلاف بين المجلسين يتمثل في الشكل الذي تأخذه مخرجات الاجتماع؛ فيرى مجلس النواب أنّهم يتناقشون على مشروع دستور البلاد، بينما يريد المجلس الأعلى للدولة وثيقة دستورية تُضمّن في الإعلان الدستوري، وكحل وسط بحث الفريقان الخروج بوثيقة دستورية ثم إحالتها إلى الهيئة العامة لصياغة الدستور لتضمينها في مشروع دستورها، ثم إحالته إلى الاستفتاء.

أزمة ازدواج الجنسية

وعلاوةً على ما سبق؛ فلدى البعض مخاوف على الأمن القومي من تولي مزدوجي الجنسية مناصب قيادية. يقول الباحث في الشأن السياسي والدستوري، د. محمد محفوظ: "في ليبيا دولة ضعيفة وهشة متناحرة، بالتالي أن يترشح شخص يملك السلاح بشكل عام، وليس حفتر فقط بل أي شخص، تتطلب التنازل عن المنصب قبل الترشح، وليس بعد إعلان النتائج، ولنا في مصر مثال حين تنازل الرئيس السيسي عن منصبه العسكري كوزير الدفاع قبل الترشح للرئاسة".

وتابع الباحث الليبي لـ"حفريات": "الخلاف في المسار الدستوري ليس حول ترشح العسكريين، بل على مسألة ازدواج الجنسية، وهي قضية لها رفض شعبي، وهناك فريق لا يرى مشكلة في الجنسية المزدوجة، وهو أمر غير صحيح، وبالعودة لمصر لا يسمح دستورها لمزدوجي الجنسية بتقلد المناصب العليا، وفي الانتخابات لا يُسمح لمن أحد أبويه يحمل جنسية أخرى بالترشح، وهو أمر موجود في الدساتير العالمية".

الباحث الليبي محمد محفوظ لـ"حفريات": مع وجود عدد من مزدوجي الجنسية من الفاعلين في المشهد الليبي فإنّ التمسك بمادة تقصيهم لا يؤدي إلا إلى مزيد من التأزيم

ولا خلاف على صدق ما سبق؛ ولكن مع وجود عدد من مزدوجي الجنسية من الفاعلين في المشهد فإنّ التمسك بمادة تقصيهم لا يؤدي إلا إلى مزيد من التأزيم، فضلاً عن أنّ الوضع الليبي برمته لا يمت لصلة للأعراف الدستورية؛ حيث الانقسام العسكري والتنفيذي ووجود أجسام منتهية ما زالت لها دور، ومنها الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، فضلاً عن اكتساب النواب والأعلى للدولة الشرعية من اتفاق سياسي؛ اتفاق الصخيرات.

ومثلما كال خالد المشري الاتهامات لفريق مجلس النواب، يرى آخرون أنّ المشري نفسه مشهور بالتراجع عن الاتفاقات، ويقول المحلل السياسي، هيثم الورفلي: "لا توجد ثقة ولا اتفاق مع خالد المشري الذي لديه سوابق في التراجع عن الاتفاقات، وآخرها اتفاق بوزنيقة والتعديل الدستوري الثاني عشر، ومن ناحية أخرى لا يملك المشري قرار نفسه، فالتعليمات تأتيه سواء من الميليشيات أو جهات أجنبية".

وبحسب حديث الورفلي لـ"حفريات" فإنّ "تيارات الإسلام السياسي ومنها القيادي الإخواني خالد المشري لا تريد ترشح أي من العسكريين، وذلك لإقصاء خليفة حفتر من الدخول للانتخابات الرئاسية، خوفاً من حظوظه الانتخابية الكبيرة".

إقصاء حفتر

ويواجه ترشح القائد العام للقوات المسلحة، المشير خليفة حفتر، للانتخابات الرئاسية معارضةً شديدةً من قيادات سياسية في طرابلس، وعلى رأسها رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، ولكن الأخير لا يطرح معارضته بشكل شخصي، بل من خلال المسار الدستوري الذي يتشاركه مع مجلس النواب.

هيثم الورفلي: يملك حفتر شعبية لا يستهان بها

وكان المشير حفتر فوض مهام منصبه إلى رئيس الأركان، قبل تقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في موعدها السابق، التزاماً بقانون الانتخابات الذي أصدره مجلس النواب، ومن المؤكد أنّه سيترشح للانتخابات حال التوصل لوثيقة دستورية.

ويتمتع حفتر بشعبية جارفة في المنطقة الشرقية والجنوبية، وشعبية غير قليلة في المنطقة الغربية، وعمل على تعزيزها استعداداً للانتخابات، ويقول الورفلي: "عقب إخفاق موعد الانتخابات السابق عاد المشير حفتر إلى منصبه كقائد عام للجيش، وبدأ في إعادة ترميم شعبيته في المناطق التي تحت سيطرة القوات المسلحة، وقام بالعديد من الزيارات لعدة مدن باستقبال شعبي وجماهيري، وآخرها زيارته لمدينة درنة التي كانت من أكبر معاقل الإرهاب في شمال أفريقيا، بعد أن حررها الجيش منذ سنوات وأعاد الأمن والامان لأهلها وسكانها".

وتابع الورفلي: "يملك حفتر شعبية لا يستهان بها، وقد زادت هذه الشعبية، وخاصة بعد التصالح الذي حدث مع فتحي باشاغا في مدينة بنغازي والذي سمي بسلام الشجعان، وبعد هذا اللقاء هناك العديد من مناصري باشاغا أصبحوا مقتنعين بأنّ ما قام به خليفة حفتر هو بناء جيش قوي، وأنّ لديه مشروعاً حقيقياً عكس ما كان يصوّر لهم من الاعلام المضاد للمشير حفتر".

وبالعودة إلى خلافات المسار الدستوري، يبدو المخرج بتضمين القانون شرط تنازل المترشح عن جنسيته الأجنبية قبل التقديم بملفه للانتخابات، كما كان شرط التخلي عن أي منصب رسمي قبل التقدم للترشح في الموعد الانتخابي السابق، ويبدو ذلك حلاً وسطاً يحقق متطلبات قانونية مُتعارف عليها في كل دول العالم، ويراعي في الوقت نفسه الظروف الليبية، ويبدو مخرجاً يحقق مطالب تيار سياسي وعسكري وشعبي يؤيد المشير حفتر.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية