الأزمة الاقتصاديّة في تركيّا.. هل تنهي حكم "العدالة والتنمية"؟

تركيا

الأزمة الاقتصاديّة في تركيّا.. هل تنهي حكم "العدالة والتنمية"؟


22/04/2019

جاء وصول حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي إلى الحكم في تركيا عام 2002 في أعقاب أزمة ديون عصفت باقتصاد البلاد عام 2001، واستطاع الحزب خلال الأعوام التالية تحقيق نهوض اقتصادي وتجاوز آثار الأزمة إلى أن وصل حجم الاقتصاد التركي إلى المرتبة السابعة عشرة على مستوى العالم، وباتت تركيا عضواً بذلك في مجموعة العشرين (الـ "G20"). وقد حصل الحزب على جانب كبير من شعبيّته وقاعدته التصويتيّة عبر هذا الإنجاز على المستوى الاقتصاديّ. إلّا أنّ التراجع الاقتصاديّ المُتسارع خلال العامَيْن الأخيرَين ووصول البلاد إلى مرحلة "الأزمة الاقتصاديّة" من جديد بات يهدد الحزب وفُرَصه في الاستمرار متربعاً على عرش السياسة التركيّة.
الوصول لمرحلة الإنكماش
الأداء المتهاوي للاقتصاد التركيّ ظهر على مختلف المستويات وفي المؤشرات كافّة. بدايةً من استمرار تصاعد حجم العجز في الميزانيّة التركيّة ووصوله العام الماضي (2018) إلى (65.9) مليار ليرة تركيّة (17.28 مليار دولار أمريكي) بعد أن كان (47.9) في 2017 و(33.1) في 2016. إلى الانخفاض المستمر في معدل النمو الاقتصادي، ووصوله في شهر آذار (مارس) الماضي إلى (1.6%) مقابل (11.1%) في ذات الشهر من العام الماضي.

تشير توقعات صندوق النقد الدولي بانتقال الاقتصاد التركي لمرحلة الانكماش

بلّ إنّ الحال وصل إلى توقعات صندوق النقد الدولي بانتقال الاقتصاد التركي لمرحلة الانكماش؛ حيث توقّع الصندوق بأن يتوقف الاقتصاد التركي عن النمو للمرة الأولى منذ وصول العدالة والتنمية إلى الحكم وأن ينكمش الاقتصاد خلال العام الجاري (2019) بنسبة تصل إلى (2.5%)، وذلك بعد أن سجل الناتج المجلي الإجمالي (GDP) نمواً إجمالياً بنسبة (2.6%) العام الماضي، وذلك مع الأخذ بالاعتبار أنّ الاقتصاد التركي قد سجل انكماشاً في الربع الأخير من 2018 بنسبة (3.0%)، وفقاً لما ذكره تقرير صادر عن وكالة ستاندرد آند بورز في آذار (مارس) الماضي.

وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002 في أعقاب أزمة اقتصادية

هل كان أردوغان هو السبب؟
يقود الحديث عن الأزمة بالضرورة إلى الحديث عن الأسباب، والتي يعود جانب كبير منها إلى البعد السياسي المتعلّق بالتحوّلات التي أحدثها الرئيس التركيّ، رجب طيّب أردوغان، على مستوى النظام السياسي التركي مع إقرار التعديلات الدستوريّة وإنجاز التحوّل نحو النظام الرئاسيّ العام 2017. وهو ما أدى إلى توسعة وزيادة صلاحيات الرئيس التركيّ، وبناء عليه قام في تموز (يوليو) 2018 بتعيين صِهره رجل الأعمال "بيرات ألبيرق" وزيراً للماليّة، وهو ما أدى إلى تحقيق السيطرة الكاملة من قبل أردوغان على الاقتصاد التركيّ.

اقرأ أيضاً: وزير بحزب العدالة والتنمية التركي يعترف.. ماذا قال؟
وجاءت النتيجة المباشرة لذلك مع تحكّم أردوغان بشكل كامل بالسياسات النقديّة وتوجيه سياسات البنك المركزيّ. وعلى الرغم من إشارة الخبراء بضرورة رفع نسب الفائدة لتفادي التضخّم والوصول إلى أزمات الاقتراض والرهن إلا أنّ أردوغان أصرّ على إبقاء نسب الفائدة ضمن مستويات منخفضة، وهو ما أدى إلى مضاعفة الأزمة؛ حيث أدّت مستويات الفائدة المنخفضة إلى زيادة مستويات التضخّم وبالتالي إلى تراجع المقدرة الشرائيّة، ما أدى إلى التراجع المستمر في معدل نمو الناتج المحليّ الإجماليّ.

أردوغان إلى جانب صهره ألبيرق

تهاوي الليرة.. لماذا؟
وجاء التطوّر الأخطر في الصيف الماضي مع حدوث الأزمة بين أنقرة وواشنطن في آب (أغسطس) إثر اعتقال تركيا للقسّ الأمريكي "أندرو برونسون"، والتي سرعان ما تصاعدت خصوصاً مع مجيئها في سياق أعمّ من تأزّم العلاقات بين البلدين، وخاصّة بعد اتجاه أنقرة للمضيّ في إتمام صفقة شراء صواريخ (S 400) من روسيا، وهو ما تمانعه واشنطن بشدّة، وانعكس ذلك في اتخاذ ترامب قرار إلغاء الامتيازات التفضيليّة للمنتجات المستوردة من تركيا ومضاعفة الرسوم الجمركيّة عليها، وبالأخصّ الحديد والصُلب.

اقرأ أيضاً: "العدالة والتنمية" التركي يسعى لسلب العمال مكافأة نهاية الخدمة
وجاء ردّ الفعل مباشرة من المستثمرين في تركيّا مع خشيتهم من دخول البلاد مرحلة من الانكماش والخوف من تراجع مخزون العُملة الأجنبيّة وتخفيض التصنيف الائتمانيّ لتركيّا. وبدأت بذلك رؤوس الأموال الأجنبيّة والمودعين الأتراك بالانسحاب وهو ما أدى إلى تدهور الليرة التركيّة، ليصل التدهور في شهر آب (أغسطس) فقط إلى 20% من قيمتها أمام الدولار، ووصلت قيمتها إلى (7.25) ليرة مقابل الدولار الواحد، وذلك بعد أن كانت في عام 2015 تساوي حوالي ثلاثة دولارات.

جاءت أزمة اعتقال برونسون في سياق أعمّ من تأزّم العلاقات مع واشنطن

هل هي مؤامرة؟
كان لأزمة العُملة تداعيات على مستويات عدّة؛ فمن ناحية تفاقمت كُلفة الديون الخارجيّة بسبب تزايد عبء الدَيْن بالعملة الأجنبيّة، كما أدّت لتهديد هامش الربح للمستثمرين ما أدى إلى مزيد من التراجع في حجم الاستثمار، كما أدت إلى مواصلة الارتفاع في معدّل التضخّم، ووصل إلى مستوى (25.24%) في تشرين الأول (أكتوبر) 2018، وهو المعدّل الأعلى له منذ العام 2003، وتبع هذا الارتفاع ارتفاع في الأسعار وتراجع في القدرة الشرائيّة للمستهلكين، وكلّ ذلك دفع الاقتصاد التركيّ نحو الركود والانكماش وهو ما أكدّه تقرير وكالة "ستاندرد آند بورز" الصادر في آذار (مارس) الماضي، والذي أكدّ على دخول تركيّا مرحلة ركود اقتصاديّ منذ نهاية العام الماضي 2018.

أصرّ أردوغان على إبقاء نسب الفائدة ضمن مستويات منخفضة وهو ما أدى إلى مضاعفة الأزمة

وبحسب هيئة التجار والحرفيين التركيّة فإنّ هناك (73) ألف محلّ تجاريّ أغلق أبوابه ما بين كانون الثاني (يناير) وآب (أغسطس) 2018، في حين وصل عدد الشركات التي أعلنت إفلاسها خلال العام 2018 إلى (15,400) شركة، بحسب تقارير صادرة عن هيئات محليّة كاتحاد نقابات العمل وهيئة الضمان الاجتماعي. وهو ما أدى إلى مفاقمة أزمة البطالة والتي وصلت معدلاتها إلى مستويات غير مسبوقة، فبحسب تقرير صادر عن معهد الإحصاء التركيّ في كانون الثاني (يناير) 2019 فإنّ عدد العاطلين عن العمل بلغ نحو (4.7) مليون شخص، ولتصل بذلك إجماليّ نسبة البطالة إلى (14.7%).
وفي غِمار الأزمة، لم يتردد وزير الشؤون الخارجيّة التركيّ، مولود جاويش أوغلو، في توجيه اتهام ضمني للسعوديّة بشنّ حرب اقتصاديّة - عبر المضاربات الماليّة - على بلاده، في حين يواصل الرئيس أردوغان تكرار توجيه الاتهامات والحديث المستمر عن مؤامرة غربيّة تستهدف اقتصاد بلاده، وهكذا تحاول حكومة العدالة والتنمية تبرير التدهور عبر الحديث عن مؤامرة خارجية.

جاويش أوغلو يتهم بشن حرب اقتصاديّة على بلاده

الجنسيّة مقابل شراء عقار بربع مليون دولار!
وجاء الانعكاس الأخطر للأزمة في انهيار طفرة البناء في تركيا، مع تضخّم عدد المنازل المعروضة الفارغة ووصولها إلى نحو مليوني وحدة سكنيّة. وتصاحب ذلك مع إلغاء وتجميد عشرات المشاريع الإنشائيّة خلال النصف الثاني من العام 2018. ووفق تقرير نشرته "ديلي ميل" البريطانيّة في كانون الثاني (يناير) 2019 فإنّ هناك "أعداداً كبيرة من الوحدات العقاريّة لا تزال فارغة ومستثمروها مهددون بالإفلاس". ووفق تقرير مركز الإحصاء التركيّ فإنّ هناك تراجعاً في المبيعات الكليّة للعقارات في آب (أغسطس) 2018 بنسبة (12.5%) مقارنة بنفس الشهر من العام 2017، وتراجع مبيعات الرهن العقاريّ بشكل حادّ وبنسبة تصل إلى (67.1%). وأدّت هذه الأزمة إلى إفلاس عدد كبير من شركات المقاولات وهو ما أدى إلى تفاقم أزمة الركود والبطالة.

اقرأ أيضاً: هذا ما كشفه مسؤول في بلدية إسطنبول عن حزب "العدالة والتنمية"

ولمواجهة هذه التهاوي اتخّذت الحكومة التركيّة العام الماضي (2018) قراراً يسمح لمن يشتري عقاراً تبلغ قيمته ربع مليون دولار أو أكثر أن يتقدّم بطلب الحصول على الجنسيّة التركيّة. وكانت الحكومة قد أصدرت قراراً سابقاً يُسمح بموجبه لأيّ أجنبيّ يشتري أيّ عقارات في تركيّا، مهما بلغت قيمته، بالحصول على إقامة دائمة.

أعداد كبيرة من العقارات في تركيا لا تزال فارغة ومستثمروها مهددون بالإفلاس

تبعات سياسية ومستقبل غير مضمون
بدأت بوادر هذا التدهوّر بالانعكاس على القوة السياسية لحزب العدالة والتنمية، وجاءت بداية دفع الثمن لهذا التدهور الاقتصادي في الانتخابات المحليّة (البلديّة) الأخيرة (31/3/2019) مع تراجع عدد البلديات التي اكتسبها من خمسين بلدية في العام 2014 إلى تسعة وثلاثين، بما في ذلك خسارة أهم بلديتين: إسطنبول، وأنقرة، في حين تقدّم حزب الشعب الجمهوري، المنافس الصاعد، من ثلاث عشرة إلى إحدى وعشرين بلديّة.
وبسبب مخاوف أردوغان من تفاقم الأزمة ومع تزايد التوقعّات بوقوع أزمة اقتصاديّة أكبر قادمة، وما يستتبع ذلك بالضرورة من تبعات سياسية بالغة الأثر، فقد بادر أردوغان إلى الإعلان عن الدعوة لإجراء انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة مبكّرة في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية